مؤيدو "إسرائيل" الأمريكيون يعتبرون زيارة باول لسورية فشلاً دبلوماسياً

مؤيدو
يتعرض وزير الخارجية الأمريكي "كولن باول" لحملة من جانب مؤيدين لـ "إسرائيل" في الولايات المتحدة، متهمين إياه بالفشل الدبلوماسي في التعامل مع القضية العراقية قبل العدوان العسكري، بينما يضيفون زيارته المزمعة إلى سورية إلى سلسلة الانتكاسات لدبلوماسية "باول".

ومن جملة الاتهامات لوزير الخارجية الأمريكي، ما جاء على لسان الرئيس السابق لمجلس النواب "نيوت غنغريتش"؛ الذي اعتبر أن موقف وزارة الخارجية كان غير فعال وغير متماسك قبل الحرب على العراق.

وفي شأن زيارة "باول" إلى دمشق؛ قال "غنغريتش" في كلمة أمام معهد "أمريكان انتربرايز انستيتيوت" المؤيد لـ "إسرائيل": "ان من السخف القيام بمثل هذه الزيارة دون الحصول مسبقاً على تنازلات من السوريين"، حسب تعبير "غنغريتش" الذي يعمل الآن مستشاراً لوزير الدفاع الأمريكي "دونالد رامسفيلد".

وقال "غنغريتش": "حان الوقت للتغيير في سورية قبل زيارة دمشق"، معتبراً "الزيارة يجب ان تكون هدية للتغير العام في الموقف، وليس نداء لنظام دكتاتوري ضعيف". ودعا "غنغريتش" بشكل عام؛ إلى إعادة جدولة وإصلاح للخارجية الأمريكية، والقيام بفحص الخارجية بقوة عمل مكونة من دبلوماسيين سابقين في الادارة، مشيراً إلى انه يريد ان يقارن بين الاصلاح الذي تم في داخل وزارة الدفاع تحت ادارة "رامسفيلد"، ووزارة الخارجية الفاشلة، حسب وصفه.

وعلق مسئول في وزارة الخارجية الأمريكية على هذه تصريحات "غنغريتش"، معتبراً أنه "كان يعبر عن آراء جماعات مؤيدة لإسرائيل تريد تصعيد التوتر بين دمشق وواشنطن وتقليص التزام بوش لدعم خطة سلام في الشرق الاوسط". وأضاف المسئول "إن معارضي خطة السلام التي يطلق عليها خارطة الطريق يستخدمون وزارة الخارجية كستار بدلاً من مهاجمة البيت الابيض مباشرة".

ومن جانبه؛ دافع "باول" عن زيارته المزمعة لدمشق في بداية الشهر القادم، مؤكداً أنها تأتي بالاتفاق مع الرئيس الأمريكي "جورج بوش". وفي رده على الانتقادات لزيارته المزمعة لسورية؛ أوضح "باول" ان الرئيس "بوش" هو الذي طلب منه ان يذهب إلى دمشق. وأشار "باول" في حديث مع شبكة "بي بي إس" الأمريكية إلى ان "بوش" طلب منه "زيارة سورية في المستقبل القريب، وإعطاءهم بعض الوقت لنرى كيف تتطور الامور ولكي نناقش معهم هذه القضايا". لافتاً في هذا السياق إلى وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، ونقل السفير الأمريكي في دمشق تيودور قطوف الاهتمامات والمطالب الأمريكية للسوريين.

وقال "باول": "إن سورية ردت بشكل إيجابي بعض الشيء على مطالب الولايات المتحدة الأخيرة وخاصة تلك المتعلقة بالوضع في العراق|، ولكنه استدرك بأن "الرد لم يكن كاملاً، ولا تزال لدينا خلافات مهمة مع سورية، ولكننا سنناقش هذه الخلافات".

وأشار باول إلى التقييم الأمريكي الراهن لوضع سورية في المنطقة في اعقاب الاطاحة بنظام صدام حسين، وقال: "لقد رأت سورية الآن تغيير الظروف في منطقتها. ولم يعد هناك صدام حسين كجار لسورية، ونأمل أن يراجعوا الأمر وأن يستخلصوا بعض العبر من حقيقة تغير الظروف، وربما دفعهم ذلك إلى اعادة التفكير ببعض سياساتهم".

ومع أن باول اعترف بأن سورية قد وفرت "بعض المساعدة في الحرب الدولية ضد الإرهاب" في أعقاب هجمات 11 أيلول 2001؛ فإنه استدرك "ولكنهم أيضاً دولة ترعى الإرهاب. هم لا يقبلون هذا الوصف، ولكننا نستخدمه باستمرار"، قاصداً مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، واستدرك بالقول "كما نشعر بالقلق لما يقومون به في مجال تطوير أسلحة الدمار الشامل، وقلنا لهم ذلك".

وركز "باول" على القلق الأمريكي الخاص في الاسابيع القليلة الماضية "بسبب عبور للقيادات العراقية إلى سورية، أو عبور المتطوعين من سورية إلى العراق، أو أي تحركات عبر الحدود خلال فترة عملية الحرية العراقية، وأوضحنا ذلك لهم. وكما أشار الرئيس (بوش) مؤخراً لقد رأينا بعض التقدم من قبل السوريين في الرد على هذه المطالب" الأمريكية.

وأعلن الناطق باسم البيت الابيض "آري فلايشر" ان الرئيس "جورج بوش" يثق تماماً بوزير الخارجية "كولن باول" الذي يتعرض حالياً لهجوم من قبل عناصر محافظة في الحزب الجمهوري. وقال "فلايشر": "ان الرئيس (بوش) يؤمن بالدبلوماسية ويستخدمها. و"باول" دبلوماسي بارع للغاية. وهذا هو منهج الرئيس وتبين انه منهج جدير بالثقة وكلل بالنجاح". وكان "بوش" قد خفف من لهجته تجاه سورية، إذ قال يوم الأحد إن السوريين فهموا الرسالة. ودافع "آري فلايشر" عن تصريحات "بوش"، إذ قال الولايات المتحدة تقيم علاقات دبلوماسية مع سورية، ونرغب باستخدام هذه العلاقات، لدعم مصالح أمريكا في المنطقة.

ويعكس الموقف من زيارة "باول" لسورية، نقاشاً تم بعد انتهاء الحرب في العراق توسعت فيه دائرة الخلاف بين وزارة الخارجية، والبنتاغون، وصار الخلاف والتنافس على السياسة الخارجية الأمريكية بشكل يومي، ويتركز الخلاف، حول الموقف من كوريا الشمالية، والشرق الاوسط، واعادة اعمار العراق.

وجاء في نشرة "نلسون ريبورت" المتخصصة في الشئون الدبلوماسية والتجارية إن وزير الدفاع الأمريكي "دونالد رامسفيلد" حاول لدى احتدام الازمة بين واشنطن ودمشق الاسبوع الماضي ان يرسل قوات أمريكية لمطاردة القادة العراقيين الفارين إلى سورية. إلا أن بوش وقف مع "باول" وقرر الاكتفاء بتوجيه انتقادات وتحذيرات شديدة اللهجة إلى دمشق، ثم ما لبث ان صرح الأحد الماضي ان "الرسالة" وصلت إلى السوريين.

أما السفير الأمريكي السابق لدى دمشق "ادوارد جيريجيان"، فقال في حديث صحفي الاثنين انه يرى "نتائج ايجابية" لما حدث في الاسبوعين الاخيرين بين العاصمتين، متوقعاً أن تشهد الفترة المقبلة "مبادلات دبلوماسية مكثفة". وتوقع في ضوء خبرته في هذا الملف ان تسفر المصارحة المباشرة عن نتائج ايجابية.

وفي هذا السياق؛ قال نائب السفير السوري في واشنطن "عماد مصطفى" إن "حملة الاتهامات التي وجهتها الإدارة الأمريكية إلى سورية لم تأت بسبب ما تقوم به، بل محاولة للفت الانتباه وذر الرماد في العيون عما يجري في العراق"، لافتاً إلى "ان الحملة هدأت الآن وعادت إلى مجراها الطبيعي ضمن القنوات الدبلوماسية".

ووصف "مصطفى" في حوار عبر الأقمار الصناعية مع صحفيين في العالم العربي شارك فيه مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدنى السابق "ريتشارد مورفي"؛ الحملة التي شنتها الولايات المتحدة على سورية بأنها "كانت بالوكالة قام بها بعض المسئولين الأمريكيين بالنيابة عن إسرائيل"، مؤكداً أن "سلسلة الاتهامات كانت تسير وفق نمط متكرر رتيب عما ينشر في الصحافة الإسرائيلية فكل اتهام أصدرته الادارة الأمريكية كان مصدره حكومة شارون"، وشدد على أن هذه الاستنتاجات "ليست ناتجة عن نظرية مؤامرة، لكن من يراجع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي "كولن باول" التي صدرت من "إيباك" وتعبر عن العناصر المتطرفة في إسرائيل يدرك مغزى الحملة".

ورداً على سؤال عن تصريحات الرئيس الأمريكي "جورج بوش" الأخيرة عن تعاون سورية، نفى مصطفى "أن تكون هذه التصريحات مرتبطة بما قدمته سورية فعلاً، وإنما ترتبط بفهم الادارة الأمريكية وقبولها بالدور الايجابي المعتدل الذي قامت به سورية بدءاً من التعاون مع الادارة الأمريكية لمواجهة التطرف، وانتهاء برسالة الشكر التي وجهها باول لسورية، إضافة إلى فرض دمشق تأشيرة دخول على المواطنين العراقيين، رغم أنها لا تطلب عادة أي تأشيرة من أي مواطن عربي لدخول أراضيها".

واعتبر "مصطفى" أن سورية عندما توجهت إلى مجلس الأمن بمشروع قرار لإخلاء منطقة الشرق الاوسط من أسلحة الدمار الشامل سببت احراجاً للولايات المتحدة، وقال: "يمكنكم أن تتخيلوا إحراج السفير (الأمريكي في الأمم المتحدة جون) نيغروبونتي عندما طرحنا هذا المشروع عندما علق على ذلك قائلاً هذا ليس الوقت المناسب لمثل هذا المشروع". وأكد أن "سورية لن تخسر شيئاً في حال صوتت الولايات المتحدة مع القرار، وفي حال اعترضت واستخدمت حق الفيتو، فإننا نكون قد كشفنا هذه الأمور عالمياً بوضوح"، لافتاً إلى انه بعد يوم من تقديم القرار بدأت الامور تميل إلى التهدئة، مطالباً "الولايات المتحدة التي تعتبر نفسها زعيمة العالم الحر أن تلعب دوراً ايجابياً في موضوع السلام في الشرق الأوسط".

وأعلن "مصطفى" أن سورية "ضاقت ذرعاً بتفنيد الاتهامات الأمريكية ضدها بامتلاك أسلحة كيميائية ولذلك توجهنا إلى مجلس الأمن بمشروع القرار".

وعلق "مصطفى" على مشروع "قانون محاسبة سورية" الذي يدعمه اعضاء الكونغرس، معتبراً أنه "يحتوي على شيء من الطرافة، خصوصاً أن الأمريكيين أيدوا موقفها في لبنان، وهم يغيرون مواقفهم حسب مصالحهم".

وأكد أن "الإسرائيليين يخافون من وعود "بوش" لرئيس الوزراء البريطاني (طوني بلير) حول احياء عملية السلام، لذلك يسعون لإجهاضها عبر طريقتين: الأولى التوقيع على عريضة تتضمن عدم الضغط على إسرائيل لإحياء عملية السلام، والثانية الحملة التي يشنها رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون ضد خريطة الطريق، إذ اقترح مائة تعديل على وثيقة لا تتجاوز سبع صفحات".

بدوره؛ أكد "مورفي" أن "موضوع أسلحة الدمار الشامل يجب ان يتم تداولها على مستوى دولي واقليمي بعد ان فشلنا في حلها على مستوى ثنائي". واعتبر ان "زيارة باول في المنطقة ستكون ذات أهمية كبرى بالنسبة إلى مستقبل العلاقات السورية - الأمريكية". وتوقع "أن نرى قريباً بداية جديدة للمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، ثم مفاوضات بشكل أوسع تشمل سورية ولبنان من أجل تسوية شاملة في الشرق الاوسط". وأكد أن الدور الذي يمكن ان تلعبه سورية في المفاوضات سيكون في لب مناقشات باول مع المسئولين السوريين، خصوصاً ما يتعلق بموضوع "حزب الله" ووجود مكاتب لحركة "حماس" و"الجهاد" في دمشق.

___________

* المصدر : " اخبار الشرق " - يومية صادرة عن " معهد الشرق العربي " في لندن

التعليقات