قضايا حارقة: ما الذي سيحسم الانتخابات في تركيا؟

هبطت شعبية إردوغان في السنوات القليلة الماضية تحت ضغط التراجعات التي شهدها سعر صرف الليرة واحتدام أزمة غلاء المعيشة نتيجة تمسكه بسياسته لخفض أسعار الفائدة رغم التضخم المتفاقم، في حين تشعر المعرضة أنها أمام فرصة سانحة لوصولها إلى الحكم.

قضايا حارقة: ما الذي سيحسم الانتخابات في تركيا؟

(أ.ب.)

في الوقت الذي تتجه فيه تركيا إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية يتوقع أن تكون أقوى تحد للرئيس رجب طيب إردوغان، خلال عشرين عاما قضاها على رأس السلطة، يتنامى الشعور لدى المعارضة بأنها باتت أمام أكبر فرصة تتاح لها حتى الآن لإنهاء حكمه وتغيير سياساته.

لن تحدد الانتخابات في تركيا هوية الشخص الذي سيقود البلاد وحسب، بل وطريقة حكمها وإلى أين يتجه اقتصادها ومسار سياساتها الخارجية، الأمر قد يؤثر على خريطة التحالفات الدولية، ويفتح الباب أمام تغييرات واسعة على ديناميكية التحولات في الشرق الأوسط.

ودافع أردوغان، الزعيم الأطول بقاء في السلطة في تركيا الحديثة، عن الاعتبارات الدينية وأسعار الفائدة المنخفضة مع تأكيد النفوذ التركي في المنطقة وعدم توثيق علاقات البلد العضو في حلف شمال الأطلسي مع الغرب، مقابل التقارب مع روسيا وإيران.

وتعقد الانتخابات بعد ثلاثة أشهر من الزلازل القوية التي ضربت جنوب شرق البلاد وأودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص؛ فيما يحظى المنافس الرئيسي لإردوغان زعيم حزب الشعب الجمهوري العلماني، كمال قليجدار أوغلو، بدعم تحالف من ستة أحزاب معارضة.

قضايا داخلية

ويعتبر إردوغان أقوى زعيم للبلاد منذ أن أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية الحديثة قبل قرن من الزمان. وأبعد إردوغان وحزبه (العدالة والتنمية)، القائم على توجهات إسلامية، البلاد عن نهج أتاتورك العلماني.

وركَّز إردوغان السلطة حول رئاسة تنفيذية، مقرها قصر يضم ألف غرفة على مشارف أنقرة، ترسم السياسة فيما يخص الشؤون الاقتصادية والأمنية والمحلية والدولية للبلاد.

ويقول منتقدوه إن حكومته كممت أفواه المعارضة وقوضت الحقوق وأخضعت النظام القضائي لنفوذها، وهو اتهام ينفيه المسؤولون الذين يقولون إنها وفرت الحماية للمواطنين في مواجهة تهديدات أمنية من بينها محاولة انقلاب عام 2016.

ويقول خبراء الاقتصاد إن دعوات إردوغان لخفض أسعار الفائدة أدت إلى ارتفاع التضخم لأعلى مستوى في 24 عاما عند 85% العام الماضي، كما أدت لهبوط الليرة إلى عُشر قيمتها مقابل الدولار على مدار العقد الأخير.

الأوضاع الاقتصادية

وفي السنوات العشر الأولى له في السلطة تمكن إردوغان وحزبه من الحفاظ على قاعدة الناخبين المؤيدة لهما، المكونة أساسا من الأتراك ذوي الدخل المنخفض والمسلمين المحافظين، عبر تسجيل نمو اقتصادي قوي.

لكن أزمة غلاء المعيشة التي أثارها برنامج إردوغان الاقتصادي غير التقليدي على مدار فترة عام ونصف العام حتى الآن أدت إلى تآكل شعبيته، ليواجه أكبر التحديات الانتخابية في 20 عاما قضاها في السلطة.

وظل التضخم السنوي أكثر من 10 بالمئة طوال خمس سنوات تقريبا منذ الانتخابات العامة في 2018. وبدأ يرتفع بشدة بعد أزمة العملة في أواخر عام 2021، والتي نجمت عن سلسلة من تخفيضات أسعار الفائدة وفقا للسياسة الاقتصادية لإردوغان.

ولا يثق الناخبون في أن المعارضة ستخفف على الفور المخاوف الاقتصادية، في ظل تراجع القوة الشرائية للأتراك وعدم قدرتهم على تحمل شراء حتى المواد الغذائية الضرورية.

السياسات الخارجية

وتحت حكم أردوغان، استعرضت تركيا قوتها العسكرية في الشرق الأوسط وخارجه، فقد شنت أربع عمليات توغل في سورية، وهجوما على مسلحين أكراد داخل العراق، وأرسلت دعما عسكريا إلى ليبيا وأذربيجان.

وشهدت تركيا أيضا سلسلة من المواجهات الدبلوماسية مع قوى في المنطقة، السعودية ومصر والإمارات وإسرائيل، إضافة إلى مواجهة مع اليونان وقبرص بشأن الحدود البحرية بشرق البحر المتوسط حتى غيرت مسارها قبل عامين وسعت إلى التقارب مع بعض خصومها.

وأدى شراء إردوغان لدفاعات جوية روسية إلى فرض عقوبات أميركية على أنقرة استهدفت صناعة الأسلحة، في حين أثار قربه من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تشكيكا من منتقدين بخصوص التزام تركيا إزاء حلف الأطلسي (الناتو). كما أثارت اعتراضات أنقرة على طلبي السويد وفنلندا الانضمام للحلف توترا سياسيا مع الغرب.

ومع ذلك، توسطت تركيا في اتفاق سمح بتصدير القمح الأوكراني عبر البحر الأسود، مما يشير إلى دور ربما يلعبه إردوغان ضمن الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. ولم يتضح إلى الآن ما إذا كان هناك خليفة محتمل له قادر على أن يحظى بنفس الصورة التي رسمها إردوغان لنفسه على الساحة الدولية، وهي نقطة من المرجح أن يركز عليها في الحملة الانتخابية.

بماذا تعد المعارضة؟

تحالف حزبا المعارضة الرئيسيان، حزب الشعب الجمهوري العلماني والحزب الصالح القومي المنتمي ليمين الوسط، مع أربعة أحزاب أصغر خلف برنامج من شأنه إلغاء الكثير من السياسات التي يتسم بها حكم إردوغان.

وتعهدت هذه الأحزاب بإعادة الاستقلال للبنك المركزي وإلغاء سياسات إردوغان الاقتصادية غير التقليدية. كما أن المعارضة تعتزم تفكيك رئاسته التنفيذية والعودة للنظام البرلماني السابق، فضلا عن إرسال اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

كما تهدف الأحزاب إلى تحسين العلاقات مع الحلفاء الغربيين بما في ذلك الولايات المتحدة، وإعادة تركيا إلى برنامج طائرات "إف-35" المقاتلة، الذي استبعدت منه بعد شراء دفاعات صاروخية روسية.

ويعتقد محللون أن السياسات التي وعدت بها المعارضة قد تحفز الاستثمار الأجنبي.

وتحدثت المعارضة عن خطط مماثلة لخطط أردوغان الرامية لإعادة بعض اللاجئين إلى سورية، لكن لم يحدد أي منهما كيف يمكن تنفيذ ذلك بأمان، في ظل الأعباء الاقتصادية للبلاد.

ما مدى احتدام السباق الانتخابي؟

وتظهر أحدث استطلاعات للرأي أن قليجدار أوغلو يتقدم على إردوغان الذي تضررت شعبيته بسبب أزمة غلاء المعيشة الناجمة عن التضخم المتفشي. ويقول محللون إن الجبهة الموحدة التي قدمتها المعارضة عززت فرصها.

لكن إردوغان ما زال ينافس بقوة في السباق الرئاسي الذي قد يشهد جولة ثانية بينه وبين قليجدار أوغلو.

وأشارت استطلاعات الرأي الأولية منذ الزلازل إلى تمكن إردوغان من الاحتفاظ بتأييده الشعبي إلى حد بعيد على الرغم من الاتهامات ببطء استجابة الحكومة للكارثة والتساهل في فرض لوائح البناء التي ربما كانت ستنقذ الأرواح.

وستظل كيفية حشد المعارضة لتأييد الأكراد، الذين يمثلون 15% من الناخبين، نقطة أساسية. علما بأن حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد ليس جزءا من تحالف المعارضة الرئيسي، لكنه يعارض إردوغان بشدة بعد حملة قمع استهدفت أعضاءه في السنوات الماضية.

التعليقات