هل يتبدد بناء الإدارة الذاتية لأكراد سورية؟

بعد سنوات من العمل على بناء الإدارة الذاتية، يجد أكراد سورية، اليوم، أنفسهم في الزاوية بين خيارات تبدد، في أقلها، حلمهم بالإدارة الذاتية في منطقة تعتبر غنية بحقول النفط والغاز والسهول الزراعية والمياه

هل يتبدد بناء الإدارة الذاتية لأكراد سورية؟

قسد تدفن قتلاها في القامشلي (أب)

بعد سنوات من العمل على بناء الإدارة الذاتية، يجد أكراد سورية، اليوم، أنفسهم في الزاوية بين خيارات تبدد، في أقلها، حلمهم بالإدارة الذاتية في منطقة تعتبر غنية بحقول النفط والغاز والسهول الزراعية والمياه، وهو ما وصفه القائد العام لقوات سورية الديمقراطية بأنه خيار بين تقديم التنازلات وبين الإبادة.

وبعد تخلي حليفتهم واشنطن عنهم، وجد الأكراد أنفسهم مضطرين للتوجه نحو دمشق لطلب تدخلها لصد الهجوم التركي، وهو ما تجلى في انتشار قوات النظام السوري على الحدود الشمالية، في ظل تقديرات تشير إلى أن دمشق ليست في وارد تقديم تنازلات لهم.

وكان قد نجح الأكراد في سورية، إلى حد كبير، في في تحييد أنفسهم عن النزاع السوري عند اندلاعه في العام 2011. وانصرفوا بعد انسحاب قوات النظام تدريجيا من مناطق سيطرتهم بدءا من العام 2012 إلى بناء مؤسساتهم الخاصة في المناطق التي سيطروا عليها في شمالي وشمال شرقي سورية.

وبعد عقود من التهميش من الحكومات السورية المتلاحقة، أعلن الأكراد إقامة إدارة ذاتية تتبع لها هيئات سياسية وتربوية واجتماعية وقوات عسكرية، وأعادوا إحياء لغتهم وتقاليدهم وتراثهم.

وتمكنت "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، التي يُشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري، من السيطرة على نحو ثلاثين في المئة من مساحة سورية بعد طردها بدعم أميركي لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من مساحات واسعة.

وأثار تصاعد نفوذ القوات الكردية في سورية مخاوف تركيا، التي تنظر إلى هذه القوات على أنهم "إرهابيون"، وتخشى إقامتهم حكما ذاتيا على طول حدودها من شأنه أن يحرّك النزعة الانفصالية لدى الأكراد في الأراضي التركية.

وحتى وقت قريب، شكّل وجود القوات الأميركية على الحدود الشمالية رادعا لتركيا. ولوّحت الأخيرة منذ أشهر بشنّ هجوم ضد الوحدات الكردية التي تعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا ضدها على أراضيها منذ عقود.

وبعد يومين من سحب الولايات المتحدة بإيعاز من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قواتها من نقاط حدودية في سورية، بدأت أنقرة مع فصائل سورية موالية لها هجوما في شمال شرق سورية. واعتُبرت الخطوة الأميركية بمثابة ضوء أخضر لأنقرة.

وشعر الأكراد بتلقيهم "طعنة" من الأميركيين الذين تخلوا عنهم بعدما نجح الأكراد في دحر تنظيم الدولة الإسلامية من مناطق واسعة. وأعلنت الإدارة الذاتية، يوم أمس الأحد، إبرام اتفاق مع دمشق نصّ على دخول وانتشار الجيش السوري على طول الحدود السورية التركية بهدف "مؤازرة" قواتها بمواجهة الهجوم التركي.

ومنذ بدء هجومها الأربعاء، تمكّنت القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها من السيطرة على شريط حدودي بطول 120 كيلومترا يمتدّ من مدينة تل أبيض  في محافظة الرقة حتى غرب مدينة رأس العين في الحسكة.

وتسبّب الهجوم بمقتل 69 مدنيا في سورية، و128 مقاتلا من قوات قسد، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وعلى وقع التقدّم التركي السريع، بات الأكراد مهددين بخسارة مناطق سيطرتهم الغنية بحقول النفط والغاز والسهول الزراعية والمياه.

وأبدت قسد خشيتها من أن يقوّض الهجوم التركي الجهود الكبرى التي بذلتها من أجل دحر تنظيم الدولة الإسلامية، خصوصا مع احتفاظ الأخير بقدرته على تحريك خلايا نائمة.

وشاركتها قوى غربية عدة خوفها من أن يؤدي انصرافها إلى مواجهة الهجوم التركي إلى إنعاش التنظيم، ومضاعفة حالة الفوضى القائمة في السجون والمخيمات، حيث تحتفظ بالآلاف من مقاتلي التنظيم وأفراد عائلاتهم. وبينهم عدد كبير من الأجانب تمنّعت بلدانهم عن إعادتهم إلى أراضيها.

وفي هذا السياق، أعلنت الإدارة الذاتية الكردية أن نحو 800 شخص من أفراد عائلات عناصر التنظيم الأجانب فروا من مخيم عين عيسى للنازحين بعد سقوط قذائف تركية قربه، في رواية شكّكت أنقرة بصحتها متهمة الأكراد بدفعهم إلى الفرار.

وبدءا من العام 2015، تمكنت قوات النظام السوري، خصوصا بعد التدخل العسكري الروسي لصالحها، من حسم جبهات عدة لصالحها على حساب التنظيمات الجهادية والفصائل المعارضة في آن معا. وباتت تسيطر على نحو ستين في المئة من مساحة البلاد.

وخلال السنوات الماضية، ندّدت دمشق مرارا بالإدارة الذاتية التي أعلنها الأكراد، وانتقدت بشدّة تحالفهم مع واشنطن. ولطالما كررت عزمها استعادة المناطق التي يسيطرون عليها، ولو بالقوة.

وفشلت محادثات قبل أشهر بين الأكراد ودمشق في التوصل إلى تفاهم حول مصير المناطق، مع إصرار الحكومة على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل اندلاع النزاع، وتمسّك الأكراد بالحفاظ على مكتسباتهم ومؤسساتهم التي بنوها. وبدا توجههم الأخير نحو دمشق بمثابة تنازل ترددوا في تقديمه سابقا، وفق مراقبين.

وشددت الإدارة الذاتية، في تعميم وجهته لمؤسساتها، اليوم الإثنين، على أن الاتفاق مع دمشق "عسكري لحماية الحدود"، موعزة إلى الإدارات التابعة لها بأن تتابع عملها كالمعتاد.

ووصف القيادي الكردي ألدار خليل الذي يُعد من أبرز مهندسي الإدارة الذاتية الاتفاق الأحد، بأنه "إجراء طارئ"، مؤكداً أنه "لا يتناول وضع الإدارة الذاتية".

لكن سيكون صعبا أن يواصل الأكراد في سورية تنفيذ طموحاتهم.

وفي مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي"، الأحد، كتب القائد العام لقوات سورية الديموقراطية، مظلوم عبدي "نعرف أنه سيكون علينا تقديم تنازلات مؤلمة مع موسكو وبشار الأسد إذا اخترنا طريق العمل معهم. لكن علينا الاختيار بين التنازلات أو إبادة شعبنا، وبالتأكيد سنختار الحياة لشعبنا".

ويرى الباحث في العلاقات الدولية، كريم بيطار، أن الأكراد باتوا اليوم "في الزاوية، ولم يعد بإمكانهم وضع الشروط، وبالتالي فإن النظام السوري يستفيد لأقصى حد".

ويوضح أن دمشق "تشعر بأنها في موقع قوة، ولن تقدم بالتأكيد على أي تنازلات".

التعليقات