"سدّ النهضة"... أسابيع حاسمة

تعوّل إثيوبيا على "سد النهضة" كثيرًا لتوليد الكهرباء والقضاء على الفقر؛ وتتخوّف مصر من السدّ بمقدار التعويل الإثيوبي: تحكّم أجنبي بالأمن المائي المصري ومخاوف من تجويع ملايين الفلاحين، خصوصًا في الدلتا، شماليّ البلاد.

سدّ النهضة (أ ب)

تعوّل إثيوبيا على "سد النهضة" كثيرًا لتوليد الكهرباء والقضاء على الفقر؛ وتتخوّف مصر من السدّ بمقدار التعويل الإثيوبي: تحكّم أجنبي بالأمن المائي المصري ومخاوف من تجويع ملايين الفلاحين، خصوصًا في الدلتا، شماليّ البلاد.

وبين التعويل الإثيوبي والمخاوف المصريّة يزداد التصعيد السياسيّ بين البلدين، خصوصًا مع التعنّت الإثيوبي على ملء الخزّان في تمّوز/يوليو المقبل "مع اتفاق أو بدونه"، وتوجّه مصر إلى مجلس الأمن الدولي، أمس، الجمعة، لحثّه على التدخّل في الأزمة.

وأمس، الجمعة، قال وزير الخارجية الإثيوبي، غيدو أندارغاشو، إنّ بلاده ستمضي قدما وتبدأ ملء خزان سد النهضة الإثيوبي العظيم الذي تكلف 4.6 مليار دولار الشهر المقبل، حتى دون اتفاق، وقال "بالنسبة لنا ليس إجباريا التوصل لاتفاق قبل البدء في ملء الخزان، وبالتالي سنشرع في عملية الملء في الموسم الممطر المقبل"، وأضاف "نعمل بجهد للتوصل لاتفاق، لكننا مازلنا سنمضي قدما في جدولنا أيا كانت النتيجة. وإذا تعين علينا انتظار مباركة الآخرين، فقد يظل السد عاطلا لسنوات، وهو ما لن نسمح بحدوثه"، وأوضح "نريد أن نوضح أن إثيوبيا لن تتوسل لمصر والسودان لاستخدام موردها المائي لتنميتها"، مشيرًا إلى دفع إثيوبيا لبناء السد بنفسها.

ولا موعد في الأفق لعودة المفاوضات التي انهارت في شباط/ فبراير الماضي، وضمّت السودان، رغم الوساطة الأميركيّة بين هذه الدول.

وتضغط مصر على مجلس الأمن للتدخّل قبل الشهر المقبل لثني إثيوبيا عن ملء بحيرة السدّ، وسط شعور مصري عام بأن لا أوراق كافية بيد مصر لمواجهة إثيوبيا.

لماذا الشهر المقبل؟

يبدأ موسم الأمطار في إثيوبيا الشعر المقبل ما يؤدّي إلى جلب مزيدٍ من الأمطار إلى النيل الأزرق، أكبر روافد نهر النيل، وتعتبر إثيوبيا أنه الوقت المثالي للبدء في ملء خزان السد الشهر المقبل.

ما هي أبرز نقاط الخلاف؟

يبرز الخلاف الأساسي في نقطتين، فترة ملء البحيرة الاصطناعية أمام السدّ؛ ومخاوف تحكّم إثيوبيا، عبر السدّ، بحصص "دول المصبّ" من المياه، أي مصر والسودان.

القاهرة (أ ب)
القاهرة (أ ب)

وتنوي إثيوبيا ملء الخزّان خلال أربع إلى سبع سنوات، "مع الأخذ في الاعتبار احتمال انخفاض هطول الأمطار"، بينما تطالب مصر بأن يتمّ ذلك على سنوات أكثر، تصل إلى أكثر من 10 أعوام، لمنع تأثّر حصّتها من المياه.

والبحيرة التي بنتها إثيوبيا قادرة على استيعاب 74 مليار متر مكعّب من المياه، وكلما تسرّعت إثيوبيا في ملأها كلّما تأثرت حصّة مياه مصر، البالغة 5.5 مليار متر مكعّب.

وتطالب القاهرة، التي تشكّل مياه النيل 90% من مواردها المائيّة، بضمانات بألا تقلّ حصّتها السنويّة من المياه عن 40 مليار متر مكعّب من المياه سنويًا.

ونقطة خلاف أخرى هي إمكانيّة أن تتحكّم إثيوبيا بحصّة مصر والسودان من المياه، خصوصًا أن إثيوبيا من الدول الموقّعة على "اتفاقيّة عينتيبي" من المياه عام 2010، التي ضمّت دول المنبع، ونصّت على إعادة توزيع حصص دولتيّ المصبّ (مصر والسودان) من المياه، وهو ما رفضته الدولتان.

لماذا فشلت المفاوضات؟

حمّل وزير الخارجية المصري، سامح شكري، التعنّت الإثيوبي مسؤولية فشل المفاوضات، بحسب تعبيره، علمًا بأن إثيوبيا وضعت "لاءات ثلاث" للمفاوضات، هي: لا تفاوض حول مواصفات السدّ؛ لا تفاوض حول السّعة التخزينيّة ولا تفاوض حول حصص المياه. بمعنى أن إثيوبيا استثنت معظم النقاط الخلافيّة من التفاوض.

وقال وزير الخارجيّة الإثيوبي، الجمعة، إنّ "المصرييّن يبالغون في دعايتهم بشأن قضية السد ويلعبون مقامرة سياسية. يبدو أن بعضهم يتوق إلى اندلاع حرب"، وأضاف "قراءتنا هي أن الجانب المصري يريد أن يملي ويسيطر حتى على التطورات المستقبلية على نهرنا. لن نطلب الإذن لتنفيذ مشاريع تنموية على مواردنا المائية. هذا أمر غير مقبول من الناحية القانونية والأخلاقية".

بينما قال وزير الريّ المصري إنّ إثيوبيا رفضت خلال مناقشة الجوانب القانونية أن تقوم الدول الثلاث بإبرام اتفاقية ملزمة وفق القانون الدولي، وتمسكت بالتوصل إلى مجرد قواعد إرشادية يمكن لإثيوبيا تعديلها بشكل منفرد، وإنها سعت إلى الحصول على حق مطلق في إقامة مشروعات في أعالي النيل الأزرق، فضلًا عن رفضها الموافقة على أن يتضمن اتفاق سد النهضة آلية قانونية ملزمة لفض النزاعات، كما اعترضت إثيوبيا على تضمين الاتفاق إجراءات ذات فعالية لمجابهة الجفاف.

لماذا رفضت إثيوبيا الوساطة الأميركيّة؟

حاولت الولايات المتحدة، في وقت سابق من هذا العام، التوسط لإبرام اتفاق، لكن إثيوبيا لم تحضر اجتماع التوقيع واتهمت إدارة الرئيس دونالد ترامب بـ"الانحياز لصالح مصر"، وعزّزت تغريدة مجلس الأمن القومي الأميركي بأن "257 مليون شخص في شرق أفريقيا يعتمدون على إثيوبيا لإظهار قيادة قوية، وهو ما يعني إبرام صفقة عادلة"، من شعور الإثيوبيّين بصحّة موقفهم.

دلتا النيل... مخاوف من الجفاف (أ ب)
دلتا النيل... مخاوف من الجفاف (أ ب)

كما رفض وزير الخارجيّة الإثيوبي فكرة نقل القضة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كما تريد مصر.

هل يمكن أن تتطوّر الأوضاع إلى مواجهة عسكريّة؟

لا أحد يعرف ما الذي ستؤول إليه الأوضاع، ولكنّ محلّلين مصريّين ودوليين استبعدوا أن تردّ مصر على إثيوبيا عسكريًا، لصعوبات تقنية عسكريّة بالأساس، إذ تبعد إثيوبيا عن مصر قرابة 1600 كيلومتر.

لكن تصريحات إثيوبيّة أخيرًا شكّلت صدمة للمراقبين حول إمكانيّة اندلاع حرب، فقال نائب رئيس أركان الجيش الإثيوبي، الجنرال برهانو جولا، الأسبوع الماضي، إن بلاده "ستدافع عن نفسها بقوة، ولن تتفاوض على حقها السيادي في سد النهضة، الذي تسبب في توتر مع مصر".

واتهم جولا، في مقابلة مع صحيفة "أديس زمن" الرسمية، مصر بـ"استخدام أسلحتها لتهديد دول أخرى، ومطالبتها بعدم الاستفادة من المياه المشتركة"، وأضاف أن بلاده تملك "جميع مفاتيح النصر".

تذكر... وسخريّة

وتذكّر مصريّون بحرقة وسخريّة، قمة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قبل عامين، التي جعل السيسي فيها الأخير "يحلف يمينيًا" بأنه لن يضرّ بمصر. لكن إذا ما استمرت أثيوبيا بتعنتها، فإن الضرر الأكبر سيكون للشعب المصري.

التعليقات