13 عامًا على الغزو: أين العراق؟

لكن الحريّة القادمة عبر غارات الطائرات الأميركيّة، وصورها وهي تنشر ديمقراطيتها طائفيّةً ودمارًا وقصفًا، ترك النساءَ أيامىً والولدان يتامى، لم تكن إلا غطاء لحرب اقتصاديّة، استهدفت نفط العراق الوفير والخوف من أمّة تنتج غذاءَها، لا خوفًا من

13 عامًا على الغزو: أين العراق؟

حلت الأحد، الذكرى الـ13 للغزو الأميركيّ-البريطانيّ للعراق، بحجّة الإطاحة بنظام الرئيس العراقيّ الراحل، صدام حسين، ونشر الديمقراطيّة في العراق؛ حيث قال الرئيس الأميركيّ الأسبق، الملطّخة أيديه بدماء العراقيّين، جورج بوش الابن، في أحد خطاباته: 'سنجلب للشعب العراقيّ الطّعام، الدّواء والحريّة'.

لكن الحريّة القادمة عبر غارات الطائرات الأميركيّة، وصورها وهي تنشر ديمقراطيتها طائفيّةً ودمارًا وقصفًا، لم تكن إلا غطاءً لحرب اقتصاديّة، استهدفت نفط العراق الوفير والخوف من أمّة تنتج غذاءَها، لا خوفًا من رئيس منزوع السلاح، كما أقرّوا هم من بعد.

كذلك الغذاء، الذي تحدث عنه بوش في جملته القصيرة العابرة تلك، وغاب عن باله، وبال العرب اللاهثين على وقع حذائه نحو التخلّص من صدّام حسين، الاستفسار عن ماهيّته أو نوعيّته، ليتضّح أنه غذاء لسكّان المنطقة الخضراء فحسب، التي استولى ساكنوها وحكّامها على ثروات العراق، تاركين الشعب العراقيّ يتجرّع المرارة والحرمان ولوعات الحرب والقتل، تحت رايات مختلفة، أميركيّة وبريطانيّة تارة، وعراقيّة-عراقيّة تارات أخرى؛ حيث دخل العراق في أتون حرب طائفيّة، شتّتت البلد الأكثر تعدّدًا بالأعراق في الوطن العربيّ والشرق الأوسط، راح ضحّيتها عشرات الآلاف من الشعب العراقيّ، بعرقيّاته الفسيفسائيّة، من شتّى الفِرَق والنِحَلِ والمِلَل؛ الشعب العراقيّ الذي رغم ثروات بلاده الهائلة وإنتاجها المرتفع من النفط يوميًا، لا زال يرزحُ تحت ويلات الفقر.

أما الدواء الذي تحدّث عنه بوش، ومن خلفه رئيس الوزراء البريطانيّ، توني بليرـ فلم يرَ الشعب العراقيّ، الذي لم يركن إلى تصريحات بوش يومًا، منه شيئًا ذلكَ أن شواهدَ عديدة تؤكّد أن لا دواء وصل العراق أصلًا، وإن وصل، فلن يشفي جرحى الهجمات الكيميائيّة التي شنّتها مدافع الحريّة الأميركيّة، على مدينة الفلّوجة، بعد معاركَ دامية ضارية، دك الاحتلال الأميركي والبريطاني المدينة فيها بأعتى أنواع الأسلحة من طائرات بي52 إلى الطوافات والدبابات والصواريخ، وصولًا للفسفور الأبيض والتجويع في الوقت ذاته، ما سبّب دمارًا هائلًا وخسائر في الأرواح كبيرة، بالإضافة إلى آلاف المصابين الذين لا زالوا يئنّون جرّاء جراحهم ونقلوها إلى أولادهم، إذ أفادت تقارير عراقيّة أن أطفالًا ولودوا مشوّهين، حتى بعد انتهاء معارك الفلوجة، جرّاء الأسلحة الكيماويّة المستخدمة على نطاق واسع في المدينة.

ولا يمكن الحديث عن الحريّة الأميركيّة دون التطرق لمعتقل أبو غريب سيّئ الصيت، حيث تم التنكيل بالمعتقلين هناك بصورة وحشيّة، لا ترقى لصورة الآدميّ البتّة، من اغتصابٍ وتعذيب وشبحٍ وتحرّش جماعيّ وهتك لكرامة النفس البشريّة.

أما الديمقراطيّة العراقيّة الحاليّة، فلا زال ساسة العراق يمارسونها وهم يتعاركون عبر طوائفهم وأعراقهم وجغرافيّتهم وولاءاتهم المتعدّدة لغير العراقيّين أولًا، ولجيوبهم دومًا.

'سنحمي العالم من خطرٍ عظيم' قال بوش الابن عند إعلانه الحربَ على العراق، لكن الخطر الأكبر جاء بعد انهيار الدولة العراقيّة، وتكوين أنوية ما يعرف اليوم بتنظيم الدولة الإسلاميّة – داعش، الذي تغذّى ونما من مهانة العراقيين وذل الاحتلال والمعتقلات.

أما الدول العربيّة، التي سهّلت الحرب أو شاركت فيها من وراء ستار، تصرخ الآن بأعلى صوتها تشكو الخطر الإيرانيّ الداهم الذي يتهدّد دول الوطن العربيّ، متحسّرين على العراق القوّي، بوابة العرب الشرقيّة، الذي ظنّوا أن الأميركيّ سيُسلمهم إيّاه على صحن من ذهب.

التعليقات