من مطار دمشق إلى البطين: كيف هرّب الأسد أسراره ونقوده إلى الإمارات؟

كشف تحقيق استقصائي لوكالة "رويترز" أن رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، رتّب تهريب أموال ووثائق حساسة إلى الإمارات عبر طائرة خاصة قبل انهيار حكمه. العملية نُفذت بتنسيق من أقرب مستشاريه وعلى مرأى من أجهزة أمنية ودبلوماسية، وسط تكتّم شديد.

من مطار دمشق إلى البطين: كيف هرّب الأسد أسراره ونقوده إلى الإمارات؟

للتوضيح فقط (أرشيفية - Getty Images)

بينما كانت قوات المعارضة تقترب من العاصمة السورية دمشق، استخدم رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، طائرة خاصة لتهريب أموال ومقتنيات ثمينة ووثائق سرّية مرتبطة بشبكة مصالحه الاقتصادية، في عملية نُفذت على عجل قبل سقوط النظام، وفق ما كشفه تقرير لوكالة "رويترز"، اليوم الخميس، استنادًا إلى شهادات 14 مصدرًا مطّلعًا، بينهم ضباط سابقون ومقربون من دائرة الأسد.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وبينما كان أعداؤه يقتربون من دمشق، استخدم الأسد طائرة خاصة لتهريب الأموال والمقتنيات الثمينة والوثائق السرية التي تخص شبكة الأعمال التي مكنته من جمع ثروته. وبحسب "رويترز"، قام المستشار الاقتصادي الأبرز للأسد، يسار إبراهيم، بترتيب استئجار الطائرة لنقل المقتنيات الثمينة وأقاربه ومساعديه وموظفين من القصر الرئاسي إلى الإمارات على متن أربع رحلات.

ووفقا لإشعارات العقوبات الأميركية وخبراء في الاقتصاد السوري ومصدر واحد من داخل شبكة أعمال الأسد فقد كان دور إبراهيم، الذي شغل منصب مدير المكتب المالي والاقتصادي للأسد، جوهريا في إنشاء شبكة من الكيانات التي استغلها الأسد للسيطرة على قطاعات واسعة من الاقتصاد السوري كما أنه كان في الكثير من الأحيان واجهة للرئيس السابق.

وفرضت الدول الغربية عقوبات على الأسد في أعقاب قمعه للثورة التي طالبت بالحرية والديمقراطية عام 2011، ثم فرضت عقوبات على إبراهيم لمساعدته للنظام. ووفقا لمراجعة أجرتها رويترز لسجلات تتبع الرحلات الجوية فقد نفذت الطائرة إمبراير ليغاسي 600 أربع رحلات متتالية إلى سورية خلال 48 ساعة قبل سقوط النظام.

والطائرة التي تحمل الرقم التعريفي "سي5-إس.كيه.واي" مسجلة في غامبيا.

وغادرت الرحلة الرابعة في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي من قاعدة حميميم الجوية العسكرية التي تشغلها روسيا قرب اللاذقية على الساحل السوري، حسبما أظهرت سجلات تتبع الرحلات الجوية وصورة للأقمار الاصطناعية ومصدر سابق في المخابرات الجوية كان على اطلاع مباشر على العملية.

وفر الأسد إلى روسيا في اليوم نفسه من القاعدة نفسها. ولم يسبق أن تناولت التقارير عملية إخراج أصول الأسد من سورية. وتحدثت رويترز مع 14 مصدرا سوريا مطلعا على الخطة بينهم موظفو مطارات وضباط سابقون في المخابرات والحرس الجمهوري وشخص من داخل شبكة أعمال الأسد.

واطلعت الوكالة على محادثة عبر تطبيق واتساب بين معاونين لإبراهيم وبيانات لتتبع الرحلات الجوية وصور أقمار اصطناعية وسجلات ملكية شركات وطائرات في ثلاث قارات لتجميع روايتها عن كيفية قيام أقرب مساعد للأسد بتنسيق المرور الآمن للطائرة.

ونقلت الطائرة حقائب سوداء لا توجد عليها علامات وبها نقد لا يقل عن 500 ألف دولار، بالإضافة إلى وثائق وأجهزة كمبيوتر محمولة ومحركات أقراص صلبة تحتوي على معلومات مخابراتية مهمة عن "المجموعة"، وهو الاسم الرمزي الذي استخدمه الأسد ومعاونو إبراهيم للشبكة المعقدة من الكيانات الممتدة في قطاعات الاتصالات والخدمات المصرفية والعقارات والطاقة وغيرها من الأنشطة، وفقا لمصدر شبكة أعمال الأسد وضابط مخابرات جوية سابق ومحادثة الواتساب.

وظل مكان وجود الأسد خلال الأيام الأخيرة المضطربة لنظامه سرا حتى عن أقرب أفراد عائلته. وحصل الأسد على لجوء سياسي لاحقا في روسيا. وقال مسؤول كبير في حكومة الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، للوكالة إن الحكومة عازمة على استعادة أموال الشعب التي نُقلت للخارج قبل سقوط الأسد وذلك من أجل دعم الاقتصاد السوري الذي يعاني تحت وطأة العقوبات ونقص العملة.

وأكد المسؤول لـ"رويترز" أنه جرى تهريب أموال لخارج البلاد قبل سقوط نظام الأسد، لكنه لم يوضح كيف تم ذلك. وذكر أن السلطات تواصل العمل لتحديد وجهة هذه الأموال، فيما لم يتسن لرويترز التأكد بشكل مستقل مما إذا كان الأسد قد أشرف فعليا على عملية الهروب. وأكدت عدة مصادر مطلعة على العملية أنها لم تكن لتتم دون موافقة الرئيس المخلوع.

وصول طائرة أموال الأسد إلى مطار دمشق

في السادس من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وبينما كانت المعارضة المسلحة تزحف نحو العاصمة، اقتربت طائرة إمبراير ذات الثلاثة عشر مقعداً من مطار دمشق الدولي. ووفقاً لستة مصادر مطلعة على العملية فقد كان موجودا أكثر من 12 فردًا يرتدون الزي المموه للمخابرات الجوية السورية، والتي كانت أداة رئيسية للقمع السياسي في عهد الأسد، لحراسة قاعة الشرف، التي تمثل قسم كبار الزوار في المطار، وممر الوصول إليها. وأفاد أربعة من هذه المصادر بأنهم كانوا في الموقع.

وذكر ثلاثة ممن كانوا في الموقع أن عددا قليلا من السيارات المدنية ذات النوافذ المعتمة اقترب من المنطقة. وأوضح اثنان ممن كانوا في الموقع، وهما ضابط المخابرات السابق ومسؤول كبير في المطار، أن السيارات كانت تابعة للحرس الجمهوري وهي قوات نخبة تولت حماية الأسد والقصر الرئاسي. وأشار قائد سابق كبير بالحرس الجمهوري إلى أن مشاركة الحرس تعني أن "بشار (الأسد) هو من أصدر الأوامر" المتعلقة بالعملية. وأضاف أن الحرس لم يكن يخضع إلا لقائده اللواء طلال مخلوف ابن عم الأسد، أو الأسد نفسه.

وأبلغ مدير أمن المطار، غدير علي، موظفي المطار بأن أفرادا من المخابرات الجوية سيتعاملون مع الطائرة، بحسب رئيس العمليات الأرضية بالخطوط الجوية السورية، محمد قيروط. ويروي قيروط أن علي قال له: "هذه الطائرة ستهبط وسنتعامل معها. أنت لم تر هذه الطائرة". وبحسب ثلاثة مسؤولين سوريين في المطار وضابط المخابرات السابق فإن علي، وهو ضابط كبير في المخابرات الجوية، كان يتلقى الأوامر مباشرة من القصر الرئاسي.

الساعات الأخيرة في رحلة الأسد

وأظهرت بيانات "فلايت رادار 24" أن الطائرة كانت تتجه في كل مرة إلى مطار البطين في أبوظبي، والذي يستخدمه كبار الشخصيات والمعروف بالحفاظ الصارم على الخصوصية. وفي البداية، غادرت الطائرة دبي في السادس من كانون الأول/ ديسمبر وهبطت في دمشق قرب الثانية عشرة ظهرا بالتوقيت المحلي. ثم توجهت إلى مطار البطين وعادت إلى دمشق بعد الساعة العاشرة مساء بقليل. وقال واحد من خمسة مصادر عاملة بالمطار إن "السيارات كانت تتجه نحو الطائرة في كل مرة تهبط فيها، وتبقى هناك لفترة قصيرة ثم تغادر قبل إقلاعها مرة أخرى".

وذكر علي لموظفي المخابرات الجوية أن موظفين من القصر الرئاسي وأقارب للأسد، بينهم شباب، كان من المقرر أن يستقلوا أول رحلتين غادرتا دمشق في السادس من كانون الأول/ ديسمبر، وقد حملتا أيضا أموالا نقدية، وفقا لضابط المخابرات السابق الذي كان في الموقع.

وفي السابع من الشهر ذاته، عادت الطائرة إلى دمشق عند حوالي الساعة الرابعة عصرا ثم غادرت إلى البطين للمرة الثالثة بعد أكثر من ساعة، وهذه المرة محملة بحقائب من النقود فضلا عن محركات أقراص صلبة وأجهزة إلكترونية تحتوي على معلومات حول شبكة الأسد التجارية، وفقا لضابط المخابرات ومصدر شبكة أعمال الأسد.

وأضاف المصدر أن المعلومات المخزنة تضمنت سجلات مالية ومحاضر اجتماعات وملكية شركات وعقارات وشراكات، بالإضافة إلى تفاصيل التحويلات النقدية والشركات والحسابات الخارجية. وفي هذه المرة، اقتربت سيارات تابعة لسفارة الإمارات في دمشق من منطقة كبار الزوار بالمطار قبل إقلاع الطائرة، بحسب ضابط المخابرات السابق، وهو ما يعني أن الإمارات كانت على علم بالعملية.

تحويل مسار الطائرة إلى القاعدة الروسية

وفي وقت مبكر من يوم الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، كان الثوار قد وصلوا إلى دمشق مما دفع الأسد إلى الفرار إلى معقله الساحلي في اللاذقية، بالتنسيق مع القوات الروسية. وتوقف مطار دمشق عن العمل. وبعد منتصف ليل ذلك اليوم بقليل، غادرت الطائرة مطار البطين للمرة الأخيرة. وبعد مرورها فوق مدينة حمص إلى الشمال من دمشق عند حوالي الساعة الثالثة فجرا بالتوقيت المحلي، اختفت الطائرة عن نطاق رصد الرحلات الجوية لنحو ست ساعات قبل أن تعود للظهور فوق حمص، وتوجهت مرة أخرى إلى أبو ظبي وفقا لبيانات "فلايت رادار 24".

وقال ضابط المخابرات السابق إنه في أثناء تلك الفترة، هبطت الطائرة في قاعدة حميميم بمحافظة اللاذقية. وأظهرت صورة أقمار اصطناعية التقطتها شركة "بلانيت لابز" عند الساعة 09:11 صباحا الطائرة على مدرج مطار حميميم.

وذكرت "رويترز" أنها تأكدت من أن طائرة إمبراير الظاهرة في الصورة هي الطائرة صاحبة الرمز "سي5-إس.كيه.واي" بناء على حجمها وشكلها وبيانات تتبع الرحلات الجوية. وتُظهر بيانات تتبع الرحلات الجوية أن هذه الطائرة كانت الطائرة الخاصة الوحيدة التي حلقت من سورية وإليها في الفترة بين السادس والثامن من كانون الأول/ ديسمبر.

وكان على متن الرحلة المغادرة من حميميم أحمد خليل خليل وهو مساعد مقرب من إبراهيم وناشط في شبكة الأسد، وفقا لضابط المخابرات الجوية ومصدر شبكة إمبراطورية أعمال الأسد ومحادثة الواتساب.

ويخضع خليل لعقوبات غربية لدعمه النظام السابق من خلال إدارة العديد من الشركات في سورية وقيادتها. ووفقاً لمصدر شبكة أعمال الأسد ورسائل الواتساب فقد وصل إلى القاعدة الروسية في سيارة مدرعة تابعة للسفارة الإماراتية وكان يحمل 500 ألف دولار نقدا. وبحسب المصادر ذاتها فقد سحب خليل المبلغ قبل يومين من حساب في "بنك سورية الدولي الإسلامي".

التعليقات