31/10/2010 - 11:02

فعنونو:" اسرائيل تملك بين 100 و200 قنبلة نووية "

ننشر فيما يلي النص الكامل للحوار الذي اجرته الزميلة امال شحادة، ونشر في مجلة "الوسط" اللندنية، مع كاشف الاسرار النووية الاسرائيلية، مردخاي فعنونو ...

فعنونو:
نشرت وسائل اعلام اسرائيلية، اليوم الخميس، مقتطفات من المقابلة المطولة التي اجرتها الزميلة امال شحادة مع كاشف الاسرار النووية الاسرائيلية، مردخاي فعنونو ، ونشرتها مجلة الوسط اللندنية، في عددها الاخير.

وبدل مناقشة المعطيات الرهيبة التي يطرحها فعنونو حول القوة النووية لاسرائيل، تعود وسائل الاعلام الاسرائيلية الى وضع نفسها في خدمة اجهزة الامن والسلطة الاسرائيلية، من خلال انشغالها في طرح تساؤلات موجهة حول ما اذا كان سيعاد زج فعنونو في السجن، بادعاء خرقه للقيود التي فرضت عليه عشية اطلاق سراحه.

وننشر فيما يلي النص الكامل للقاء المطول مع فعنونو، كما نشرته "الوسط" :ينشغل كاشف الاسرار النووية الاسرائيلية, او كما يقول هو, كاشف الاسرار الاسرائيلية المدمرة, موردخاي فعنونو في جلسات المحكمة التي يطالب فيها بالغاء القيود التي فرضتها عليه أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بعد الافراج عنه والقاضية بمنعه من مغادرة اسرائيل. وعلى رغم انه يدرك تماماً دوافع اسرائيل لفرض هذه القيود والاصرار عليها واستحالة تغييرها, الا انه لا يزال يأمل بأن توافق المحكمة على طلبه وتطلق سراحه من السجن الاسرائيلي الكبير الذي فرضوه عليه على رغم انتهاء فترة محكوميته, ليبدأ حياة الحرية التي يبحث عنها منذ 19 عاماً.

عندما وصلنا لمقابلته في الكنيسة الاسقفية في القدس كان فعنونو الذي اعتنق المسيحية يقـوم باحـدى المهام اليومية التي اختارها لنفسه, قرع أجراس الكنيسة. قبل ان يتوجه الى الصلاة كعادته في كل يوم ليبدأ بعدها برنامجه اليومي.

موضوع التسلح النووي ما زال يشغله ويشغله كثيراً. لكن مواصلة حياته في اسرائيل ستمنعه من تحقيق أي تطور في حياته أو أي جزء بسيط من الامال والطموحات والخطط التي يرسمها لنفـسه. فالقيود الاسرائيلية لا تمنعه من مغادرة اسرائيل فحسب بل انها تقيد حركته حتى داخلها. والتحريض المستمر ضده يهدد حياته اليومية من المتطرفين اليهود ويقيد تحركاته حتى داخل الكنيسة. وكما يكشف لنا, فقد حاولت مجموعة من المستوطنين والمتدينين المتطرفين الاعتداء عليه من المدخل الخلفي لمكان اقامته. أما مراقبة الاستخبارات له فحدّث عنها ولا حرج. فلم تترك هذه الاجهزة وسيلة الا واتبعتها لمراقبته. تقمصت شخصيات سائقي سيارات الاجرة ومصوري التلفزيون والصحف وفي كل يوم تبـتدع أسلوباً جديداً لمراقبته. "هذا لا يهمني كثيراً. فليراقبوا كما يشاؤون. احتياطاتي هي لمنع اي اعتداء علي. أما تحركاتي فانا اقررها لنفسي. فمنذ خروجي من السجن, ولا تقولي تحـريري لأنني ما زلت مسجوناً, أرفض التوجه الى القدس الغربية وأقضي ساعات يومي مع الفلسطينيين. أصدقائي من القدس الشرقية وبعض اليهود الذين يزورونني وأحياناً يصلون للتضامن معي", قال فعنونو وهو يحدثنا طالباً ان نناديه باسم فعنونو فقط وليس موردخاي: "هذا الاسم تحمله شخصيات غير مرغوب بها من اليهود ولا أحب ان أكون مثلهم".

وجدناه متعطشاً للحديث عن موضوع التسلح النووي. فهو منزعج لنجاح اسرائيل في مواصلة التستر على تسلحها النووي ولسكوت العالم عليها, وهو اليوم يبحث عن السبل التي يضمن من خلالها اطلاع العالم على الخطر الحقيقي للسلاح النووي الاسرائيلي وعن الكوارث التي قد يحدثها وعن خطر هيروشيما ثانـية اذا ما تـهور رئيـس حكومة اسرائيلي واتخذ قراراً هستيرياً, وعن الاردن وضرورة اجراء فحوص طبية لسكانه القريبين من اسرائيل الذين جعلـتهم اسـرائيل ضحايا صناعتها النووية بدلاً من سكانها اليهود القريبين من مفاعلها النووي. وعن اوروبا واميركا ودعمهما لاسرائيل للتستر على برامجهما الأكثر خطورة.

أما رئيس وكالة الطاقة النووية الدولية المصري محمد البرادعي له فصل خاص من العتاب, ويلخص فعنونو زيارته الى اسرائيل باعتبارها "مساهمة جدية وعلنية في دعم اسرائيل بتسترها على التسلح النووي". ويعبر فعنونو عن غضبه من البرادعي بسبب عدم تجاوبه مع طلبه بلقائه, ويقول: "كان يكفي ان يصافحني, فهذا سيعني لي انه يوافقني على كل ما قلته عن خطر التسلح النووي الاسرائيلي. ولكن ان يتجاهل طلبي فهذا أيضاً دعم لاسرائيل".

ومع ذلك سيطلب فعنونو من البرادعي ان يضمه الى طاقم العاملين والباحثين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

منذ اعتقال فعنونو قبل 19 عاماً وهو يرفض الحديث باللغة العبرية الا عندما كان يضطر الى ذلك خلال لقائه السجانين الذين لا يجيدون الانكليزية, واليوم يرفض أيضاً الحديث بالعبرية, خصوصاً مع وسائل الاعلام الاسرائيلية وكل من هو اسرائيلي لما يختزن في داخله من غضب. والسنوات الطويلة التي قضاها في زنازين سجن عسقلان بقراءة صحف انكليزية والكتابة بهذه اللغة كادت تنسيه حتى اللغة العبرية وهو اليوم لا يستطيع ان يعبر عن نفسه, أحياناً, بهذه اللغة كما باللغة الانكليزية.

الهدوء الذي عكس شخصيته في جلسات المحاكم وعند الافراج عنه ظهر بوضوح طوال مقابلتنا معه. يستمع باصغاء. يفكر. وبكل هدوء يجيب. وفي اكثر حالات الغضب يعبر عن نفسه بحركات يديه ورأسه, وهذه لمسناها لدى كل حديث له عن التسلح النووي في اسرائيل وما يلاقيه من دعم عالمي. فالهدوء هو من السمات التي ترافقه منذ الطفولة ولم تغيرها عواصف الاحداث التي مر بها خلال 19 عاماً: "هذا أنا. هدوئي كان مصدر قوتي في السجن وهو الذي أحبط محاولات الاستخبارات الاسرائيلية تحويلي الى مجنون. هل تتصورين انهم كانوا يقومون بتفتيشي عارياً أمام السجانين. ويضيئون الزنزانة فترات متواصلة ويمنعون الزيارات عني".

ولد موردخاي فعنونو في مراكش في المغرب سنة 1954, لعائلة فقيرة الحال. وعندما بلغ سن السابعة هاجر مع والديه وأشقائه الستة الاخرين الى اسرائيل وفيها درس في مدرسة دينية تابعة لحزب "المفدال" اليميني المتطرف في بئر السبع. ثم راح يتنقل بين الاحزاب اليمينية حتى اختار الاشد تطرفاً بينها, حزب "هتحياه" الفاشي (الذي كان رئيسه آنذاك رفائيل ايتان, رئيس أركان الجيش الاسرائيلي أثناء حرب لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا سنة 1982). أنهى دراسته القانونية سنة 1972 وانخرط في الخدمة العسكرية الاجبارية في الجيش. ومع ان أبناء حيه في مدينة بئر السبع كلهم من أصل مغربي, الا انه لم يتاقلم معهم, لكنه في الجيش أقام صداقات حميمة. وخدم في سلاح الهندسة, الذي يتقدم الجيش في المعارك, وحصل على بضعة أوسمة وبعد ان أنهى خدمته برتبة ملازم, راح يفتش عن عمل.

بالصدفة شاهد اعلاناً في الصحف يقول: "مطلوب عمال ذوو خبرة تقنية". فقرر ان يتقدم بطلب لعله يفوز بهذه الوظيفة. فاتصلوا به وحددوا موعد اللقاء من دون ان يعرف شيئاً عن مكان العمل. وعندما وصل أجروا له اختبارات أمنية ومهنية وطلبوا توقيعه على نموذج الحفاظ على السرية. وتم قبوله في العمل تحت التجربة. ثم حصل على تثبيت في هذا العمل.

خلال هذه الفترة واصل تعليمه الجامعي حيث حدث الانعطاف في حياته بواسطة العرب. فعن طريق الصدفة فقط اقام علاقات مع الطلاب العرب. ويقول انه وجدهم مختلفين تماماً عن الصورة التي تكونت لديه عنهم "وجدتهم طيبين وخلوقين وأذكياء. زملائي اليهود صدموا عندما سمعوا رأيي هذا وصاروا يتهامسون بأنني أجدب. وبدأت أعيش ما يشبه انفصام الشخصية. أفكاري اليمينية انقلبت تماماً. وصرت في النهار أمضي جل وقتي مع العرب, وأتشبع من آرائهم, وفي الليل أعمل في الفرن الذري. هذا التناقض قتلني. فقررت ان اعمل شيئاً".

اختار فعنونو في تلك المرحلة ان ينتسب الى الحزب الشيوعي الاسرائيلي (راكاح) الذي كان يضم كثيرين من العرب. كما انضم الى حركة "كامبوس" اليسارية الطلابية وسمح لنفسه بأن يشارك في احدى التظاهرات. فاكتشفوا أمره في ادارة الفرن الذري, واستدعوه ولفتوا نظره ان هذا النشاط محظور. وزاد لديه التمزق الداخلي, اذ ان المتنفس الوحيد له في الحياة الطلابية قد أُغلق.

وبدأ فعنونو يفتش عن سبيل آخر. وجاءت حرب لبنان سنة 1982 لتزيد رفضه وغضبه. "صرت اسأل نفسي: اذا كانت اسرائيل دخلت بكل هذه القوة الى تلك الدولة الصغيرة المسكينة, فما الذي ستفعله ضد دولة مثل سورية او العراق او ايران. فلربما تستخدم السلاح النووي؟ ولم يبق هذا السؤال في داخلي. وسمعه كثيرون من حولي. ويبدو انه وصل الى مسمع المسؤولين. ولهذا لم أفاجأ عندما تقرر فصلي من العمل سنة 1985".

في هذه المرحلة, وقبل فصله ببضعة شهور, بدأ فعنونو يفكر كيف يمكن الكشف عن هذا التسلح الخطير, فالتقط الصور من داخل المفاعل النووي في ديمونة. ويقول ان العديد من الصور التي التقطها لم يكن يعرف بالضبط ما هي لأنها كانت ضمن الاسرار الخطيرة التي منع العمال, مثل فعنونو, من التعرف عليها. وغادر اسرائيل متوجهاً الى استراليا وهناك اعتنق المسيحية بواسطة القسيس جون ماكنايت وعن طريقه تعرف على الصحافي البريطاني بيتر هانوم, وكشف أمامه أسرار المفاعل النووي الاسرائيلي, فنشرت في صحيفة "صاندي تايمز" مما اعتبرته اسرائيل عملاً محظوراً وخطيراً. فقام جهاز الموساد باختطافه من روما بواسطة شابة تدعى سدني وأصدرت المحكمة الاسرائيلية قراراً بسجنه 18 عاماً.

ومع ان الافراج عن فعنونو بعد انتهاء مدة محكوميته, أنقذه من جحيم الزنازين والحرب النفسية لكنه لم يشعره بالحرية, ليس فقط لانه لا يغادر القدس واسرائيل. فالاستخبارات الاسرائيلية ترافقه أينما يذهب ورجالها الأنيقون يتمركزون حول الكنيسة ويرصدون من وراء نظاراتهم السوداء حركاته وحركات زواره. لقد ابتدعت الاستخبارات أساليب جديدة للايقاع به اذا ما تصرف خلافاً للقيود. لكن الذين يحتضنون فعنونو حريصون جداً على حياته ويقظون حيال كل تصرف مشبوه. والمطران رياح أبو العسل, الذي خاض معركة صعبة لايواء فعنونو في الكنيسة (انظر داخل الاطار) أكثر الحريصين على حياته وقد اتخذ مع المسؤولين الآخرين كل الاحتياطات لمنع اي اعتداء عليه, ويقول: "في اليوم الاول من الافراج عن فعنونو فتحنا أبواب الكنيسة لمن أراد الدخول لاستقباله مع اتخاذ كل الاحتياطات حيال احتمالات التخطيط لإيذائه. فمنعنا الاقتراب منه حتى للصحافيين الذين أرادوا الحديث معه او التقاط الصور, وفيما بعد اكتشفنا اننا كنا على حق", يحدثنا المطران أبو العسل ويضيف: "كان واضحاً لنا ان الاستخبارات تراقب فعنونو طوال ساعات النهار محاولة اظهار عدم قيامها بذلك مع ان الامر كان واضحاً ضمن الشروط التي فرضت عليه لدى الافراج عنه. وقد اكتشفنا ان الاستخبارات أرسلت من تقمص شخصيات مصورين وصحافيين ربما للايقاع به, وبين من اكتشفناهم من رجالاتها أيضاً سائقو سيارات أجرة. اذ فوجئنا بسائق تاكسي يقف يومياً أمام الكنيسة وكأنه ينتظر من يخرج لنقله مع ان المكان لا تقف فيه عادة سيارات أجرة. بعدها اكتشفنا ان هذا ما كان سوى رجل استخبارات".

الاحتياطات التي تتخذها الكنيسة تشمل أيضاً الحذر والتحقيق من الداخلين من اجل منع دخول أشخاص من اليمين الاسرائيلي المتطرف للاعتداء على فعنونو بعدما تعرض لمحاولة اعتداء من مستوطنين ومتدينين متطرفين وصلوا الى المدخل الخلفي للكنيسة وراقبوه ثم حاولوا الاعتداء عليه بعدما وصفوه بالخائن.

وكلمة خائن هذه بقدر ما تضحك فعنونو تؤلمه. فهو على قناعة بأن ما كشفه وبسببه ضحى بسنوات طويلة من عمره, كان أيضاً من أجل حياة هؤلاء. وان أسمعوه مثل هذه الكلمات فهو غير نادم عما فعله لانه لم يفعل ذلك من أجل شهرته او الحصول على المال بل لانقاذ الآخرين. يقول: "حاول بعضهم القول أن ما فعلته هو من أجل انقاذ اليهود من محرقة أخرى. لكن هذا غير صحيح. فما فعلته هو لانقاذ الاخرين من محرقة اخرى كتلك التي مر بها اليهود. فبكل بساطة ان أبسط الاضرار التي تسببها الاسلحة النووية الاسرائيلية ستؤدي الى محرقة آخرين, وخصوصاً البلدان العربية المجاورة لاسرائيل". ويضيف: "اسرائيل تملك بين 100 و200 قنبلة نووية بينها قنابل هيدروجينية. واحدة من هذه أقوى بعشر مرات من أي سلاح نووي آخر. فان كانت القنبلة النووية تقضي على مئة ألف انسان فإن القنبلة الهيدروجينية تقضي على مليون".

أنت تؤكد في كل مرة انك لا تملك شيئاً جديداً عن أسرار التسلح النووي في اسرائيل ومع هذا اسرائيل ما زالت تخافك وتمنعك من الحرية والعيش في المكان الذي تختاره. لماذا؟

- أولاً دعيني أؤكد انني غير مقتنع بأن اسرائيل لم تطور أسلحتها خلال 19 سنة قضيتها في السجن. أنا كل ما عندي نشرته وقلته حتى انني نشرت صورا لم أكن أعرف ما تحتويه بالضبط وتركت الامر لخبراء آخرين قد يكتشفون الامر بعد اطلاعهم على الصور. اليوم لا يوجد عندي ما أقوله أكثر عن التسلح في المفاعل النووي في ديمونة ولا أدري أصلاً اذا كان يجب ان يكون ما هو أخطر من ذلك حتى نلزم اسرائيل الاعتراف به وتدميره. فما كشفت عنه لوحده يكفي لأن يجعل اسرائيل خطراً حقيقياً يهدد الشرق الاوسط بأكمله.


< ومع هذا لم يتحرك أحد لردع اسرائيل؟
- ولهذا أيضاً اسرائيل تخافني. اسرائيل لا تخاف ان أكشف أسراراً اخرى لكنها تخاف ان تسبب حريتي المطلقة بتنقلي ولقاء من أشاء ومتى وكيفما أشاء سبباً لإثارة موضوع التسلح النووي وبالتالي تشكيل ضغط عالمي عليها للكشف عن أسرارها. فاذا جئنا اليوم وتحدثنا بالتفصيل لوسائل اعلام عالمية عما سبق ونشرته وبشكل مكثف والتقيت مؤسسات وجمعيات عالمية وكثفنا نشاطنا للحديث عن الموضوع فهذا سيؤدي الى جعل اسرائيل في موقف محرج يلزمها الكشف عن أسرارها النووية.


< وما الذي يمنع اوروبا واميركا من الزام اسرائيل الكشف عن أسرارها النووية؟

- كيف يمكن لأطراف زودت اسرائيل ودعمتها لاقامة فرنها الذري في ديمونة وتعزز تسلحها النووي ان تسعى اليوم للكشف عن هذه الاسلحة وبالتالي الكشف عن دورها هي في دعم اسرائيل؟

هنا لا يمكننا القول ان مصير أحدهم سيكون مثل مصير الرئيس كينيدي حيث التقديرات شبه الاكيدة ان عملية اغتياله تمت بسبب الضغوط التي مارسها على رئيس الحكومة الاسرائيلية, آنذاك, ديفيد بن غوريون, بالكشف عن حقيقة مفاعل ديمونة وعدم مواصلة الكذب بأنه مصنع للنسيج. آنذاك بعث كيظنيدي برسائل عدة لبن غوريون حول الموضوع. ويبدو ان التقديرات بأن الرد على الرسائل كان باغتيال كينيدي هو صحيح وقريب الى الواقع.

أما اليوم فالوضع في الولايات المتحدة يختلف تماماً. فهناك دعم من دون قيود وحدود لاسرائيل, بل ان أميركا معنية بتقوية اسرائيل حتى بالتسلح النووي, وليس صدفة ما نلاحظه اليوم من خلال الحملة التي تشنها اسرائيل بدعم اميركي, على ايران والحديث المتواصل عن الخطر النووي الايراني على رغم ان اسرائيل والولايات المتحدة تدركان تماماً ان روسيا واوروبا تسيطران على الوضع في ايران. واذا صدقت التقديرات الاسرائيلية, فإن ايران لا تشكل خطراً أكثر مما تشكله اسرائيل. لكن هذه المعركة الاسرائيلية تستهدف أولاً وأخيراً السكوت على اسرائيل.

أما المانيا التي قدمت مع فرنسا دعماً كبيراً لانشاء المفاعل النووي كرد على ما تعرض له اليهود من معاناة جراء المحرقة النازية ولاظهار النوايا الحسنة, فلا يمكنها اليوم ان تقف ضد هذه المفاعل او تسعى الى اغلاقه.

باختصار السكوت على اسرائيل في هذا المجال يندرج ضمن الصراع الدولي بهدف جعل اسرائيل تسيطر على الشرق الاوسط.


< اي خطر نووي اسرائيلي على الشرق الاوسط تشكله الاسلحة النووية الاسرائيلية اذا كانت تستخدم فقط للردع, كما يقول الاسرائيليون. وهي لم تستخدم حتى في حرب تشرين (اكتوبر)؟

- ان مجرد فكرة استمرار وجود السلاح النووي الاسرائيلي هو خطر كبير. فنحن لا نعرف أي رئيس حكومة اسرائيلي أهوج سيصل الى الحكم ويقرر اللجوء الى السلاح النووي في صراعه مع الدول العربية المجاورة. ان ما كشفت عنه (سابقاً) من أسلحة تملكها اسرائيل قادر على تدمير المنطقة وقتل الملايين. ولكن لنقل ان جميع الرؤساء سيكونون من الحكماء ولا يقدمون على خطوة كهذه, الا ان مجرد مواصلة العمل في المفاعل النووي في ديمونة حتى اليوم هو أمر خطير بحد ذاته. فمرور أكثر من أربعين عاماً على أي مفاعل نووي يصبح ممنوعاً لأن الفترة الزمنية التي تمنع أي تسرب منه تنتهي بعد أربعين عاماً على بنائه. وهذا ما تفعله دول أخرى تملك مفاعلات نووية, اذ تقوم ببناء مفاعل جديد مع انتهاء الفترة, أما في اسرائيل فإن الامر في غاية الخطورة لأن أي تصدع للمفاعل يعني تسريب المواد المشعة التي تسبب التلوث وتشكل خطراً على المنطقة المحيطة.

الى جانب هذا هناك خطر جدي من القنابل النووية, خصوصاً من نوع النيتروجين والهيدروجين التي تحتفظ بها اسرائيل. والمعروف ان هناك ثلاثة أنواع من الاشعاعات النووية. العالية والوسطى والمنخفضة, ولا توجد وسائل تضمن التخلص منها بشكل يحول دون خطر تسربها. وهنا تكمن المشكلة الاسرائيلية في كيفية التخلص من نفايات هذه الاشعاعات. فهي تحتفظ بحاويات لا تمنع بعد وقت معين تسرب هذه النفايات الخطيرة تحت الارض ومن ثم وصولها الى المياه والمزروعات وتلويثها. وفي اسرائيل يدركون مخاطر هذا الامر, خصوصاً المعارضة, والجميع يذكر عندما أثار يوسي سيريد القضـية وطلب زيارة المنطقة لفحص مدى صدق الحديث عن الاضرار التي تحدثها نفايات هذه الاشعاعات, ففي حينه كان الجهاز الذي حمله سيريد مع الطاقم المرافق له للاختبار مزوراً ولم يجر الفحص من خلال الجهاز الحقيقي الذي يظهر مدى أخطار تسرب الاشعاعات النووية.

ان مثل هذه الزيارات يجب ان تتكرر مرة اخرى, ولكن مع خبراء وأجهزة مخصصة لفحص هذه المخاطر. فعلى المسؤولين والاسرائيليين عموماً وكل سكان المنطقة ان يدركوا بأن الخطر بات اليوم أشد من أي وقت مضى جراء الهزات الارضية المتواصلة التي شهدتها المنطقة خلال هذه السنة. فإذا وقعت هزة أرضية بقوة أكبر فإن الكارثة ستقع حتماً لأن مفاعلاً قديماً بعمر المفاعل الاسرائيلي الذي تجاوز عمره خمسين عاماً معرض أكثر من أي مكان آخر لتصدعات تتسرب عبرها اشعاعات خطيرة, وعندها أستطيع ان اؤكد ان "تشرنوبيل ثانية" ستحدث في منطقة الشرق الاوسط. لأن هزة أرضية قوية تعني تفكيك المبنى الذي يحتوي على الاسلحة النووية وبالتالي فإن امكانية التبريد غير واردة وستؤدي الهزة الى ارتفاع درجة حرارة الارض وانبعاث الدخان بشكل كثيف ووصوله الى الدول المجاورة وتلويث الاشجار والمزروعات والمياه والحيوانات ومن ثم يصل الى البشر.


< وحتى قبل وقوع هزة ارضية قوية فإن المخاطر التي تتحدث عنها بدأت تظهر من خلال الامراض السرطانية التي اكتشفت لدى العاملين في المفاعل والسكان المجاورين له والذين وزعت عليهم اسرائيل حبوب وقاية من مخاطر الاشعاعات؟

- هذا غير كاف, بل ان الوضع بالنسبة الى سكان الدول المجاورة يشكل أكثر خطورة من الاسرائيليين القريبين أكثر من الاشعاعات. فاسرائيل حرصت على سكانها ووزعت عليهم الحبوب (ضد الاشعاعات). وهي تحرص منذ بناء المفاعل على صحتهم, ولو بجزء بسيط, وتسعى الى تخفيف أكثر ما يمكن من الاضرار, لكن هذا كله يتم على حساب سكان البلدان المجاورة لها. لنأخذ مثلاً المداخن الموجودة في ديمونة. فدوام العمل يكون عندما تكون الرياح موجهة نحو الاردن وهذا يعني ان أضرار الاشعاعات تصل الى الاردن.


< يعني ان الخطر على سكان المناطق الاردنية المعرضة لهذه الاشعاعات هو أكبر من الخطر على سكان النقب؟

- هذا مؤكد, والحاجة تتطلب اليوم من الاردن اجراء ابحاث ودراسات لسكان المنطقة المجاورة للحدود الاسرائيلية وأنا متأكد بأنها ستضطر هي الاخرى لتوزيع دواء على الاردنيين كما حصل للاسرائيليين في النقب. وهذا يعني ان هناك حاجة الى تحرك شرق أوسطي ودولي لانقاذ الوضع.

< هناك من يرى في زيارة رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية, محمد البرادعي, الى اسرائيل محاولة لتغيير الوضع القائم؟

- من يقول هذا يضحك على نفسه وعلى الجميع. فالبرادعي بزيارته الى اسرائيل جعل نفسه "اضحوكة" لأن مهمته ان يصل الى اسرائيل كما وصل الى العراق وتقديم تقرير حول ما يوجد لدى اسرائيل لا ان يتحدث في السياسة مع أرييل شارون. اسرائيل استهدفت الاستفادة من زيارة البرادعي لخداع العالم. وبرأيي فالزيارة ببرنامجها ونتائجها كانت بمثابة دعم مباشر من البرادعي لاسرائيل.


< ربما تكون البداية وتليها زيارة مشابهة لزيارة العراق؟

- لن يأتي هذا اليوم الذي يكشف فيه طرف أجنبي عن التسلح النووي الاسرائيلي. هذه اسرائيل وهذه سياستها وهي ستحافظ على أسرارها في هذا المجال ولن تسمح لأي طرف كان بتغيير هذه السياسة, كما نتوقع, وما دامت تتلقى الدعم من الولايات المتحدة فهي تحظى بسند لن يزحزحه اي طرف أو جهة أو مؤسسة عالمية. برأيي المشكلة هنا في البرادعي نفسه. كان يجب عليه رفض زيارة اسرائيل اذا لم يزر المفاعل النووي وان يعلن بكل صراحة أن زيارته لإسرائيل مشروطة بهذ الزيارة المهمة ومن ثم اعداد تقرير تقني عنها. أقول وأكرر البرادعي جعل من نفسه اضحوكة والا فكيف يمكن من جهة ان يحارب ضد التسلح النووي في العراق ويقوم بمهمته على أحسن وجه بينما يتخاذل في اسرائيل بل ويساهم مساهمة فعالة في نشر دعايتها العالمية الكاذبة.


< لماذا برأيك رفض البرادعي طلبك بلقائه؟

- لأنه يرفض الاعتراف بما سبق وكشفت عنه حول كل ما يتعلق بالتسلح النووي الاسرائيلي ومفاعل ديمونة. لو كان البرادعي صادقاً وجدياً في زيارته لكان عليه ان يوافق على لقائي, وبالنسبة إلي كان يكفي ان يصحافني من دون ان ينطق بكلمة واحدة. فهذا يعني بالنسبة إلي انه يوافقني الرأي في هذا المجال وأن كل ما فعلته وقلته كان عين الصواب.


< هل فكرت في ان تطلب ان تكون أحد العاملين في وكالة الطاقة النووية بقيادة البرادعي؟

- بالتأكيد. لقد فكرت منذ سنوات في الامر وأبحث الآن في كيفية انضمامي الى الوكالة. فأنا على قناعة بأنني سأقدم الكثير لخدمة العالم كله والشرق الاوسط بشكل خاص.


< أي خطوة ستتخذها لضمان وجودك في هذا المكان المهم؟

- سأتوجه خلال الايام المقبلة الى البرادعي بطلب انضمامي الى الوكالة الدولية للطاقة النووية وكلي أمل ان يقبل دعوتي.
< واذا وافق ماذا تخطط ان تعمله؟

- سأبذل كل جهودي لتنفيذ طلب الكشف اولاً عن كل الدول, من دون اي استثناء, التي تملك اسلحة نووية وتكنولوجيا لصناعة هذه الاسلحة ثم تجنيد كل الدول, خصوصاً العربية, للعمل معاً من اجل القضاء على التسلح النووي.

< طبعاً لن يتحقق هذا الامر اذا رفضت المحكمة الاسرائيلية استئنافك ومنعتك من مغادرة اسرائيل؟

- اذا رفضت هذه المرة سأقدم التماساً آخر وسأواصل حتى آخر نفس من أجل حريتي بمغادرة اسرائيل.

< وان حصل وقبلت ماذا ستكون اولى خطواتك من اجل القضية التي ضحيت بسنوات طويلة من عمرك في سبيلها؟

- أولاً ساطلب اللجوء السياسي لدى احدى الدول وسأبدأ بالنرويج او بريطانيا وفي الوقت نفسه سأدعو الى عقد مؤتمر دولي في القاهرة ندعو اليه كل الدول وبينها اسرائيل للاعلان عن اقامة تنظيم يعمل خلال فترة قصيرة على القضاء على التسلح النووي.

< هل أنت متفائل بأن تتحقق أحلامك هذه قريباً؟

- يجب ان يكون قريباً, ولكن طالما الديموقراطية في اسرائيل معدومة فإن أحداً لن يحلم بالحرية. بل لا يمكن حتى الحلم بالعيش بعيداً عن المخاطر اليومية التي تهدد حياته الصحية ومجرد وجوده.

التعليقات