إيران النووية../ عرض د.محمود محارب

-

إيران النووية../ عرض د.محمود محارب
أولت وسائل الإعلام ومراكز البحث الإسرائيلية، خاصة الأمنية، الملف النووي الإيراني الأهمية القصوى ووضعته في مقدمة أجندتها، لكونه يحمل بين ثناياه، إذا ما تمكنت إيران من الحصول على السلاح النووي، وضع حد لاحتكار إسرائيل للسلاح النووي في المنطقة وتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط تغييرا جذريا.

وفي سياق هذا الاهتمام، صدر باللغة العبرية عن "معهد دراسات الأمن القومي"كتاب "إيران النووية: التأثيرات وطرق العمل" الذي يتكون من مقدمة وثلاثة أقسام وخلاصة.

يحاول المؤلف في القسم الأول الإجابة على السؤال: هل يمكن منع إيران من الحصول على السلاح النووي؟ فيتطرق إلى الوسائل السياسية والاقتصادية العسكرية إسرائيليا وأميركيا، لتحقيق ذلك.

وفي القسم الثاني يعالج المؤلف ماذا يحدث في حالة حصول إيران على السلاح النووي وما نتائج ذلك على إسرائيل والمنطقة ؟ ثم يحاول قراءة السياسة النووية الإيرانية.

أما القسم الثالث فيناقش المؤلف كيف يمكن الرد على إيران النووية وكيف يمكن الحياة مع إيران النووية وما انعكاسات ذلك على إسرائيل والمنطقة.

مؤلف الكتاب هو الدكتور أفرايم كام الباحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في تل أبيب، الذي كان قد عمل حتى العام 1993 في قسم الأبحاث التابع للمخابرات العسكرية الاسرائيلية (أمان) برتبة كولونيل.
تقدر المخابرات الإسرائيلية، وفق المؤلف، أن إيران ستصنع القنبلة النووية الأولى قبل انقضاء ثلاث أو أربع سنوات، بينما تتوقع المخابرات الأميركية حدوث ذلك بعد مرور خمس سنوات إلى ثمان.

يؤكد المؤلف أنه بالإمكان منع إيران من الحصول على السلاح النووي، ولكن الشروط لتحقيق ذلك ليست متوفرة حتى الآن.

ويضيف المؤلف أن احتمالات منع إيران من الحصول على السلاح النووي يرتبط بعاملين متناقضين، مدى إصرار إيران على صنع هذا السلاح رغم الثمن الباهظ الذي ستدفعه، مقابل إصرار الدول الغربية على منعها من الحصول على هذا السلاح.

ويستطرد، أن إيران تبدي إصرارا وعنادا مستمرين للحصول على السلاح النووي مقابل ما يصفه المؤلف بالتردد الذي تبديه الدول الغربية وفشلها حتى الآن، في فرض عقوبات اقتصادية جدية ومؤلمة على إيران، وإذا لم يتغير هذا الواقع، فإن إيران ستحصل على السلاح النووي.

ويستخلص المؤلف أنه على إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى بذل كل الجهود والقيام بكل شيء لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، لأنه بعد أن تصبح إيران دولة نووية من الصعب للغاية إعادة العجلة إلى الوراء.

ينسجم المؤلف مع وجهة النظر الإسرائيلية عندما يدعو أن يظل نشاط إسرائيل ضد برنامج إيران النووي خفيا ومن وراء الكواليس، وألا تقود إسرائيل علنا الحملة ضد برنامج إيران النووي، وإنما ينبغي منح هذه المهمة إلى الولايات المتحدة والغرب تحت غطاء مجلس الأمن الدولي.

يناقش المؤلف أن هناك احتمالا لنجاح منع إيران من الحصول على السلاح النووي بواسطة فرض العقوبات السياسية والاقتصادية ضدها، شريطة أن يكون هناك اتفاق دولي وأن تكون العقوبات الاقتصادية مؤلمة ومستمرة وتحت مظلة مجلس الأمن الدولي.

ويدعو المؤلف إلى استنفاد العقوبات السياسية والاقتصادية إلى أقصى مداها ضد إيران، ولكن في حالة عدم تحقيقها الهدف المنشود، وعند اقتراب إيران من اللحظة التي يمكنها فيها صنع القنبلة النووية الأولى ينبغي استعمال القوة العسكرية لمنعها من الحصول على السلاح النووي. يشدد المؤلف على أن إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية هما الدولتان الوحيدتان اللتان تدرسان وتخططان للقيام بعملية عسكرية ضد مشروع إيران النووي.

وينوه إلى أن التلويح والتهديد باستعمال القوة العسكرية يخدم هدفين، الأول يشجع الدول الهامة في العالم إلى المضي قدما بخطى أسرع نحو العقوبات الاقتصادية المؤلمة ضد إيران، والثاني يبقي استعمال القوة العسكرية ملاذا أخيرا في حال فشل العقوبات الاقتصادية.

يؤكد المؤلف أن بإمكان إسرائيل القيام بالعملية العسكرية ضد المواقع النووية الإيرانية ووسيلتها في ذلك سلاحها الجوي أساسا وصورايخها بعيدة المدى.

وهو يرى أن مثل هذه العملية العسكرية معقدة ومركبة وتقف أمامها عدة مشاكل وتحديات، أبرزها بعد المواقع النووية الإيرانية عن إسرائيل والذي يتراوح ما بين 1200-1500 كم وتوزيع وانتشار هذه المواقع في أماكن مختلفة من إيران.

الأمر الذي يستدعي التنسيق لضرب عدة أهداف في نفس الوقت لضمان المفاجأة، وضرورة التزود بالوقود في الجو، مرة واحدة إذا مر من الأجواء الأردنية والعراقية، ومرتين إذا ما مر عبر البحر الأحمر فالمحيط الهندي، الأمر الذي يعقد العملية ويزيد من خطورتها بسبب سهولة إمكانية إسقاط طائرات التزويد بالوقود.

علاوة على ذلك المواقع النووية الإيرانية محصنة جيدا، وجزء كبير منها موجود تحت الأرض ولديها دفاعات من المدافع والصواريخ والطائرات.

وهذا يوجب أن تكون القوة الجوية الإسرائيلية المهاجمة كبيرة نسبيا لتشمل طائرات هجومية وطائرات اعتراض وطائرات تزويد بالوقود في الجو وطائرات دعم أخرى.

رغم هذه المشاكل يؤكد المؤلف أن بإمكان إسرائيل القيام بالعملية العسكرية بنجاح خاصة أنه ليست هناك ضرورة لضرب جميع المواقع النووية الإيرانية وإنما عدة مواقع فقط، تقوم بتخصيب اليورانيوم وإنتاج البلوتونيوم.

يشترط المؤلف توفر مجموعة من العوامل قبل قيام إسرائيل بالعملية العسكرية، وهي الحصول على معلومات مخابراتية دقيقة حول حالة الخطة النووية الإيرانية ومنشآتها النووية المعروفة والبحث المستمر والمستميت لمعرفة إذا ما كانت هناك مواقع نووية لا تعرف إسرائيل بوجودها.

يحبذ المؤلف أن تقوم الولايات المتحدة بتدمير المشروع النووي الإيراني، فهي تمتلك ترسانة قوية من الأسلحة المختلفة التي يمكنها من تحقيق هدفها بواسطة قصف هذه المواقع لأيام أو لأسابيع أو لأشهر إذا اقتضت الضرورة ذلك.

ويقر بأن هناك مصاعب ومشاكل كثيرة تقف أمام الخيار العسكري الأميركي، مرتبطة بالوضع الداخلي الأميركي وبالموقف الأوروبي وبوضع أميركا في العراق.

ولكنه يستطرد أن بإمكان الولايات المتحدة مواجهة هذه المشاكل والتغلب عليها إذا اقتنعت أميركا أن العملية العسكرية هي الطريق الوحيدة، بعد استنفاذ العقوبات الاقتصادية المؤلمة، لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي.

لكن المؤلف يقول "لا توجد ضمانة أن تقوم الولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية ضد إيران، كذلك لا توجد ضمانة بأن تنجح القوة العسكرية الأميركية في تحقيق هدفها، ليستخلص أن هناك احتمال أن تتمكن إيران من الحصول على السلاح النووي رغم جميع محاولات منعها". يناقش المؤلف في هذا القسم ما هو تأثير صنع إيران للقنبلة النووية على إسرائيل وعلى المنطقة، ويحاول أن يستقرئ السياسة النووية المستقبلية لإيران النووية.

ويشير إلى أن امتلاك إيران للسلاح النووي يخلق تهديدا خطيرا للغاية على إسرائيل، يحمل بين ثناياه وضع حد لوجودها. فلأول مرة سيمتلك نظام راديكالي يعلن أنه يسعى إلى إنهاء وجود إسرائيل، القدرة على إلحاق ضربة نووية بإسرائيل.

ويشدد المؤلف على أنه في اللحظة التي تمتلك فيها إيران قنبلتها النووية الأولى سيتعاظم تأثيرها في المنطقة. ولكن التأثير الأكبر والمعاني الأوسع ستظهر جليا بعد مرور عدة سنوات، عندما تمتلك إيران ترسانه نووية من 8-10 قنابل، على الأقل ووسائل إطلاقها.

ثم يطرح المؤلف سؤالا في غاية الأهمية، يفكر به ويخشاه كل إسرائيلي، وهو هل ستستعمل إيران سلاحها النووي ضد إسرائيل؟

يجيب المؤلف على هذا السؤال إن هناك مجموعة من العوامل التي تحد من هذه الإمكانية وتقود إلى تلاشيها، وهي أولا، أن أسباب امتلاك إيران للسلاح النووي هي دفاعية وأساسا ضد الولايات المتحدة، خاصة بعد سقوط كل من الاتحاد السوفياتي والعراق.

ثانيا، قوة الردع الإسرائيلي ضد إيران، فإسرائيل وفق المفهوم الإيراني، كما يقول المؤلف، دولة إقليمية قوية ذات ترسانة نووية كبيرة وذات مقدرة لتوجيه "ضربة ثانية" خاصة من الغواصات التي تمتلكها، ضد المدن الإيرانية ما سيؤدي إلى قتل الملايين من الإيرانيين. ثالثا، الردع الأميركي.

يتضح من طرح المؤلف أن خشية إسرائيل من احتمال قيام إيران باستعمال السلاح النووي ضدها ليس له ما يبرره على أرض الواقع، لأنه سيقود إلى دمار الدولتين وربما إنهاء وجودهما.

إن ما تخشاه إسرائيل وتسعى إلى منعه هو مجرد تحول إيران إلى دولة نووية، لأن ذلك يقود، وفق المؤلف، إلى تغيير إستراتيجي في الشرق الأوسط، تتغير فيه موازين القوى بصورة جذرية غير معهودة، ويخلق واقعا جديدا، تصبح فيه إيران دولة إقليمية هامة جدا وذات تأثير ونفوذ في المنطقة، وتشكل محورا قويا وهاما في مواجهة السياسة الإسرائيلية والأميركية.

إن من شأن حدوث ذلك, وفق المؤلف، أن يؤدي إلى تعزيز مكانة حلفاء إيران مثل سوريا وحزب الله، وأن يحد من قدرة إسرائيل على إلحاق الأذى بهم، ولعله يمنحهم مظلة نووية في مواجهة إسرائيل.

علاوة على ذلك، يشير المؤلف إلى أن امتلاك إيران للسلاح النووي بإمكانه أن يخلق حالة من الخوف والهلع في المجتمع الإسرائيلي التي قد تقود في المراحل الأولى إلى وقف الهجرة إلى إسرائيل وزيادة الهجرة المعاكسة وانخفاض الاستثمارات في إسرائيل.

ويستطرد المؤلف أن إيران النووية ستشكل ضغطا كبيرا على العديد من الدول خاصة مصر والسعودية وسوريا وتركيا والجزائر إلى محاولة اللحاق بها.

يناقش المؤلف في هذا القسم مسألتين أساسيتين، هما: هل يمكن إعادة العجلة إلى الوراء وكيف يمكن العيش مع إيران النووية؟

يستبعد المؤلف جدا إمكانية نزع سلاح إيران النووي بعد أن تصنعه. لذلك يدعو مرارا وتكرارا لبذل كل الجهود لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي.

ولكن إذا فشلت هذه الجهود فإن على إسرائيل التفكير في العيش مع وجود سلاح نووي مع إيران.

في مثل هذه الحالة يدعو المؤلف إلى اتخاذ الخطوات التالية، أولا، تعزيز قدرة الردع النووي الإسرائيلي، خاصة تقوية مركبات قدرات "الضربة الثانية" الإسرائيلية.

ثانيا, تعزيز التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، والتفكير بجدية، مجددا، توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة.

ثالثا، انضمام إسرائيل إلى الحلف الأطلسي في الوقت المناسب.

رابعا، إعادة النظر في سياسة إسرائيل النووية "الضبابية" والإعلان في الوقت المناسب عن إسرائيل دولة نووية.

خامسا، إقامة قنوات اتصال مباشرة أو غير مباشرة مع القيادة الإيرانية للتفاهم معها حول السياسة النووية وتوضيح "الخطوط الحمراء".

تكمن أهمية هذا الكتاب أنه يعبر إلى درجة كبيرة عن وجهة نظر النخبة الأمنية في إسرائيل، ولذلك فإنه يتجنب الدخول في تفصيل الخيارات العسكرية الإسرائيلية كلها كاحتمال استعمال السلاح النووي الإسرائيلي التكتيكي، مثلا، في تدمير المنشآت النووية الإيرانية.


"نشر في موقع "الجزيرة نت"

التعليقات