لجنة تعيين القضاة: أيديولوجيا يمينية وتناقض مصالح ودسائس

تسعى وزيرة القضاء الإسرائيلية، أييليت شاكيد، إلى تغيير المشهد القضائي ودفع مرشحين من اليمين وخصوصا الصهيونية الدينية إلى المناصب القضائية الرفيعة، وتنفذ ذلك من خلال صفقات مع رئيسة المحكمة العليا ورئيس نقابة المحامين، الرجل القوي في اللجنة

لجنة تعيين القضاة: أيديولوجيا يمينية وتناقض مصالح ودسائس

شاكيد ونافيه (المصدر: "فيسبوك")

بعد تشكيل حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية الحالية، تسعى وزيرة القضاء فيها، أييليت شاكيد، من كتلة "البيت اليهودي"، إلى تغيير المشهد القضائي من خلال منع ترقية قضاة لا يحملون فكرا يمينيا وتعيين آخرين يحملون أفكارا يمينية ويميلون نحو أيديولوجيا الصهيونية – الدينية بالأساس. ومن أجل تنفيذ ذلك، تحالفت شاكيد مع رئيس نقابة المحامين، إيفي نافيه، وكذلك مع رئيسة المحكمة العليا، مريم ناؤور، الأعضاء في لجنة تعيين القضاة. ولا تخلو عملية تعيين القضاة من تناقض مصالح ودسائس ومكائد، حسبما أظهر تحقيق بثته القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي مساء أول من أمس، الأربعاء.

ومن بين الأمور التي برزت خلال هذا التحقيق الصحفي، أن قضاة يرشحون أنفسهم للترقية في جهاز المحاكم، من محكمة الصلح إلى المحكمة المركزية أو من هذه الأخيرة إلى المحكمة العليا، ويقومون بعملية تسويق لأنفسهم لدى أطراف لجنة تعللين القضاة، وخاصة لدى الوزيرة والسياسيين أو لدى نقابة المحامين. وعقبت ناؤور رافضة لهذا الأداء، قائلة إنه "لا أريد أن يحاول القضاة إثارة إعجاب أحد ما".

وإحدى الوسائل التي يستخدمها قضاة لتسويق أنفسهم من أجل الترقية هي حضور مؤتمرات نقابة المحامين التي تعقد في مدينة إيلات. وعقبت قاضية المحكمة العليا المتقاعدة، أيالا بروكتشايا، بالقول إن "الخطر في هذا السياق هو نشوء أوضاع يوجد فيها نوع من الضغوط الشخصية، وربما يتلو ذلك التزام شخصي على غرار ’أنا أعطيك وأنت تعطيني’" بين القضاة والمحامين.

ولم يُخفِ رئيس نقابة المحامين نافيه، الذي يقرر مصير قضاة بالترقية أو عدمها، أن لمكتبه قضايا ينظر فيها قضاة يطلبون منه ترقيتهم. وقال إنه في إحدى الحالات رفض طلب قاض بالترقية، لأنه "قاض سيئ"، على حد قوله. وأضاف نافيه أن هذا القاضي بدأ بعد رفض طلبه بالتشدد في ملفات يمثلها مكتبه. لكن لأن نافيه يتمتع بنفوذ كبير، فقد توجه إلى رئيسة المحكمة العليا والوزيرة شاكيد يشكو القاضي الذي رفض طلبه بالترقية، وجرى الاتفاق على أن يتم النظر بالملفات التي يمثلها مكتبه أمام قضاة آخرين.

قضاة يمينيون

تتألف لجنة تعيين القضاة من تسعة أعضاء، هم وزيرة القضاء شاكيد، وزير المالية موشيه كحلون، وثلاثة قضاة من المحكمة العليا بينهم رئيستها، عضوا كنيست، أحدهما من حزب الليكود والآخر من حزب "يسرائيل بيتينو"، عضوان من نقابة المحامين أحدهما رئيس النقابة.

يقول رئيس نقابة المحامين السابق، المحامي يوري اغي – رون، إنه كان ينبغي تعيين القاضية روت رونين، من المحكمة المركزية في تل أبيب، قاضية في المحكمة العليا، لكن هذا لم يتم، "لأنه اتضح أن لزوجها علاقة ما مع ’الصندوق الجديد لإسرائيل’" الذي يعتبر أحد رموز اليسار الصهيوني الإسرائيلي، وهو عبارة عن جمعية تمول جمعيات ومنظمات حقوقية ومستهدفة من قبل الائتلاف الحكومي وجمعيات اليمين المتطرف. يشار إلى أن القاضية رونين كانت قد أصدرت أمرا بالسماح بنقل مواد غذائية إلى قطاع غزة. لكن بحسب الشهادات التي جمعتها القناة الثانية فإن رونين لم تعبر أبدا عن مواقف سياسية.

ونقل تحقيق القناة الثانية عن مسؤول رفيع في لجنة تعيين القضاة تأكيده على أن الوزيرة شاكيد رفضت دفع ترشيح رونين كقاضية في المحكمة العليا وذلك "فقط بسبب الانتماء السياسي لزوج القاضية".

وقالت ناؤور حول ذلك إنه "تم طرح أسماء مرشحين اعتقدت أنهم جديرون بالترقي لكونهم قضاة جيدون، ولم أنجح في دفع ترشيحهم بسبب أفكار ومواقف يحملونها أو نسبوها لهم".

وفيما رفضت شاكيد الاتهامات لها، وقالت إن رونين قاضية ممتازة، زعمت "أنا لا أعين قضاة لأنهم يعتمرون قلنسوة وإنما بموجب مستواهم المهني. ففي نهاية المطاف القاضي هو صورة عن موطنه وهو يحضر قيمه ومعتقداته إلى قراراته".

رغم ذلك، اعترفت شاكيد بأن لديها طاقم يجري تحقيقات ويعدّ ملفات حول كل واحد من المرشحين لمنصب قضائي. وقالت "نحن نجري تحقيقات حول أي مرشح. وفي حال كانت الترقية من المحكمة المركزية إلى المحكمة العليا فإني أفعّل عدة طواقم تحقيق حول المرشح وأقارن بين النتائج".

لكن نافيه، شريك شاكيد الأساسي بتعيين القضاة، أكد أنه "صحيح أنه توجد معارضة لتعيين رونين من جانب الوزيرة من الناحية السياسية. وتوجد لدى الوزيرة معارضة أيديولوجية سياسية. وعندما تكون هناك وزيرة من البيت اليهودي، وعضو كنيست من يسرائيل بيتينو وعضو كنيست من الليكود، وكحلون بينهم، هل تعتقد أنه بالإمكان الموافقة على تعيين مرشح من الجانب اليساري للخريطة السياسية وأن يدعموه؟ هي قاضية ممتازة؟ سيقولون إنه يوجد قضاة ممتازون آخرون لا ينتمون لليسار. وهذا شرعي جدا".

وفي حالة القاضي تسفي فايتسمان، وهو خريج ييشيفاة (معهد ديني يهودي) وينتمي لتيار الصهيونية الدينية، قال نافيه إن "الوزيرة أرادت دفع ترشيحه. نعم، هو قاض متدين. لا أعرف أين يسمن، وإذا كان يسكن في مستوطنة فإن هذا سيساعده. ونحن (النقابة) سنؤيد تعيينه".

وأضاف نافيه فيما يتعلق بتعيين القاضية ليمور بيبي ممان، من المحكمة المركزية في تل أبيب، أن "أييليت (شاكيد) أرادت ترقيتها، وذلك على ما يبدو لأنها مصنفة كقاضية لديها توجهات سياسية يمينية. ولم نكترث بهذه الاعتبارات لأنها قاضية جيدة".

نافيه إلى أن شاكيد رفضت تعيين القاضي رون سوكول، من المحكمة المركزية في حيفا، قاضيا في العليا، وأن النقابة وشاكيد اتفقا على تعيين رئيس المحكمة المركزية في حيفا، القاضي يوسف ألرون في العليا. ولفت نافيه إلى سوكول هو صهر القاضي المتقاعد من المحكمة العليا، تيودور أور، الذي ترأس لجنة أور للتحقيق في أحداث هبة أكتوبر العام 2000، التي قتلت الشرطة الإسرائيلية خلالها 13 مواطنا عربيا. وأصدر أور تقريرا يدين ممارسات الشرطة وعنصريتها تجاه العرب، وهو أمر لم يعجب اليمين الإسرائيلي. وقال نافيه أنه على الرغم من أن أور مارس ضغوطا من أجل تعيين صهره في العليا إلا أن شاكيد رفضت ذلك.

تهديد وعنصرية..

يعترف نافيه أنه يدفع بمرشحين من قِبله إلى السلك القضائي والترقية فيه. ويقول "إنني أدعم مرشحين من قبلي مثلما يدعم القضاة (في لجنة تعيين القضاة) المساعدين والمتدربين الذين عملوا لديهم. ويؤكد على أنه "توجد ممارسات سياسية لدى القضاة أيضا، مثلما يفعل السياسيون، والفرق هو أن السياسيين يضعون اعتباراتهم على الطاولة بينما القضاة لا يضعونها على الطاولة".

وأورد التحقيق التلفزيوني مثالا على أداء القضاة. وقالت إن القاضي رون سوكول سعى إلى تولي منصب رئيس المحكمة المركزية في حيفا، وأنه لهذا الغرض دعا ممثلة نقابة المحامين، المحامية تامي أولمان، إلى الاجتماع معه من أجل أن يستوضح ما إذا كانت النقابة ستدعم ترشيحه. لكن أولمان أبلغت بأن الإجابة سلبية، أي أنها لن تدعمه. بعد ذلك، بحسب القناة الثانية، راح سوكول يرسل مبعوثين عنه من أجل الضغط على أولمان، وحتى أن الأمور وصلت حد إرسال ثلاثة قضاة إلى المحامية "وكانوا يحملون رسائل تهديد غايتها إرهابي... أنا محامية جنائية وأرتاد المحكمة يوميا. وهم ألمحوا بأنه سيلحق ضررا في مصدر رزقي".

من جهة أخرى، اتهمت عضو لجنة تعيين القضاة، عضو الكنيست نوريت كورين، من حزب الليكود الحاكم، أعضاء اللجنة، وخاصة قضاة المحكمة العليا فيها بالعنصرية. وقالت إنه "عندما أذكر اسم مرشح من أصول شرقية، يتبين أن هذا الأمر ليس مريحا للقضاة الأعضاء في اللجنة. وهم يقولون إن هذا المرشح ’ليس جيدا بدرجة كبيرة’، أو أنه ’ليس مؤهلا كثيرا’ وأنه ’يوجد مؤهلون أكثر منه’. وأدركت أنه ما زالت هناك عنصرية وأنه سيكون من الصعب تعيين مرشح".

وعقب نافيه على ذلك قائلا إن "نوريت تريد دفع ترشيح قاضية من أصول يمنية"، في إشارة إلى القاضية راحيل عوركابي من محكمة الصلح في القدس. وقالت كورين إن "عوركابي قاضية جيدة لكني فعمت أنها ليست من النخبة القضائية وسيكون من الصعب جدا هضمها، وذلك لأنها من أصول شرقية. أتهم أعضاء اللجنة بالعنصرية وهذا أمر موجود".

وكما هي العادة في لجنة تعيين القضاة، فإن التعيينات تجري في غالب الأحيان بصفقة بين السياسيين والقضاة والمحامين الأعضاء في اللجنة. وفي حالة القاضية اليمنية الأصول عوركابي، توصلت عضو الكنيست كورين إلى صفقة كهذه مع شاكيد ونافيه. لكن قبل الاجتماع الحاسم لتعيين القاضية اليمنية الأصول، هددت رئيسة المحكمة العليا ناؤور، التي تقاعدت مؤخرا، بأنها لن تحضر اجتماع اللجنة، ما يعني أن الأعضاء القضاة لن يحضروا الاجتماع وبالتالي تفجيره. وبعد ذلك تم التوصل إلى اتفاق بين كورين وشاكيد على إرجاء ترقية عوركابي وعدم ترقيتها حاليا.

تحقيق القناة الثانية إلى الإشارة إلى أن صداقة حميمة تجمع ما بين الوزيرة شاكيد والقاضية ناؤور والمحامي نافيه، وأنهم على اتصال دائم فيما بينهم وأنهم يتبادلون الرسائل النصية حتى في ساعات الليلة المتأخرة.

التعليقات