خبراء إسرائيليون يتخوفون من تبعات الضم على العلاقات مع الخليج

"المستوطنات لا تسهم بأمن الدولة، بل على العكس. فهي تثقل على الأمن وتسهم في تطرف الفلسطينيين والعرب"* "الضم سيكون بمثابة ’قبلة الموت’. وخطوة كهذه ستقضي نهائيا على القناعة لدي إسرائيليين ويهود العالم بأن إسرائيل هي دولة تنشد السلام"

خبراء إسرائيليون يتخوفون من تبعات الضم على العلاقات مع الخليج

مظاهرة في مدينة الخليل رفضًا للاستيطاني و"صفقة القرن" الأميركية المزعومة (أ ب أ)

منح القياديان في حزب "كاحول لافان"، بيني غانتس وغابي أشكنازي، اللذان توليا منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، زعيم اليمين، بنيامين نتنياهو، دعما لتنفيذ مخطط ضم مناطق في الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، رغم تصريحهما بأن تنفيذ ذلك ينبغي أن يتم "بموافقة دولية"، خلافا لموقف نتنياهو واليمين بتنفيذه بشكل أحادي الجانب. ورغم ذلك، وافق "كاحول لافان" على شمل تنفيذ مخطط الضم في الاتفاق الائتلافي لتشكيل الحكومة المقبلة، التي يتوقع انطلاق ولايتها الأسبوع المقبل، وبدء إجراءات فعلية لتنفيذ الضم بحلول تموز/يوليو المقبل.

إلى جانب ذلك، شدد الباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، غلعاد شير، في مقال نشره في صحيفة "هآرتس" اليوم، الخميس، على أنه "لا يوجد ولو شخص واحد في (معسكري) الوسط واليسار الصهيوني يؤيد انسحابا كاملا إلى الخط الأخضر".

واعتبر أن الخلاف في إسرائيل بشأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، "هو بين أمنيين إسرائيليين الذين يدافعون عن أمن الدولة وصبغتها وبين خلاصيين من اليمين العميق، الذين يملون مواقف على اليمين الحزبي. والمجموعة الأولى تحب الجيش الإسرائيلي وتحمي بجسدها قيم وثيقة الاستقلال. وبالإمكان شمل يساريين ويمينيين بها. والمجموعة الثانية لا تتردد عن الاعتداء على الجنود الإسرائيليين وعرقلة عملهم، أو دعم سياسيين فاسدين في البلاد والعالم من أجل ضمان ضم المناطق (المحتلة)".

وأشار إلى أن حكومتي "الوسط – يسار" في العشرين عاما الأخيرة، واللذين ترأسهما إيهود باراك وإيهود أولمرت، أيدتا ضم الكتل الاستيطانية، التي يسكنها قرابة 75% من المستوطنين، إلى إسرائيل، وليس "المستوطنات المعزولة في عمق الأراضي الفلسطينية، وأرفقوا ذلك بمطالب حول ترتيبات أمنية صارمة، مستقرة وطويلة الأمد".

وحسب شير، فإنه "مثل غانتس وأشكناس، حتى انضمامهم إلى حكومة نتنياهو، فإن جميع رؤساء جهاز الأمن وكبار المسؤولين فيه يقولون، إن الإسراع نحو فرض سيادة على 30% من الضفة عديم الفائدة. وهم يرون بضم المستوطنات انحرافا عن الرؤية الأساسية لدولة إسرائيل كدولة يهودية، ديمقراطية، آمنة وأخلاقية، بحدود معترف بها وتلقى شرعية دولية. كما أنه يتوقع أن خطوة كهذه، في تقديرهم، ستمس بعلاقات السلام مع الأردن ومصر، وستليها أعمال عنف وإرهاب، ومعارضة دولية من جانب أصدقائنا أيضا، وإنهاء التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية وانهيار السلطة".

وأضاف شير أنه "من دون أمن لن يكون أي اتفاق معقولا، وعلى إسرائيل أن تعمل بموجب مصلحتها القومية فقط لا غير. والحقيقة هي أن المستوطنات لا تسهم بأمن الدولة، بل على العكس. فهي تثقل على الأمن وتسهم في تطرف المنظمات الإرهابية. ويستثمر الجيش الإسرائيلي في يهودا والسامرة (أي الضفة) قوات كثيرة في حماية المستوطنات ومحاور السير، من دون تناسبية مع القوات والوسائل المستثمرة مقابل غزة أو الجبهة الشمالية، الأخطر بكثير. والثمن الذي يدفعه الجمهور كله، هو أن الجيش يتدرب أقل ومستعد أقل لمواجهة عسكرية متعددة الجبهات. ومحاربة الإرهاب لا تعتمد على المستوطنات،، وإنما تستند إلى جمع معلومات استخبارية، سيطرة على غلاف المنطقة، وحرية عمل عسكري. ولا حاجة إلى فرض السيادة في غور الأردن أيضا، ومطلبنا هو أن يكون حدودا أمنية لإسرائيل لسنوات عديدة".

رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، حاملا خريطة الضم (أ.ب.)

واعتبر شير أنه "ينبغي استغلال أجزاء من خطة دونالد ترامب ("صفقة القرن") كمرساة لأمن إسرائيل والمفاوضات، في حال جرت. والمنطق الموجود في أساس الخطة، وبموجبه لا يمكن تجاهل الواقع الحاصل على الأرض، يخدم المصالح الإسرائيلية. وسيقرب إدراك الفلسطينيين أن الزمن لا يلعب في صالحهم. وعلى حكومة إسرائيل أن تدفع بمساعدة الخطة واقع الدولتين المنفصلتين، من خلال الحفاظ على شروط تسوية مستقبلية. وعليها تنفيذ ذلك من خلال خطوات مستقلة أيضا، من دون المس بمفاوضات مستقبلية ومتعلقة بنا فقط".

تهديد "مخاطر الضم" على إسرائيل

لفت المحاضر في قسم الدراسات الإسلامية والشرق الأوسط في الجامعة العبرية في القدس وعضو إدارة معهد "ميتافيم"، البروفيسور إيلي بوديه، في مدونة المعهد، إلى نشوء ثلاثة عوامل مختلفة وغير مألوفة، بنظر حزب الليكود واليمين الإسرائيلي عموما، وتشكل "فرصة تاريخية من أجل تحقيق حلمه الأيديولوجي" بتنفيذ مخطط الضم، وهي:

العامل الأول هو انتشار وباء كورونا، "الذي أزال عن الأجندة العالمية والإقليمية العناية بالصراعات ومنح حيز عمل للاعبين محليين لاستغلال فرص. هكذا يحدث في اليمن، ليبيا وكذلك في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني".

العامل الثاني هو وجود ترامب في البيت الأبيض "كرئيس داعم ومسؤول عن عدة خطوات أحادية الجانب لصالح إسرائيل، مثل نقل السفارة إلى القدس، وقف الدعم للأونروا ونشر صفقة القرن، التي تمنح تفويضا لإسرائيل لضم مناطق في الضفة الغربية. إلى جانب ذلك، فإن أداء ترامب الفاشل خلال أزمة كورونا قد يقود، في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، إلى انتخاب المرشح الديمقراطي، جو بايدن، الذي صرح أن على الولايات المتحدة ممارسة ضغوط على إسرائيل من أجل التقدم باتجاه حل الدولتين. والتخوف من عدم انتخاب ترامب لولاية ثانية يُبقى لدى نتنياهو نافذة زمنية ضيقة لتنفيذ قرار الضم".

والعامل الثالث هو أن دول الشرق الأوسط منشغلة بمشاكلها. "وهذا الأمر ينطبق خصوصا على إيران وتركيا، اللتين تواجهان حاليا الانعكاسات القاسية لكورونا. والوباء لم ينتشر – بعد؟ - في الدول العربية، لكن عواقبه الاقتصادية، بانخفاض أسعار النفط وتوقف السياحة وغير ذلك،، إضافة إلى المصاعب التي رافقت تحولات ’الربيع العربي’، تُنبئ بتوقعات اقتصادية مكفهرة. وقد ينبع عن ذلك عواقب سياسية من ناحية استقرار الأنظمة، ولذلك فإن القضية الفلسطينية ليست في رأس اهتمامات قادة الدول العربية".

وأشار بوديه إلى أن "الصياغة الضبابية للاتفاق الائتلافي لا يفصل حجم المنطقة التي سيتم ضمها. ولذلك توجد عدة احتمالات: مناطق المستوطنات – التي كان يتوقع أن تنتقل إلى إسرائيل في إطار اتفاق مستقبلي، والتي جرى بحثها في جولات محادثات مختلفة في الماضي، مثل الكتل الاستيطانية القريبة من الخط الأخضر. ولكن يتعين على إسرائيل، وفق المحادثات السابقة، نقل مناطق بمساحات مطابقة إلى السلطة الفلسطينية؛ أو مثلما تعهد نتنياهو خلال حملته الانتخابية، ضم غور الأردن، الذي تعادل مساحته 17% من مساحة الضفة؛ ثالثا، سيناريو متطرف بضم المناطق C كلها، التي تشكل 60% منن مساحة الضفة. وبالإمكان الافتراض أن أحد السيناريوهين الأولين واقعي أكثر على ضوء بنية الائتلاف المتوقع".

وأشار بوديه إلى 7 "مخاطر" تهدد إسرائيل في الحلبتين الدولية والإقليمية في حال قررت تنفيذ الضم:

أولا، الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، وأعلن أنه لن يعترف بـ"سيادة" إسرائيل في المناطق المحتلة عام 1967، وأن الضم لن يمر بهدوء، وعارض "صفقة القرن"، وتنفيذ الضم سيدفع الاتحاد إلى اتخاذ خطوات عقابية ضد إسرائيل في المجالين الاقتصادي والسياسي.

ثانيا، "لن تتمكن السلطة الفلسطينية والفلسطينيين في أنحاء العالم من الصمت حيال الخرق السافر للستاتيكو. وإمكانيات الرد كثيرة: عدا التنديد العلني المتوقع، قد تندلع مواجهات في الضفة الغربية ويمكن أن تتدهور إلى انتفاضة ثالثة. وهذه المرة يمكن أن تتحول الانتفاضة إلى احتجاج ضد السلطة وإسرائيل بسبب الوضع الاقتصادي. والسلطة قد توقف بالكامل تعاونها الأمني مع إسرائيل، وربما تقرر حل نفسها. وخطوة كهذه ستلزم إسرائيل، مرغمة، بفرض نظام عسكري من جديد على الضفة".

ثالثا، "حماس في غزة وحزب الله في لبنان، بمساعدة ودعم إيران، قد تصعدان الوضع عند الحدود، وأن يقود ذلك إلى حرب أيضا".

فوز بايدن بالرئاسة قد يقلب الوضع (مكتب الصحافة الحكومي)

رابعا، "الدول العربية سترد بهجوم بطرق مختلفة. فقد حذرت جامعة الدول العربية من أن الضم سيشكل ’جريمة حرب جديدة’. ورغم أنها فاقدة للقوة،، إلا أن لبياناتها أهمية سياسية وأخلاقية يمكن أن تؤثر على الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل. وقد تسحب الأردن ومصر سفيريهما. وبما أنهما اتخذتا خطوة كهذه في الماضي، فإنه قد ينفذون في عمان والقاهرة خطوة متطرفة أكثر، وتهديد سلامة اتفاقيتي السلام. وهما تعملان من وراء الكواليس في أنحاء العالم، وربما مقابل إسرائيل أيضا، في محاولة لمنع الضم".

خامسا، "التعاون الجاري من وراء الكواليس بين إسرائيل ودول الخليج قد يتضرر في أعقاب الضم. والمسلسلات التي يتم بثها في الخليج حاليا، في رمضان، تدل على حدوث تغيير نحو الأفضل في صورة اليهود وإسرائيل هناك، وأن التعاون ليس عفويا. لكن القرار بضم أجزاء من الضفة سيضع مصاعب أمام العائلات المالكة لمواصلة زخم تحسين العلاقات، وربما سيقود إلى توقفه".

سادسا، في حال هزيمة ترامب في الانتخابات، "قد تتبنى الإدارة الأميركية الجديدة مجددا الموقف التقليدي الذي رأى بالمستوطنات عقبة أمام السلام، والانسحاب من موافقتها على الضم، وربما من سياسة ترامب تجاه القدس".

سابعا، "يكمن في فكرة الضم خطرا أكبر من وجهة النظر الإسرائيلية الداخلية. فخطوة كهذه هي بمثابة تصفية لحل الدولتين، التي ستبقي فكرة الدولة الواحدة على أنها الإمكانية البارزة الوحيدة. وتعني فكرة الدولة الواحدة نهاية حلم الدولة اليهودية والديمقراطية. وتتعالى أصوات كثيرة اليوم التي تقول إن المشروع الاستيطاني قضى عمليا على إمكانية حل الدولتين، لكن إذا بقي هناك أمل، فإن الضم سيكون بمثابة ’قبلة الموت’. وخطوة كهذه ستقضي نهائيا على القناعة، التي ما زالت موجودة لدى الكثيرين في إسرائيل وفي أوساط اليهود في العالم، بأن إسرائيل هي دولة تنشد السلام، ومعنية بالتوصل إلى حل مع الفلسطينيين. وعمليا، فإن الضم سيزيل نهائيا القناع الذي وضعه قادة إسرائيل على وجههم طوال سنوات عديدة".

التعليقات