إسرائيل مضطرة لأخذ مصالح روسيا بسورية بالحسبان بعد الانسحاب الأميركي

المحللون الإسرائيليون مختلفون حول تبعات الانسحاب الأميركي من سورية، خصوصا بشأن بالوجود الإيراني في سورية. ورأى البعض أنه لن يؤثر على العمليات العسكرية الإسرائيلية، فيما تحسب الآخرون من أن الانسحاب سيعمق الوجود الإيراني

إسرائيل مضطرة لأخذ مصالح روسيا بسورية بالحسبان بعد الانسحاب الأميركي

قوات أميركية في سورية، نيسان/أبريل الماضي (أ.ب.)

أظهرت التحليلات المنشورة في الصحف الإسرائيلية اليوم، الجمعة، اختلافات في الرأي حول تبعات انسحاب القوات الأميركية من سورية، التي أعلنت عنها إدارة دونالد ترامب، خصوصا في ما يتعلق بالوجود الإيراني في سورية. ورأى البعض أن انسحابا كهذا لن يؤثر على العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، فيما عبر البعض الآخر عن تحسب إسرائيل من أن الانسحاب الأميركي سيعمق الوجود الإيراني في سورية.

وكتب المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، إن "جهاز الأمن (الإسرائيلي) يستعد لاحتمال أن تحاول ’قوة قدس’ الإيرانية استغلال وقف الوجود الأميركي في سورية من أجل استئناف تموضعها في سورية بشكل أكبر".

وأضاف أنه "بموجب تقييم الوضع في إسرائيل، فإن الإيرانيين سيحاولون في المرحلة الأولى فحص رد الفعل الروسي والإسرائيلي لمحاولات فتح محاور نقل أسلحة من إيران إلى سورية واستئناف النشاط المشترك مع السوريين من أجل إنتاج صواريخ متطورة. وإذا كان رد الفعل الإسرائيلي أو الروسي فاترا، سينتقل الإيرانيون إلى المرحلة القادمة وسيوسعون نشاطهم في سورية".

واعتبر فيشمان أن وضعا كهذا سيستدعي تصعيدا، ورجح أن إسرائيل وروسيا ستحاولان لجم محاولات إيرانية أولية لإعادة بناء مواقع في سورية. وبحسبه، فإن "إسرائيل نجحت حتى الآن في منع الإيرانيين من إدخال مكثف لمليشيات شيعية وإنشاء قواع، مطارات وإدخال عتاد متطور. وقبل بضعة أسابيع، وعلى خلفية الأزمة بين إسرائيل وروسيا (إثر إسقاط الطائرة الروسية)، بدأوا في جهاز الأمن ببلورة إستراتيجية جديدة وفقا للتغيرات في المنطقة".  

وأشار فيشمان إلى أن جهاز الأمن الإسرائيلي لم يفاجأ من قرار سحب القوات الأميركية، وأنه تم أخذ هذه الإمكانية بالحسبان. "لكن التوقيت لم يكن متوقعا. والتقديرات في إسرائيل هي أن ترامب قرر الإعلان عن ذلك الآن كبشرى عشية عيد الميلاد"، كما أن سحب هذه القوات ينسجم مع توجه أميركي شامل بخفض القوات في حوض البحر المتوسط والتركيز على الشرق الأقصى، وهو توجه بدأ خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما.  

ولفت فيشمان أيضا إلى أن إسرائيل تابعت المجهود الأميركي لتحسين العلاقات المتوترة مع تركيا. والمحادثات الأميركية – التركية حول عدم إبقاء فراغ جراء الانسحاب من سورية وأن تحافظ تركيا على المصالح الأميركية هناك، "كان مؤشرا لإسرائيل بأن الانسحاب قريب".

وأضاف أن "إسرائيل مهتمة للغاية بالمعبر الحدودي بين العراق وسورية في التنف، الذي يشكل مسارا بريا مباشرا من طهران إلى دمشق. وفي هذه النقطة تواجد جنود أميركيون وبريطانيون ومنعوا دخول مليشيات شيعية وقوافل إيرانية. وفي إسرائيل ينتظرون رؤية أية قوات ستحل مكانهم: ميليشيات موالية لإيران أو روسيا، بمساعدة جيش الأسد، المعنيّ بتموضع إيراني في سورية".

وتابع فيشمان أنه "واضح لجهاز الأمن أنه بالانسحاب الأميركي، سيشعر الروس أحرارا أكثر للعمل بصورة متشددة. وقد يتم التعبير عن ذلك باتخاذ مواقف أكثر تشددا مقابل إسرائيل وبمحاولة وضع مصاعب على قسم من عمليات الجيش الإسرائيلي. وقد يتم التعبير عن ذلك بنشاط روسي حازم مقابل محاولات التوسع الإيرانية. وفي هذه الحالة، تصبح الصورة الإستراتيجية الإسرائيلية أكثر توازنا، وحتى أنه ستكمن فيها فرصا لتوثيق التعاون مع الروس من أجل إبعاد الإيرانيين".

كذلك اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أنه "بالنسبة لإسرائيل، يوجد هنا استنتاج فوري وعبرة بعيدة الأمد. والاستنتاج الفوري هو أن تحقيق التطلع إلى إبعاد القوات الإيرانية والمليشيات الشيعية عن سورية ليس قريبا. وروسيا باعت إسرائيل وعودا فارغة، آخذة بالتلاشي بعد نصف سنة، والولايات المتحدة ليست متحمسة لتقديم المساعدة. ورغم أن الجيش الإسرائيلي سجّل نجاحات بسلسلة المواجهات مع حرس الثورة الإيراني في سورية في الربيع الماضي، إلا أن هذا لا يعني أن إيران تنازلت عن مخططاتها".

وأضاف أن "العبرة البعيدة الأمد، هي أن ترامب، في وضعه الحالي، تحول إلى سندا ضعيفا. ورغم تعاطفه الأساسي يمنحه لإسرائيل، وحتى لو أنه محاط بأفراد عائلة ومستشارين وأثرياء يهود، فإن هذا الرجل يرزح تحت مصائب كبيرة للغاية ويتصرف بصورة غير ثابتة، لدرجة أن حكومة نتنياهو لا يمكنها أن تكون واثقة من دعمه لفترة طويلة".  

ورأى هرئيل أن "احتمال أن تدفع الإدارة ’صفقة القرن’ مع الفلسطينيين تبدو الآن ضعيفة، وكذلك إمكانية أن يتصالح الرئيس فجأة مع الإيرانيين، مثلما فعل مع الدكتاتور من كوريا الشمالية".

 تعويض أميركي لإسرائيلي: الاعتراف "بسيادتها" بالجولان المحتل

على النقيض من التحليلات أعلاه، اعتبر الباحث في الشؤون الأميركية في جامعة حيفا، البروفيسور أبراهام بن تسفي، في صحيفة "يسرائيل هيوم"، أنه "خلافا للتقدير السائد، فإن قرار الرئيس ترامب بإنهاء الوجود الأميركي في الأراضي السورية في المستقبل القريب لم يكن نتيجة نزوة مفاجئة أو افتعال موقف آني. بل على العكس، فالحديث يدور عن تطبيق خطة تبلورت منذ مدة، وجرى إرساؤها في تطلعه الأصلي للمرشح ترامب بالانفصال عن مراكز الاحتكاك، حرب وأزمة، لم تشكل بنظره تهديدا ملموسا وداهما على أمن الأمة الأميركية".

القوات الأميركية بسورية: مهمات مراقبة بالأساس (أ.ب.)

وأضاف أنه "في فكر ترامب، سواء أثناء المعركة الانتخابية أو بعد القسم كرئيس، اعتبر التدخل في سورية، من جانب إدارة أوباما في العام 2015، أنه يكمن فيه احتمال خطير بالتصعيد والتورط في نزاع دموي، من خلال مقتل جنود واستثمار كبير للموارد. وصحيح أنه طالما كانت داعش كيانا راديكاليا ومتطرفا مركزيا في جبهة القتال في سورية، وافق الرئيس على استمرار الوجود الأميركي في الحلبة، شريطة أن تبقى محدودة في المنطقة الشمالية الشرقية، التي في مركزها الجيب الكردي. واليوم، بعض الضعف الكبير للتنظيم الدموي، يشكل قرار الانفصال نتيجة طبيعية ولا يمكن منعها لرغبة ترامب الواضحة والمعلنة بتقليص حجم الالتزام والتدخل الأميركي الشامل وراء البحار".

وتابع بن تسفي أنه "في السياق السوري، كرر الرئيس الإعلان مرة تلو الأخرى عن نيته هذه، بما في ذلك في الربيع الماضي، ولم يشترط هذه الخطوة الأحادية الجانب بأية شروط مسبقة مثل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في سورية، تخرج كافة القوات الأجنبية من الأراضي السورية".

ورأى بن تسفي أن الانسحاب الأميركي من سورية، وقوام القوات 2000 مستشار عسكري ومرشدين وحراس، لن يؤثر على قوة الولايات المتحدة وتأثيرها، خاصة وأن "الكرملين لم يعد يعتبر بنظر البيت الأبيض عدوا عالميا".

وتوقع بن تسفي أن تعوّض الإدارة الأميركية إسرائيل على انسحابها من سورية بتأييد مبادرة عضوي مجلس الشيوخ كروز وكوتون للاعتراف "بسيادة إسرائيل" على هضبة الجولان المحتلة. وأضاف أنه "بالنسبة للكرملين، فإن نتيجة محتملة لمبادرة الانفصال (الأميركية) قد تكون على شكل توسيع وتعميق التعاون والتنسيق الإستراتيجي مع إسرائيل في سماء سورية. وهذا ليس حتما بسبب تأييد أو حساسية زائدة للمشاكل الأمنية الإسرائيلية، وإنما من أجل الحفاظ على نظام التوازنات والكوابح، الذي يستند إلى الغاية الروسية الأساسية بمنع تعاظم قوة زائد للاعب الإيراني في سورية".     

إسرائيل وروسيا

خلافا لفيشمان وهرئيل، كتب المحلل العسكري في صحيفة "معاريف"، طال ليف رام، أن "التقديرات في إسرائيل هي أن لانسحاب القوات الأميركية لن يكون تأثير ملموس على إمكانية شن سلاح الجو غارات في سورية. وفي صلب هذا التقدير حقيقة أن إسرائيل عملت في سورية بعد إسقاط الطائرة الروسية أيضا، وإن كان ذلك بحجم أقل من الماضي، ومن دون تقارير إعلامية وتعتيم".  

وأضاف ليف رام أن "الاعتقاد في إسرائيل أن الأزمة مع الروس، في أعقاب إسقاط الطائرة، بات من ورائنا. زد إلى ذلك أنه في أوج الأزمة لم تطلب روسيا من إسرائيل الامتناع عن مهاجمة أهداف لحزب الله أو إيران. وساعدت في ذلك الزيارات الأخيرة لوفود الجيش الإسرائيلي إلى روسيا واستعراض كشف أنفاق حزب الله عند حدود لبنان. ورغم أن إسرائيل تعمل أقل في سورية، لكن إيران وحزب الله فهما الرسائل من موسكو وهما حذران أكثر حيال المس بمصلحة روسيا بإعادة الاستقرار إلى سورية".

وأشار إلى أن "خطوة ترامب الأحادية الجانب لم تفاجئ جهاز الأمن، وكانت ’ماثلة في الجو’ منذ فترة طويلة، والاحتمالات التي مُنحت لصفقة أميركية – روسيا، كانت ستصب في مصلحة إسرائيل، كانت ضئيلة جدا".   

وأضاف ليف رام أنه "من الناحية العملانية، لم يشارك الأميركيون في المعركة التي تخوضها إسرائيل ضد تموضع إيران في سورية والعمليات التي نفذتها ضد مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله. بل أنه وفقا لتقارير أجنبية لم يحبوا في واشنطن الهجمات المنسوبة لإسرائيل ضد أهداف إيرانية في منطقة البوكمال الواقعة تحت سيطرة عسكرية أميركية، في نهاية نيسان/أبريل الماضي. والرسالة إلى إسرائيل كانت واضحة، وهي أن الانسحاب الأميركي هو عملية حقيقة منتهية، وعلى الأقل من الناحية العملانية، يحرر الانسحاب الأميركي من هذه المنطقة ومن منطقة التنف إسرائيل من قيود واشنطن، وإذا نشط الإيرانيون في هذه المناطق، فإن الجيش الإسرائيلي قد يكثف عملياته فيها".

لكن من الناحية الأخرى، أشار ليف رام إلى أنه "في المستوى الإدراكي، ترسخ روسيا، عمليا، ما كان واضحا منذ فترة، بأنها بقيت الدولة العظمى المتنفذة في المنطقة، وحرية العمل الإسرائيلية في سماء سورية محدودة الضمان ومشروطة بالمصالح الروسية فقط. وبهذا المفهوم، فإن الانسحاب الأميركي هو حقيقة منتهية، وذو قيمة رمزية، لكن في الشرق الأوسط توجد أهمية للرموز أيضا".    

التعليقات