"تنوفاه": خطة كوخافي لاستهداف المدنيين بزعم حسم الحرب

خطة كوخافي التي يفترض أن تحل مكان خطة "غدعون"، التي وضعها سلفه آيزنكوت، تقضي باستهداف المدنيين في غزة ولبنان. لكن يُستبعد أن تقرها الحكومة كونها تتعارض مع رؤية نتنياهو الأمنية، ومن شأنها أن تزيد عزلة إسرائيل في العالم

(أرشيفية - أ ب)

أعدّ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، خطة عمل عسكرية متعددة السنوات، أطلق عليها اسم "تْنوفاه" (زخم أو قوة دافعة)، وهي الخطة الإستراتيجية لتفعيل قوات الجيش، وستحل مكان خطة "غدعون"، التي وضعها رئيس أركان الجيش السابق، غادي آيزنكوت. وبالإمكان القول بداية، من تفاصيل خطة "تنوفاه"، التي نشرها المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، اليوم الجمعة، أنها تبدو، في حال تطبيقها، خطة لارتكاب جرائم حرب، ولكن في الوقت نفسه، يبدو أن كوخافي كان في حالة هوسٍ أثناء بلورتها، ويتوقع ألا تصادق الحكومة عليها أو تطلب إجراء تعديلات عليها. وهذه الخطة لا تتحدث فقط عن "إبادة العدو" العسكري، وإنما عن استهداف المدنيين في قطاع غزة ولبنان.

واستعرض كوخافي خطته هذه، يوم الإثنين الماضي، خلال اجتماع لضباط الجيش الإسرائيلي، الذي يحملون رتبة عقيد فما فوق. ويفترض أن تدخل خطة "تنوفاه" حيز التنفيذ في مطلع العام المقبل وينتهي سريانها في العام 2024. وتختلف خطة كوخافي عن خطة "غدعون" التي وضعها آيزنكوت، وكان في مركزها تعزيز سلاح البرية وقدرة الردع وتنفيذ عملية عسكرية، توصف بأنها "المعركة بين حربين" وغايتها ضرب قدرات "العدو"، مثل الغارات المتتالية ضد مواقع إيران وحزب الله في سورية.  

وبحسب فيشمان، فإن خطة كوخافي الجديدة تقضي "بإبادة منهجية للعدو. والوحدات المقاتلة تُختبر وفقا لعدد القتلى والجرحى الذين يسقطون في الجانب الآخر، إلى جانب الأسلحة التي يتم تدميرها. وبعد الآن لن يتم شن عمليات عسكرية متواصلة، والالتفات خلالها إلى الجانب السياسي، التي كانت غايتها جعل العدو ينزف من أجل كسب الوقت وردعه حتى ينتعش، قم يقف على رجليه ويقرر ما إذا كان يريد مواصلة القتال".

وأضاف فيشمان أن "كوخافي يتحدث ضربة قاضية في الجولة الأولى، التي تعني تصفية جسدية، عنيفة، خلال وقت قصير، بوتيرة مئات القتلى للعدو يوميا، وبحيث تكون النتيجة واضحة لجميع الأطراف. وسيتعين على وحدة عسكرية تدخل إلى أنظمة العدو أن تدمر، كإنجاز مطلوب، أكثر من 50% من قوة العدو. وهذا ينطبق على لبنان وغزة".

وكان كوخافي قد ألغى أو غيّر، فور توليه رئاسة الأركان، خططا عسكرية ضد حزب الله، وكان قد بلورها خلال توليه قيادة الجبهة الشمالية. لكن نقطة ضعف خطة كوخافي ستظهر، حسب فيشمان، لدى طرحها أمام الحكومة، "التي لن تضطر فقط إلى زيادة الميزانيات، وإنما لاستيعاب مفهوم عسكري – سياسي مختلف عما اعتاد عليه أيضا. وفي الوقت الحالي، وربما حتى نهاية العام الحالي أيضا، لن يكون بالإمكان طرح خطة كوخافي على الحكومة، كونها حكومة انتقالية، ولأن الانتخابات العامة للكنيست ستجري في منتصف أيلول/سبتمبر، بينما تشكيل الحكومة المقبلة قد ينتهي بحلول نهاية العام. "والآن، كل شيء بالأشخاص الذين سيشكلون الحكومة المقبلة: من سيكون القادة السياسيين – الأمنيين الذين سيصادقون على خطة العمل المتعددة السنوات التي يطرحها كوخافي، بما في ذلك الميزانيات ومقتنيات الأسلحة".

استبعاد الحكومة أثناء الحرب

وتطالب خطة كوخافي الحكومة بعدم التدخل في مجرى الحرب بعد اتخاذ قرار بشنها. "ينبغي البحث في اعتبارات سياسية مثل الحفاظ على حكم حماس أم لا قبل صدور الأمر للجيش الإسرائيلي بشن الحرب. وتدخل المستوى السياسي خلال القتال، الذي سيسبب وقف وتيرة التدمير، سيفقد الخطة العسكرية مفعولها. واستكمال المهمة مشروط بممارسة قوة كبيرة ثابتة على مدار فترة، وإلا فإن الإنجاز المطلوب، أي تدمير فعلي لقوة العدو الأساسية، لن يتحقق...".

وأشار فيشمان إلى أنه من الصعب أن توافق الحكومة على خطة كوخافي، لأنها تشمل اجتياحا بريا، فيما تتخوف القيادة السياسية الإسرائيلية من اجتياح كهذا يكون مقرونا بسقوط قتلى وجرحى من الجنود الإسرائيليين.       

ويصف كوخافي حركة حماس وحزب الله بأنهم "جيوش إرهابية"، أي ليست منظمات أو ميليشيات. وحسب أقوال كوخافي في الاجتماع الأول لهيئة الأركان العامة تحت قيادته، في 16 كانون الثاني/يناير الماضي، فإن الفجوة بين حماس وحزب الله تتضاءل، "لأن العدو يواصل تطوير واستغلال أفضلياته النسبية في مجال الاختفاء داخل سكان مدنيين وتحت الأرض، ويبني قوة قوة هجومية، ويحسن كميات ودقة القذائف الصاروخية ويستخدم أسلحة جديدة نسبيا، مثل الطائرات الصغيرة المسيرة والطائرات من دون طيار".

وأشار فيشمان إلى أن خطة "تنوفاه" مشابهة جدا لمضمون الوثيقة التي أعدها عضوا لجنة متفرعة عن لجنة الخارجية والأمن في الكنيست عومر بار ليف وعوفر شيلح، بداية العام الحالي، بعنوان "القوة البرية في الجيش الإسرائيلي في العقد المقبل". وأعد عضوا الكنيست هذه الوثيقة ردا على "مفهوم الأمن 2030" الذي استعرضه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أمام المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية. ويشمل هذا المفهوم الأمني جوانب سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، وفيما يتعلق بالحرب، يتحدث نتنياهو عن استخدام أسلحة عن بُعد، مثل طائرات وصواريخ وسايبر والدفاع عن الجبهة الداخلية وتحسين العوائق عند الحدود، ودفاعات من الصواريخ واستخدام الروبوتات في القتال البري. "وهذا مفهوم يعبر عن هلع سياسي من جانب المستوى السياسي وخوف من اجتياح بري، وخسائر بشرية، لا تبدو جيدة أمام العالم"، حسب فيشمان.

لكن خطة كوخافي تتحدث عن مفهوم آخر، يقود إلى ارتكاب جرائم حرب، كما ذُكر أعلاه. وكتب فيشمان أن "مسألة المصابين، في صفوف قواتنا وكذلك في صفوف السكان غير الضالعين في القتال (في غزة أو لبنان)، بموجب مفهوم كوخافي، تتكرر مرة تلو الأخرى في المداولات والاجتماعات التي يعقدها. ويقول رئيس أركان الجيش علنا: ... عندما يطلقون النار على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فإنه بالإمكان من الناحية الأخلاقية قطع إطلاق القذائف هذا بصمن استهداف غير الضالعين بالقتال أيضا".

وحسب مفهوم كوخافي، فإن "لبنان، على سبيل المثال، معرّفة كدولة عدو، وقسم كبير من البنية التحتية للحكومة اللبنانية تخدم مباشرة قدرة حزب الله القتالية. لذلك، فإن محطة توليد الكهرباء التي تزود استحكامات حزب الله ستُدمر، وإذا كان مطار بيروت يخدم تسلح حزب الله، فإنه سيُدمر. وهذا ينطبق على غزة. ومنذ بدء الهجوم، أي بيت يخرج منه مخربون سيُدمر".     

بين خطة كوخافي ورؤية نتنياهو

وتطرق المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى هذا الموضوع أيضا، ولفت إلى أن الجيش الإسرائيلي يعكف في السنوات الأخيرة على توسيع "بنك الأهداف" التي سيستهدفها بحال نشوب حرب مع حزب الله. "على الأرجح أن تنتهي الحرب باستهداف واسع لهذه الأهداف. والأصعب أكثر هو تعريف الهدف الإستراتيجي الذي ستسعى إسرائيل إلى تحقيقه، باستثناء تحقيق فترة أخرى من الهدوء في الشمال".

وخلافا لخطة كوخافي، كتب هرئيل أنه "يبدو أيضا أن إسرائيل تميل إلى اعتبار حزب الله نفسه كبنك أهداف واحد كبير وليس كمنظمة عدوة لديها قيادة واعتبارات خاصة بها. هل في اليوم الخامس أو السابع للحرب، فيما الطائرات الإسرائيلية تقصف من أعلى والدبابات تتحرك شمال، داخل لبنان، سيرفع (أمين عام حزب الله حسن) نصر الله راية بيضاء؟".

وأضاف هرئيل أن هذه التساؤلات ستنعكس على خطة كوخافي أيضا. ورؤية نتنياهو للعام 2030 ليست مفصلة حتى الآن، "لكنها توضح جيدا أن رئيس الحكومة، الذي يتولى اليوم منصب وزير الأمن أيضا، أنه يعلق آمالا على قوات البرية، وإنما على ضخ ميزانيات طائلة إلى سلاح الجو، ومنظوما إطلاق النار الدقيقة (صواريخ)، والاستخبارات والسايبر".  

وتابع أنه "في هذه الفجوة، بين خطط كوخافي ورؤية نتنياهو، يكمن جزء من صعوبة الجيش الإسرائيلي لدى الحديث عن لبنان. وفي المعركة البرية مع حزب الله، التي تدور في حيز مبني ومكتظ، تتخوف إسرائيل من ألا تحقق الإنجاز المعنية به، بالثمن المستعدة لدفعه".

التعليقات