26/07/2015 - 22:52

تركيا تقصف داعش والعمال الكردستاني ... أسئلة وأجوبة

تثير الغارات التركية على شمالي العراق وسوريا، عدّة أسئلة حول سبب الأزمة والدور التركي في سوريا، وإمكانيّة ردّ النظام السوري، وكيف ينعكس ذلك على الجبهة الداخليّة التركيّة

تركيا تقصف داعش والعمال الكردستاني ... أسئلة وأجوبة

تريد تركيا حملةً جويّةً لا تدخلًا بريًا (أ.ف.ب)

من تقصف تركيا؟

تهدف تركيا من خلال عمليّاتها العسكريّة الأخيرة، والتي بدأت ليل الجمعة-السبت، منع مقاتلي تنظيم الدولة 'داعش' من الدخول للأراضي التركيّة واستهداف مواقع تركيّة ومدنًا، حيث يرى داعش في تركيا العدالة والتنمية عدوًا محتملًا، رغم أن تركيا لم تعلن رسميًا، طوال عام تقريبًا من العمليات الغربيّة للقضاء على التنظيم، فتح اجوائِها لطيران التحالف لقصف أهداف تابعة لداعش، قبل أن تتراجع عن هذا القرار مع بدء العمليّات العسكريّة الأخيرة للجيش التركي.

إضافةً لذلك، تستهدف تركيا عدوّها التقليدي اللدود، حزب العمّال الكردستاني، المصنّف إرهابيًا في تركيا، حيث أنه استهدف أكثر من مرّة مواقعَ عسكريّة ومدنيّة تركيّة تسبّبت بمقتل عشرات الأبرياء منذ العام 1980؛ حيث أثار دعم النظام السوري للشق السوري من الحزب في المعارك ضد داعش في عين العرب كوباني، ريبة الحكومة التركيّة، بعدما بات الحزب يسيطر على مناطق حدوديّة واسعة على الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا.

لماذا الآن؟

قبل أسبوعين من الآن، أودى هجوم انتحاري في مدينة سروج الحدوديّة بحياة أكثر من 30 مواطنًا تركيًا وجرح العشرات؛ حيث أعلن رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، أن الشرطة التركيّة ألقت القبض على مشتبه به في الهجوم، اتضّح أنه ينتمي لداعش، عندها قرّرت الحكومة التركيّة الثأر لما حدث والبدء بعمليّة عسكريّة ضد قيادات داعش.

قبل ذلك، لم تجد تركيا الذريعة المباشرة للتدخل عسكريًا بشكل مباشر في سوريا، رغم التدخّل الواضح لدول إقليميّة أخرى، لكن الخوف التركي من تململ الأقليّات في البلد الفسيفسائي جرّاء التدخل لصالح جهة معيّنة ضد أخرى؛ أمّا وقد سقط عشرات القتلى من الأبرياء في هجوم انتحاري، فمن حقّ تركيا الدفاع عن نفسها، وفقًا لمسؤولين محليّين.

المشتبه به على علاقة بداعش، فما شأن حزب البي كي كي؟

كما أسلفنا سابقًا، فإن حزب العمال الكردستاني هو العدو الأوّل للحكومات التركيّة منذ العام 1980، فتركيا التي ترى تعاظمًا في قوّة الحزب في المناطق الحدوديّة، نظرًا لبحر السلاح في سوريا والعراق، تخشى أن يسيطر الحزب على المناطق التي يتم 'تطهيرها' من داعش، فتكون المدن التركيّة بعد ذلك على مرمى حجر من الصواريخ العماليّة الكردستانيّة قصيرة المدى ربّما، فلا يعود السكّان الأكراد أو الجنود في الثكنات على الحدود في مأمن أبدًا، حيث آلمت هجمات الحزب تركيــا حكومةً وشعبًا، وهم لا زالوا أفرادًا في الجبال والوديان، فما بالكم إن سيطر الحزب على مناطق حدوديّة شاسعة، ومعه سلاحًا نظاميًا سوريًّا يريد الانتقام من تركيا مهما كلّفَ الأمر من مدنيين وسفك دماء؟ في ظل تراجع للقوات السوريّة عن الحدود التركيّة.

إلى ماذا تهدف الحملة؟

تهدف الحرب في الأساس لتطهير المناطق الحدوديّة من مقاتلي داعش ومنع مقاتلي العمّال الكردستاني من السيطرة على تلك المناطق الحدوديّة، لأن ذلك يعني دولةً كرديّة على حدود المناطق التركيّة ذات الأغلبيّة الكرديّة المطالبة بالاستقلال الثقافي والحكم الذاتي، وهي نقطة ضعف الأتراك منذ انتهاء الحرب العالميّة الأولى، حرب 'تقرير مصائر الشعوب'.

'الهبّة التركيّة' الكبرى جاءت بعد سيطرة مقاتلي الكرديّة مدعومةً بقوّات النظام السوري، على بلدة تل أبيض في الرقّة، حيث أن جميع السكان في البلدة هم من العرب، فقد تجاوزت القوات الكرديّة الخطوط الحمر السماك المرسومة تركيًا، متجاوزةً 'قواعد اللعبة' المسموحة لها.

الحملة التركيّة تهدف أيضًا، لإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السوريّة، المحرّرة من داعش، بهدف تدريب المعارضة السوريّة لمواجهة داعش في أقل تقدير؛ في حين تخشى مصادر مقرّبة من النظام السوري أن تكون المنطقة العازلة المزمع إقامتها نقطة انطلاق للعمليّات العسكريّة ضد أهداف تابعة للنظام السوري في المنطقة.

إضافةً لذلك، منع تقدّم تنظيم الدولة تجاه إدلب، المحافظة السوريّة المحرّرة بالكامل من قوّات النظام السوري، ومنع تقدّم قوّات من معقل النظام في اللاذقيّة وطرطوس إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السوريّة أيضًا.

هل يعني ذلك دولة شمال سوريا؟

تفيد تقارير إعلاميّة إلى أن المعارضة السوريّة قد تستغل الحملة التركيّة من أجل تكوين دولة شمال سوريا في المناطق الخاضعة لها وهي محافظة إدلب بالكامل ومحافظة ريف حلب بالكامل زد على ذلك، حلب نفسها، التي يخضع جزء كبير منها لسيطرة قوّات المعارضة، تكون انطلاقةً لتحرير المناطق الأخرى من سيطرة قوّات النظام، على غرار مدينة بنغازي الليبيّة، التي كانت عاصمةً مؤقتةً تُدار منها شؤون ليبيا أبان الثورة التي أطاحت بنظام معمّر القذّافي.

لكنّ الحكومة التركيّة تفنّد تلك الادعاءات وتقول إنها حريصة على وحدة أراضي سوريا، لكنّها، وفق مقرّبون، لن تمانع من أن تشكّل المعارضة نقطة انطلاق لمهاجمة أهداف تابعة للنظام السوريّ، الحليف السابق والعدو الحالي.

لكّن الكثير من الشكوك تحوم حول قدرة المعارضة السوريّة في الخارج على السيطرة على مناطق داخل الأراضي السوريّة، خصوصًا أنها فشلت في إدارة المدن السوريّة المحرّرة، والتي تخضع الآن بالكامل لسيطرة قوّات محليّة لا خارجيّة؛ في ظل انقسام الائتلاف لولاءاته الخارجيّة.

ما تأثير ذلك على تركيا داخليًا؟

التأثير سيكون كبيرًا جدًّا، وجاءت أسرع من المتوقّع، حيث أعلن كليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب التركي الكماليّ، الغريم التقليدي لحزب العدالة والتنميّة الإسلاميّ؛ دعمه الكامل للعمليّات التركيّة في الأراضي السوريّة والعراقيّة، واستعداده، في ما بعد، للانضمام للحكومة التركيّة؛ فمسألة العداء لحزب العمال الكردستاني هي مسألة أمن قومي تركي تتفّق عليها كافّة الأحزاب والجهات التركيّة بكافّة التوجهات.

وعكست العمليّات التركيّة، لأول مرّة منذ اندلاع الثورة السوريّة، موقفًا تركيًا موّحدًا بين المعارضة والحزب الحاكم في تركيا، ما يعني غطاءً سياسيًّا لأردوغان الرئيس، ولداوود أوغلو رئيس الوزراء الفائز في الانتخابات الأخيرة، بأغلبيّة كبيرة عن أقرب منافسيه.

أما التأثير على الأكراد في تركيا، فالتفجيرات الأخيرة التي أودت بحياة الكثير من الأكراد في سروج، أجّجت من غضب الأكراد على داعش، حيث عمّت المظاهرات تركيا للدعوة لمحاربة داعش، وتمثلت مظاهر الغضب في الشارع التركي على شكل مناوشات واشتباكات بين الشرطة التركيّة والأكراد، اتهموا الحكومة فيها بالتقصير تجاه داعش ومحاربتها، وما تلا ذلك من حملة اغتيالات قادها العمال الكردستاني ضد شُرطيّين أتراك خلال الأسبوع الماضي؛ وفي حين أن حزب الشعوب الديموقراطي لم يرفض التحركات الأخيرة للعمال الكردستاني، وجد أردوغان ضالته في إحراج الحزب وقضم قاعدته الشعبيّة، عبر الحرب على داعش والعمال الكردستاني؛ ما يعني أن العمليّة العسكريّة تأتي تلبيةً لطموحات الأكراد وانتقامًا لقتلاهم، حتّى لو جاء ذلك على حساب حزب العمال الكردستاني.

لكن، ما دائمًا تأتي الرياح بما تشتهي سفن أردوغان، حيث اتهمت أحزاب تركيّة معارضة الحكومة التركيّة بـ 'افتعال المعركة مع داعش' لأجل تصفية معارضيه، سياسيًا على الأقل، من الأكراد الذي فازوا في الانتخابات الأخيرة على حساب حزب العدالة والتنميّة الحاكم؛ وبالفعل، فقد نظّموا مظاهرات في مدن تركيّة عدّة، لكن انكفاء حزب الشعوب على نفسه، وعدم التعبير عن رفضه للقتل ضد الشرطة وضعه في مأزق كبير، إمّا أن يرفض ذلك، فهو يعارض المكوّن الأساس في حزبه، أوجلان وجماعته؛ وإما أن يؤيد ذلك فيخسر وجوده السياسيّ بالكامل.

هل سيواجه النظام السوري القوّات التركيّة؟

في سماء سوريا الآن تحلّق الطائرات الأجنبيّة متعدّدة الدول التي تحارب داعش تحت قيادة الولايات المتحدة، إضافة للطيران الإسرائيلي الذي يقصف أهدافًا منتقاة داخل البلاد؛ كل ذلك لم يدعُ النظام السوري للردّ، حتّى حين قصفت الطائرات الإسرائيليّة العاصمة دمشق، لم يلتفت النظام السوري لذلك، وكأن شيئًا لم يكن؛ فلا يستطيع النظام السوري الآن، المنهمك بجبهاته الداخليّة، أن يفتح جبهةً خارجيّة تمتد لعشرات الكيلومترات، وبعيدة عن نقاط تمركزه الأساسيّة في دمشق... والّا فجبهة الجولان أولى!

لكنّ النظام السوري قد يسعى لجرّ الجيش التركي لمعارك على الأرض السوريّة مع مقاتلي داعش، وتوريطه في حرب بريّة وجهًا لوجه معهم قد لا تنتهي في فترة قصيرة بتاتًا، لكّن الجيش التركي أعلن في أكثر من مناسبه أن تدخله ليس إلّا جويًّا؛ ناهيكم عن الاشتباكات المحتملة مع الأكراد، التي يحاول الجيش التركي جاهدًا تجنّبها، ولما لها من حساسيّةٍ على الوضع التركي في المحافظات ذات الأغلبيّة التركيّة.

ولكن لا يمكن إهمال أن الجيش التركي، يقوم بطريقةٍ أو بأخرى بتخفيف الضغط عسكريًا عن النظام السوري، إذ يخوض حربًا جويّة ضد عدو مشترك، ما يتيح المجال لقوّات النظام أن تنقل قوّاتها إلى جبهات ساخنة أكثر في ريف دمشق وغيرها.

هل يأتي التحرّك التركي سخطًا على الاتفاق النووي الإيراني؟

ليس بالضرورة، فتركيا لم تتأثر بالاتفاق النووي كثيرًا، بل ترى في إيران ساحة استثمارات جديدة، نظرًا للقرب الجغرافي بين البلدين، وعدم انقطاع العلاقات الديبلوماسيّة بين البلدين حتّى في أوج المعارك على الأرض السوريّة؛ فزيارات أردوغان، رجل تركي القوي، لطهران لم تنقطع لا أثناء حكم أحمدي نجاد ولا أثناء حكم روحاني، فتركيا تحتاج للنفط الإيراني وساحة الاستثمارات المتعطّشة لأية استثمارات خارجيّة؛ مع تحفّظ المرشد على الاستثمارات الأميركيّة المباشرة في البلاد، ما يفتح المجال، بشكل كبير، لتركيا ودول بريكس في استغلال الاتفاق النووي بأفضل صورة.

 زد على ذلك، أن المناطق التي تحارب فيها تركيا لا تخضع لسيطرة القوّات الإيرانيّة المشاركة في الحرب السوريّة، حيث لا تشمل الحملة العسكريّة محافظة اللاذقيّة، الخاصرة الإيرانيّة على البحر الأحمر، ومعقل نظام الرئيس الأسد، وهذه التحركات لا تقلق إيران، لأن التنافس التركي – الإيران يحفظ لتركيا حقّ حفظ أمنها القومي.

التعليقات