نحو إعادة تعريف الدونيّة الاقتصاديّة للفلسطينيّين في إسرائيل (1)

تشهد الساحتان الاقتصاديّة والسياسيّة، في السنوات الأخيرة، تغيرًّا ما في السياسات الاقتصاديّة تجاه الفلسطينيّين في إسرائيل، وحِراكًا ملموسًا من أجل تحسين بعض المؤشّرات الاقتصاديّة للمواطنين العرب. هناك مبادرات لإقامة صناديق استثمار تعمل في الاقتصاد العربيّ، وهناك مبادرات لمؤسّسات غير ربحيّة لدمج العرب في الشركات الخاصّة، وكذلك ثمّة تصريحات ومبادرات من رجال السياسة وصُنّاع القرار وتنفيذ سياسات في هذا الاتّجاه، أبرزها إقامة سلطة التطوير الاقتصاديّ للوسط العربيّ - الدرزيّ - الشركسيّ في العام 2007

نحو إعادة تعريف الدونيّة الاقتصاديّة للفلسطينيّين في إسرائيل (1)

تشهد الساحتان الاقتصاديّة والسياسيّة، في السنوات الأخيرة، تغيرًّا ما في السياسات الاقتصاديّة تجاه الفلسطينيّين في إسرائيل، وحِراكًا ملموسًا من أجل تحسين بعض المؤشّرات الاقتصاديّة للمواطنين العرب. هناك مبادرات لإقامة صناديق استثمار تعمل في الاقتصاد العربيّ، وهناك مبادرات لمؤسّسات غير ربحيّة لدمج العرب في الشركات الخاصّة، وكذلك ثمّة تصريحات ومبادرات من رجال السياسة وصُنّاع القرار وتنفيذ سياسات في هذا الاتّجاه، أبرزها إقامة سلطة التطوير الاقتصاديّ للوسط العربيّ - الدرزيّ - الشركسيّ في العام 2007. 

يميل الكثيرون من الباحثين والصحافيّين والسياسيّين العرب إلى تبنّي الادّعاء القائل إنّ التغيُّر في سياسات إسرائيل الاقتصاديّة تجاه الفلسطينيّين تَأَثّرَ برغبتها في الانضمام إلى منظّمة التنمية والتعاون الدوليّة، تلك المنظّمة التي أشارت في تقريرها الصادر في العام 2010 إلى وجود فروق اقتصاديّة اجتماعيّة كبيرة بين المجتمعَيْن العربيّ واليهوديّ المتديّن (الحريديّ) وسائر المجتمع الإسرائيليّ، (2) من حيث المشاركة في أسواق العمل والدخل ومعدّلات الفقر. وأشار كذلك إلى أنّ رفع الناتج المحلّـيّ الإسرائيليّ للفرد الواحد، وتخفيض معدّلات الفقر ورفْع نِسَب المشاركة في أسواق العمل، يتطلّبان تحسين هذه المؤشّرات لدى المواطنين العرب واليهود الحريديّين. 

أعتقد أنّ تعليل التغيّرات في السياسات الإسرائيليّة باعتباره مجرّد نتيجة لمحاولات إسرائيل الدخول إلى منظّمة التنمية والتعاون، وقبولها فعليًّا، فيه مبالغة كبيرة، وفي الآن نفسه لا أنفي تأثير ذلك على السياسات الإسرائيليّة، وفيه تجاهل لأسباب أخرى تؤثّر على صنّاع القرار في إسرائيل، ويعكس تفاؤلاً مبالَغًا فيه. التعويل المبالَغ فيه على منظّمة التنمية والتعاون ينطوي على مخاطرة في تبنّي لغة وخطاب المنظّمة حول مصدر الفروق الاجتماعيّة والاقتصاديّة في إسرائيل، من حيث تغييبها للجوانب السياسيّة والقوميّة وتناولها بمعزل عن سياقها التاريخيّ، والتعامل مع الفروق الاقتصاديّة على أنّها حالة طبيعيّة في نظام اقتصاديّ ليبراليّ تُهمَّش فيه بعضُ الفئات الاجتماعيّة أو الإثنيّة، وتقترح التعامل معها عبر آليّات اقتصاديّة فقط أو سياسات التعليم والعمل. مع العلم أنّ الاتّحاد الأوروبيّ والأمم المتّحدة ومنظّمات غير حكوميّة عالميّة تعاملت، في حالات أخرى، مع الدونيّة الاقتصاديّة للأقلّـيّات الأصلانيّة على أنّها جزء من عمليّة إقصاء سياسيّ اجتماعيّ واقتصاديّ شاملة، يُترجم -في ما يترجَم- في عدم تطوير الحيّز والبنى التحتيّة، في مناليّة الوصول إلى الموارد الماليّة ورأس المال والبنوك، وفي جوانب اجتماعيّة مثل مستوى الخدمات العامّة، والبنى التحتيّة والتعليم والصحّة. والأهمّ أنّ تعريف الإقصاء الاجتماعيّ والسياسيّ يشمل عدم المشاركة في اتّخاذ القرار او وضع السياسات(3). 

خلافًا لتوجّه منظّمة التنمية والتعاون، وبغية تفسير السياسات الاقتصاديّة الحاليّة تجاه الفلسطينيّين في إسرائيل، أرى أنّ هناك حاجة إلى وضع السياسات في سياقها التاريخيّ والتعامل معها على أنّها استمرار للسياسات الاقتصاديّة السابقة، وأنّها تأتي لخدمة الأهداف ذاتها، لكن باختلاف الأدوات. كذلك ثمّة حاجة إلى دمج استنتاجات عدّة مقاربات نظريّة معًا لتوفير إطار تحليليّ واسع لفهم تلك السياسات. من ذلك وجود اقتصادَيْن منفصلَيْن في دولة إسرائيل، الاقتصاد اليهوديّ (القطريّ) والاقتصاد العربيّ (المحلّـيّ) (خالدي، 1988)؛ وكذلك ثمّة أسواق عمل مقسّمة – العربي واليهودي (شافير 1989)، وأنظمة إشراف ورقابة لاحتواء السكّان العرب وضمان استمرار دونيّة السكّان العرب وتعلّقهم بالدولة، وبمجموعة الغالبيّة اليهوديّة، في المجال الاقتصاديّ (لوستيك 1985)؛ وهناك حالة استعمار داخليّ يَستغلّ فيها اقتصادُ المركز الاقتصادَ العربيّ لأهدافه هو. في وضع كهذا، لا يَنفذ التطوير الحاصل في الاقتصاد اليهوديّ إلى الاقتصاد العربيّ، وليس ثمّة آثار لتغيّرات اقتصاديّة إيجابيّة في المناطق العربيّة (زريق 1979).

على الجملة، نجد أنّ السياسة الاقتصاديّة المنتهجة حِيال مجموعة الأقلّـيّة العربيّة على مدار السنين تعبّر عن خليط مركّب بين احتياجات الدولة لاستغلال "مساهمة" الأقلّـيّة العربيّة في تطوير الاقتصاد الإسرائيليّ، وفي المقابل الرغبة في الحفاظ على طابع إسرائيل كدولة يهوديّة. تُضْطَرّ دولة إسرائيل أحيانًا إلى حمل عمليّة التطوير في البلدات العربيّة، بهدف ضمان سيطرتها وتحديد وتيرة التغيّرات، ومنع إمكانيّات التطوير الاقتصاديّ الذّاتيّ لأبناء الأقلّـيّة (الخالدي 1990، شحادة 2004، 2006). هذه الأهداف تفسّر كذلك السياساتِ الحاليّةَ المتّبَعة تجاه الفلسطينيّين في إسرائيل، والتي تشمل استمراريّة وتغيّرًا في الآن نفسه. فمن حيث الاستمراريّة، نجد استمرارًا لإخضاع السياسات الاقتصاديّة إلى احتياجات الدولة ومحاولة لاستغلال "مساهمة" الأقلّـيّة العربيّة في تطوير الاقتصاد الإسرائيليّ وتحقيق مصالح اقتصاديّة قوميّة. أمّا من حيث التحوّل، فهي استعمال الدولة أدوات جديدة مشتقّة من أدوات الاقتصاد الليبراليّ (اقتصاد السوق) والشراكة بين مؤسّسات الدولة، وبخاصّة سلطة تطوير الاقتصاد العربيّ والدرزيّ والشركسيّ، مع رجال أعمال عرب والقطاع الخاصّ العربيّ، وإقصاء القيادات العربيّة والسلطات المحلّـيّة العربيّة.

هذه الأهداف وطبيعة السياسة الحاليّة توضَّح من خلال قراءة في خطاب بنيامين نتنياهو في مؤتمر رئيس الوزراء الثالث لتطوير اقتصاد الأقلّـيّات "شراكة وتنمية"، الذي عُقد في آذار 2012، ومن توصيات باحثين مهتمّين بالحفاظ على التفوّق الديمغرافيّ اليهوديّ.

يوضّح خطاب نتنياهو، في افتتاح المؤتمر على نحوٍ جليّ، أنّ تعامله مع تطوير الحالة الاقتصاديّة للسكّان "غير اليهود"، وَفقًا لتسمية نتنياهو، ينطلق من: أ- التزامه للفكر الاقتصاديّ الليبراليّ؛ ب- الفصل بين الحالتين الاقتصاديّة والسياسيّة للسكّان العرب، ج- تطوير اقتصاد العرب بما يخدم اقتصاد إسرائيل. وذلك أنّ نتنياهو يرى أنّ القِطاع الخاصّ والمبادرات الخاصّة هما المحرّك الأوّل لتطوير الاقتصاد العربيّ، في ظلّ حياديّة الدولة (ظاهريًّا)، ويرمي إلى اقناع السكّان العرب بالاكتفاء بتحسين الظروف الاقتصاديّة المعيشيّة والابتعاد عن مطالب سياسيّة أو قوميّة أخرى. هذا التعامل مع حالة الاقتصاد العربيّ في إسرائيل وَفقًا لمفاهيم الاقتصاد الليبراليّ ليس بريئًا، وذلك أنّه يسمح بتجاهل وجود معيقات بنيويّة سياسيّة تعمل على إعاقة تنمية الاقتصاد العربيّ، ويتجاهل الحاجة في تدخّل الدولة لتطوير الاقتصاد العربيّ الكلّيّ ويكتفي بالتغنّي بخلق مبادرات اقتصاديّة فرديّة ناجحة تحسّن نوعًا ما من أداء ومعطيات اقتصاد السكّان "غير اليهود". 

قال نتنياهو في خطابه(4): 

للأقلّـيّات في إسرائيل طاقات نموّ هائلة، وعلى الدولة الاستفادة منه؛ غير أنّنا لا نوظّف طاقاتنا كافّة لأنّ الاندماج في سوق العمل لا يشمل جميع مواطنينا، ولا سيّما قِطاع الأقلّـيّات وقطاع اليهود المتشدّدين دينيًّا (الحريديم)... إنّني أتحدّث هنا عن تنمية الاقتصاد بما يخدم مصلحة جميع المواطنين الإسرائيليّين، ولكن الأمر يعني أوّلاً اندماج أبناء هاتيْن الشريحتيْن واستثمار طاقاتهما والقدرات الكامنة لدى أبنائهما والجمهور الذي يمثّلانه لجعله قادرًا على تحقيق حياة أفضل.

... إذا تمكّنّا من زيادة نسبة الناتج القوميّ للفرد لدى أبناء الأقلّـيّات والسكّان اليهود المتشدّدين دينيًّا (الحريديم)، فإنّنا سنصل بسرعة فائقة إلى مستوى 40 ألف دولار كناتج محلّـيّ سنويّ للفرد الواحد، ممّا يجعلنا نحتلّ مرتبة متقدّمة بين قائمة الدول المتطوّرة في العالم.

... إنّ أهمّ خطوة نستطيع القيام بها، في رأيي، هي إتاحة الفرصة لهؤلاء الناس [العرب واليهود المتديّنين- أ.ش] للخروج من عقليّة الاعتماد على الغير وتوزيع الأموال عليهم إلى عقليّة الاستقلاليّة والإبداع. هذا هو أكبر تغيير نستطيع تحقيقه علمًا بأنّنا نلاحظ هذا الأمر في الدول الأخرى كذلك. لقد شاهدت ما جرى في الولايات المتّحدة بالنسبة لشرائح سكّانية كاملة من المهاجرين. لنتحدّث، على سبيل المثال، عن المهاجرين من آسيا [إلى الولايات المتّحدة]: إنّهم جاءوا إلى الولايات المتّحدة دون أن يكون في جعبتهم شيء، لكنّهم نَمَّوْا قدراتهم في مجاليْن رئيسيَّيْن؛ هما التعليم والمبادرة.

خطاب نتياهو ومواقفه تتوافق مع مطالب وادّعاءات تقرير منظّمة التنمية والتعاون، لكنّها تتّضح أكثر إذا ربطناها مع التقرير الأخير لصندوق النقد الدوليّ ومع مقاربات صهيونيّة تقترح استعمال الأدوات الاقتصاديّة ورفع مستوى المعيشة لدى الفلسطينيّين كأداة للتعامل مع "الخطر الديموغرافيّ".   
ففي تقرير لجنة خبراء صندوق النقد الدوليّ حول الاقتصاد الإسرائيليّ، الذي عُرض في شباط عام 2012، أشاد الخبراء بنموّ واستقرار الاقتصاد الإسرائيليّ الذي صمد حيال الأزمة الاقتصاديّة العالميّة وانكماش الاقتصاد الدوليّ بنجاح ودون آثار أو ترسّبات جادّة في مستويات النموّ أو البطالة. وتعتقد لجنة الخبراء أنّ استقرار ونموّ الاقتصاد الإسرائيليّ -في المدى البعيد- لا يقتصر تعلّقه على تطوّرات الاقتصاد العالميّ والأزمة الماليّة العالميّة أو على لجم المصاريف الحكوميّة والدَّيْن الخارجيّ، وإنّما يتعلّق -في أساس الأمر- برفع معدّلات مشاركة المواطنين العرب، ولا سيّما النساء العربيّات، والرجال والحريديّين في أسواق العمل وتحسُّن القدرة الإنتاجيّة لهذه الشرائح، أي إشراكهم في العمليّات الاقتصاديّة ودمجهم في التحديث والنموّ الاقتصاديّ. فإن ارتفعت مشاركة هذه الشرائح في أسواق العمل إلى المعدّل العامّ في الدولة، فسوف يزيد الناتج الإسرائيليّ بنسبة 15% وسيرتفع معدّل الدخل السنويّ للفرد الواحد بنسبة 5%.

إذًا، تطوُّر الاقتصاد الإسرائيليّ مَنوط، وَفقًا لخبراء صندوق النقد الدوليّ، بتحسين الواقع الاقتصاديّ للنساء العربيّات تحديدًا، ومنه تحسين الأوضاع الاقتصاديّة للسكّان الفلسطينيّين عمومًا.

أمّا من وجهة نظر صهيونيّة قوميّة، فنجد أنّ تفسير السياسات الاقتصاديّة الحاليّة مرتبط بالأهداف الديمغرافيّة واهتمام الخبراء بالحفاظ على الطابع اليهوديّ للدولة. من أبرز هؤلاء أرنون سوفير ويفغينيا بيستروف، (5) اللذان يتعاملان مع ضرورة تحسين الحالة الاقتصاديّة للسكّان الفلسطينيّين كشرط ضروريّ للجم الازدياد السكّانيّ الطبيعيّ لديهم، عَبْر رفع مستويات مشاركة النساء العربيّات في أسواق العمل خاصّة، وتحسين الأوضاع الاقتصاديّة للسكّان الفلسطينيّين عامّة. ويطالب الباحثان بالتوازي للتعامل مع الخطر الديمغرافيّ العربيّ بتغيير الوضع القائم (الستاتوس كوو) مع فئة الحريديّين والتصدّي لارتفاع نسبتهم في المجتمع اليهوديّ، بواسطة دمجهم في سوق العمل كذلك.

سوفير وبيستروف ينطلقان من أنّ إسرائيل هي دولة ديمقراطيّة غربيّة متنوّرة؛ دولة حديثة متطوّرة اقتصاديًّا وعلميًّا؛ دولة يهوديّة وديمقراطيّة وينبغي أن تبقى كذلك؛ هناك صيرورة ديمغرافيّة قد تؤثّر سلبًا على المشروع الصهيونيّ إن لم تعالَج. أسباب هذه الصيرورة، وَفقًا للكاتبين، تتعلّق بوجود مجموعات سكّانية تعيق تطوّرها وتقدّمها الاقتصاديّ والسياسيّ والثقافيّ والعمرانيّ؛ المجموعات هي السكّان الفلسطينيّون ومجموعة اليهود الحريديّين؛ المسألة الديمغرافيّة لها إسقاطات على مناحي الحياة كافّة في دولة إسرائيل، وتهدّد باستمرار التطوّر والنموّ الاقتصاديّين، وتهدّد طبيعة إسرائيل كدولة غربيّة حديثة ذات دخل مرتفع. التعامل مع الصيرورة الديمغرافيّة الخطيرة وَفقًا لسوفير وشريكته يتطلّب تغيير نهج الحياة لتلك الفئات، أهمّها: تحديثها وتطويرها الاقتصاديّ، ورفع المشاركة في أسواق العمل ممّا سيؤدّي إلى خفض معدّلات الولادة والتكاثر.

قراءة ما بين سطور الكتاب تشي بوجود معضلة حقيقيّة في عدم المقدرة على فرض أسلوب حياة مختلف بشكل جذريّ على الفئات الحريديّة، ممّا يحوّل الحاجة إلى تطوير الاقتصاد العربيّ ورفع معدّلات مشاركة النساء في العربيّات في أسواق العمل إلى الحلّ الأكثر واقعيّة، من الناحية الاقتصاديّة. بكلمات أخرى: رفع مشاركة النساء العربيّات في أسواق العمل قد تساهم في ضمان تطوّر ونموّ الاقتصاد الإسرائيليّ وتساهم في خفض معدّلات الولادة والزيادة الطبيعية للسكّان العرب.

الخلاصة

قصارى القول أنّ دولة إسرائيل تحتاج اليوم، بغية تحقيق مصالحها الاقتصاديّة والقوميّة، إلى تحسين الأوضاع الاقتصاديّة للسكّان للفلسطينيّين، ليكون ذلك رافعة لتحسين مؤشّرات اقتصاديّة كلّـيّة في الاقتصاد الإسرائيليّ، وبلوغه معدّلات إنتاج سنويّة تقترب من أكثر الدول تطوّرًا، وكذلك للتعامل مع ما تراه الدولة "خطرًا ديمغرافيًّا". لكن الحكومات الإسرائيليّة تعمل على أن يكون تطوّر الاقتصاد العربيّ مشروطًا بمصلحة الاقتصاد اليهوديّ-الإسرائيليّ وبخدمة الاقتصاد اليهوديّ، وأن يكون تحت سقف الحكومة الإسرائيليّة ومن خلالها، وبشرط ألاّ يخلق خللاً في توازن القوّة الاقتصاديّ بين المجموعة اليهوديّة والعربيّة، والأهمّ ألاّ يرفع التطوّر الاقتصاديّ من سقف الأهداف والمَطالب السياسية للفلسطينيّين في الداخل. وهي تقوم بذلك عَبْر توكيل سلطة تطوير الاقتصاد العربيّ في مكتب رئيس الوزراء لتشرف على مستويات التطوّر والنموّ الاقتصاديّ، تراقبه وتحدّد مداه، وذلك من خلال ما يلي:

- العلاقات المباشرة مع رجال أعمال وتحييد القيادات السياسيّة والمؤسّسات الجماعيّة مثل لجنة المتابعة؛
- توكيل القِطاع الخاصّ الإسرائيليّ بجزء من هذه المهامّ؛
- رصد ميزانيّات للشركات الخاصّة لا للمؤسّسات العامّة، مثل السلطات المحلّـيّة (بعكس سياسة حكومة رابين)؛
- أن يكون القطاع الخاصّ أو القطاع المختلط هو الذي يحدّد الفروع الاقتصاديّة وَفقًا لجدوى المشروع الاقتصاديّة، دون اعتبارات الفائدة أو المصلحة العربيّة العامّة؛
- ألاّ يكون التغيير عن طريق سياسات حكوميّة شاملة، وإنّما عن طريق سلطة حكوميّة محدودة السلطات والميزانيّة، ممّا يضمن فكّ الربط بين الاقتصاديّ والسياسيّ، وبين الاقتصاديّ والقوميّ؛
- ألاّ تغيّر الدولة مبنى وتركيبة القوى العاملة الفلسطينيّة، بل أن تسعى لرفع مستوى مشاركة النساء في أسواق العمل دون تغيّر مكانة النساء الاقتصاديّة. يمكن تطبيق ذلك عن طريق سياسات ترفع مشاركة النساء في أسواق العمل وترفع الناتج المحلّـيّ لكنّها -في موازاة ذلك- تُبقي على إفقار النساء وعن طريق فروع اقتصاديّة مؤنّثة لا تغيّر معادلات أو ميزان القوى بين الاقتصادين العربيّ واليهوديّ؛
- أن يكون التغيير مربوطًا برأس مال يهوديّ أو حكوميّ، لضمان التصرف السياسيّ اللبق.
إذا كانت مقاربة الاستعمار الداخليّ والتعلّق والرقابة والاحتواء تفسّر استغلال الأيدي العاملة العربيّة والاستهلاك العربيّ وعدم تطوير وتحديث الاقتصاد العربيّ ودونيّته في العقود الأولى لقيام إسرائيل، فإنّها كذلك تفسّر المحاولات والبرامج الحاليّة لتطوير الاقتصاد العربيّ، ولكن مع تغيير الأدوات. معنى هذا أنّ المشروع الصهيونيّ يحتاج حاليًّا إلى تطوير الاقتصاد العربيّ كآليّة لخدمة الاقتصاد الإسرائيليّ وأهداف قوميّة، ويستمرّ في استعمال الاقتصاد كآليّة رقابة واحتواء. الأهداف هي ذاتها، لكن الأدوات تغيّرت.

من هنا، ثمّة حاجة ماسّة إلى إعادة تعريف الضائقة والدونيّة الاقتصاديّة للفلسطينيّين في الداخل ووضعها في إطارها السياسيّ القوميّ الأوسع، والتعامل معها كجزء من عمليّة إقصاء سياسيّ اجتماعيّ-اقتصاديّ شامل. تغيير الحالة الاقتصاديّة لدى الفلسطينيّين في إسرائيل مرتبط على نحوٍ مباشر بإنهاء الإقصاء الاجتماعيّ السياسيّ، وتغيير المكانة السياسيّة والمدنيّة للفلسطينيّين، أي المشاركة في اتّخاذ القرار ووضع السياسات (منها الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتطوير والتنمية). ونحن نعرف من أبحاث ودراسات وتجارب شعوب أخرى أنّ تغيير الحالة الاقتصاديّة يتطلّب عمليّة إنماء وتطوير شاملة تشمل جميع مركّبات التنمية المستدامة. تغيير تعريف المشكلة والمفاهيم والمصطلحات قد يساهم في وضح حلول جديدة وواقعيّة.

قائمة مراجع

رجا، الخالدي. 1990. "تبلور اقتصاد عربيّ في إسرائيل". كميل منصور (محرّر)، الشعب الفلسطينيّ في الداخل. بيروت: مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة.
امطانس، شحادة. 2006. إعاقة التنمية: السياسات الاقتصادية الحكومية تجاه الأقلية القومية العربية. حيفا: مدى الكرمل.
امطانس، شحادة. 2004. بطالة واقصاء. حيفا: مدى الكرمل.
Khalidi, R., 1988. The Arab Economic in Israel, New York: Croom helm.
Shafir, G. 1989. Land, Labor and the Origins of the Israeli-Palestinian Conflict 1882-1914, Cambridge: Cambridge university press.
Shepley W. OrrSocial, 2005. Exclusion and the Theory of Equality: The Priority of Welfare and Fairness in Policy.: http://www.aunt-sue.info/assets/files/Publications/Shepley%20Orr%20social%20exclusion%20and%20the%20theory%20of%20equality.pdf
Zureik, T. E., 1979. The Palestinians in Israel: A Study in Internal Colonialism, London: Routledge and Kegan Paul.

לוסטיק, איאן, 1985. ערבים במדינה היהודית:שליטת ישראל במיעוט לאומי, חיפה: מפרש.

 

--------------------------------

  (1) عن مجلة جدل الالكترونية عدد 14، اصدار مدى الكرمل.
(2)   Israel: a divided society: http://www.oecd.org/dataoecd/0/40/44394444.pdf.

(3)  Brigitte Feiring and MRG Partners, 2003. Indigenous Peoples and Poverty: The Cases of Bolivia, Guatemala, Honduras and Nicaragua: http://www.minorityrights.org/?lid=931. Shepley W. OrrSocial, 2005.  Exclusion and the Theory of Equality: The Priority of Welfare and Fairness in Policy: www.aunt sue.info/assets/files/Publications/Shepley%20Orr%20social%20exclusion%20and%20the%20theory%20of%20equality.pdf

(4)   كلمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمام مؤتمر رئيس الوزراء حول الشراكة والتنمية: http://www.pmo.gov.il/PMO/Communication/PMSpeaks/speechtzmicha200312.htm
 (5)  يفغينيا بيستروف وأرنون سوفير، 2008، "إسرائيل ديمغرافيًّا 2010-2030: في الطريق نحو دولة دينيّة".

التعليقات