31/10/2010 - 11:02

آخر فصل/رازي نجّار

رسالة جهنميّة!

آخر فصل/رازي نجّار

في الحقيقة، فكّرتُ مليًا وتردّدتُ كثيرًا قبل أن أخطّ لكم هذه الرسالة، لكنني في النهاية فعلتُ، كما تلاحظون، بعد أن أقنعت نفسي بأنّ الأمور ما عادت تحتمل التأجيل، أو كما قال لي جاري العربي هنا (وبالمناسبة أشكره على ترجمة رسالتي هذه من الألمانية إلى العربية) إنّه «بلغ السيل الزبى»، كما تقولون في لغتكم الجميلة الغنيّة، وعلى هذا سآتي لاحقًا.


 


«والحق الحق أقول لكم»، كما اعتاد ذاك اليهودي صاحب العبقرية الإلهية أن يقول في افتتاحيات وعظاته قبل نحو ألفي سنة، إنّ موضوع رسالتي يستأهل كتابًا ثخينًا من القطع الكبير. لكن الأجواء هنا، كما تقدّرون بالتأكيد، لا توفّر الظروف للتأمّل والكتابة؛ فالطقس حار لا يطاق وضجّة موسيقيّي الروك الثقيل تصمّ الآذان. لكن ما علينا، فليس هذا أوان التبريرات، فأنا اعترف بأنني مقصر في حقكم وبأنّ ترددّي جاء دائمًا لخشيتي، التي تلامس حدود الهوس، من الصحف الإسرائيلية التي لا ترحم، لكن كما قال كبير انتحاريّينا، شمشوم الحليق «عليّ وعلى أعدائي»، مع التوضيح أنني لا أقصدكم بكلمة «أعدائي»، والنظر إليكم بهذا الشكل مصدره سوء فهم أتباعي لكتاباتي ونشاطي السياسي. فمقولة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» ليست من إبداعي، بل هي من إبداع مفكّر آخر أقل شهرة مني اسمه يسرائيل زنغويل، لكن ما الفرق، فبعد كل هذه السنين اكتشفت أننا جميعا في الحركة الصهيونية «أوتو خَغَى...» (هذا مصطلح «عبري» تعلمته من جنرالات الجيش الاسرائيلي الوافدين إلى هنا تباعًا!).


 


آسف إذا لاحظتم أنني أعاني التكرار في الأفكار، لكن هذا تحصيل حاصل لارتفاع درجات الحرارة وتأثير ذلك على خلايا المخ، لكن ما علينا. كل ما أردت قوله إنني نويت أن أكتب في السابق، وفي عدّة مناسبات: عام 1917، عام 1936، عام 1948، و56 و67 و78 و82 و87 و2000، الخ!... وباختصار، من غير لف ودوران، أردتُ أن أبرئ نفسي مما آلت إليه بدعتي التي نصصتها في كتب، وهي دولة اليهود، فولله والله ما كان قصدي هيك... عندما وضعت فكرة «دولة اليهود» كانت بدافع النوايا الحسنة؛ لكنني اليوم، كما علّمتني التجربة، أعرف أنّ الطريق إلى جهنّم مفروشة بالنوايا الحسنة، فعندما أطلّ من موقعي إلى نتاج فكرة «دولة اليهود»- إسرائيل، أشعر بالخجل، كوني إنسانًا ذاق مرارة العنصرية في أوروبا وعلى أساسها دعوت لإقامة وطن لأبناء ديانتي، فكانت النتيجة رمزًا من رموز العنصرية في العصر الحديث.


 


لن أغوص كما ذكرت سابقًا في تحليلات فكرية وسياسية واستعراضات تاريخية لأنّ المجال لا يتيح، ويكفيني أن أراقب أحداث الأسبوع الأخير، فقط، كعيّنة وافية لما أدّعي من خجل. فماذا أرى؟! أرى رئيسًا يتعدّى جنسيًا حتى على أولى الحروف الأبجدية («أ»)، وأرى رئيس حكومة يعاني الفساد، ووزير أمن يعاني الغباء، ووزيرًا روسيًا يعاني وجود العرب، ووزيرًا عربيًا يعاني انقطاع وصول الأكسجين إلى المخ (حيث يكمن الضمير). أرى شعبًا يهتف «الموت للعرب» حتى في ملاعب كرة القدم، وينبش المقابر ويعتدي على مقدّسات أصحاب الأرض المسلمين والمسيحيين، وأرى جيشًا يسلب حق الحياة محتميًا بفكرتي، وأرى شرطة «في خدمة الشغب»... وأرى وأرى وأرى...


 


وفي وسط كل هذا أراكم أنتم، أيها الناطقون بالضاد الجميلة كما ذكرت أعلاه. أعرف كل الظروف التاريخية، وأعرف أنّ لا قوة لديكم (حاليًا) للوقوف في وجه المشروع الذي وضعته أنا وأوصلني إلى هنا، لكن عتبي عليكم أنكم لا تفعلون عند المقدرة؛ فمن نظرة سريعة على قراكم ومدنكم الباقية أستنتج أنكم استسلمتم بمحض إرادتكم أو أنكم لا تعون ما تفعلون وأنكم تهملون التفاصيل، كيف؟


 


طمعًا في مغفرتكم، وبما إنني خبير في مجال «بناء الأمة»، اسمحوا لي أن ألفت نظركم لتفاصيل بسيطة، خطيرة في جوهرها، علّكم تستنبطون منها ما هو أشمل: بعد أن تنتهي عزيزي القارئ من قراءة رسالتي هذه، قم واخرج في جولة في بلدك، من المفضّل مشيًا على الأقدام، وأتِح لنفسك مجالا للتمعّن والتأمّل. أنظر إلى الإعلانات التجارية ويافطات المحلات وارصد اللغة المستعملة، ستكتشف أن ما لا يقل عن 80% منها مكتوبة بالعبرية، وهذا يعني أنك تخسر لغتك وبالتالي هويتك العربية مقابل حفنة من المال (في الغالب ليست لجيبك)، وعندها «كفك ع الضيعة» كما تقولون، أو عمّا تبقى من الضيعة... هذا مثال بسيط ممكن أن تسوقوه على الراديوهات المحلية (كيلو «برغيوت» بـ 20 شيكل) أو على مواقع الإنترنت وغيرها.


 


وإلى لقاء في إيميلات قادمة، إذا أتاحت شركة «عزرائيلكُم للخدمات الشبكية» الإمكانية لذلك، فما هذا إلا غيض من فيض.


 


باحترام وأسف وندم


بنيامين زئيف هرتسل


 


Herzl_1904@johannam.com


 

التعليقات