31/10/2010 - 11:02

العراق، الخيار الهاشمي/ عقيبا الدار *

العراق، الخيار الهاشمي/ عقيبا الدار *
المشاهدون الذين حضروا البرنامج الاخباري "نظرة الى العالم"، الذي يبثه التلفزيون الاسرائيلي، شاهدوا نجم الامير الاردني حسن، عم الملك عبد الله، يسطع في المؤتمر العام لقادة المعارضة العراقية على مختلف فصائلها، والذي انعقد في لندن مؤخراً. منذ اصدر الرئيس بوش اوامره برعاية المهاجرين العراقيين، لا يحدث اي شيء لديهم صدفة. ولم يقفز الامير حسن لحضور المؤتمر هكذا بالصدفة، لأنه تواجد في المنطقة، فالسلالة الهاشمية لم تتنازل عن حلم استعادة التاج العراقي. ويمكن ان يكون هذا الأمر بمثابة توفير عمل ناجح للأمير الذي سلبه شقيقه الأكبر الكرسي الملكي في الاردن، في اللحظة الاخيرة من حياته.
صحيح أن اعادة الملكية الى العراق لا تتفق مع رؤيا الشرق الاوسط الدمقراطي التي تطرحها ادارة بوش، لكن هناك دلائل تشير الى اتفاقها مع احلام سابقة لبعض المفكرين الذين يحيطون بالثلاثي بوش – تشيني ورامسفلد. فقبل عدة اسابيع دعا ريتشارد بيرل قادة وزارة الدفاع الاميركية لحضور لقاء مع الباحثين في معهد استراتيجي تربطه علاقات وثيقة بوزارة الدفاع الاميركية.
وحسب المعلومات التي وصلت الى ايدي احد المسؤولين الكبار في الجهاز الامني الاسرائيلي، قام الباحثون بعرض شريطين، يتطرق الأول الى مثلث اهداف الحرب ضد الارهاب ومن اجل الدمقرطة في الشرق الأوسط: العراق – كهدف تكتيكي، السعودية – كهدف استراتيجي ومصر – الجائزة الكبرى. اما الثلاثي الذي تطرق اليه الشريط الثاني فلم يكن اقل اهمية: فلسطين تكون اسرائيل، الاردن تكون فلسطين، ويكون العراق هو المملكة الهاشمية.
قبل اسبوعين التقت الشخصية الامنية الاسرائيلية المتقاعدة مع احد اعضاء المجلس الاستشاري لبيرل، المقرب جدا من قادة الحزب الجمهوري. وسأله عما اذا كانت ادارة بوش قد قررت مواصلة العمل من النقطة التي توقفت عندها ادارة كارتر "عندما استبدل نظام الشاه بدمقراطية الخميني".
وحذر المسؤول الاسرائيلي محاوره الاميركي من دخول اميركا في مواجهة شاملة مع العالم العربي، مضيفا ان ذلك سيخلق لاسرائيل "محيطا استراتيجيا غير محتمل" . وذكّر بالجزائر كمثال على الدمقراطية غير المناسبة. ووعد المسؤول الجمهوري بنقل ذلك الى البيت الأبيض.

اعادة تعريف العراق

انضم ريتشارد بريل وداغ فيت، عام 1996، الى مجموعة صغيرة من الباحثين الذين طلب اليهم مساعدة بنيامين نتنياهو على اجتياز خطواته الاولى كرئيس للحكومة. ولم يكن بامكانهم المعرفة، ان وثيقتهما التي شملت خطة لاعادة العراق الى سلطة السلالة الهاشمية، بمساعدة اسرائيل، ستلقى بعد مرور اربع سنوات، الاضواء على السياسة الحالية للقوة العظمى الوحيدة في العالم. وتنشر الوثيقة التي تم اعدادها في معهد القدس – واشنطن للابحاث الاستراتيجية والسياسية المتقدمة في موقع الانترنت التابع للمعهد (www.israeleconomy.org/stsrt1/htm)، واشير اليها سابقا في الصحف الاميركية.
ان الصلة العراقية والاسرائيلية الحالية، والمهام الرئيسية التي يتولاها بيرل وفيت في ادارة بوش اليوم، تجعل من هذه الوثيقة كنز لا ينضب. فبيرل يترأس المجلس الاستشاري لوزارة الدفاع الاميركية ويعتبر احد المفكرين الاستراتيجيين الاكثر اهمية في المؤسسة الاميركية. اما فيت فيتولى منصب نائب وزير الدفاع – وهو الرجل الثالث في المبنى الهرمي لوزارة الدفاع. وتعرض الوثيقة رؤيا طموحة اسرائيلية – اميركية مشتركة "تعتمد على عدم الاتكالية وعلى النضوج والتبادلية" بدل الشراكة التي تركز تقريبا، على الصراعات الاقليمية، فقط.
وتمتد اذرع هذه الشراكة التي اخترعها بيرل وفيت، اضافة الى خمسة باحثين اخرين، الى كل انحاء المنطقة. وقد كتبت المجموعة ان "الاردن تحدى، مؤخراً، المطامح الاقليمية لسوريا، عندما اقترح تجديد السلطة الهاشمية في العراق". وتضيف "وبما أن مستقبل العراق سيؤثر جوهريا على الميزان الاستراتيجي في الشرق الأوسط، فمن الواضح ضمنا، ان اسرائيل تملك مصلحة في دعم جهود الهاشميين الى اعادة تعريف العراق. ويمكن لحكومة نتنياهو ان تظهر دعمها هذا عبر اختيار الاردن ليكون الدولة الاولى التي يزورها رئيس الحكومة رسميا، قبل زيارته الى اميركا، وعبر دعم الملك حسين من خلال انتهاج خطوات امنية ملموسة للدفاع عن سلطته في مواجهات التآمر السوري، ومن خلال التأثير على رجال الاعمال الاميركيين كي يستثمروا في الاردن، من اجل احراز تغيير في المبنى الاقتصادي الاردني واضعاف تعلقه بالعراق".
لقد اقترح الخبراء على نتنياهو جر تركيا، ايضا، الى المرجل، عبر تقديم الدعم الدبلوماسي والعسكري والعملي لها في عملياتها ضد سوريا. ويحدد الخبراء انه "يمكن لاسرائيل قولبة محيطها الاستراتيجي بالتعاون مع تركيا والاردن، من خلال اضعاف سوريا وكبحها، بل وصدها. ويمكن لهذا الجهد ان يركز على ابعاد صدام حسين عن السلطة في العراق، وهو الهدف الذي يعتبر هدفا استراتيجيا اسرائيليا هاما بحد ذاته، كوسيلة لاحباط المطامح السورية الاقليمية". ومن الطرق المقترحة على تركيا "تعزيز الروابط القبلية بين القبائل العربية المتواجدة داخل الاقليم السوري والتي تعادي النخبة السلطوية السورية".
وبما ان سوريا تفضل " صدام الواهن، الذي يستصعب البقاء"، ولو في سبيل التآمر على المساعي الاردنية الى اسقاطه، يقترح بيرل وفيت ورفاقهما لفت أنظار سوريا عن اعادة الهاشمية الى العراق. وكيف يمكن لنتنياهو فعل ذلك؟ "من خلال استخدام عناصر معارضة في لبنان تعمل على ضعضعة السيطرة السورية على لبنان. واضافة الى ذلك، من المهم ان تلفت اسرائيل انتباه العالم الى اسلحة الدمار الشامل التي تملكها سوريا.

سلام بين قوسين

الخبيران اليهوديان، بيرل وفيت، اختارا السير في هذه النقطة، على حبل رفيع، يمتد بين اخلاصهما للسياسة الرسمية للادارات الاميركية (بما فيها ادارة ريغن التي شغل فيها بيرل منصبا رفيعا) وبين المصالح الاسرائيلية. لقد حددا انه "من خلال اخذ طابع السلطة في دمشق بالاعتبار، سيكون من الطبيعي والاخلاقي تخلي اسرائيل عن شعار "السلام الشامل" ورفض مبادرة "الاراضي مقابل السلام" في هضبة الجولان.
لقد كان بيرل وفيت على رأس الاطراف التي دفعت الكونغرس الاميركي الى عدم دعم فكرة نشر قوات سلام اميركية في هضبة الجولان، وهي الفكرة التي طرحت خلال المفاوضات السلمية التي اجراها يتسحاق رابين مع سوريا، بوساطة اميركية. وتحدد المجموعة ان "الاستراتيجية الجديدة لاسرائيل التي تعتمد على فلسفة اسرائيلية - اميركية مشتركة تدعو الى السلام من موقع قوة، تناسب القيم الغربية من خلال تأكيدها انه يمكن لاسرائيل الاعتماد على ذاتها ولا تحتاج الى الجنود الاميركيين للدفاع عنها، ولا حتى في هضبة الجولان".
ولتقليص قوة "رافعة الضغط التي استخدمت ضدها في السابق: يقترح بيرل وفيت قيام رئيس الحكومة بالاعلان خلال اول زيارة له الى واشنطن، بأن اسرائيل "بالغة بما يكفي كي تنقطع نهائيا عن المساعدات الاقتصادية الاميركية وبعض الضمانات التي تمنع اجراء اصلاحات اقتصادية". (لقد اعلن نتنياهو حقا عن تقليص المساعدات المدنية تدريجيا، وتحويل بعضها الى المساعدات الأمنية). ويؤمن الخبراء انه يمكن لاسرائيل من خلال ذلك، تحسين تعاونها مع اميركا، استعدادا لمواجهة التهديدات الحقيقية للمنطقة ولأمن الغرب.
وتقترح الوثيقة على رئيس الحكومة الاسرائيلية ادوات تكتيكية تساعده على توقع ردود الفعل الاميركية وتخطيط سبل ادارة هذه الردود. كما يوفر اصحاب الوثيقة لنتنياهو عدة اقتراحات تساعده على مناورة اعضاء الكونغرس. وحسب رأيهم يجب على نتنياهو صياغة سياسته وابراز القضايا التي يعتبرها هامة، بلغة يعرفها الاميركيون واستخدام عبارات اشغلت الادارات الاميركية خلال سنوات الحرب الباردة والتي تعتبر ذات صلة باسرائيل اليوم. بل انهم قدموا توصية تتعلق بالتوقيت المناسب "لتحصيل رد اميركي داعم" – قبل نوفمبر 96 (موعد انتخابات الرئاسة الاميركية والكونغرس).
لقد توقع اصحاب الوثيقة الحصول على مقابل من نتنياهو يتمثل في دفع جدول اعمال اصدقائه في اليمين الأميركي واللوبي الأمني والصناعي. مثلا، تأكيد رغبته بتوثيق التعاون مع اميركا في مجال الدفاع المضاد للصواريخ. ويعد اصحاب الوثيقة بأن التعويض لن يتمثل في تحسين مقدرة اسرائيل على مواجهة التهديدات المادية الملموسة، فحسب، "وانما، ايضا، بتوسيع قاعدة دعم اسرائيل لدى الكثيرين من اعضاء الكونغرس الاميركي، الذين قد يعرفون القليل عن اسرائيل لكنهم يبدون اهتماما كبيرا في مسألة التصدي للصواريخ".
اما العلاوة التي وعد بها نتنياهو فتمثلت في "ان هذا التأييد الواسع سيساعد الجهود المبذولة من اجل نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس". وكيف اتفق هذا الأمر مع العملية السلمية التي كانت تمر آنذاك في احدى ساعاتها الصعبة؟ لقد احيط مصطلح العملية السلمية في الوثيقة بقوسين، وهكذا، ايضا، عومل مفهوم "الشرق الأوسط الجديد" الذي يضعضع "شرعية الامة والذي قاد اسرائيل الى شلل استراتيجي".

هكذا افشلنا الانقلاب

سيتمكن ارئيل شارون لاحقا من جني ارباح جيدة من المسرحية المؤثرة للبطل "الجنرال عرفات"، الذي اعلن انتصاره على خلفية قيادته المدمرة. وكلما عملت وسائل الاعلام على تضخيم حجم الماعز التي ادخلها رئيس الحكومة الى البيت الأبيض، كلما ازداد حجم "اللفتة الطيبة" التي قدمها الى صديقه جورج بوش، مقابل اخراجها من هناك – قربان لارضاء الاه الحرب (ضد صدام حسين). ويبدو أن شارون لم يكرس حقا ما يكفي من التفكير بهذه المسألة، لكنه يملك فرصة غير قليلة لمنح نهاية سعيدة، بالنسبة له على الأقل، للمسرحية الفاشلة في المقاطعة.
يبدو ان رئيس الحكومة لم يتعامل بجدية مع اقتراح السفير الاميركي دان كريتشر، "بوقف الهراء" ورفع الحصار فوراً. ومن الممكن انه اعتقد بأن كريتشر ما زال يعمل لدى كلينتون ولذلك اجهد دوف فيسغاليس بارساله للقاء رجال بوش في واشنطن.

لقد اتخذ قرار الانصراف من المقاطعة عندما ابلغ فيسغاليس الـ"بوس" بأن كريتشر لم يزيف الرسالة التي نقلها اليه من البيت الابيض. لقد تبخر الامل بانهاء حصار المقاطعة عبر صفقة شبيهة بالصفقة التي تم التوصل اليها اثناء حصار كنيسة المهد، عندما اتضح ان الاوروبيين ليسوا في الصورة هذه المرة. فالدبلوماسي البريطاني اليستر كروك الذي اشرف على المفاوضات مع المحاصرين داخل كنيسة المهد وجد له، مؤخرا، مشاغل اكثر عاجلة في مصر.
لقد طلب رئيس المعارضة يوسي سريد من لجنة الخارجية والامن البرلمانية اجراء تحقيق معمق في الشبهات التي تفيد ان شارون اختار المقاطعة بالذات، كهدف للانتقام لعملية تل ابيب، من اجل احباط خطة كانت ستحدث في المقاطعة في ساعة الهجوم عليها. مكتب رئيس الحكومة وكذلك وزير الأمن بنيامين بن اليعزر ووزير الخارجية شمعون بيرس، يدعون عدم معرفتهم بالخطة التي كان ينوي قادة فتح فرضها على عرفات، يوم الجمعة الماضية، بخصوص "الاصلاحات السياسية" التي لا تتوقف الحكومة الاسرائيلية والادارة الاميركية عن ذكرها.
اذا كان هذا الادعاء صحيح، فان هناك مكانا لاجراء تحقيق جوهري في الكسوف الذي اصاب الاذرع الاستخبارية في يوم الغفران. هناك في شعبة الاستخبارات العسكرية والشاباك من يتحتم عليه شرح مسألة اختفاء الـ13 مسؤولا فلسطينيا عن عيونهم، الذين جاؤوا الى جلسة التنسيق التي عقدت في منزل ابو مازن. امن الممكن انهم لم يعرفوا بما كانت تعرفه سلسلة كبيرة من الدبلوماسيين الاميركيين والاوروبيين: انه تم الاتفاق في الاجتماع على عدم الخروج من المقاطعة الا اذا تم تعيين ابو مازن رئيسا للحكومة وفرض عرفات على كتائب الاقصى قرار وقف النار الذي اتخذته فتح.
مهما كان الفشل ، فقد تشرد "المتآمرون"، على حد تعبير عرفات، في كل جهة. لقد انصرف ابو مازن الى دول الخليج، وسارع في العودة الى رام الله لخدمة عرفات. وسافر امس في زيارة رسمية الى روسيا. كما ان بقية اعضاء الانقلاب يحملون عرفات على الاكتاف ويحطمون رؤوسهم من أجل ترميم الثورة. بالنسبة لشارون، اجتازت عملية المقاطعة امتحان النتائج. ربما يكون الامر كذلك بالنسبة لبوش، ايضا، الذي سجل امامه ترحيب شارون بخطابه الذي القاه في الرابع والعشرين من حزيران. كلاهما يملكان الرغبة ذاتها بالانشغال في تعيين رئيس لحكومة فلسطين المؤقتة واخلاء المستوطنين اليهود.

* "هآرتس"

التعليقات