31/10/2010 - 11:02

بنظرة طائر عن أدباء إسرائيل و"يسارها"/ أنطوان شلحت

بنظرة طائر عن أدباء إسرائيل و
1- نشر ثلاثة من أبرز الكتّاب أو الأدباء الإسرائيليين هم دافيد غروسمان وأ. ب. يهوشواع وعاموس عوز، يوم الأحد الأخير (6/8/2006)، نداء في "هآرتس" دعوا فيه إلى أن توافق حكومة إيهود أولمرت على "اتفاق متبادل لوقف إطلاق النار".

وجاء في هذا النداء ما ترجمته الحرفية التالية:
"عدوانية منظمة حزب الله استوجبت من إسرائيل القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق للدفاع عن نفسها، سواء ضد هذه المنظمة ذاتها أو ضد السلطات اللبنانية التي تعطي الحماية والدعم الكاملين لهذه المنظمة الإجرامية، التي تؤيد إبادة إسرائيل.
"العملية العسكرية كانت عادلة ومبرّرة في نظرنا من ناحية أخلاقية ولاءمت الشرعية الدولية بشأن الدفاع عن النفس أمام عدوانية دولة عدو. ورغم أنه في هذه العملية جرى المس بمدنيين كثيرين من دولة العدو فإن هدفها لم يكن البتّة قتل المدنيين لمجرّد ذلك، خلافًا لمنظمة حزب الله التي تحت حماية سلطات لبنان أطلقت آلاف القذائف على بلدات في إسرائيل وقتلت عشرات المدنيين، يهودًا وعربًا على حد سواء.
"في هذه المرحلة من الحرب ندعو الحكومة إلى الموافقة على اتفاق متبادل لوقف إطلاق النار. وذلك من منطلق الافتراض بأن الأهداف المعقولة والممكنة لهذه العملية العسكرية قد تحققت، ولا مبرّر للتسبب في معاناة وسفك دماء إضافية للطرفين من أجل أهداف ليست ممكنة ولا تستحق هذه المعاناة. لا حق للشعب اللبناني في المطالبة باحترام سيادته إذا ما تلكأ في بسط مسؤوليته الكاملة على جميع مواطنيه وعلى جميع أراضيه. إصرار إسرائيل على الدفاع بحزم عن حدودها ومواطنيها تم توضيحه كفاية برأينا للشعب اللبناني، ولذا لا حاجة لزيادة آلامه وآلامنا أكثر فأكثر. ولذا، مع كل التأييد المبدئي من قبلنا للعملية العسكرية الإسرائيلية، فإننا ندعو إلى الموافقة الفورية على وقف متبادل لإطلاق النار".

يبدو من النصّ أعلاه أن هؤلاء الكتّاب مهمومون، حتى الثمالة، بإبراز "تفوقهم الأخلاقي" على "العدو"، المنطلق من موقف عنصري استعلائي ومتأصل حيال إنسانية الطرف الآخر. لكن همهم، الذي يمكن تفسيره وتفنيده في الآن ذاته، لا يشكل رادعًا أمام انزلاق أخلاقهم في منحدر تبرير- نعم تبرير- جرائم الحرب التي ترتكبها آلة دولتهم العسكرية الجنونية والعاتية. وهذا يكمن الفارق الجوهري الذي جاءت هذا الحرب إيذانًا به، ليس فقط في مجرّد انتقال هؤلاء الكتّاب وغيرهم من موقع المناهض للحرب إلى موقع المؤيد الذي يدّق الطبول لها، وإنما أساسًا في ماهية هذه "النقلة" التي ربمّا تعيد الأشياء إلى أصولها التي اعتراها بعض النسيان.

هذا عن أبرز كتّاب إسرائيل، فماذا عن يسارها؟

2- شكلت انتفاضة القدس والأقصى في أيلول 2000 المفترق الأكثر حسمًا الذي انفضحت عنده، مرة واحدة وإلى الأبد، أكذوبة "اليسار الإسرائيلي" الذي اصطلحنا على تسميته بـ"اليسار الصهيوني". كما أظهرت مبلغ اذدنابه لحزب "العمل"، ومبلغ التلفيق الكامن في مجرّد إطلاق اسم يسار عليه.
ويعود ذلك، في جانب منه، إلى أن هذا اليسار لا يتبنى مواقف جوهرية من قبيل تلك التي من شأنها تأطير اليسار في العالم أجمع. وإذا وضعنا الأجندة الاقتصادية- الاجتماعية المغيّبة جانبًا، فإن موقف هذا اليسار غير المناهض للاحتلال الإسرائيلي جملة وتفصيلاً هو الذي يحدّد هويته وأداءه. وبناء على ذلك فقد رأى أكثر من باحث أن انتفاضة القدس كانت فرصة لنشوء جماعات يسارية حقيقية داخل المجتمع الإسرائيلي، تأثيرها هامشي حتى الآن لكن منطلقها سليم، ويتمثل في مناهضة الاحتلال قبل أي شيء عداه.

هذه الأكذوبة تعود إلى الواجهة الآن على خلفية الحرب العدوانية على لبنان. أكثر من ذلك فإن هذه الحرب كانت ذريعة لبعض "رموز" هذا "اليسار" في الأدب والإعلام للانزياح النهائي صوب مركز الخارطة السياسية الإسرائيلية، الأقرب إلى اليمين. ولا تزال القوة الرئيسة لهذا "اليسار"، وهي حركة "سلام الآن"، بعد أن أوشكت الحرب على دخول شهرها الثاني، مشلولة تمامًا. وهو الشلل ذاته الذي يعيد إلى الأذهان سلوكًا مماثلاً لهذه الحركة عندما كان حزب "العمل" في السلطة (فترة رئاسة إسحق رابين وشمعون بيرس وإيهود باراك). وحتى إذا تحركت هذه القوى في المدى المنظور، فإن تحركها سيكون بدافع فشل الحرب الإسرائيلية وسقوط المزيد من القتلى، لا بدافع رؤية ما يكابده الطرف الآخر.

في موازاة ما تقدّم لا يمكن التقليل من أهمية الجماعات اليسارية التي تعتبر راديكالية أو ما شابهها في المشهد الإسرائيلي العام (مثل "كتلة السلام"، حركة "تعايش"، حركة "نساء بالسواد" و"ائتلاف النساء من أجل السلام" وغيرها)، كما لا يجوز المبالغة في تأثيرها على الشارع الإسرائيلي المعبّأ بقضّه وقضيضه مع الحرب. وما قد تثيره هذه الجماعات من غبار وضجيج يعود إلى أنها ترى ضرورة في أن تكون المعركة ضد الحروب عامة وضد احتلال المناطق الفلسطينية معركة مشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين عمومًا، بمن فيهم الفلسطينيون المواطنون في إسرائيل، وذلك خلافًا لمعسكر السلام التقليدي الذي بقي يتبنى نظرة مستعلية حيال هؤلاء المواطنين كانت حائلاً بنيويًا وذهنيًا أمام أي تعاون في مناهضة السياسة الإسرائيلية الرسمية.

التعليقات