31/10/2010 - 11:02

بين الناصرة وشيكاغو! / رازي نجّار

بين الناصرة وشيكاغو! /  رازي نجّار

في سياق النقاش الدائر حول "الخدمة المدنيّة/ الوطنيّة/ العسكرية الإسرائيلية" التي يُراد من العرب الانخراط فيها كشرط تضعه السلطة أمامنا كي ننال حقوقنا، لا يسعني إلا أن أدّعي أنّنا نحن العرب الباقين على أرضهم المُعبرَنة يؤدّون هذه الخدمة، والأنكى من ذلك أننا نؤديها من دون أن نعلم. كيف؟!


 


في الماضي، كنت أردّ على معارفي اليهود السائلين أبدًا "هل خدمت في الجيش؟"، مجيبًا: "نعم، جندي برتبة هدف!"... هذا الأسبوع، أُثبت أنّ جوابي الساخر هذا ليس بعيدًا عن الحقيقة، بعد أن اعترف نائب وزير الحرب، أفرايم سنيه، بأنّ الجيش الإسرائيلي كان أجرى تدريبات عسكريّة في مدينتي الناصرة وشفاعمرو قبل الحرب الأخيرة على لبنان. جاء ذلك خلال ردّه على استجواب قدّمه النائب عزمي بشارة في هذا الخصوص.


 


المنطق من وراء استعمال قرانا ومدننا مفهوم وواضح، بل فيه اعتراف ضمني بأنّنا امتداد للأمّة العربيّة في كل شيء، حتى في بشاعة وعبثيّة الهندسة المعماريّة التي تميّز مناطق سكنانا. وللحق أقول إنّ اعتراف وزارة الأمن هذا لا يكشف أسرارًا عسكريّة تذكر، فجولات فرق المشاة العسكرية المُدججة بالأسلحة هو مشهد طالما عهدناه في حاراتنا وتجاهلناه كوننا نعرف الحقيقة المؤلمة أنّنا نسكن في الثكنة العسكريّة الأكبر في الشرق الأوسط والمعروفة باسم دولة إسرائيل. وبما أنّ لا جديد تحت شمسنا (التي اشتقنا لها) أرى من واجبي أن آتيكم بما هو جديد وسرّي، ليس قبل أن ألفت عناية بعض مذيعي الإذاعات المحليّة الذين أفرطوا في "لبننتهم" بأن يكفّوا عن تبنّي اللهجة اللبنانية في برامجهم، ليس لأنّ بندقتهم تخرّ الآذان فحسب، بل كي لا يصبحوا هدفًا مستباحًا للجنود الذي تعودوا قنص كل من هو لبناني؛ "الحكي هيْدا ويئعي ومهدوم، ما هيك؟"!


 


شيكاغو، سر عسكري...


في اللقاء الأخير من دروس التصوير الفوتوغرافي التي شاركت بها قبل سنة ونصف السنة في عمان، في إطار "المشروع الفلسطيني للمرئي والمسموع (السينما)" الذي نظمته مؤسّسة القطان الفلسطينيّة، عرض المصوّران البريطانيان آدم برومبرغ وأوليفر شنارين، ولأوّل مرّة أمام جمهور، صورًا تكشف سرًا عسكريًا إسرائيليًا عمره ثلاثون سنة، اسمه "شيكاغو"، في النقب. وشيكاغو هذا، عبارة عن "مدينة أشباح" (من غير سكان) بنيت بشكل مطابق لمدينة عربيّة بكل ما تشمل من معالم؛ فيها بيوت متراصة وأخرى مستقلة، ومدارس ومساجد ودكاكين وسيارات ودُمى جنود بزيْ عربي "إرهابي"... مدينة تدريب على الحروب المدينيّة بحسب التعريف العسكري.  


 


في شيكاغو تدّرب الجيش الإسرائيلي على اجتياح بيروت عام 1982، وعلى الانسحاب من قطاع غزة عام 2005، وعمليًا على كل الحروبات والإجتياحات التي نفّذها. إلا أنّ استعمال "شيكاغو" لم يقتصر على الإسرائيليين فقط، فالجيش الأمريكي تدرّب فيه مرتين، عشية حرب الخليج الأولى والثانية.


 


منذ ذلك الحين عرض المصوّران اكتشافهما في عدّة معارض أوروبيّة، بل أجريا عدّة لقاءات صحافيّة كان آخرها في "الديلي تلغراف" البريطانيّة، فيها تحدثّا بصراحة عن الخدعة التي اتبعاها كي يخترقا هذه الثكنة العسكريّة (بينما الإعلام الإسرائيلي ما يزال يتعامل مع شيكاغو كسرٍّ عسكري). الخدعة بسيطة، وتعتمد على فكرة أنّ إسرائيل هي دولة كل يهودي في العالم، وبما أنهما يهوديّان، فقد دخلا البلاد في قبعة فنانين يهوديان يريدان إظهار الوجه الحقيقي لإسرائيل "الجميلة"، فمنذ البداية خصّصت لهم الحكومة الإسرائيليّة وفيما بعد وزارة الأمن بالتحديد مرشدين سياحيّين جالا بهما مرافق الدولة، فصورّا وصوّرا (أحيانًا من دون فيلم) إلى أن وصلا "شيكاغو" الذي مكثا فيه مدة 90 دقيقة، خرجا من بعدها بمجموعة من الصور تكشف أنّ في إسرائيل العسكريّة كل شيء مخطّط له مع سبق الإصرار والترصّد.


 


في إسرائيل العسكريّة الكل مجنّد من أجل الهدف، بدءًا بأصغر جندي، مرورًا بأهم مهندس معماري، وصولاً إلى مصمّمي الديكور المسرحيّين وحتى خبراء التجميل (أو التبشيع) – كلّهم شاركوا في بناء "شيكاغو"، والهدف هو المزيد من الانتصار – الاحتلال، لكن حتى شيكاغو لم يشفع لهم هذه المرّة.


 


من ناحية أخرى، واستنادًا إلى منطق أجدادنا القائل "منيح اللي هيك ولا غير هيك"، وبما أنّ إسرائيل هي أمر واقع، أرى أنّه من مصلحتنا أن تتمّ معظم التدريبات في شيكاغو وليس في قرانا؛ فتخيّلوا معي أنّ فرقة جيش من وحدة "تسنحانيم" (خزّق الله مظلاّتهم) تجري تدريبًا عسكريًا في باقة الغربية مثلاً، وأنّ موضوع التدريب هو العبور من بيت إلى بيت عن طريق إحداث "ثغرة" في الحائط. في هكذا حالة من الممكن أن تقتحم هذه الوحدة العسكرية، خطأً، حرمة بيت الوزير رالب مجادلة، الأمر الذي سيحدث أزمة سياسية في الدولة، وقد يستغلّها الصهاينة في نزع المساواة والحقوق التي منحتها للعرب بموجب هذا التعيين، وهذا ما لا نتوخّاه.


 


وللخلاصة، نحمده تعالى على أنّ مدننا وقرانا تُستباح من المستوى العسكري وليس من المستوى السياسي، ففرقة عسكرية تتدرّب في قرية عربية أفضل من رئيس إسرائيلي يتدرّب في قرية عربية، وإلا اضطررنا إلى قتل المدعوّة "أ" (عربية في هذه الحالة) على خلفية شرف العائلة! 


 


لصور من شيكاغو:


http://www.choppedliver.info/flash.html


 


 


 

التعليقات