31/10/2010 - 11:02

جرائم بلا عقاب../ د.جمال زحالقة

جرائم بلا عقاب../ د.جمال زحالقة
يمكن اعتبار التقرير، الذي قدمه مركز عدالة في مؤتمره الصحفي يوم الأحد الماضي، بمثابة لائحة اتهام مسندة بالبينات والأدلة ضد وحدة التحقيق مع الشرطة "ماحاش". لقد أحسنت عدالة صنعاً حين عنونت تقريرها بكلمة "المتهمون"، حيث ذكر التقرير بالاسم كل "الماحاشيين" المتورطين في عملية طمس وإخفاء الأدلة والتلاعب بعملية التحقيق وصولاً إلى تبرئة جميع رجال الشرطة المسؤولين عن جرائم هبة أكتوبر المجيدة.

يعد نشر تقرير عدالة محطة مهمة في المعركة من أجل الحقيقة والعدالة، ويتسم التقرير بمستوى عال من المهنية والوضوح. لا يمكن لأي رجل قضاء موضوعي أن يتجاهل التهم الخطيرة التي يتضمنها التقرير، ليس ضد عدد من محققي "ماحاش" فحسب، بل ضد وحدة التحقيق ككل، وحتى ضد مجمل جهاز التحقيق والقضاء في إسرائيل، حيث عمل هذا الجهاز، بامتحان النتيجة وطريقة العمل، على التغطية على مجرمي أكتوبر ومساعدتهم على التملص من أي عقاب.

يثبت، مرة تلو المرة، أنه في حالات قتل مواطنين عرب من قبل أفراد شرطة، تبقى الجريمة بلا عقاب، وكل جريمة بلا عقاب هي ضوء أخضر للجريمة التي تليها. مع غياب العقاب يغيب الردع ويهدر الدم. وبعيداً عن تفاصيل كل حالة من عشرات حالات القتل التي نفذتها الشرطة وذهب ضحيتها مواطنون عرب، فإن الواقع الذي لا جدل حوله أن القاتل يمثل الدولة وان المقتول عربي. وهذه الدولة، التي تتبجح بالديمقراطية وسلطة القانون، لا تتحمل، فيما يبدو، أن تحاكم وتسجن وتعاقب فعلاً رجل أمن لمجرد أنه قتل عربياً، حتى لو كان هذا العربي مواطناً في الدولة. هكذا كان بعد مجزرة كفرقاسم 1956، ويوم الأرض 1976، وهبة أكتوبر 2000، وعشرات جرائم القتل المتفرقة الأخرى. في كل هذه الحالات لم ينل أحد من المجرمين العقاب الذي يستحقه، ولم يأخذ لا التحقيق، ولا العدالة، ولا حتى القانون المجرى السليم ولو بحده الأدنى.

نحن أمام سياسة دولة، ولسنا بصدد هذا المسؤول أو ذاك. حين وقف ميني مزوز، المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، ليعلن في مؤتمر صحفي قبل حوالي السنة، دعمه الكامل لتقرير وحدة التحقيق مع الشرطة، الذي برأ مجرمي أكتوبر بالجملة، فهو لم يقل فقط رأيه، بل الدولة تحدثت من حنجرته. حينها قال مزوز، أن جهاز التحقيق والقضاء محكوم بتوفر الأدلة. في كل مرة، تكون الحجة ويكون التبرير "عدم توفر أدلة كافية"، وعلى هذا الأساس ينتهي التحقيق. ولكن ما الذي يحدث حين تتوفر أدلة وأدلة دامغة؟ لقد برهن تقرير عدالة بالدليل القاطع أن وحدة التحقيق مع الشرطة، لم تكتف بعدم البحث عن الأدلة وجمعها، كما يكون التحقيق عادة، بل أنها تجاهلت وأخفت وطمست ما وصلها من أدلة. لدينا اليوم، ما يكفي من الأدلة والدلائل لاستخلاص صيغة لمعادلة العدالة الإسرائيلية: العربي يدان ولو كانت الأدلة واهية، والشرطي الإسرائيلي يبرأ ولو كانت الأدلة دامغة!

بعد هبة أكتوبر مباشرة حددنا هدفنا في التعامل مع الجريمة بكلمتين: الحقيقة والعدالة. هذا نفس المطلب الذي رفع في حالات جرائم مماثلة ارتكبت في ايرلندا الشمالية وجنوب إفريقيا. في كلا البلدين، وبعد نضال مرير استمر عشرات السنين، تحقق المطلب بالاتفاق وقبول أهالي الضحايا والقيادات السياسية. نحن ما زلنا في معمعان المعركة من أجل الحقيقة والعدالة، ولن يهدأ لنا بال حتى تكشف الحقيقة كاملة وتأخذ العدالة مجراها. هي معركة وفاء للشهداء وللقضية التي سقط من أجلها هؤلاء الشهداء.

التعليقات