31/10/2010 - 11:02

خارطة الطريق التي لا يجب على أحد مقاومتها/د.عماد فوزي شُعيبي

خارطة الطريق التي لا يجب على أحد مقاومتها/د.عماد فوزي شُعيبي
خطان أحمران بالنسبة للسياسة الأمريكية في المنطقة : "الدم واللحم الأمريكي المحرمان " ؛ بمعنى ضرورة تجنب دعم أو خلق مقاومة للاحتلال الأمريكي للعراق على الطريقة اللبنانية (وهذا هو سر التركيز الرمزي على حزب الله) ، والثاني " خارطة الطريق" التي يراها الأمريكيون الفرصة التاريخية لإنهاء صراع مسلح بين إرهابيين ودولة ! .

الشق الأول من المُعادلة سيأتي عراقياً بعد أن يتبلور الموقف والرؤية والأدوات، أما الشق الثاني فهو ضرب من السذاجة السياسية التي ستتحول ، مع جملة من السلوكيات السياسية للولايات المتحدة الأمريكية تحت ظلال الإيديولوجيين إلى كارثة سياسية ، تماثل إلى حدّ كبير الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه الحلفاء في صلح فيرساي بخصوص ألمانيا؛ عندما لم يراعوا حقوق الشعب الألماني القومية وعندما قسّموه بصورة تعسّفية ، متجاوزين درساً مهماً لسياسيي القرن الثامن عسر لكل من مترنيخ وكاستلري اللذان أقاما صلح المئة عام 1813-1914 بعد هزيمة نابليون ، والذي يتلخص بعدم إهانة الأمة الفرنسية وتقسيمها، وهذا الدرس يتلخ بأن منطق الحرب هو القوة لكن منطق السلم هو التوازن ، وأن نجاح أي حرب هي النصر لكن نجاح السلام هو الاستقرار، وهذه المعادلة التي اخترقها الحلفاء في صلح فيرساي وأدت إلى الحرب العالمية الثانية وبروز الظواهر المتشددة كالنازية والفاشية هي نفسها التي يخترقها الأمريكيون بشدة في لعبة فرض السلم عبر خارطة للطريق تُغلب الأمني على السياسي ، وتترك المجال لعدم التوازن مفتوحاُ على مصراعية وتريد أن تُفعل قاعدة أن السلم تعبير عن ميزان القوى بين رابحين كُلياً وخاسرين كُلياً وهي معادلة غير سياسية ولا تؤدي لا إلى توازن ولا إلى استقرار؛ لأن الشعوب لا تنام على قواعد ميزان القوى العسكري، بل تبيح لنفسها تعديل قواعد ميزان القوى العسكري بميزان القوى البشري واللاعقلاني، إذ أنه إذا لم تستطع الخطوات السلمية أن تؤدي إلى التوازن فإن خرق التوازن يساوي خرق ميزان القوى بصورته العسكرية الاستاتيكية، وفي أحسن الأحوال سيتحول السلم هنا إلى هدنة تتفجر تحت إيقاع ميزان للقوى جديد هو ميزان التفجير على قاعدة لعبة عض الأصابع.مما يعني أن السلم هنا هو صلح مرتد .

كل صلح أو سلم يقوم على إغراء الانتقام وقهر الشعوب هو صلح مرتد ؛ بمعنى أنه مؤهل دائماً كي يكون قنبلة انفجارية بصورة غير معهودة أو مقبولة.

في صلح باريس ؛ وهو درس الديبلوماسية التاريخية الذكية لمترنيخ وكاستيلري لم يتم اتخاذ أي تدبير مُسرف ضد فرنسا التي احتفظت بحدودها القديمة وسمح لها زيادة عن ذلك ، بالتوسع باتجاه السافوا والبالاتينا مضيفة بذلك نحو ستمئة ألف نسمة إلى عديد سُكانها، وأطلقت يدها (أيضا) في تحديد عدد قواتها المُسلّحة وأعادت لها بريطانيا أغلب المحطات الاستعمارية التي استولت عليها. ولم يُفرض عليها أية تعويضات مالية … وبذلك كان التوازن في الصلح الذي نزع الظاهرة النابليونية الاستعمارية التوسعية التي أرادت ضم إيطاليا وهولندا وبلجيكا وألمانيا وسويسرا ومالطا. بمعنى آخر فإن السلم الحقيقي هو السلم الذي يحقق استقراراً مرهونا بانعدام التفسّخ النهائي، وعلى أن فن الحكم لايقوم على الانتقام بل على الاستيعاب والاندماج، وغابت عن معاهدة باريس، كما كان يقول كيسنجر في كتابه :"عالم أُعيد بناؤه"، خرافة الأمن المُطلق التي تحاول كبح طرف واحد فقط ووضع ملامح حدودية على طريقة الغيتو مما يؤسس لاختلال التوازن بين كل الدول.

وإذا ما أدرجنا المعادلات السابقة في معادلة العراق أو خريطة الطريق ملخصة بـ:
التوازن والاستقرار وعدم إهانة الحس القومي أو انتزاع الحقوق والتخلي عن خرافة الأمن المُطلق وعدم الاقتصاص أو الانتقام وعدم كبح طرف وحيد … فهل لنا بعقل بارد أن نتوقع من خارطة الطريق أن تجد طريقاً إلى التحقق .

إنها محكومة بالفشل الذريع وهي كوثيقة تينت الأمنية وككل الاتفاقات من أوسلو إلى اليوم لن تؤدي إلى نتيجة لأنها محكومة بالانحياز إلى طرف لاعتبارات انتخابية وداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

الغريب أن الدرس الذي استعاده كيسنجر في رسالته للدكتوراه هو نفسه الذي يتم اختراقه بصورة لا عقلانية من تيار إيديولوجي لم يتعلم السياسة قط ، ويقوم على قاعدة أن استقرار منظومة إقليمية أو دولية ما مرهون بشعور الفرقاء بوجود مصلحة لهم في الدفاع عنه بما فيه الأمن المتوازن ، وإذا ما كان لطرف دولي أن أن يقوم بتلك التسوية بين طرفين فإن عليه أن يُدرك أنها يجب أن تحقق للطرفين توافقاً بين رؤاهم الذاتية وبين الفكرة التي تكونها الدول الأخرى عن كل طرف ، لا أن يفرض الوسيط (وهو هنا افتراضياً) الولايات المتحدة، فكرته عن طرف ما وطبيعة انحيازه لهذا الطرف دون ذاك، على الطرف الأضعف في المُعادلة، وهذه أيضاً إحدى أهم أخطاء السياسة الأمريكية.

وإذا كان الرئيس جورج بوش ومن معه بتنوع تياراتهم وتنافسها الحقيقي قد وصلوا إلى الحدّ الذي يريدون فيه فرض قواعدهم ، فإن عليهم أن يتعلموا دروس السياسة التي تعلمناها وعانينا كثيراً، ودفعنا فرادى وجماعات ودولاً أثماناً باهظة،
كي تصبح إرثاً وقواعد كلّ حيدان عنها سيعني كارثة ، كما سيعني أنه على من لم يتعلم فعل السياسة وقواعدها، أن يقبل بأن يُصبح خارج التاريخ … والحقيقة أن هذا التعبير سمعناه من كولن باول مؤخراً تجاه سورية ، وهو في الحقيقة ينطبق عليه وعلى سياسة إدارته التي لا تريد أن تفهم المعادلات السابقة والتي جاءت من مدارسهم السياسية وعلى رأسها كيسنجر .

تعلمنا من كيسنجر رغم أننا لا نحبه وتضررنا كثيراً منه ، ولا نجد غضاضة أن نتعلم المفيد انتقائياً من خصومنا، لكن أبناء جلدته لا يريدون التعلم … وباختصار خارطة الطريق محكومة بالفشل والتراجيديا ، لأنها غير سياسية ولا تلتزم بألف باء السياسة.
فإن تبدأ بالأمن الذي هو نهاية أية مفاوضات تُفضي إلى سلم ؛ فإن هذا يعني أنك تريد أن تقلب السياسة على رأسها، وتفسح في المجال أمام من تنحاز إليه كي يسوف ويقول أنه لن يوافق على خريطتك ، منتظراً دولك في لعبة الانتخابات الرئاسية التي ستحتاج فيها إلى دعمه، وهذا يعني أنك طرف ولست وسيطاً بين الأطراف.

مرة أخرى بدون معادلة لا تقوم على :" التوازن والاستقرار وعدم إهانة الحس القومي أو انتزاع الحقوق والتخلي عن خرافة الأمن المُطلق وعدم الاقتصاص أو الانتقام وعدم كبح طرف وحيد…" ، لن تكون هنالك أكثر من هدنة قصيرة أو انفجار مُدمر.

التعليقات