31/10/2010 - 11:02

رسالة الى زميل لبناني../ أحمد أبو حسين

رسالة الى زميل لبناني../ أحمد أبو حسين
إنتقدنا هنا في هذه الزاوية أحد الصحفيين اللبنانيين الذي يحسد الإسرائيليين على ديمقراطيتهم، وإن كنا لم نرغب في حينه بمناقشته بقدر ما نسمح لأنفسنا أن نكون دليلاً له، ربما بسبب انكشافنا على المجتمع الإسرائيلي بشكل يومي. وشهادتنا منذ إندلاع الحرب على لبنان، وفق ما تعلمنا من أسس"السياسة المقارنة"، تشير أن لبنان بلد ديموقراطي أكثر من "ديموقراطية اليهود" برغم التركيبة الطائفية، وما يحكمها من ولاءات ورواسب تاريخية لها تأثيرها على ديموقراطية البلد. وقد يتهمنا المعجبون بديموقراطية القبيلة الاسرائيلية أن ثمة مبالغة، خاصة وأن هناك من يحاول دائما أن يستحضر "حكايات" مما شهده البلد، كي ينزع عنه صفة الديمقراطية. وفي كل الأحوال فإن مقاييس الديمقراطية هي التي تحكم سلوك دولة تجاه مواطنيها وأيضا في الحرب سواء كان في الإعلام أو حتى في الممارسات والأعمال ضد المدنيين من وراء حدودها.

قد يعجب "اللبراليون العرب" بلجنة التحقيق الإسرائيلية ويعتبرونها خطوة سوبر ديمقراطية برغم أنها لن تتناول مسائل أخلاقية تتعلق بالعداء للعرب ومسح القرى والدمار وقتل المدنيين، إنما ستبحث في الإخفاق والفشل العسكري. نذّكر أن أولمرت كان يصرخ في الكنيست أول أيام الحرب والصواريخ والقنابل تتساقط على الضاحية والقرى اللبنانية " لن يعلمونا الأخلاق.. نعلمهم دروسا في الأخلاق".. حتى أن الكاتب الإسرائيلي دافيد غروسمان، الذي فقد إبنه عشية انتهاء الحرب ومؤلف كتب "الزمن الأصفر" وحاضرون غائبون"، شرعن الحرب لكنه عاد وطالب بوقف إطلاق النار قبل مقتل إبنه بأيام! وهذا الكاتب "الثاكل" المغرّد دوما في ملعب اليسار الإسرائيلي لن يتورع عن الإعتراف بهزيمة إسرائيل كي يبقى في ملعب القبيلة، لكنه سلك سلوكا أشكنازيا خالصا وبقي في خصوصياته وحيّزه الخاص وإعترف بالهزيمة الشخصية التي لحقت بعائلته الصغيرة. يقول غروسمان في وثيقة تأبين إبنه والتي نشرها في يديعوت أحرونوت في الأسبوع الماضي "أن ابنه أوري كان يبتسم أثناء خدمته العسكرية في المناطق المحتلة للأطفال الفلسطينيين وهم ينتظرون على الحواجز".. أرأيتم الأخلاق وأهل اليسار والإحتلال الإنساني.

ومع انتهاء الحرب كثر الحديث عن الأخلاق، أخلاق الجيش وفضائح التحرشات الجنسية وتمادي الأيدي على أجساد الموظفات، و"خلطة" الصحافة العبرية حول هذه المواضيع شبيه إلى حد ما بنميمة المومسات عن الشرف وإعتزال المهنة، حتى أن الشاعر الإسرائيلي حاييم غوري وصف صديقه س.يزهار أو سامخ يزهار (لفط حرف السين في العبرية) المتوفي أوائل ألأسبوع الحالي بأنه "أكثر الأخلاقيين والضميريين بين أدباء إسرائيل"، وقد يكون هذا الكلام "صحيحا" لكونه شاعراً وكاتباً نقدياً من داخل الإجماع اثارت كتبه مثل "خربة خزعة" جدلا واسعا في حينه، برغم أن الكاتب إعتقد على الدوام أنه من الممكن تصحيح الأمور مع الفلسطينيين، لكنه تشبث بالأخلاق كصفة ملازمة للحركة الصهيونية. نسامح يزهار لأنه لم ينطق بكلمة أيام العدوان بسبب مناطحته للموت لكننا لا نسامح أدباء إسرائيل (ضمير المجتمع) الذين لم يتفوهوا بكلمة واحدة عن الدمار وقصف الأموات والأحياء. ولا يحق لأحد منهم، لا حاييم غوري ولا أ.ب يهوشاع أو عاموس عوز، أن يتحدثوا عن الأخلاق بصورة عامة، لقد سقطوا سقوطا مدّويا في الإمتحان.. ولم ترحمهم الشرعنة الامريكية للحرب، يستطيعون أن يتحدثوا فقط عن الأخلاق الإسرائيلية صاحبة المعايير المتميزة !!! لم يكتب واحد منهم ان هناك "جينوسايد" بحق المواطنين اللبنانيين.. لم يتجرأ أحد على التفوه بكلمة.. ويحدثك الزميل اللبناني أنه يحسد الإسرائيليين.. بدل أن يحسد المقاومة على تعاملها مع الشهداء، والقيام بتنظيم جنازات طقوسية مع الورود والأرز والأهازيج.. أية مقاومة فعلت ذلك..

من المهم ان نرصد ما يحدث في إسرائيل من حراك، ولكن من الوقاحة أيضا الإستناد الى وقاحتها كمعيار لديمقراطيتها، ولا أجازف القول حين نقول أن هناك تافهين في إسرائيل.. نعم هناك تافهون.. والتفاهة والوقاحة الإستعلائية المنفوخة تشكل حالة مرَضية في الثقافة الإسرائيلية.. من حق إسرائيل أن تراجع حساباتها.. وتسأل "الأسئلة التي أجوبتها معروفة" للاسرائيليين كما يقول وزير الأمن الإسرائيلي السابق موشية أرنس في مقالة في هآرتس اليوم الثلاثاء 22-8-2006.

سمعنا "كلام الناس" من لبنان والتنظير حول "بناء الدولة".. و"هات المقاومة نعطيك الدولة" و"الحرب الإستباقية" و"التمايز الطائفي" ورأينا بأم أعيننا "المستقبل"، وقرأنا مقالات "إسرائيلية" بأقلام عربية في صحف لبنانية، في الوقت الذي كان المقاومون يدافعون عن لبنان.. ويحدثنا زميلنا اللبناني عن حسده للإعلام الإسرائيلي، بدل أن يعترف بحسد الآخرين لقيادة المقاومة.

واجب المقاومة أن تقيّم التجربة وتراجع حساباتها وطروحاتها وتعمّق علاقتها مع مجتمعها المنكوب وتفتح حوارا ونقاشا على القوى الحيّه وتسأل أسئلة من نوع " كيف نحافظ على أجواء لبنان بعد الآن"، " كيف نحافظ على الإنتصار" لمواجهة محاولة التقليل من أهمية انتصار المقاومة وإضعافها من خلال النعرات الطائفية ومهاجمة " التشيّع" مثلا، وإستعمال نقاط الضعف المختلفة والحديث عن "أهمية الإندماج في المجتمع". تجربة المقاومة تؤكد أن المراهنة على تيري لارسون وكوندليزا رايس باءت بالفشل..

التعليقات