31/10/2010 - 11:02

نظرية الاحتلال الثوري عند أنصار واشنطـــــن/ أحمد الخميسي*

نظرية  الاحتلال الثوري عند أنصار واشنطـــــن/ أحمد الخميسي*

كتب د . احسان الطرابلسي في مقال له في 27 أغسطس تحت عنوان " مصر والاحتلال والمقاومة " يقول إن " مصر الرسمية والشعبية والدينية مشغولة بالحالة العراقية .. رغم أن العراق الجديد لم يطلب من مصر أن تكون مشغولة به " .

وهكذا يبدأ الطرابلسي معتبرا أن مجلس الحكم المعين من قبل قوات الاحتلال الأمريكي هو ذلك " العراق الجديد " الذي يحق له أن يطلب أو لا يطلب . هذا بينما يعتقد آخرون ومن بينهم عراقيون كثيرون أن العراق الجديد هو المقاومة العراقية التي تكافح الاحتلال الأمريكي لبلادها . وأظن أن مصر ليست وحدها في الانشغال بالموضوع العراقي ، فهناك أيضا أمريكا وبريطانيا ودول الخليج وإيران وكلها مشغولة بذات الموضوع . وإذا كان الطرابلسي يتابع عدد القتلى والجرحي الأمريكيين ، وصدى ذلك في صحف لندن وواشنطن فسيدرك مدى انشغال الدولتين رسميا وشعبيا ودينيا بالمسألة المطروحة .
يضيف الطرابلسي أن الحملة الإعلامية المصرية الرسمية والدينية وغيرها تتركز على وجود الاحتلال الأنجلو – أمريكي للعراق . ( هل هي الحملة المصرية فقط ؟ ولماذا لا يقول الطرابلسي أن الحملة الإعلامية في دول الخليج وفي الخارج تتركز – بوجهات نظر مختلفة – على ذات الموضوع ؟ بل وداخل العراق ذاته ؟! ) . ويقول الطرابلسي إن المصريين لا يميزون ( الطرابلسي وحده يميز أما المصريون مجتمعون فلا يميزون ! ) بين احتلال جاء لمساعدة شعب للتخلص من الطغيان، واحتلال آخر جاء لسلب خيرات الشعوب . وهنا نصل إلي جوهر فكرة الطرابلسي الرئيسية . إنه يقول إن هناك احتلالا يأتي بالخيرات والرفاهية والحرية ، خلافا لكل ما يشهد به تاريخ المنطقة العربية وتاريخ العالم في قضية الاستعمار والاحتلال ، وخلافا لكل ما نعرفه من أن الاحتلال ظاهرة نشأت بهدف السلب والنهب فحسب . وإذا كان الأمر كذلك فلماذا وقف العرب جميعا ضد الاحتلال العراقي للكويت ؟ ولماذا لا يتفضل السادة الأمريكيون باحتلال فلسطين لتخليصها من الطاغية شارون ؟ ، ومتى وكيف وعلى أي أساس وبأية معايير يصبح الاحتلال مرة نهبا للخيرات ، ومرة أخرى تحررا وسعادة ؟. ليس ثمة أي معيار لدي الطرابلسي سوى حماسه الدافق للاحتلال الأمريكي ، ووصفه لعملية الغزو الأمريكي بأنها " تثوير لشعب " . نريد أن نعرف من الطرابلسي متى يصبح جنود الاستعمار غزاة ينبغي مقاومتهم ، ومتى يصبحون أصدقاء ينبغي تحيتهم ؟

يمضي الطرابلسي من تناقض إلي آخر في سبيل إثبات فكرته ، فيضرب مثلا بالفرق بين الاحتلال الفرنسي لمصر الذي جاء يحررها من المماليك ، والاحتلال الإنجليزي الذي وصل لإخماد ثورة عرابي . والاحتلال الفرنسي عنده ينتمي لنوع الاحتلال الثوري . لماذا إذن هب المصريون كلهم وقاوموا ذلك الاحتلال في كل شوارع وأزقة القاهرة وقتلوا كليبر وكبدوا الفرنسيين خسائر فادحة ؟ أم أنهم لم يعرفوا حينذاك ، ما عرفه الطرابلسي الآن ، من أن الفرنسيين قوة تحرير ؟! .

الطرابلسي يضرب مثلا آخر يؤكد به أن الفرنسيين أنفسهم كانوا قوة احتلال حين استولوا على الجزائر عام30 18، على أي أساس اعتبر الفرنسيين مرة قوة تحرير ؟ ومرة قوة احتلال ؟ . هكذا تركنا الطرابلسي في حيرة لا ندري متى يحتل الأجانب بلادنا بهدف تحريرها ، ومتى يحتلونها بهدف استعبادها . ولكن الأمر المؤكد عند الطرابلسي أن الاحتلال الأمريكي للعراق خير وبركة ، وأن الأمريكيين تكبدوا مشقة السفر تلك المسافة الطويلة لأجل عيون الشعب العراقي ، وحريته . هل يمكن للطرابلسي أن يكلم الأمريكيين ليتقدموا قليلا لتحرير فلسطين ؟ يتحدث الطرابلسي عن أن الاحتلال الأمريكي جاء من أجل : " تثوير شعب ضد حاكمه الطاغية " ! وقد سمعت وقرأت تحليلات كثيرة لأهداف الحرب الأمريكية على العراق منها حرص أمريكا على التحكم في نفط المنطقة ، وحرصها على أمن إسرائيل وتوصيل مياه دجلة والفرات إليها ، وحرص أمريكا على هيبتها العسكرية وغير ذلك ، لكنها المرة الأولى التي أسمع فيها أن الاحتلال جاء وتكلف ما تكلفه من أرواح ومعدات " لتثوير شعب " ضد الطاغية . ولنقل مع الطرابلسي أن لأمريكيين قد حققوا " تثوير الشعب " وخلعوا صدام حسين .. فلماذا لا يتكرمون الآن بالرحيل ؟ .
المثل الأخير الذي يضربه الطرابلسي هو دخول القوات المصرية إلي اليمن عام 1962 . ويقول إن المصريين ينكرون أشد الإنكار أن غزوهم لليمن بجيش .. كان احتلالا " . ويستطرد : " لماذا اعتبر الإعلام المصري تدخل الأمس في اليمن تدخلا مشروعا .. والتدخل الأنجلو – أمريكي اليوم تدخلا غير مشروع ؟ " . فهل يفهم من هذا الكلام أن المشكلة مع " الإعلام المصري " وما يعتبره، أم أن المشكلة في الاحتلال سواء أكان عربيا أو أجنبيا ؟ . ولنفترض أن دخول الجيش المصري لليمن كان احتلالا .. فهل ينبني على ذلك الخطأ السماح لكل المحتلين بالقيام بما يريدون ؟ . أم أن الطرابلسي يريد أن يقول : أنتم تحتلون .. فلماذا لا تدعون غيركم يحتل ؟ . أليس هذا هو منطق الطرابلسي ؟ . وهو بدلا من أن ينطلق من استنكار الاحتلال المصري إلي استنكار الاحتلال الأمريكي ، فإنه يفتش في الماضي – ليس لإدانة كل أنواع التدخل – ولكن ليجد للتدخل الأمريكي الراهن تبريرا ! وما رأي الطرابلسي إن قلت له إن الكثيرين في مصر كانوا ضد التدخل المصري في اليمن ، كما أنهم ضد التدخل الأمريكي في العراق الآن ؟ هل يغير ذلك من موقفه ؟ فيصبح ضد الاحتلال بكافة أشكاله ؟ أم أنه سيظل متمسكا بفضيلة الدور الثوري للاحتلال الأمريكي وصواريخه وقنابله العنقودية ومقابره التي فتحها خلال عشرة أعوام من الحصار ؟

وفي النهاية فإن النبرة التي يتناول بها الطرابلسي مصر والمصريين بهذه الخفة ، وقوله إن " كله عند العرب صابون " ، ثم قوله : " ولماذا هذا العهرالإعلامي وحفلات الزار التي يقيمها المصريون " كل ذلك لا ينتقص من قدر مصر ولا شعبها ولا ثقافتها شيئا ، لكنه لا يضيف شيئا لقدر الكاتب الذي يتحدث عن المصريين بالجملة دون تمييز بين نظام وشعب وعهود سياسية مختلفة . وليس الطرابلسي ونظريته الثورية سوى صوت في جوقة كبيرة تمجد الاحتلال ، وتتغنى بحسناته أمام القوات الغازية ، وتعزف له الألحان .
* أحمد الخميسي . كاتب مصري .

التعليقات