31/10/2010 - 11:02

غارسيا ماركيز.. أخيرا يجد من يكاتبه!

يذكر أن ماركيز الجد ناضل باسم الحزب الليبرالي فيما يعرف بحرب الألف يوم

غارسيا ماركيز.. أخيرا يجد من يكاتبه!
يدرس القضاء الكولومبي طلباً لترقية العقيد نيكولاس ماركيز جد الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز وملهم رواية "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" والذي رحل عن عالمنا قبل سنوات طويلة.

وأشارت صحيفة "ال تيمبو" الكولومبية، حسب صحيفة البيان الاماراتية، إلى أن هذا الطلب قدم من قبل أربع جهات خاصة مكرسة للمطالبة بالحقوق التاريخية، وتسعى لإنصاف العقيد ماركيز الذي توفي عام 1937.

يذكر أن ماركيز الجد ناضل باسم الحزب الليبرالي فيما يعرف بحرب الألف يوم (1899 ـ 1902) حيث سمي عقيداً، والمطالبون بترقيته يسعون للحصول على تأكيد رسمي انتظره جد غارسيا ماركيز في حياته ولم يصله أبداً.

فلقد انتظر العقيد خلال نحو عقدين زمنيين رسالة تؤكد له رتبته وخدماته، الأمر الذي عنى عملياً تعويضاً لإعالته هو وأسرته وحال عدم توفر ذلك الاعتراف دون أن يتلقى ماركيز تعويضاً عسكرياً.

مع العلم أن رواية "ليس للعقيد من يكاتبه" تتناول قصة ذلك الشخص المحنك في الحرب في بداية القرن العشرين الذي ينتظر طوال 15 عاماً تعويضه من دون جدوى. ويتعين على المحكمة اتخاذ قرارها في هذا الشأن خلال الأيام المقبلة.

حيث تقرأ في "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" عن كولونيل انتهى دوره السياسي واصبح خارج اللعبة، يرصد جزئيات حياته اليومية، عارضاً بؤسها، تفاصيل صغيرة تحكي ما آلت إليه حياة الكولونيل، فالرجل الذي أمضى حياته عسكرياً مرموقاً في ظل الدكتاتورية التي تحكم بلداً من بلدان العالم الثالث..

"... انظري كيف صارت مظلتنا كمظلات مهرجي السيرك. قالها الكولونيل وكأنه يقول عبارة قديمة كان يستخدمها بكثرة. وفتح فوق رأسه جهازاً غامضاً من الغضبان المعدنية، ثم تابع: إنها تنفع الآن لعد النجوم فقط. ابتسم ولكن المرأة لم تتكلف مشقة النظر إلى المظلة ودمدمت: "كل شيء هكذا". و"أننا نتعفن في الحياة". وأغمضت عينيها لتفكر بالميت بتركيز أكبر".

هذا وتجدر الإشارة إلى أنه وقع الاختيار على الكاتب الروائي الفائز بجائزة نوبل للأدب غابرييل غارسيا ماركيز ليكون "كولومبي جميع العصور" في استفتاء نظمته مجلة "سمانا" بين قرائها ونشرت نتائجه في عدد خاص مؤخراً.

وقد احتل ماركيز، الحائز على جائزة نوبل الأدبية لعام 1982 المرتبة الأولى في الاستفتاء عندما حصل على نسبة 18.93% من الأصوات، وتلاه مباشرة الرئيس الفارو اوربي مع 5.88 بالمائة من الأصوات.

واحتل المرتبة الثالثة انتونيو نارينيو الشخصية المرموقة والذي يعتبر رائد استقلال كولومبيا عن إسبانيا والذي ترجم عن الفرنسية حقوق الإنسان وحصل على 4.86% من الأصوات. ‏

وحول حياة ماركيز الكاتب الأكثر شهرة صاحب رائعة.. مائة عام من العزلة والذي ولد في قرية أركاتيكا الكولومبية ما يلي..

عندما كان ماركيز يترك محاضرات القانون، ولم يزل طالبا للحقوق، ليتسكع في شوارع العاصمة بوجوتا، ويقضي ساعات طويلة في قراءة الأدب بدلا من استذكار دروس الجامعة، وعندما كان يكتب قصته الأولى.. كان ماركيز يترك ما يجب أن يَفْعل من أجل ما يحب أن يُفْعل.

وفي عام 1946 وهو في الثامنة عشرة فقط من عمره نشرت له صحيفة "إسبيكتادور" الكولومبية قصة بعنوان "استقالة"، ووصفها المحرر بأنها "عبقرية"، وكانت تلك بداية مرحلة الإبداع في حياة ماركيز فقد نشر في نفس الصحيفة بعد ذلك عشرات القصص خلال السنوات التالية، وبعد ذلك كان يكتب مقالا يوميا في صحيفة "يونيفيرسال"، قبل أن يقرر أخيرًا عام 1950 ترك دراسة الحقوق والتفرغ للكتابة التي ستظل مهنته الأزلية.

فحتى بعد أن تغلق الصحيفة التي يعمل بها لأسباب سياسية ويترك وطنه هائما على وجهه في أوروبا، يستمر ماركيز في الكتابة إلى أن يحصل على نوبل عام 1982، وفي شيخوخته بعد أن اختار العزلة لنفسه بعد اكتشاف إصابته بالسرطان، لم يتوقف عما عاش من أجله: الكتابة.

قضى ماركيز في أوربا فترة من الجوع والتشرد، ومن أجل لقمة العيش كان يجمع الزجاجات الفارغة ليعيد بيعها، عاد بعد ذلك إلى أمريكا اللاتينية مرة أخرى، لكن ليس إلى الوطن "كولومبيا" بالضبط، وإنما إلى فنزويلا، الدولة المجاورة، حيث استطاع العمل هناك بالصحافة مرة أخرى، وفي عام 1958 زار كولومبيا سرًّا ليتزوج بحبيبته "مرسيدس" التي كانت في انتظاره منذ 4 أعوام، ثم عاد بها مرة أخرى إلى فنزويلا.

ورغم أنه صار زوجا ثم أبًا لابنه الأكبر فإنه قرر الاستقالة من وظيفته بالصحيفة الفنزويلية، اعتراضا على موقف الصحيفة المحابي للولايات المتحدة.

عمل بعد ذلك في وكالة الأنباء الكوبية، وبدأ في تلك الفترة صداقته مع الرئيس الكوبي فيدل كاسترو والتي ستستمر حتى هذه اللحظة.. إلا أنه ما لبث أيضا أن ترك العمل في الوكالة لعدم رضاه عن الكثير من أفكار الحزب الشيوعي الحاكم في كوبا، الذي تتحدث بلسانه وكالة الأنباء.

بدا الإحباط يتسرب إلى قلب جابو، بعد أن انتهى به المطاف في المكسيك، صحيح أنه كان قد حقق ما ربما يرضي شخصا آخر، إلا أن ذلك لم يكن يكفي لإرضائه هو.

كان ماركيز في هذه الفترة يعمل في ترجمة الأفلام السينمائية، وربما يحقق ربحًا يكفيه ليحيا هو وأسرته حياة كريمة، كما كان يوفر له الوقت الكافي للكتابة، وقد استطاع نشر كتاباته الأدبية، كما شارك في كتابة سيناريو لأحد الأفلام.

من أعمال ماركيز التي نشرت في تلك الفترة "الكولونيل لا يجد من يكاتبه" و"جنازة الأم الكبيرة"، و"ساعة الشر"، ومن الطريف أن الناشر قام بتنقيح الرواية الأخيرة وجعل كل أبطالها يتحدثون لغة لائقة جدا بعكس اللغة المليئة بالشتائم التي كتب بها ماركيز روايته الأصلية؛ وهو ما أثار حنق ماركيز بشكل كبير.


لم يكن ما أنجزه ماركيز في تلك الفترة يكفي لإرضائه، بعكس رأي المحيطين به، فرواياته لم توزع الواحدة منها أكثر من 700 نسخة، والأكثر من ذلك أنه لم يستطع بعد أن يكتب ما يريد حقًّا أن يكتب، ولم يجد النبرة التي يريد أن يكتب بها، لم يكن قد وجد صوته بعد..

ظل ماركيز يكتب ويبحث عن ضالته، حتى جاءته لحظة مفاجأة، مثل كل لحظات التنوير، في يناير عام 1965، صرخ ماركيز "وجدتها.. ماكوندو"، وتغيرت حياته.. ما هي ماكوندو؟

لقد كانت "ماكوندو" تلوح في مخيلته منذ سنوات طويلة، لكنه لم يكن يشعر أنه مهيأ لكتابتها بعد، حتى جاءته لحظة يقول عنها: "فجأة.. جاءتني لحظة تنوير، ولا أدري لماذا في تلك اللحظة بالذات، لقد عرفت بالضبط كيف سأكتب روايتي القادمة، لقد بدت لي واضحة جدا حتى أني أعتقد أنه كان بإمكاني أن أملي الفصل الأول كلمة بكلمة

"ماكوندو" هي البلدة التي تدور فيها أحداث "مائة عام من العزلة"، والموقع الجغرافي الحقيقي لماكوندو، يقع على أرض أمريكا اللاتينية في مخيلة ماركيز.

فورا بعد لحظة التنوير تلك بدأ ماركيز في كتابة روايته "مائة عام من العزلة"، كان يكتب يوميا، ولم يتوقف عن الكتابة لمدة 18 شهرًا متواصلة، كرس نفسه كليا للكتابة حتى أنه توقف عن العمل لإعالة أسرته واضطر لبيع كل ما ممتلكاته من أثاث وأجهزة منزلية، كما تراكمت عليه الديون.

ماكوندو هي المدينة العالم التي أعاد ماركيز بناءها بكل ما يحمل في قلبه من ذكريات الطفولة وبيت النمل وحكايات الجدة، والموتى الأحياء، وبالنبرة ذاتها التي كانت تحكي بها الجدة الحكايات تحدث ماركيز عن الحرب والعنف وضياع المبادئ وسط الثورات الدامية والخلافات الأيدلوجية التي كانت تفتك ببلاده.


نشرت مائة عام من العزلة عام 1967، بيعت منها على الفور 8000 نسخة آنذاك، وبعد مرور 3 سنوات على نشرها كانت قد باعت نصف مليون نسخة، وترجمت إلى 12 لغة، وحصلت على 4 جوائز، لقد حولت ماركيز إلى أشهر كاتب في أمريكا اللاتينية، وواحد من أشهر كتاب العالم.

التعليقات