24/02/2016 - 17:48

فن التصوير بعيون لبناني في التسعين

يروي مصور صيدا المخضرم، وهو الذي ولد لأم لبنانية وولد وعاش في لبنان، روايات المدينة الجنوبية التي أسرت قلب والده محمد طاهر المدني وأحبه أهلها، حتى زوجوه والدة هاشم فقضى بقية عمره في المدينة، بعدما كان آتيا إليها من الشرق الأقصى، حيث أوفدت

فن التصوير بعيون لبناني في التسعين

يقلّب هاشم المدني صور الناس ومدينة صيدا بين يديه المتعبتين وكأنه يقلب أيام عمره وعمر المدينة، وهو مصر، رغم اقترابه من التسعين من العمر، على تمضية ساعات في ستوديو التصوير الخاص به في المدينة، كعادته اليومية المستمرة منذ خمسينات القرن الماضي.

يروي مصور صيدا المخضرم، وهو الذي ولد لأم لبنانية وولد وعاش في لبنان، روايات المدينة الجنوبية التي أسرت قلب والده محمد طاهر المدني وأحبه أهلها، حتى زوجوه والدة هاشم فقضى بقية عمره في المدينة، بعدما كان آتيا إليها من الشرق الأقصى، حيث أوفدته السلطنة العثمانية للدعوة الى الاسلام، وذلك عام 1918 أي بعد تفكك السلطنة، في طريق عودته إلى مسقط رأسه أي المدينة المنورة.

لم يرث هاشم عن والده دراسة العلوم الدينية في الأزهر بمصر، بل تبع إشباع هوايته في تعلم التصوير الفوتوغرافي في فلسطين حيث قضى نحو سنة في مدينة حيفا يتتلمذ على يد أحد المصورين فيها فتعلم التصوير وحرفة تظهير الصور السلبية (النيجاتيف) وطباعتها. لم يعد من حيفا، إلا مع نكبة 1948، إلا وقد أتقن المهنة لا بل وتوصل إلى خليط خاص من أدوية تظهير الصور الفوتوغرافية، جعلت صوره تبدو واضحة وبارزة بمعايير عالية فافتتح الستوديو الخاص به في صيدا حيث التقته 'الأناضول'، وصار مقصدا للكثيرين من أهل صيدا وبيروت والدول العربية المجاورة.

وعلى الرغم من أنه ليس مصورا صحافيا أو مصورا للمشاهير، يحتفظ هاشم في الستوديو الخاص به بصور للعديد من المشاهير، مثل ابن صيدا رئيس حكومة الاستقلال رياض الصلح، والزعيم الدرزي مجيد أرسلان وكذلك شخصيات سياسية صيداوية مثل النائب السابق الراحل معروف سعد وغيرهم، بالإضافة إلى فنانين راحلين مثل الفنانة صباح ووديع الصافي ومحمد عبد الوهاب وآخرين، حيث التقط صورا لهم في مناسبات عامة غالبا.

يشير هاشم كيف أنه كان يلبي طلبات وأذواق الناس، ففي عصر أفلام 'الويسترن' الأميركية، اشترى ملابس رجل 'الكاوبوي' (راعي البقر) الأميركي، الذي كان يظهر في السينما، حيث درجت العادة أن يطلب الناس التقاط صور بهذا الزي أو ذاك. سعى ليرضي كل الأذواق، لا بل روى كيف أنه أيام الأعياد كان يشهد إقبالا، لأن الناس كانوا يحبون التقاط الصور بلباس العيد، ما يضطره إلى العمل ساعات تصل إلى 12 ساعة متواصلة في التظهير وطباعة الصور حتى يحصل عليها الزبائن يوم العيد.

وروى هاشم، كيف أنه في عصر صور الأبيض والأسود أتقن حرفة تلوين الصورة، وهو أمر لم يكن ممكنا إلا يدويا وعبر ريشة الرسم وليس طباعة، وهو أجاد ذلك إلى درجة أن أحد أبناء صيدا ممن كانوا يعملون في البلاط السعودي، أحضر له صورا كان التقطها للملك السعودي مؤسس المملكة، عبد العزيز آل سعود، وطلب منه تلوينها حتى يقدمها هدية للملك، ففعل هاشم ذلك مقابل مبلغ زهيد.

لم يتوقف هاشم عن ممارسة مهنة التصوير إلا عام 2014، بعدما تغلب العمر على قوة الجسد فصار هزيلا، فلم يشأ أن ينتج أي صور لا تليق بسمعته وتاريخه الطويل من الإبداع في عالم التصوير، إلى حد مشاركة صوره في معارض عديدة في إسبانيا وبريطانيا وفرنسا، حتى أنه حصل عام 2005 على شهادة تقدير من الجمعية الملكية البريطانية للمصورين الفوتوغرافيين. على الرغم من ذلك، ما زال هاشم المدني يقود سيارته كل يوم إلى الستوديو الخاص به حيث يقضي ساعات قليلة في المكان الذي ما زال كما هو، مزيّن بالصور والكاميرات العديدة التي استخدمها على مر سنوات عمله في المهنة، بالإضافة إلى احتفاظه بأرشيف الصور التي التقطها منذ افتتح الستوديو عام 1953.

يشرح هاشم إصراره على الحضور رغم توقفه عن ممارسة المهنة، بأن هذا هو المكان الذي يحتضن أجمل سنوات عمره وتعبه المهني وبالتالي يذكره بكفاحه حتى فاقت شهرته مدينة صيدا إلى لبنان ودول الجوار.

 وعلى الرغم من اقترابه من التسعين (مواليد 1928)، يحتفظ هاشم بذاكرة نقية، تجعله يتوقف عند كل صورة في الستوديو، ليخبرك ظروف التقاطها وقصص أصحابها ومهنهم، وفي أحيان كثيرة يذكر أسماء الأشخاص الذين صورهم، حتى يبدو الستوديو الخاص به وكأنه أرشيف لحياة الناس العاديين في المدينة ومهنهم وطريقة لبسهم، بل وعاداتهم وبعض قصص حبهم.

لم يورث هاشم المهنة لولديه اللذين اتجها صوب الهندسة، ويبدو راضيا بما أنجزه مهنيا وعائليا، لكن المدهش أنه كان يتوقع عصر الكاميرات الرقمية التي شهدها عالم التصوير.

اقرأ/ي أيضًا| الشهر الفرنكوفوني في لبنان.. معكم بالموسيقى

يقول هاشم 'ولداي عاشا في الولايات المتحدة وكانا يخبراني أن جيلا جديدا من الكاميرات بدأ استعماله في أميركا وبالتالي توقعت أن يصل إلى بلادنا'، لكن عن الفرق بين الزمنين، يقول 'في الماضي كانت الصورة تعبر عن جهد المصور وحرفيته، اليوم التعب هو للآلات والكاميرات وليس للإنسان'.

التعليقات