غسان كنفاني -من منكم قرأ افتتاحياته، مثلا؟/ سليم البيك

-

غسان كنفاني -من منكم قرأ افتتاحياته، مثلا؟/ سليم البيك
مَن مِن قرّاء هذا السطر يقتني كتاب "فارس فارس"؟
كتاب يحوي مقالات غسان كنفاني الثقافية النقدية الساخرة والمجمّعة في كتاب واحد صدر بنسخته الأولى واليتيمة عن دار الآداب عام 1996.

أو حتى أسأل: من قرأ الكتاب؟ أو من يعرف عنه، أصلا؟
الكتاب صدر بنسخة وحيدة قبل 13 عاما، بغلاف لا هو بجودة عالية كورقة غلاف، ولا تصميمه متعوب عليه: خلفية سوداء وصورة ذات جودة بائسة لكنفاني مضغوطة من الجانبين فتطاول وجهه. بخط- لا يقلّ بؤسا- مكتوب على صدر الغلاف اسم الكتاب والكاتب، والخط لآلة طابعة كما يبدو.

الكتاب متوفر كما هو على رفوف جناح دار الآداب في معارض الكتب حتى سنتنا هذه. يحسب للدار إصرارها على حمل نسخ من الكتاب إلى المعارض المشاركة بها، ويحسب لها إصدار الكتاب أصلا، أو نجاحها في أن تصدر هي، مع مؤسسة غسان كنفاني، الكتاب. لكن يحسب عليها أيضا التصميم والطباعة الرديئة لكتاب استثنائي كهذا، وأكثر من ذلك- بل وتحديدا- عدم إصدار الكتاب بطبعات جديدة حديثة تتناسب وجودة طباعة وورق كتب الدار الحديثة وتصاميم أغلفتها. وهي بالمناسبة، أي الجودة والتصاميم، علامة فارقة تميّز كتب الدار عن غيرها.

لم لا تصدر الدار طبعة جديدة من الكتاب إذن؟ وهو حاجة حقيقية وملحة لعمق ورصانة وسخرية وحداثة وموضوعية ووضوح وجاذبية مقالات كنفاني، وهو ما تفتقر له المقالات المنشورة في صحف وكتب اليوم بعد 37 عاما على اغتياله، وتحديدا فيما خصّ السخرية، أو النقد الأدبي الساخر.
لم لا تنشر الكتاب دار أخرى إن كان للآداب أسبابها، ولكن الحقوق محفوظة، فلتعاد طباعته إذن. وبذات الخصوص ألقي كلامي على كتابات كنفاني الأدبية: قصة ورواية ومسرح وأيضا دراسات، هل حقوق الطباعة تحد من النشر؟ طيّب، فلتعيد طباعته الدار ذاتها، أو المؤسسة ذاتها: مؤسسة غسان كنفاني الثقافية.

يعني لا هم يعيدون الطباعة ولا غيرهم يستطيع؟
الأعمال الأدبية الكاملة لكنفاني تصدر فقط عن مؤسسة غسان كنفاني ومؤسسة الأبحاث العربية بطبعة مشتركة. المؤسستان أولا ليستا دار نشر، ولا هما صاحبتا باع طويل في التوزيع، وذلك ينعكس على ما أصدرتاه من أعمال كنفاني الكاملة، إن كان في مجلدات، أو في كتب متفرّقة.

ضمن حوالي معارض الكتاب الستة الأخيرة في أبوظبي والشارقة- وهي من الأكبر عربيا- لم أجد أعمال كنفاني الكاملة تلك إلا مرة واحدة وضمن رفوف مؤسسة الدراسات الفلسطينية، علما بأنني كلما وجدت جناح مؤسسة الدراسات، بعد ذلك، أبحث عن شيئ من كتب كنفاني أو مجلداته ولا أجد، وأنا بالمناسبة أزور جناح المؤسسة في كل معرض تشارك فيه، بعد ذلك وقبله.

ربما لم أبحث جيدا، ولكنها إشارة على الأقل.
لم، إذن، لا تعيد المؤسستان البحث في مسألة توزيع أعمال كنفاني؟ أو أنهما تبيعان الحقوق أو تمنحانها، أو تتبرعان بها أو مهما يكن- هما الأدرى- لجهة تعيد طباعة وتوزيع أعمال كنفاني الكاملة، فما يهم هو توسعة الطريق الضيقة التي تصل بين كنفاني وقرّائه.

مقالاته وافتتاحياته السياسية لمجلة الهدف- وقبلها الحرّية- التي أسسها وترأس تحريرها إلى تاريخ استشهاده، لماذا لم تصدر حتى الآن مجمّعة في كتاب؟ مجلة الهدف، وقد أوصلها محرروها إلى حال قد لا تمرّ بما يفوقها بؤسا، لم لا تجمّع ما كتبه كنفاني من أرشيفها وتنشره في كتاب؟ أو، وهو الأفضل، أن تتفق مع دار نشر على إصداره وتوزيعه. لماذا تقفل المجلة على افتتاحياته؟
هل كان سيسعد كنفاني بذلك: أن كتبه لا تلقى الطباعة ولا التوزيع الذي يليق بأدبه ومقالاته ومكانته الثقافية والسياسية فلسطينيا وعربيا وحتى عالميا؟ وأن الناس الذين كتب لهم سيتعبون نفسيا- كحدٍ أدنى مطلوب- في سلسلة محاولات الوصول إلى بعض كتبه؟ وهل كان سيسعد بالإقفال على افتتاحياته السياسية وهي جزء من تراث غسان وحزبه وثورته ووطنه السياسي والأدبي؟
وكي لا أبدو "مزايدا" على الدار والمؤسستين والمجلة، ولجميعهم كل الاحترام والمحبة والتقدير وبالتالي، العتب والنقد. اسأل كم من قراء هذه الأسطر قرأ عن كنفاني عبر الصحافة الورقية والالكترونية؟ وما حجم ما تجدونه عن كنفاني وأدبه في الصحافة الثقافية؟
الكثير الكثير، وما يفوق غيره من الكتّاب العرب؟
وكم منكم أنتم قرأ لكنفاني قصصا وروايات ومسرحيات ومقالات ودراسات، من كتبه، أو من منكم يقتني من كتبه؟
القليل القليل؟
طيّب، ومن منكم قرأ افتتاحياته السياسية؟
...
... ولا أنا.



-----------------------------
صدر قبل أيام عن مؤسسة فلسطين للثقافة "معارج الإبداع"، وهو كتاب يحوي ما لم ينشر من بواكير كتابات كنفاني. أرجو بداية أن يوفى للكتاب حقه في التوزيع، ولكني أسأل- عن محبة وعتب- المؤسسة والأديب عدنان كنفاني الذي جمّع المواد وحررها: لمَ بقيتْ الكتابات حبيسة الأدراج حتى اليوم؟

كاتب فلسطيني
www.horria.org

التعليقات