مــــــاذا ســيقول يوســــــــف؟! / غادة أسعد

مــــــاذا ســيقول يوســــــــف؟!  / غادة أسعد
يوم الخميس، الرابع والعشرين من أيلول 2009، عند الساعة الثامنة والنصف مساءً، فريق “شبر حر” يعتلي خشبة “الميدان” في مدينة حيفا، ليقدّم عمله الجديد، “إذ قال يوسف”. لم يقل مخرج العمل، نزار زعبي إنه يعدنا بـ “مفاجأة”، لكنَّ ما يدور في أفق المسرحية من عملٍ يبشر بأنَّ أمرًا “ليس تقليديًا” سيجري على الخشبة: إنتاج مشترك، بين “شبر حر” وبريطانيا، ممثلون أثبتوا أنفسهم على الساحة الفنية ومنهم من لم يمثل بالعربية منذ وقت طويل ومنهم من اعتزل الفن عنوةً ليعود إليه ثانية، أما النص فهو محلي أيضًا يحكي عن قضية لجوء. لا شيء يبدو تقليديًا حتى صورة الملصقات تبدو غريبة، فوتوغرافية لطفلين ملامحهما قوية، لكنَّهما مجهولا الهوية. يأخذنا النص (بحسب المعلومات المسموح نشرها!)، إلى قرية صغيرةٍ في شمال فلسطين، إسمها بيسمون. هناك، في أروقة القرية تدور القصة عن النكبة الفلسطينية، تمر عبر تفاصيل دقيقة لعلاقاتٍ إنسانية بين شقيقين مختلفي الطباع والشخصية، ومن وراء النص المكتوب شخصيات تروي قصتها في تلك الفترة وما بعدها، وفي صلبها قصة حب.

في محاولةٍ لاستباق العرض القريب وخوض التفاصيل، إلتقينا بثلاثة ممثلين من المسرحية، في جلسة ما قبل العمل، وما بعد المراجعات اليومية. الممثل الفحماوي طاهر نجيب، والممثل الإنجليزي بول فوكس، والممثلة الصاعدة سماء واكيم التي تؤدي في “إذ قال يوسف” دورها الأكبر حتى الآن...

“إجازة غير مدفوعة الأجر”



في حديث مع طاهر كان لا بدّ لنا من محاولة „تقصي الحقائق” حول اختفائه لمدة أربع سنوات ليعود ثانية. يعرّف نجيب الفترة التي انقطع فيها عن المسرح بقوله: „إجازة مؤقتة غير مدفوعة، ولأسبابٍ شخصية”. ويضيف أنَّه كان بحاجةٍ أن يكون بمفرده ويستغني ولو قليلاً عن عملٍ يعتاش منه.

يرى نجيب أن الحكاية الفلسطينية تمتد جذورها الى العام 1884، أي قبل 64 عامًا من حدوثها، منذ أن بدأت الهجرة اليهودية إليها على خلفية „أيديولوجية يهودية”، بهدف „تحويل فلسطين الى دولة اسرائيل”، وتحقق „الحلم اليهودي” في العام 1948. يرى نجيب أيضًا أنَّ الحكومة الانجليزية قدّمت الدعم والجهد الواضحين لإنجاح هذا المخطط المدروس، للحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، ولتجنب السيطرة الألمانية، حيث „عانى الفلسطينيون من شرٍّ نكبة”

يلّخص نجيب رؤيته الفنية والشخصية للمسرحية، بطريقة تبدو أيضًا غير تقليدية فيقول إنه „خائفٌ من عين الحسود” نظرًا لـ „الطاقم المتكامل” الذي يعمل معه إضافة إلى „التعاون والتكافل من حيث النص والإخراج”، مشددًا على أنَّ خصوصية العمل كامنة في „المشاركة الإنجليزية” في خضّم عمل يقدّم للفلسطيني روايةً إنسانية قبل أن تكون سياسية.

يشعر نجيب بأنَّ المسرح الفلسطيني يفتقر إلى النصوص المسرحية المحلية، هذا الفراغ ملأته على مدار 20 سنة ترجمات عالمية. لكن في السنوات الأخيرة بدأت مبادرات للكتابة، ويرى نجيب الذي كتب مونودراما «ركب» (تمثيل خليفة ناطور) والتي حققت نجاحات قوية أن „ما اضطرني للكتابة المسرحية سببان: الأول انه تكاد لا توجد نصوص مسرحية محلية، ومن خلال تجربتي الشخصية على المسرح، اكتسبت خبرة كبيرة في بناء الدراما ليس فقط كممثل بل ككاتب أيضًا. والسبب الثاني هو حادثة عودتي من باريس الى البلاد في 11/9/2002، بعد سنة على أحداث نيويورك، وهناك واجهت مسرحية في المطار، كوني عربيًا فلسطينيًا مع جواز سفر إسرائيلي، ولأنّ المسرحية تطال شعبًا كاملاً فالقصة تستدعي كتابتها وهذا ما دفعني لإخراج «ركب» إلى النور”.

وإلى جانب مسرحية „إذ قال يوسف”، يحمل نجيب بين يديه النص الثاني من تأليفه „حائط البحر”، والذي سيعرض في مهرجان مسرحيد في عكا العام المقبل.

وفي جعبة نجيب رصيد من الأعمال الفنية، يحق لنا اليوم بعد مشاهدة غالبية هذه الأعمال القول إنَّها “أعمال مميزة”، منها “سيف ديموقليس”، „هبوط اضطراري”، „الشيء”، „لا لم يمت”،”الزير سالم”. إضافة الى افلام سينمائية: „موسم الزيتون”، „أفول القمر” و”يوميات بائع الهوى”.



من البصّة الى النص



سماء واكيم، ممثلة صاعدة، وراقصة مهنية في بداية العشرينيات من عمرها. هي الوجه الجديد في العمل. تدرس المسرح في جامعة حيفا. تملك وعيًا سياسيًا وإدراكًا للواقع السياسي، فهي من عائلة لجأت عن قريتها البصّة، وسكنت مع عائلتها في قرية معليا. تعيش اللجوء وتجسّده أيضًا في العمل، إسمها ندى على المسرح.

بعد تجربة قصيرة نسبياً، وجدت واكيم نفسها أمام ممثلين مهنيين لديهم خبرة في المسرح المحلي والعالمي، الأمر الذي زادها „رهبة” (أو مسؤولية) علاوةً على خوفها الأساسي كونها تقف لأول مرة أمام طاقمٍ فنيٍ متكامل. لكن تخوفها طبيعي، ففي أجواء كهذه، تبدو واكيم حريصة على اكتساب الخبرة والإستماع الى الملاحظات التي تقدّم لها. ومن هذا الدافع، تتساءل بصوت عالٍ: „هل سأنجح؟!”، „هل سيتم ابتلاعي داخل هذه الطاقات والخبرة الفنية؟، لقد قررت وانتهى الأمر، سألقي بنفسي في البحر”.

ترى واكيم أنها تعيش اليوم „في عالمٍ آخر”، بعد أن تحررت من خوفها. تبذل جهدًا في إقناع الآخرين بأدائها، وتستعين بتجاربها الشخصية اليومية التي تعيشها قبل صعودها الى المسرح. أما الخاص في القصة، وفق ما تعتقد واكيم فهو „الحالة الإنسانية للفلسطيني، الذي يتخبط بالأحداث اليومية التي عاشها ويعيشها، قبل وبعد النكبة”.

تخشى واكيم، بعد عملٍ فنيٍ كهذا „إذ قال يوسف”، أن تعود إلى مسارح أقل مهنية، لكنها تعوّل على تجربتها الشخصية وعلى قدرتها على التأقلم والاستفادة والسعي الى تحقيق الذات، وسط أية ظروف، فهي تؤمن بالطاقات البشرية للفلسطينيين في الداخل، وتأمل كذلك أن تبقى حاضرة في مسرح „شبر حر”.

تجربة من منظار بريطاني



وأبدى الممثل البريطاني بول فوكس (30 عامًا) إهتماماً خاصًا بالتجربة الفلسطينية- البريطانية المشتركة والتي ترصد حقبة تاريخية مؤثرة. „هي تجربة فريدة من نوعها” يقول، وهي المرة الأولى التي يقف فيها على خشبة المسرح الفلسطيني خاصةً والعربي عامة، رغم تنقله بين العواصم العالمية خلال تجربته المسرحية التي امتدت لأكثر من خمسة عشر عامًا .

ويعترف فوكس بأنّ القضية التي أقلقته لبعض الوقت كانت مسألة „اللغة”، خاصة أنَّ العربية لغة ليست بسيطة، وتحتاج إلى ممارسة طويلة، حتى يصبح الحديث من خلالها ممكنًا، وهو يعايش الطاقم منذ أقل من ثلاثة أشهر، ويبذل جهدًا مضاعفًا في التأقلم مع الطاقم الفني المجرِّب، و”صاحب الباع الطويل في الفن”، كما تأكد بنفسه.

فوكس سعيد بالتجربة الحالية وبالعلاقة المشتركة بين الطاقم العامل، ويبدو متحمسًا لقصة „مثيرة”، تروي حكاية „نكبة الشعب الفلسطيني قبل وبعد العام 1948”، ومن أجل معرفة التفاصيل كان لا بدّ للممثل الانجليزي أن يقرأ الكثير من الكتب التاريخية، ويُبحر في النص المكتوب انجليزيًا، ليعرف المزيد من الحقائق التاريخية.

إذ قال يوسف مسرحية تجمع تفاصيل عديدة، لتفرض تساؤلاً معينًا يشوّقنا لانتظار العرض القريب.





„إذ قال يوسف”



عمل لـ „شبر حر”

تأليف وأخراج: نزار أمير زعبي.

ترجمة: عامر حليحل.

تمثيل: يوسف أبو وردة، سلوى نقارة، عامر حليحل، علي سليمان، طاهر نجيب، بول فوكس، سماء واكيم وتيريز سليمان.

موسيقى: حبيب شحادة حنا.

ديكور وملابس: جون بوسير.

إضاءة: كولين غرينفيل.

مدير الانتاج: أشرف حنا.

مدير تسويق: سامي زعبي.

انتاج مشترك لـ „شبر حر” والمسرح البريطاني „ينغ فيك” .

.

التعليقات