المشايخ ودورهم الكبير في تطوير الموسيقى العربية

كان ترتيل القرآن الكريم وتنوع الأساليب التي شاعت على أيدي رواده فيما عرف بالتجويد أو القراءات، والذي أصبح علما له قواعده وأصوله، بداية لنشوء مدارس الانشاد الديني، ثم رافد من روافد الموسيقى العربية، أمد "العالم الاسلامي" في جميع العصور بنوابغ الموسيقى العربية في فروعها المختلفة: التأليف، والتلحين، والغناء. وقد كانت بلاغة القرآن الكريم وجمال لفظه وإيقاع جمله معجزة، وقف أساطين العرب أمامها عاجزين مندهشين.

المشايخ ودورهم الكبير في تطوير الموسيقى العربية

- الشيخ محمد رفعت: المقرئ المنشد -

كان ترتيل القرآن الكريم وتنوع الأساليب التي شاعت على أيدي رواده فيما عرف بالتجويد أو القراءات، والذي أصبح علما له قواعده وأصوله، بداية لنشوء مدارس الانشاد الديني، ثم رافدا من روافد الموسيقى العربية، أمد "العالم الاسلامي" في جميع العصور بنوابغ الموسيقى العربية في فروعها المختلفة: التأليف، والتلحين، والغناء. وقد كانت بلاغة القرآن الكريم وجمال لفظه وإيقاع جمله معجزة، وقف أساطين العرب أمامها عاجزين مندهشين.

لذا فإنه يمكن القول إن ترتيل القرآن وتجويده نوع من الإلقاء الغنائي، ومن يستمع إلى المرتلين المجيدين يكتشف تفهمهم للمقامات الموسيقية واستعانتهم بها في أدائهم.

معجزة الموسيقى الداخلية في القرآن الكريم

إن في القرآن إيقاعا موسيقيا متعدد الأنواع، يتناسق مع الجو، ويؤدي وظيفة أساسية في البيان، إضافة إلى جمعه بين مزايا النثر والشعر من هذه الناحية، وقد أعفى التعبير من قيود القافية الموحدة، فنال بذلك حرية التعبير الكاملة.

إن في القرآن الكريم نوعا من الموسيقى الداخلية يلحظ ولا يشرح، واضح في نسيج اللفظة المفردة، وتركيب الجملة الواحدة، ويدرك بحاسة خفية وهبة الهية، وأحكام التجويد مطبقة على جميع الألفاظ القرآنية، من ناحية تركيبها للفظ مدا وغنا.

نشأة مدرسة المشايخ في مصر الحديثة

كانت المدرسة التقليدية لتعليم الموسيقى في مصر هي مدرسة المشايخ الذين يتلون القرآن، ومنها يتعلمون المقامات، ومنها أيضا يتعلمون إلقاء القصائد والموشحات، وارتجال المواويل الدينية الخاصة بالمدائح النبوية.

والنشأة الدينية هي العامل الأساسي وراء تمتع المغنين من الجنسين بالإجادة في نطق اللغة العربية أو التلوين الصوتي.

ومن أشهر من ظهر من هؤلاء المشايخ في القرن التاسع عشر: الشيخ إسماعيل سكر ـ الشيخ حسن جابر ـ الشيخ أبو العلا محمد ـ الشيخ إبراهيم الفران ـ الشيخ علي محمود ـ الشيخ يوسف المنيلاوي ـ الذي توفي سنة 1901، والذي كانت شهرته لا تقل عن شهرة محمد عبد الوهاب في أيامنا.

لم يكتف الشيخ المنيلاوي بأداء الأغاني الدينية، بل أخذ يغني أغان عاطفية اختارها من بعض قصائد الغزل المعروفة في الشعرالعربي القديم.. وظل حتى آخر يوم في حياته يرتدي زي المشايخ.

الشيخ أبو خليل القباني ومعاناته الحقيقية في ولادة المسرح الغنائي العربي

يعتبر مولد المسرح الغنائي العربي الحقيقي في مصر على يد الشيخ أحمد أبو خليل القباني الدمشقي (1842 ـ 1903)، وكان الشيخ أبو خليل القباني شاعرا وموسيقيا وأديبا وممثلا.

لم يرق للناس في سوريا ما قدمه الشيخ أبو خليل القباني من مسرحيات، فسافر إلى الاسكندرية، وقدم على مسرح زيزينيا وقهوة الدانوب عدة مسرحيات منها: ناكر الجميل ـ الافريقية ـ عنترة العبسي ـ عرابى باشا ـ هارون الرشيد ـ عفيفة ـ جميل وجميلة ـ السلطان حسن ـ الشاه محمود وغيرها.

وكانت رواياته مستوحاة من التاريخ العربي الاسلامي، وقصص ألف ليلة وليلة، وكانت تتميز بعنصر الرقص الايقاعي، وخاصة رقص السماح الذي يقوم على غناء الموشحات، وكان يتناوب الغناء بين فصول الرواية التي تقدمها فرقتا عبده الحامولي وألمظ.

الشيخ سلامة حجازي من قراءة الأذكار والأذان إلى تجليات المسرح الغنائي

وهناك رائد آخر كبير من رواد المسرح المسرح العربي، هو الشيخ سلامة حجازي (1852 ـ 1917)، الذي تربع على عرش الغناء بعد وفاة عبده الحامولي عام 1901.

اشترك الشيخ سلامة حجازي مع المقرئين والمنشدين في الأذكار، وكان دوره مساندة المنشدين في تأدية الآهات الممتدة أو أداء بعض الأصوات الحادة؛ وعندما بلغ الحادية عشرة من عمره أسند إليه افتتاح حلقات الذكر بتلاوة بعض آيات من القرآن الكريم، ثم عمل مؤذنا في مسجد الأباصيري، وكان الناس يترقبون ساعة الآذان ليستمعوا إلى هذا الصوت الساحر.

وإلى جانب عمل الشيخ سلامة حجازي كمؤذن، كون تختا موسيقيا لإحياء الليالي في القرى المجاورة، وكان يؤدي الموشحات وأدوار الشيخ عبد الرحيم المسلوب، وعبده الحامولي، ومحمد عثمان. 

أحب الشيخ سلامة حجازي المسرح الغنائي، واندمج في العمل به، فبدأ يظهر في أكثر من رواية: مي وهوارس ـ عايدة ـ المظلوم ـ هارون الرشيد ـ وغيرها؛ ثم كون فرقة خاصة به، وعمل بتياترو "سانتي" بحديقة الأزبكية حيث قدم بعض رواياته مثل: صلاح الدين ـ اليتيمتان ـ شهداء الغرام.

سيد درويش وزكريا أحمد ومحمد رفعت شيوخ آخرون ينحازون إلى الغناء

ومن الظواهر الهامة في تاريخ الغناء العربي الشيخ سيد درويش، الذي ظهر في بداية القرن الواحد والعشرين.

بدأ الشيخ سيد درويش حياته شيخا، كان يقلد مقرئا مشهورا بالاسكندرية هو الشيخ إسماعيل سكر. ثم تحول الشيخ سيد درويش من الغناء الديني إلى الغناء الدنيوي، واستمرت الناس تناديه بالشيخ سيد حتى بعد أن ارتدي الزي الافرنجي (البدلة).

التزمت مدرسة سيد درويش بأصول التجويد وأحكام اللغة العربية من مد مقاطعها وقصرها، وفي الضغط واللين على بعضها، كذلك الاهتمام بمخارج الألفاظ بأحرفها الحلقية والمفحمة.

والشيخ زكريا أحمد من المشايخ  الذين لعبوا دورا هاما في الفن؛ بدأ حياته أيضا بداية دينية، فتعلم القرآن الكريم، وعمل مقرئا، ثم مغنيا للموشحات الدينية، ثم اتجه للمسرح الغنائي وتلحين الأغاني لكبار المطربين والمطربات، ومن أروع ألحانه ما غنته سيدة الغناء العربي أم كلثوم.

وهناك الشيخ محمد رفعت المقرئ الشهير؛ كان الشيخ محمد رفعت يتمتع بصوت جميل يعتبر من أجمل الأصوات التي عرفها التاريخ، واستطاع أن ينهض بفن قراءة القرآن الكريم إلى القمة؛ يقول رجاء النقاش في كتابه "كلمات في الفن":

".. من الحوادث المعروفة عن الشيخ محمد رفعت أن [حبشي جرجس] صاحب أول محطة إذاعة أهلية في مصر.. استطاع أن يقنع الشيخ رفعت بأن يغني في إذاعته دون أن يعلن عن اسمه في الميكروفون، وغنى الشيخ رفعت بالفعل قصيدة الشيخ أبو العلا محمد [وحقك أنت المنى والطلب]، وقد أثار صوت الشيخ رفعت المستمعين، فانهالت الرسائل على المحطة الأهلية تطالبها بإعلان اسم هذا المطرب المجهول، وتقديم أغانيه باستمرار، ولكن الشيخ رفعت رفض رفضا قاطعا أن يكرر المحاولة.. ولم يقم بأي عمل آخر غير قراءة القرآن الكريم".

التعليقات