رواية وسؤال وحوار../ حميد سعيد

حين انتهيت من قراءة رواية "سأرى بعينيك ياحبيبي" للروائي رشاد أبو شاور، احترمت إرادته الإبداعية، حيث تناول موضوعاً، على أهميته، لم يكن من قبل بين اهتماته على صعيد الكتابة السردية، روايةً أو قصّةً قصيرةً. وأبو شاور كما عرفناه، مذ بدأ مشروعه السردي، لم يتجاوز الموضوع الفلسطيني، فإن تجاوزه، لم يذهب بعيداً عن موضوعات النضال القومي والإنساني

رواية وسؤال وحوار../ حميد سعيد

 

حين انتهيت من قراءة رواية "سأرى بعينيك ياحبيبي" للروائي رشاد أبو شاور، احترمت إرادته الإبداعية، حيث تناول موضوعاً، على أهميته، لم يكن من قبل بين اهتماته على صعيد الكتابة السردية، روايةً أو قصّةً قصيرةً. وأبو شاور كما عرفناه، مذ بدأ مشروعه السردي، لم يتجاوز الموضوع الفلسطيني، فإن تجاوزه، لم يذهب بعيداً عن موضوعات النضال القومي والإنساني.

وإذ احتل مكا نة مرموقة حقّاً، في محيط الكتابة السردية العربية، وكان قد لفت الأنظار إلى تجربته، منذ بداياتها، فاقترنت باهتمام النقاد والباحثين من جهة، وإقبال القراء على ما يكتب من جهة أخرى، حيث أعيد نشر رواياته ومجموعاته القصصية، أكثر من مرة، فقد ظلَّ يواصل إغناء تجربته الإبداعية، من دون أن يفرِّط بما يمكن أن نعدّه من ثوابت شخصيته الإبداعية، وقد ترسّخت وكرَّست خصوصيته على الصعيد المذكور.

وأبرز ماتميزت به تجربته في الكتابة السردية، معرفته بالواقع الذي يتناوله في كتاباته، تاريخاً وحاضراً، إنساناً ومكاناً، وما يدور في هذا الواقع من أحداث أو يحيط به من إشكاليات، وفي ظل هذه وتلك، ما يفصح عنه الإنسان من وعي وإرادة في مواجهتهما.

ولو توقفنا عند جميع كتاباته السردية، لوجدنا ذلك الحضور الفاعل للإنسان، حيث يشكِّل في حضوره هذا، حيوية النص الإبداعي الذي كان باستمرار، تعبيراً جمالياً عن حيوية الحياة.

وفي جميع ما قرأت له، كان الإنسان، في مواقفه وتحولاته وردود فعله، في إيجابيته أو سلبيته، في صموده أو تخاذله، في واقعيته أو غرائبيته، هو الإنسان الذي نعرف، وليس الآتي من وهم وفراغ.

وكان ما زال، يعبِّر عن هذا المحيط السردي، بلغة إدائية ثرية وواضحة، تتوفر على إمكانية التبليغ، من دون افتعال أو تعقيد، ومن دون اختلال أو ضعف أيضاً.

لقد قارب رشاد أبو شاور في روايته الجديدة "سأرى بعينيك ياحبيبي" الصادرة أخيراً عن دار الآداب البيروتية، موضوعة إجتماعية، تتناول المتغيرات في الواقع الإجتماعي، حيث الانتقال من واقع إلى آخر، وهذا الانتقال، بقدر ما يترك من تداخل مربك وانشقاقات على أكثر من صعيد، في المحيط العام وفي الأسرة، بل في المواطن الذي ينشأ في محيط، ويمرّ بتجربة التحوّل، ويتعرض للعوامل التي تؤدي إلى مثل هذا التحوّل، إذ يعيش في كثير من الحالات، انشطاراً ذاتيّاً، بين ما نشأ عليه وما هو فيه.

وهو، إذ يختار لروايته، مهاداً، على طرف من تجمع حضري يتمدد، مكاناً وقيماً ووسائل عيش، فيكون محيطاً اجتماعياً، يجمع بين البداوة والريف والمدينة، حيث تختلف الإستجابات للمتغيرات والمتطلبات، وكل ما هو جديد، كما تختلف ردود الأفعال إزاء هذا الجديد وما يفرض من التزامات، اجتماعية وفردية ، فمن الواضح، أنه يتحدث عن واقع عربي، وبالتالي عن تجمع حضري عربي يمتد، من دون أن يعيّن له مكاناً، وعدم تعيين المكان هذا، يمنح الواقع الروائي في"سأرى بعينيك ياحبيبي" بعداً جمالياً ويفتح للقارئ مجالاً للحوار مع النص، وينشِّط مخيلة المتلقّي.

وإذا كان المتغيّر في هذه الرواية، وما أنتج من حراكٍ، كرّس خلافاً، إن لم أقل انشقاقاً، بدأ بين الشقيقين "أبو صخر" و"أبوحسن" وعمَّقه خلاف بين زوجتيهما "أم صخر" المتشبثة بكل ما نشأت عليه، وأم حسن، المتفتحة على الكثير مما هو جديد، فقد اتّسع ليكون داخل عائلة كل واحد من الشقيقين المذكورين، وامتد إلى حيل الأبناء، ليكون أقوى أثراً وأكثر عنفاً.

إن ما قاربته الرواية في موضوعة المتغير الإجتماعي والانتقال إلى المجتمع المديني، حيث تكون المدينة محض شكل، تتهدده ممارسات تفرغه من ألقه الحضري، وتكون حاضنة لصراعات تعطِّل عجلة التقدم، ويكون ما هو هامشي  قادراً على أن يغيِّب ما هو جوهري في التقدم الاجتماعي.

وإذا كانت المدينة العربية تعاني من هذا التناقض الذي كان ومازال حصاده مرّاً، فإن الأخطر مما نحن بصدده، هو ما تشهده المدينة العربية التي تكرّس كيانها الحضري خلال زمن طويل نسبياً، من تراجع بسبب ردود فعل إجتماعية سلبية في مواجهة فوضى التخطيط المديني، وفشل الدولة القطرية في حماية أدنى مقوماتها الوطنية، وفشل مشاريع التنمية الاقتصادية وتناقضها مع أهداف التنمية الاجتماعية، لذا فقدت المدينة العربية خلال نصف القرن الأخير أهم خصائصها في الانفتاح الثقافي والإجتماعي، ودخلت في نفق الإنغلاق والتراجع.

وهكذا، ينجح الروائي رشاد أبو شاور في اختيار موضوع روايته، وكيفية تناوله فكرياً وجمالياً، ويطرح سؤالاً نحن بأمس الحاجة إلى ما يقودنا إليه من حوار، فمجتمع المدينة، كيف ما كان، هو حاضنة مشروع التغيير، وإن فرص نجاح هذا المشروع أو فشله، تعتمد أساساً على فاعلية هذه الحاضنة، وما تختزن من قدرات وما تفجِّر من طاقات.
 

التعليقات