اجتماعات تعارف../ د.محمد السعيد ادريس

اجتماعات تعارف../ د.محمد السعيد ادريس
انتهى اجتماع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع ايهود اولمرت رئيس حكومة الكيان الى لا شيء. فقد رفض أولمرت مناقشة قضايا الوضع النهائي، أي القضايا المحورية في الصراع وهي القضايا التي كان يجب أن تبحث منذ سنوات طويلة أعقبت توقيع اتفاق أوسلو عام 1993. فقد اتفق في محادثات أوسلو على عدم الشروع المباشر في التعامل مع القضايا المحورية لأنها بطبيعتها قضايا خلافية، ولأن الهدف الجوهري الذي كان يجب أن يحظى بالأولوية حينذاك حسب التقديرات “الإسرائيلية” هو بناء الثقة، أي ثقة “الإسرائيليين” بالفلسطينيين. بالطبع فقد وافق المفاوض الفلسطيني على ان يخضع مضطراً لاختبارات اثبات بالثقة والقيام بالمهام المطلوب منه ان يقوم بها، وبعدها تبدأ مفاوضات القضايا المحورية في الصراع.

ومنذ أوسلو، وحتى الآن، مازال المفاوضون الفلسطينيون بل والشعب الفلسطيني كله يخضع لاختبارات الثقة من جانب قادة الكيان الصهيوني، وجاء اللقاء الأخير الذي أوصت به وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس بين اولمرت وعباس ليكمل مسيرة تلك الاختبارات، ورغم ذلك قبل عباس بلقاء جديد مع أولمرت قد يعقد في أريحا بعد حوالي اسبوعين، وكأنهما في حاجة الى مزيد من اجتماعات التعارف.

الانطباع الذي خرج به مصطفى البرغوثي وزير الاعلام الفلسطيني من هذا اللقاء هو حسب وصفه “أن هذه الحكومة” حكومة أولمرت “ضعيفة للغاية بحيث لا يمكنها ان تضع سلاماً”. وربما يكون هذا الوصف صحيحاً جزئياً، لكنه لا يعبر عن حقيقة الموقف “الاسرائيلي” الراهن، فالقضية ليست قوة أو ضعف الحكومة ولكنها أيضاً “حالة الكيان” وحالة ما يسمى ب”بيئة الصراع”.

فمتابعة قضية الدكتور عزمي بشارة المتصاعدة تكشف ان الكيان الصهيوني قد غير “قواعد اللعبة” مع الفلسطينيين داخل الاراضي المحتلة عام ،1948 وأن الأولوية الآن هي لقضية “يهودية الدولة” الصهيونية، وهذا لن يتحقق في استمرار بقاء عرب فلسطين داخل هذا الكيان، فهذا البقاء شهادة نفي لـ”يهودية” الكيان، ومن ثم فإن قضية عزمي بشارة هي مجرد بداية لمخطط يستهدف الخلاص بشكل أو بآخر من عرب 1948.

تأتي تطورات البيئة الاقليمية لتزيد قادة العدو بالانصراف كلية عن مسألة بحث قضايا الوضع النهائي، وبالذات ما يتعلق بتجديد القمة العربية طرح تفعيل ما يسمى ب”مبادرة السلام” التي تطرح التطبيع الكامل من جانب العرب مقابل السلام الشامل من جانب “إسرائيل” وفقا لمبدأ “الأرض مقابل السلام”.

رهان أولمرت في ظل هذه التطورات هو أن يحصل على التطبيع الكامل من العرب من دون بحث مسألة السلام الشامل، وبالتحديد الانسحاب من كل الاراضي العربية المحتلة عام 1967. لذلك فإنه يتلاعب باجتماعاته مع محمود عباس لمجرد ارضاء كوندوليزا رايس أملاً في فتح ثغرة ينفذ منها الى النظام العربي لبدء مرحلة تفاوض عربية “إسرائيلية” جديدة، اعتقاداً منه أن المزيد من الضغوط الامريكية على العرب كفيلة باقناعهم بقبول المنطق “الاسرائيلي” الذي يضع “التفاوض” أولوية من دون التزام بشروط مسبقة.

وفي ظل هذه الحال يفضل “الاسرائيليون” أن تبقى محادثاتهم مع الفلسطينيين مجرد “لقاءات تعارف”.

"الخليج"

التعليقات