"مدينة مهزومة ...."

-

كتب زئيف شيف في صحيفة "هآرتس" تحت عنوان "مدينة مهزومة":

[[قال الإستراتيجي الفيتنامي جياب في أوج الحرب الفيتنامية، إن هزيمة الولايات المتحدة ستحسم على شاشات التلفزيون في الولايات المتحدة نفسها. وهذا ما حدث، إلى حد كبير. لم يتم الحسم في حقول الأرز في فيتنام، وإنما في واشنطن. ومن رأى واشنطن في تلك الفترة، سيكون من الصعب عليه ألا يشعر بأنه يوجد اليوم علامات مشابهة للوضع في حينه في العاصمة الأمريكية.

الحديث هذه المرة عن الحرب في العراق. حيث تتجه واشنطن ثانية باتجاه الهزيمة. وهذه التطورات ليست بالضرورة مرتبطة بشكل مباشر بما يحدث في ساحة القتال، فمن الممكن أن ينشأ وضع تتطور فيه الأحداث من ناحية ميدانية لصالح الولايات المتحدة، بينما يحصل تدهور نفسي في الجبهة، العاصمة، وهو ما يحدث اليوم.

أجواء الكآبة تسود واشنطن بكل ما يتصل بالحرب- مثلما كانت في فترة الحرب الفيتنامية، حيث يتهرب آلاف الشباب من الخدمة العسكرية. وهذه المرة تحصل ظاهرة أخرى، مجموعة من الجنرالات، الذين كانوا في الخدمة النظامية وشاركوا في العدوان على العراق، تخرج بانتقادات قاسية حول إدارة الحرب، وتطالب باستقالة وزير الدفاع، دونالد رامسفيلد. لم يحصل وأن ثار المستوى العسكري على المستوى السياسي المعين بهذا الشكل العنيف!

ويأتي ذكر حرب فيتنام في سياق آخر، حيث يحذر البنتاغون من وقوع أحداث مشابهة لتلك في فيتنام عندما اعتقدت الولايات المتحدة أنها حققت نجاحاً في ساحة القتال وقويت السلطة في سايغون، وفجأة تنزل الفيتكونغ ضربات قاصمة في كافة أرجاء الدولة، وهو ما دعي في حينه "هجوم ثوت"، حيث ضربت 10 مدن، بما فيها سايغون، والسفارة الأمريكية هناك. وبالرغم من رد الهجوم في غالبية المواقع، فقد ساد الإحساس في الولايات المتحدة والعالم أن انقلاباً سلبياً حصل للولايات المتحدة وجنوب فيتنام.

فهل من الممكن أن يتكرر أمر خطير مشابه في العراق، بما في ذلك في المناطق التي يسيطر عليها الجيش البريطاني؟ يقول الخبراء في واشنطن أن الأشهر القادمة في العراق ستكون الأكثر مصيرية وأنه يجب الحذر من المفاجآت!

وعند الحديث عن مفاجآت، يجب الإشارة إلى فقدان الثقة بالاستخبارات. فقد مرت المخابرات الأمريكية، بكافة أذرعها، بهزة عنيفة في أعقاب عدة إخفاقات. الفشل الدرامي كان في عدم نجاحها في الكشف عن تسلل انتحاريي "القاعدة" الذين دمروا أبراج التجارة العالمية وتسببوا بخسارة تفوق تلك التي نجمت عن الهجوم الياباني المفاجئ على "بيرل هاربر" (ميناء اللؤلؤ في الحرب العالمية الثانية). بعد ذلك فشل استخباري بشأن عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وكذلك الفشل في الكشف عن مغلفات "الأنتراكس" في الولايات المتحدة، وعدم كشف مخبأ أسامة بن لادن.

وبالرغم من إعادة التنظيم الواسعة من جديد لجهاز الإستخبارات، لا يزال هناك شعور بعدم الثقة بالجهاز. أضف إلى ذلك قضية قرار الإدارة الأمريكية منح شركة عربية من دبي المراقبة الأمنية على موانئ الولايات المتحدة، الأمر الذي لم يلغ إلا بتأثير الضغط الجماهيري.

وبشكل مواز، نشأت قضية جديدة في الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة، حيث اتهم الرئيس (جورج بوش) بتسريب مواد سرية من أجل استخدامها لإضفاء الشرعية على قراره بغزو العراق. كما تجري تحقيقات قضائية ضد المستشار الأمني لنائب الرئيس الذي اضطر إلى الإستقالة، بسبب تسريب اسم عميلة السي آي إيه، وهي أيضاً مرتبطة بالحرب في العراق.

المجموعة المعروفة بإسم "المحافظين الجدد"، وعلى رأسها بول وولفوفيتش، نائب رامسفيلد، تفككت في الواقع، ونشأت مجموعة جديدة من أعضاء الكونغرس تطالب بـ"الإنسحاب الآن" بدون الأخذ بالحسبان تبعات ذلك على الشرق الأوسط بشكل عام وعلى مكانة الولايات المتحدة بشكل خاص.

هذه ليست أجواء حرب يخوضها شعب يريد الإنتصار فيها، وإنما شعب في حالة حرب لا يعرف كيف يخرج منها، على ما يبدو]].

التعليقات