"مصر بالذات ليست معتدلة"..

-

كتب أمير أورون في صحيفة "هآرتس":

[[عام 2007 لا يعني فقط أربعين عاماً على حرب 1967، وإنما يعني ثلاثين عاماً على زيارة أنور السادات إلى إسرائيل، الانجاز العسكري الأكبر لإسرائيل في هزيمة 3 دول والسيطرة على أراض لها، وفي المقابل الإنجاز السياسي الأكبر في تصدع أسوار العداء العربي. وفي كلتي الحالتين فإن الانبهار تبدل تدريجياً بخيبة أمل، ولم تتحقق التعهدات التي كانت تنطوي عليها النتائج الفورية.

تنبع رؤية مصر كدولة معتدلة تسعى للسلام من خطأ بصري. فالقاهرة التي قامت بشراء تذكرة إلى واشنطن عن طريق إسرائيل، مرة ثانية ليست مبتهجة لكونها ضمن تعداد المعسكر المتماثل مع الأمريكيين، في حين أن الشعب المصري غير متحمس بنفسه إلى التورط في الحروبات، وإنما يكتفي بالتشجيع وهو على المدرج..

احتاجت الصحوة الإسرائيلية من وهم الرافعة المصرية على الفلسطينيين مدة 7 سنوات متواصلة، منذ كامب ديفيد 2000، وحتى الفوضى على حدود غزة مصر. وخلال 19 عاماً من الحكم العسكري المصري على قطاع غزة، اهتمت مصر لفلسطين أكثر من الفلسطينيين، بعكس المملكة الأردنية التي ضمت إليها الضفة الغربية وقامت بأردنة الفلسطينيين، في حين ارتدعت مصر عن ضم لاجئي يافا وسكان خان يونس إلى عشرات ملايين الفقراء لديها.

وفي عملية تبادل الأسرى بعد حرب 67، أطلق الجيش الإسرائيلي سراح آلاف الجنود الذين خدموا في الجيش المصري وفي الفرقة الفلسطينية التي قام بتفعيلها، وفي حينه رفض المصريون نقل الأسرى الفلسطينيين إلى غرب قناة السويس، وأصروا على بقائهم في قطاع غزة.

أما الاقتراح بتبادل مناطق في مربع سيناء- النقب- غزة- الضفة الغربية، فقد قضي عليه، حتى لو كان هناك أمل في فترة السادات أو في أوج أوسلو. فمصر لن تقدم ذرة من التراب أو قطرة عرق أو دم من أجل توسيع السلام. وفي أحسن الحالات فإنها ستواصل تحريك الجمود الحالي، وفي الحالة الواقعية، بعد حسني مبارك، سوف يكون عداؤها المخفي أكثر وضوحاً وأكثر نشاطاً.

والسبب في ذلك يعود إلى الديمقراطية، ولكن ليس النموذج الأمريكي الذي فشل فرضه على عواصم الدول العربية، وإنما بالمفهوم الشعبي، والثقافة والسياسية لسلطة متشددة ذات صلاحيات ولا تتنازل عن وحدانيتها، إلا أنها لا تتحدى مشاعر الجمهور بدون أن تقتضي الضرورة ذلك. أما تماشي النظام، أو بعضه، مع إسرائيل فهي حقيقة سياسية ليس بإمكان الشعب المصري إلغاؤها، إلا أنه لديه طاقة كبيرة في التاثير على إبقائها "باردة"، في غرف الاتصالات الدبلوماسية المكيفة.

وتشير استطلاعات الرأي العام في مصر أن الدولة العربية الأكبر وذات الجيش الأقوى والأكثر تطوراً إلى أنها الأشد عداءاً لإسرائيل وللولايات المتحدة والغرب. وليس الحديث هنا عن نزعات عابرة، فالمعطيات قاطعة، ومذهلة كتيار جارف من المعتقدات والآراء المسبقة.

وقد تسلمت لجنة الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، الشهر الماضي، تقريراً عن نتائج استطلاع عالمي أجراه معهد في جامعة مريلاند. وفحص الاستطلاع مواقف أربع دول مسلمة؛ المغرب ومصر وأندونيسيا وباكستان. وفي جميع الأسئلة كان مصر الرائدة في نفي الحضور الأمريكي في الشرق الأوسط، وفي تأييد، بنسبة 93%، لعمليات ضدها، بالإضافة إلى اتهام الأمريكيين بالعداء للإسلام كله، وليس فقط "القاعدة" وطالبان وصدام حسين. وحتى الذين يتحفظون من عمليات "القاعدة"، خاصة ضد المدنيين، يؤيدون جرأة الجهاد العالمي في مواجهة أمريكا ورفع لواء الدفاع عن "الكرامة الإسلامية". ويشكك كثيرون بالرواية الأمريكية بشأن الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وينسبون ما رأوه بأعينهم، وبضمن ذلك شريط أسامة بن لادن ومساعدوه، إلى خيالات هوليوود. أما إسرائيل فهي مكروهة بالطبع، لكونها مساعدة لأمريكا وتحت رعايتها.

ويهدد المرجل الذي يغلي تحت النظام بالإطاحة بـ"الغطاء" ومعه السلام مع إسرائيل. والنتيجة ستكون توتر أمني، لن يتصاعد فوراً أو بالضرورة إلى حرب مجددة، هي السادسة، بين إسرائيل ومصر، إلا أن سلاماً عميقاً وواسعاً أكثر مما هو عليه الوضع في الحدود الجنوبية الغربية، لن يكون]]..

التعليقات