"قيادة فلسطينية موحدة"..

-

كتب تسفي برئيل في صحيفة "هآرتس":

[[.. اتهمت إسرائيل ياسر عرفات على الدوام بأنه يسيطر على "ارتفاع ألسنة اللهب". وبرغبته تشتعل الضفة الغربية، وبرغبته تخمد النيران. وفي حينه كان هناك على الأقل عنوان مسؤول. أما اليوم، فيجلس في رام الله رئيس منتخب، محمود عباس، لا يملك زمام السيطرة على الأمور. ومكانته تشبه مكانة محام نزعوا منه كافة أوراق المساومة، لأن من يسيطر على ارتفاع ألسنة اللهب ويستحوذ على إمكانية الاستمرار في عملية السلام هو خالد مشعل. وتتحطم الأوهام بأنه يمكن إجراء مفاوضات حول الضفة الغربية في حين يشتعل قطاع غزة. فعندما يقتل النساء والأطفال وحتى مطلقو الصواريخ، وعندما يكون الجيش على وشك الدخول إلى قطاع غزة بكامل قوته، يضطر عباس إلى الاتصال بمحمود الزهار لتعزيته بمقتل نجله.

فهل من الممكن أن نتخيل وضعا يوقع فيه عباس على اتفاق، عندما تجري الحرب على نصف مملكته، وعندما يتم فرض حصار جائر على مليون ونصف من الفلسطينيين؟ ولا يستطيع عباس إجراء مفاوضات كهذه فقط، وإنما تدرك الدول العربية أيضا أنه طالما لا يوجد سلام بين عباس ومشعل، فإن أي مبادرة عربية لن تكون مجدية.

في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2006، قررت الدول العربية خرق المقاطعة الاقتصادية على حكومة حماس، والذي انضموا إليه في أعقاب ضغوط أمريكية. لم تصمد تلك المقاطعة سوى ستة شهور، إلى حين قتل 19 فلسطينيا في عمليات الجيش الإسرائيلي واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) لمنع إدانة عمليات الجيش. وفي الأسبوع الماضي طالب عمرو موسى زعماء الدول العربية بـ"رفع أصواتهم على الأقل" ضد الحصار الاقتصادي على قطاع غزة وهجمات الجيش الإسرائيلي.

مرة ثانية تتحدث وسائل الإعلام العربية عن "مجزرة في غزة" وعن "قتل الفلسطينيين". وفي الرأي العام العربي يتفاقم الضغط على القيادات لـ"تفعل شيئا". وعداء الزعماء العرب لحماس يصبح ليس ذا صلة عندما يجري التعامل مع إسرائيل كمن تقتل الأطفال وليس فقط مطلقي الصواريخ. ولا يوجد أي ضمان بأنه هذه المرة أيضا، ومثلما حصل في العام 2006، لن تتخذ الدول العربية قرارا مماثلا. وحتى لو لم يكن لذلك أي معنى عملي، لأن إسرائيل لن تسمح بإدخال الأموال أو المنتوجات إلى القطاع، فسيحصل تحول سياسي مهم. سوف تكبل أيدي عباس، وتجعل من مشعل هو العنوان بكل ما يتصل أيضا بالإجراءات السياسية في الضفة الغربية أيضا، ولكن هذه المرة مع جبهة عربية مساندة.

هناك فرق كبير بين وضع تكون فيه إسرائيل مقاطعة لحماس، وتحاول مرة ثانية سياسة الضغط الاقتصادي الفاشلة على جزء من الشعب الفلسطيني بهدف إحداث انقلاب سياسي، وبين وضع تكون فيه إسرائيل كمن تجري معركة عسكرية شاملة ضد كل الفلسطينيين في قطاع غزة. ولن تجدي كل الجهود الإعلامية الإسرائيلية للتأكيد على أن الحديث عن رد مشروع على إطلاق الصواريخ القاتلة الذي لا يتوقف باتجاه سديروت. ومقابل الهجوم الإسرائيلي يصبح كل صاروخ قسام مقدس، وكل من يطلق صاروخا يكون ذلك باسم حرب التحرير الفلسطينية. فحتى حكومة لبنان اضطرت لمساندة حزب الله طالما كان يحارب "حرب تحرير" إلى حين انسحبت إسرائيل في العام 2000. وفي الوقت نفسه، فمن الصعب تخيل الدعم الواسع للعملية السياسية في الجانب الإسرائيلي طالما تدور الحرب في قطاع غزة، فحتى المزاج الشعبي الإسرائيلي تنجح حماس في توجيهه، وبكل قوتها.

ومن أجل إبطال فاعلية حق الفيتو لحماس على العملية السياسية، لن يكون هناك بد من المصالحة بين حماس وفتح، بين عباس ومشعل. لأنه حتى لو نشأت فرصة جديدة للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس بشأن وقف إطلاق النار- وهي فرصة تبدو الآن بعيدة- إلا أنها لن تبطل فاعلية الانفجار الذي سيحدثه التصادم القادم. فالمفاوضات "الخاصة" مع حماس سوف تسقط من يد عباس أيضا سبق توفير الهدوء]]..

ليست إسرائيل بحاجة لإجراء مفاوضات منفردة مع حماس، ولكنها يجب أن تشجع قيام قيادة فلسطينية موحدة. لأنه بدونها فهي لن تفقد شراكتها مع عباس فحسب، وإنما تمنح حماس الاحتكار السياسي.

التعليقات