"كم سيموتون كي نصرخ كفى"

-

كيف كنّا سنشعر لو أننا، لا سمح الله، وبكل الهول، رأينا على مدى أسبوع واحد، أن عشرين طفلا، من سن الروضة وحتى منتصف الثانوية، يقتلون يوميا في عملية تفجيرية؟ أو لو أننا قرأنا عن حادثة يطلق العدو فيها النار على طاقم إسعاف انطلق لإنقاذ جريح، فقتل جميع أفراد الطاقم في الحال بمن فيهم الصبي إبن الثالثة عشر ربيعا الذي انضم إلى الطاقم كي يرشده إلى المكان؟ أو عن حادثة يحشر فيها الجنود مواطنين من حيّ ما بكثافة كبيرة في بناية واحدة، حيث يتم قصف المبنى لاحقا، فيقتل العشرات من أبناء عائلة موسّعة واحدة؟

لم يمت جميعهم في الحال: بعضهم نزف على مدى أيام حتى الموت دون إسعاف طبي، أطفال خارت قواهم ينتظرون إلى جانب جثامين أمهاتهم، موقع الجيش يبعد أقل من ثمانين مترا عن المكان لكنهم لا يرون شيئا، ولا يفعلون شيئا. وإذ سمح أخيرا وبعد عدة أيام لطواقم الإنقاذ أن تصل إلى المكان، فقد اضطر هؤلاء للإستعانة بعربة يجرها حمار لنقل الجرحى، لأن المنطقة مغلقة بأكوام من التراب التي وضعها الجيش. ولضيق الوقت فإنهم يتركون قسما من الجثث وراءهم.

هكذا هي حكايات الجريمة البشعة في غزة. ألجريمة الإنسانية الفردية، والمعطيات الإحصائية التي يقف لهولها شعر البدن: نحو ألف قتيل فلسطيني، معظمهم مدنيون أبرياء. بين القتلى، كما يبدو، أقل من ثلاثمائة مسلح. وبين القتلى في غزة أكثر من ثلاثمائة طفل تحت سن السادسة عشرة. هل قتل جيش الدفاع خلال أسبوعين أطفالا أكثر من المسلحين؟

لم تزلزل الأرض زلزالها. أي، من القصف في واد قريب: لكن من صور الجريمة البشعة، وقصص البشاعة، ومعطياتها – لا يوجد أي اهتزاز، بل لا يتطرّق أحد لهذا الموضوع تقريبا، ولا يوجد، بالتأكيد، أي شعور بالمسؤولية. ربما هزة كتف أو تفوهات عفوية "ثمن الحرب"، إلخ.. علما أن القليل من واقع غزة، لو أنه حصل عندنا، لتزلزلت الأرض حقا. لقد اهتزت مشاعرنا جميعا وقلقنا على مصير الطفلة التي خمشت فقط لحسن الحظ في غديرا. لكن ماذا بشأن أكثر من ثلاثمائة طفل فلسطيني من القتلى؟

أجوبة قاسية وفظّة

لقد صيغ الإعلان الذي نشره الصليب الأحمر قبل أسبوع بلغة خجولة: "لم تف إسرائيل بواجبها بحسب القانون الدولي الإنساني لمعالجة الجرحى ونقلهم". هذه الكلمات المهذبة كتبت بالدم: بدم إسحاق ألسموني إبن الثانية عشرة سنة، الذي نزف من الجراح في رجليه، وكان على بعد أقل من مائة متر عن مواقع جيش الدفاع: كما بدم عشرات المواطنين الفلسطينيين أيضا، الذين قتلوا في الزيتون وفي جميع أرجاء القطاع.

حماية حقوق الإنسان في الحرب ليست مسألة قضائية في قوانين القتال والإشتباه بخرقها فقط. إنها مسألة أخلاقية، وإنسانية، مسألة يحدّدها جوابها.

إن صورتنا كمجتمع وهويتنا كبشر ليست مسألة نظرية، في غزة، طالما يعمل جيش الدفاع في قلب مواطنين مدنيين في منطقة هي الأكثر كثافة في العالم كله. ما تقترحه إسرائيل كأجوبة عملية على هذه المسائل هو قاس، وحشيّ ويعكس فشلا أخلاقيا مخزيا.

لن يغير الجيش في طريقة قتاله في غزة بالطبع. وعليه، ففي كل يوم قادم من القتال سيكون هنالك عشرات القتلى من المدنيين، بمن فيهم الكثير من الأطفال. هذا ما حصل يوميا منذ بدء القتال، وهكذا سيستمر على ما يبدو. لم نعرف؟ ربما، على أية حال، نحن الآن نعرف.
كم يجب أن يموت من الأطفال في غزة كي نصرخ كفى؟

التعليقات