لغز واسمه أمريكا..

-

لغز واسمه أمريكا..
مرة كل عدة أشهر كزيارة موسمية لقريب متجول في أنحاء العالم، جاءت رايس مرة أخرى إلى هنا، نفس التصريحات ونفس المراسم الخالية من المضامين. نفس تلويحة اليد ونفس الطائرة. والنتائج كانت مشابهة: فإذا كانت إسرائيل قد تعهدت في ديسمبر الفائت بعد ليلة من المباحثات المحتدمة، بفتح الممر الآمن بين الضفة وغزة، هذه المرة تعهدت إسرائيل بفتح معبر كارني، "الانجاز" للزيارة الحالية. أعتقد أن معبر كارني سيكون مفتوحا، على الأقل أكثر من الممر الآمن الذي لم بفتح إطلاقا بعد الزيارة العاقر الماضية.

كانت هنا 6 مرات خلال سنة ونصف، وما الحصيلة؟ هل سُؤلت عن ذلك؟ وهل تسأل نفسها؟

من الصعب أن نفهم كيف تسمح وزيرة الخارجية لنفسها هذا الاستهتار. ومن الصعب أن نفهم كيف تسمح لنفسها الدولة العظمى التي تمثلها هذا الأداء الفارغ وعديم الفائدة. لغز أمريكا ما زال بعينه: كيف يحدث أن لا تقوم الولايات المتحدة بشيء من أجل حل الصراع الأخطر والأقدم في عالمنا؟ كيف يحدث أن لا تحرك الدولة العظمى الوحيدة في العالم التي يمكنها تقديم حل بسرعة، إصبعا لتقديم هذا الحل.

ماذا حدث منذ عام 1956 حينما فرضت الولايات المتحدة على إسرائيل الانسحاب من سيناء، في محادثة هاتفية واحدة، بعد خطاب القائد الإسرائيلي الأقوى على مر العصور دافيد بن غوريون؟ والآن.. والاحتلال يستمر منذ سنوات، وتحكم إسرائيل حكومة متعلقة ليس أقل من السابق بكرم الولايات المتحدة- تقف في الموقف المضاد.

لا نهاية لزيارات الرؤساء ووزراء الخارجية، وغالبا مبادرات سلام وخطط سلام، من خطة روجرز وحتى خارطة الطريق مرورا بإعادة الانتشار، مباحثات عاقر وتصريحات خطابية، وضغوطات وتعهدات، ومباحثات وقرارات – وام يحدص شيئا. وفي الخلفية يدوي سؤالا لاذعا، دون إجابة: هل تريد أمريكا بالأساس إيجاد حل في الشرق الأوسط؟ هل يمكن أنها لا تفهم مصيرية انهاء الصراع؟

حسب النتيجة فأمريكا يمكنها ولكتها لا تريد؟ لا يمكن لأي حكومة في إسرائيل، وبالتأكيد ليست هذه الحكومة المذهولة من الإدارة الأمريكية، أن تقف أمام إرادة أمريكية مصممة على إنهاء الاحتلال. ولكن لم يكن قط رئيس أمريكي أراد أن ينهي الاحتلال . هل تفهم أمريكا أنه لن يكون سلاما دون إزالة الاحتلال؟ فسلام في المنطقة يمكنه أن يوجه ضربة قاضية للإرهاب العالمي أكثر من أي حرب خاضتها أمريكا في العراق أو في أفغانستان. هل أمريكا لا تفهم ذلك؟ هل يمكن إعادة كل شيئ بقيام اللوبي اليهودي الذي "يستطيع كل شيئ" الذي يأتي على إسرائيل بأضرار أكثر من الفوائد؟

الهدف المعلن لحكومة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو إحضار الديمقراطية للمنطقة. من أجل ذلك كما تدعي خرجت إلى الحرب في العراق وإذا تجاهلنا التلون، والتظاهر بالزهد والكيل بمكيالين لحكومة بوش، التي تدعم أنظمة ديكتاتورية ليست قليلة، يجب سؤال داعية الديمقراطية الكبيرة: هل زاغت عيناك من أن ترين أن الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية هو نظام غير ديمقراطي ووحشي؟ وكيف يفسرون في البيت الابيض التناقض بين الرغبة في إشاعة الديمقراطية على دول المنطقة وبين مقاطعة حكومة حماس، التي انتخبت في انتخابات ديمقراطية كما أرادت أمريكا وأيدت.

تتحدث أمريكا بشكل دائم عن السلام وتحذر إسرائيل من أي محاولة عقد سلام مع سوريا. هنا أمريكا لديها موقف، وهي ليس فقط لا تقدم تسوية بل تخرب عليها. ومنذ أن أعطت لأسرائيل حرية بسط سيطرة الاحتلال الوحشي على المناطق الفلسطينية، تحولت إلى طرف ينشر القيم الغير ديمقراطية.

أين الأيام التي كانت فيها إسرائيل قلقة من رد الفعل الأمريكي قبل كل عملية عسكرية؟ لقد فكرت إسرائيل آنذاك مرتين قبل أي اغتيال أو أي اعتقال. كل هدم لبيت فلسطيني وكل بناء مستوطنة في عتمة الليل كان منوطا بقلق من رد فعل العم سام. والآن يوجد حوالة مفتوحة لكل عملية جبروت إسرائيلية. هل هذا أيضا يعتبر جهودا للسلام وللديمقراطية؟

السنوات الأخيرة غير جيدة لأمريكا " قائدة العالم الحر" تحولت إلى مكروهة. ليس فقط في جنوب أمريكا بل في آسيا وأفريقيا، ومعظم الرأي العام في أوروبا. هل يسأل أحد في الإدارة لماذا يكره العالم أمريكا؟ وأي تأثير سيكون لهذا الاحساس المتصاعد على قوة أمريكا في السنوات االقادمة؟ هل سيجيب الدولار والتوماهوك والـ إف 16 على كل شيء.

تنتظر أمريكا فرصة في الشرق الأوسط لتغيير صورتها من الأساس، من مثيرة حروب إلى حاملة سلام. وكيف ترد في هذا الامتحان؟ ترسل رايس لإبلاغ إيهود أولمرت المبتهج كيف تنام بسهولة في رحلاتها الجوية الغير ضرورية والساذجة إلى الشرق الأوسط...

التعليقات