لقد نجحنا.... يقتل أحدهم الآخر

"شكل الأداء في الساحة الفلسطينية يدل بدون شك على قدرة تخطيط استراتيجي للاعب شطرنج معروف، الذي يعد المصيدة لخصمه ببرود أعصاب، خطوة بعد خطوة حتى إخضاع الملك. مات الملك" ...

لقد نجحنا.... يقتل أحدهم الآخر
حرب لبنان الثانية شككت الكثيرين في قدرة الحكومة على العمل حسب القاعدة المعروفة " فكر أولا ونفذ ثانيا"، أي: إجراء التقديرات بشكل مسبق حول التداعيات المستقبلية لخطواتها، ودراستها وتحليلها ومن ثم القيام بالعمل وفق ذلك. ولكن شكل الأداء في الساحة الفلسطينية يدل بدون شك على قدرة تخطيط استراتيجي للاعب شطرنج معروف، يعد المصيدة لخصمه ببرود أعصاب، خطوة بعد خطوة حتى إخضاع الملك. مات الملك..

عمليا لا نبالغ في الوصف حينما نقول أن أقل من تفاجأ من الأحداث الدامية الأخيرة التي اندلعت بين فتح وحماس في المناطق الفلسطينية، هي نفس الجهات السياسية الذين سارعت إلى اعتبار أن " في الوقت الحالي، مات الشأن الفلسطيني"- وهذا الاعتراف بالقتل مفيد من أجل إغلاق إمكانية الحوار مع الطرف الآخر. بإمكان إسرائيل أن تستمر في التعامل مع الأحداث الأليمة كشأن فلسطيني داخلي وأن تدعي البراءة، ولكن جذور هذا الصراع الخطير مغروس في مركز السياسة الإسرائيلية، والتي عملت على إضعاف الطرفين- فتح وحماس- بشكل متساو، بحيث لا يتمكن أي طرف من السيطرة على المناطق الفلسطينية بشكل فعال.

تعاملت إسرائيل مع أبو مازن كوعاء فارغ، ضعيف وعاجز، وبذلك مهدت الطريق لسقوطه في الانتخابات البرلمانية وصعود حماس للحكم. والمثال الأكثر وضوحا لهذه السياسة هو رفض إسرائيل التنسيق مع الحكومة الفلسطينية آنذاك حول الانسحاب من قطاع غزة، وإخراج عملية أحادية الجانب إلى حيز التنفيذ- عبقرية إسرائيلية، أعفتها بوجهة نظرها من الحاجة إلى التعامل مع الطرف الفلسطيني، المفترض حسب طريقتها.

سياسة "لا يوجد شريك" لم تنتج لحماس، ولكن بعد صعود الحركة الإسلامية إلى الحكم أخذت زخما وفعالية كبيرة لا نتحدث عن الـ "لا شريك " فقط ، بل لا نوفر أي خطوة من أجل إخضاعه- وبضمن ذلك اختطاف منتخبيه وتجويع ناخبيه. وإذا لاحظت أن حماس تفقد قوتها داخل الجمهور الفلسطيني، وأن قرني أبو مازن سترتفع ثانية، تهتم إسرائيل أن تعتقل قائد الحرس الرئاسي، وتوجيه كوع للرئيس بين أضلعه. في هذه المرحلة برزت موضة الحديث عن " تعزيز قوة أبو مازن" التي بدلت في الفترة الأخيرة مقولة "لا يوجد شريك"، وهي ليست أكثر من نكتة تعيسة، والتي تعتبر في القدس وفي واشنطن خطوة أقل من اللازم ومتأخرة..

لهذه المسرحية التي تخرجها إسرائيل بعناية هناك أيضا ديكور اسمه قطاع غزة. اهتمت إسرائيل خلال السنة الفائتة منذ إعادة الانتشار على تحويل قطاع غزة إلى طنجرة ضغط مع فتيل قصير جدا، ينتظر الانفجار. بطالة وحصار بحري وبري وجوي ومعابر شبه مغلقة، وحصار اقتصادي وتجميد دفع أموال الضرائب العائدة للسلطة، لقد عرفت الحكومة الإسرائيلية أن المسألة هي مسألة وقت حتى ينهار القطاع إلى داخل فوضى عنيفة كما حصل فعلا- ويمكنها أن ترسم بارتياح، علامة "صح" إلى جانب الهدف الذي وضعته لنفسها.

ولكن من المناسب أن نذكر كل الفرحين لمصائب الفلسطينيين، أنهم يقتلون الآن الواحد الآخر، وأن المسرحية لها أيضا خاتمة. وحين يحين الوقت، الذي من الممكن أن يكون قريبا أكثر من المتوقع، سيعملون على وضع حد لسفك الدماء والتوحد حول هدف مشترك. ولا يوجد أي هدف يمكنه أن أن يجمع الفصائل المتناحرة أكثر من مقاومة الاحتلال. وهكذا تسجل إسرائيل بيديها وبرضا، وصفة لانتفاضة ثالثة، قبل أن تهمد الثانية، كي تتمكن من تغذية مفهوم " لا يوجد شريك".



الكاتبة مقدمة ومحللة سياسية في راديو السلام العبرية

التعليقات