"تراجع العلاقات الدبلوماسية وتقليص التنسيق الأمني مع مصر أخطر من نشر الدبابات"

الدبابات المصرية في سيناء لا تقلق إسرائيل بقدر ما تقلقها العلاقات الدبلوماسية شبه المعدومة مع القاهرة، وبقدر ما يقلقها نجاح الرئيس المصري محمد مرسي في تقليص التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل إلى الحد الأدنى

الدبابات المصرية في العريش

كتب المحلل العسكري في "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي أن الدبابات المصرية في سيناء لا تقلق إسرائيل بقدر ما تقلقها العلاقات الدبلوماسية شبه المعدومة مع القاهرة، وبقدر ما يقلقها نجاح الرئيس المصري محمد مرسي في تقليص التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل إلى الحد الأدنى.

وكتب بن يشاي أن عدد الدبابات التي أدخلها الجيش المصري مؤخرا إلى "المنطقة المنزوعة السلاح" (سي) في شمال سيناء هو صغير جدا، ولا يشكل أي تهديد على إسرائيل، مشيرا إلى أن الأخيرة وافقت في العام الماضي على أن تقوم مصر بإدخال مركبات مدرعة إلى المنطقة بهدف "الحرب على الأنفاق والتهريب والمجموعات الإرهابية الناشطة في سيناء". كما أشار إلى أن عدد المدرعات والدبابات والمروحيات التي أدخلتها مصر إلى المنطقة التي حدد فيها حجم القوات في سيناء بهدف "مكافحة الإرهاب" لا يزيد عما اتفق عليه.

ويشير الكاتب إلى أن التنسيق الأمني بين ممثلي الجيشين الإسرائيلي والمصري، على المستوى الميداني، لا يزال قائما، وكذلك الحوار بين كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وبين كبار المسؤولين في الاستخبارات المصرية.

ويضيف بن يشاي أن ما يقلق متخذي القرار في إسرائيل ليس ما يحصل في سيناء على الأرض، وإنما ما يحصل بين القاهرة وتل أبيب، أي محاولة الرئيس المصري الجديد تقليص التنسيق والحوار الأمني مع إسرائيل، وأن ذلك على ما يبدو بهدف إحداث تآكل فعّال في اتفاقية السلام بين البلدين وجعله مجرد حبر على ورق.

وبحسبه فإن كتيبة دبابات واحدة زيادة أو أقل في شمال سيناء لا تغير من ميزان القوى على الحدود بين مصر وإسرائيل، ولكن إدخالها إلى منطقة "سي" بدون أي تنسيق مسبق مع إسرائيل، وبدون الحصول على مصادقتها يشير إلى توجه النظام الجديد إلى إرغام إسرائيل على "ابتلاع" خطوات من جانب واحد. ولفت في هذا السياق إلى قيام مصر قبل عدة شهور بإلغاء اتفاقية الغاز من جانب واحد، والآن قضية الدبابات، على حد تعبيره.

ويتابع بن يشاي أنه في السنوات الـ33 التي مرت منذ التوقيع على اتفاقية السلام حصلت خروقات من هذا النوع، وربما أخطر، ولكن في كل الحالات كان يكفي تقديم شكوى سرية من إسرائيل إلى قيادة القوات الدولية في سيناء وإلى وزارة الخارجية الأمريكية من إجل إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه. وكان من الواضح أنه يوجد للنظام المصري مصلحة اقتصادية وأمنية وسياسية وإستراتيجية في الحفاظ على الاتفاق، وعلى دعم الولايات المتحدة النابع من ذلك، بالرغم من حقيقة أن كثيرين من كبار المسؤولين في النظام، مثل نسبة كبيرة من المثقفين والشعب المصري، كانوا ولا يزالون معادين شعوريا ودينيا لإسرائيل. على حد قوله.

ويضيف الكاتب أن هذين الاتجاهين المتصادمين أديا إلى "سلام بارد ولكن مستقر" بين البلدين. وبحسبه فإن صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر زعزع هذه المعادلة بشكل خطير، بما يهدد اتفاقية السلام.

ويقول إن من يريد أن يفهم بتعمق ماذا يفكر الرئيس المصري مرسي بشأن إسرائيل عليه أن يدرس ميثاق حركة حماس، إلا أن الرئيس المصري يدرك أنه الآن بحاجة إلى واشنطن، والتي هي الضامن الرسمي والقانوني لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، ورغم "التطهير" الذي أجراه في المجلس العسكري الأعلى إلا أنه لا يزال غير حر تماما في العمل خلافا لرغبة الجنرالات المصريين.

ويدعي بن يشاي أن الجنرالات يدركون جيدا أن إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل قد يؤدي تصعيد يدمر الاقتصاد المصري تماما، وربما ينتهي بهزيمة عسكرية. ويضيف أنه لهذا السبب يقوم مرسي، الذي يصفه بأنه يراكم قوة سياسية بسرعة على حساب الجيش، بإحداث تآكل تدريجي في اتفاقية السلام، ولكن حتى الآن يقوم بذلك بحذر وبخطوات صغيرة ومحسوبة. ويشير في هذا السياق إلى أن الأخوان المسلمين ومنذ بدء الثورة يتصرفون بحذر وبطريقة محسوبة جدا، وعندما يشعرون أنه بإمكانهم قضم قطعة كبيرة من الكعكة السياسية أو العسكرية فهم يعملون بتصميم وبدون تردد خلافا لتصريحاتهم السابقة، وهذا ما يحصل، على ما يبدو، بشأن اتفاقية السلام مع إسرائيل.

ويخلص المحلل العسكري لـ"يديعوت أحرونوت" إلى أنه على إسرائيل أن تعمل فورا وبحزم من أجل وقف هذا التوجه في بدايته، حيث أن تجاهله ليس خيارا مطروحا، لأن التجربة مع مصر تدل على أن ما يبدو صغيرا وهامشيا في بدايته يتضخم بمقاييس كبيرة وخطيرة لاحقا.

ويضيف أنه لإسرائيل يوجد تجربة مرة مع "الخروقات المصرية" للاتفاقيات الأمنية مع إسرائيل، وكان أبرزها "إغلاق مضائق تيران، وإدخال جيش مصري إلى سيناء عام 1967 الذي أدى إلى حرب 67، ونقل صواريخ أرض – جو إلى ضفة قناة السويس في العام 1970 وهو ما تسبب بخسائر ومصاعب كبيرة لإسرائيل في حرب تشرين 1973". بحسب الكاتب.

ومع ذلك، يضيف، أنه يجب على إسرائيل ألا تتسرع، وأن التصميم الإسرائيلي يجب أن يعبر عنه عن طريق المستويات الدبلوماسية، وأن واشنطن هي العنوان الأساسي لكونها الضامن الرسمي لاتفاق السلام، كما أنه يوجد للإدارة الأمريكية أدوات مهمة للضغط على المؤسسة العسكرية وعلى الاقتصاد المصري، علاوة على أنه من الجائز الافتراض أن مرسي قد التزم كرئيس لكبار المسؤولين الأمريكيين الذين التقوا معه (هيلاري كلينتون وليون بانيتا) باحترام اتفاقية السلام مع إسرائيل. ولكن، وحتى يكون الضغط فعالا ويصل إلى اعتراف المجتمع الدولي، على إسرائيل أن تعمل على إثارة الرأي العام الشعبي والرسمي في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لما أسماه "الخروقات المصرية الزاحفة".

ويشير الكاتب، في هذا السياق، إلى أنه يجب تذكر أن الحملة ضد البرنامج النووي الإيراني تقف على رأس سلم أولويات إسرائيل الآن، وبالنتيجة يمكن الاعتقاد أن "منازلة" نتانياهو وباراك لأوباما حيال إيران لا تخلق الحافزية لدى الرئيس الأمريكي للعمل في الشأن المصري، وبالنتيجة يجب توخي الحذر في كل خطوة أو تصريح قد يؤدي إلى تدهور في الساحة الجنوبية بينما قد يطلب من الجيش الإسرائيلي قريبا العمل على الجبهة الشمالية.

وينهي مقالته بالقول إن إسرائيل لا تستطيع العمل بحرية، وأنه على متخذي القرارات العمل بدبلوماسية هادئة ومكثفة في كل القنوات المتوفرة من أجل تحقيق هدف إستراتيجي واحد وهو "تطوير والحفاظ على الحوار والتنسيق المباشر في المستويات السياسية والعسكرية العليا بين إسرائيل ومصر وعندها سيكون اتفاق السلام أقل هشاشة مما هو عليه الآن". 
 

التعليقات