حتى وقت قريب، كنا نُناقش عواقب بقاء الأطفال جل وقتهم مع المربية بعيداً عن رعاية الأم والأب في ظل انشغالهما في تأمين سبل العيش التي أصبحت صعبة المنال. وانعكاس ذلك في استقرار الأطفال النفسي ولكن ربما حان الوقت لكي نناقش تأثير وجودهم مع مربية لا بشرية، مربية آلية. فالروبوتات المخصصة للأطفال أصبحت اليوم حقيقة ملموسة، وقد تتحول إلى الحقيقة الوحيدة بالنسبة للطفل الذي سيفتح عينيه ليجدها إلى جانبه!
فهل ستكون مستعد لترك أطفالك يتعلمون ويكبرون مع روبوت؟ وما هي مآلات ذلك على صحتهم النفسية؟ وماذا سنقول للأطفال عن أهميتهم بالنسبة لنا عندما نكون على استعداد لترك شؤون تربيتهم وتعليمهم إلى روبوت؟
الروبوتات المخصصة للأطفال بين مؤيد ومعارض
في عام 2018، قدم باحثون من مُختبرات نافير، والمعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة سيول الوطنية، السلحفاة شيلي، وهي لعبة روبوتية جديدة مصممة لمنع الأطفال من إساءة معاملة الغير.
تضيء السلحفاة الروبوتية شيلي وترقص بسعادة بأطرافها عندما يتم مداعبتها برفق. فيما تنكمش داخل قوقعتها وتنام لفترة طويلة إذا ضربها شخص ما بقوة شديدة. ومن المؤكد أن الروبوتات محدودة الدور مثل شيلي لديها القدرة على تشجيع السلوك الاجتماعي والمساهمة في التطور الأخلاقي للأطفال. ولكن كيف يمكننا تجاهل مخاوفنا بشأن تعلق الطفل بالروبوت فيما لو أصبحت مسؤوليات الروبوتات غير محدودة في رعايتهم؟
يشكك مطورو الروبوتات المخصصة للأطفال بصحة تلك المخاوف، ويدفعون بالحجج القائمة على أن هذهِ الروبوتات صممت بالأساس لمساعدة الأطفال على التعامل مع المشكلات الصحية. بما في ذلك الشعور بالوحدة والعزلة المرتبطين بالمرض.
بشيء من الواقعية، وعلى الرغم من الأدلة الأولية التي تشير إلى أن التفاعل بين الأطفال والروبوتات في مجموعة متنوعة من البيئات قد يفيد الأطفال، فإن العديد من الناس يشعرون بالقلق إزاء المشاكل المحتملة التي قد تسببها مثل هذه التقنيات، وعلى سبيل المثال، تم تصميم روبوتات مثل Huggable وMy Special Aflac Duck لتهدئة الأطفال الذين يتم إدخالهم إلى المستشفى، ولكننا رصدنا حالات كثيرة يكوّن فيها الطفل ارتباط قوي بالروبوت ليصاب بالحزن أو الهلع فيما لو تعطل، حدث السيناريو نفسهُ عندما كانت هنالك حاجة لاستبدال أي روبوت، وتكرر ذلك عندما كان لزاماً على الطفل ترك الروبوت عندما يغادر المستشفى.
بعيداً عن ذلك، علينا ألا ننس أن الروبوتات، وخاصة الروبوتات التي يرتبط به الطفل عاطفياً قد تكون لديها القدرة على خداع الطفل لإنفاق المال على تحديثات برمجياتهُ أو شراء بعض المنتجات الأخرى التي تبدو مسلية.
ومن المخاوف ذات الصلة أن الأطفال الذين ينشؤون إلى جوار الروبوتات سيطورون ميول واضحة للتفاعل مع الروبوتات بدل من والديهم، بل قد يتجاوز الأمر ذلك ليصل للحد الذي يجعلهم يرفضون التواصل مع البشر بالمطلق! إن حدث ذلك فعلاً، فسنكون أمام أجيال جديدة من المنعزلين اجتماعياً.
الروبوتات المخصصة لرعاية الأطفال في المراكز الاجتماعية
في دور الحضانة أو في المراكز الترفيهية يزداد الأمر تعقيداً، فبعيداً عن كل الشعارات أو العبارات التسويقية التي تتبناها تلك المؤسسات، فإن هم القائمين عليها الأول والأخير هو تحقيق الأرباح. وبناءً على ذلك لن يكون لديهم أي رادع من الاعتماد على الروبوتات المخصصة للأطفال بشكلٍ مفرط على النحو الذي سيجعل الطفل يتعامل معها دون وجود أي تواصل مع البشر. والأخطر من ذلك هو أن بعض الإصدارات لديها القدرة على جمع المعلومات الشخصية وإرسالها عبر شبكة لاسلكية إلى الشركة المطورة لها أو ربما منظمات أخرى. لقد حدث ذلك فعلاً منذ أكثر من 7 سنوات! ففي فبراير/شباط 2017، اعتُبرت دمية My Friend Cayla جهاز تنصت غير قانوني وتم حظرها في ألمانيا.
iPal روبوت الرعاية الموجه للأطفال
بسبب جداول العمل الطويلة والتحولات الديموغرافية، تعاني الصين ومثلها اليابان من نقص حاد في مقدمي الرعاية الأسرية. وهذا ما جعل شركة AvatarMind Robot Technology تصمم الروبوت iPal، وهو روبوت بشري بحجم الطفل برأس مستدير ووجه معبر وأصابع مفصلية. وتباع النسخة القياسية من iPal مقابل 2499 دولار.
يتحدث iPal ويرقص ويلعب ويقرأ القصص ويستطيع الوصول إلى الإنترنت. ووفقاً لـ AvatarMind، يتعلم الروبوت iPal بمرور الوقت ما يحبهُ طفلك وما يكرهه. بالإضافة إلى ذلك، يوقظ iPal طفلك في الصباح ويخبره عندما يحين وقت ارتداء ملابسه أو تنظيف أسنانه أو غسل يديه. وإذا كان طفلك مصاب بمرض السكري، فسوف يذكره عندما يحين وقت فحص نسبة السكر في الدم. بناءً على كل ذلك، عليك ألا تستغرب عندما تسمع طفلك ينادي iPal بابا، أليس كذلك؟
السبل الصحية لاستخدام الروبوتات المخصصة للأطفال
بعد كل تلك المآخذ التي ناقشناها، من الضروري الاعتراف بالمخاطر المحتملة المترتبة على تفاعل الأطفال مع الروبوتات، بيد أن ذلك لا يلغي الطرق المتعددة التي قد يستفيد بها الأطفال من تفاعلهم مع الروبوتات. والحقيقة أن العامل الحاسم في تحديد السبل الصحية لاستخدام الروبوتات المخصصة للأطفال هو في أيدي المصممين والمصنعين والموزعين وغيرهم من صناع القرار. إذ يقع على عاتق هؤلاء عبء ضمان عدم تسبب تفاعلات الأطفال مع الروبوتات في خنق نمو الأطفال أو الحد من فرصهم المستقبلية.
ومن المهم أن نشير إلى وجود منظمات محلية ودولية مثل Responsible Robotics تعمل بالفعل مع صناع السياسات على رفع الوعي العام بشأن المشاكل الأخلاقية المحتملة المتعلقة بتصميم واستخدام الروبوتات وغيرها من التقنيات الناشئة.
وفيما لو تم تشريع قوانين جديدة تهدف إلى تقنين استخدام الروبوتات المخصصة للأطفال لتكون مهمتها مكملة لمهام الأهل ومقدمي الرعاية، بالإضافة إلى القوانين التي تحظر استخدام بيانات الأطفال بأي حال من الأحوال. يمكننا القول أن استخدام الروبوتات المخصصة للأطفال في حالات معينة سيعود علينا بالكثير من الفوائد. لنذكر منها أن الروبوتات قادرة على تحديد حالات إساءة المعاملة ضد الأطفال بدقة كبيرة، وتشير بعض الأدلة التي تم رصدها في حالات عديدة إلى أن الروبوتات قد تكون أفضل من البشر في جمع المعلومات من الأطفال حولَ سوءِ المعاملة. فقد أشارت دراسة أجرتها سيندي إل. بيثيل من جامعة ولاية ميسيسيبي وزملاؤها في عام 2016 إلى ميل الأطفال للتحدث عن التنمر الذي يتعرضون لهُ إلى محاور روبوتي مقارنة بالإنسان.
تقترح بعض الدراسات الأمريكية استخدام الروبوتات من قبل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وثماني سنوات بعد المدرسة، بينما ينتظرون انتهاء والديهم من العمل. وبهذه الحالة، ستكون المخاطر الناتجة عن وجود هذه الروبوتات مع الأطفال في أدنى مستوياتها.
في نهاية هذا المقال، إذا كنت والد أو إذا كنتِ والدة تبحثين عن خدمات الروبوتات المُخصصة للأطفال للاستعانة بها في تربية أطفالك، فنحن نرجوك بألا تجعل ذلك يلغي دورك ومسؤوليتك تجاههم. فإذا كان البالغون يعانون فعلًا في حالات عديدة من مشاكل التعلق بالروبوتات، فماذا قد تفعل مثل هذه العلاقات غير المتوازنة بالتطور العاطفي لطفل صغير؟ ومهما تطورت تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات ومهما حصل، فإن الحقيقة الثابتة والأكيدة والتي لن تتغير أبدًا هي أن الحب المحاكي لن يكون حبًا أبداً.
التعليقات