01/10/2024 - 16:00

الذكاء الاصطناعيّ وخسارة الوظائف: التكيّف والتكامل هو الحلّ الوحيد!

في الوقت الّذي يتوقّع فيه الملياردير الأميركيّ إيلون ماسك أنّ الذكاء الاصطناعيّ "سيستبدل البشر بشكل كلّيّ ولن يكون هناك حاجة لوظائف"، يتوقّع المؤتمر الاقتصاديّ العالميّ في تقرير عن سوق العمل والعمّال أن يوفّر الذكاء الاصطناعيّ حوالي 97 مليون فرصة عمل

الذكاء الاصطناعيّ وخسارة الوظائف: التكيّف والتكامل هو الحلّ الوحيد!

(Getty)

صرّح المدير التنفيذيّ لمنصّة الذكاء الاجتماعيّ "شات جي بي تي" سام ألتمان أنه من غير المرجّح أن يستبدل الذكاء الاصطناعيّ وظائف الكتّاب، على الأقل في المستقبل القريب. وأضاف ألتمان في مقابلة مع الكاتب ومقدم البودكاست ديفيد بيريل أنّه لا يوجد دليل أن الذكاء الاصطناعيّ "يقتل الكتابة". وحسب ألتمان فإنّ الـ "تشات بوتس" تساعد كأداة للكتاب للحصول على أفكار أصليّة وإبداعيّة، والّتي تشكّل عنصرًا أساسيًّا في عمليّة الكتابة. "هنالك الكثير من النصوص السيّئة المكتوبة باستخدام الذكاء الاصطناعيّ على الإنترنت، وهناك الكثير من الواجبات المدرسيّة الّتي كتبت بشكل شيء من قبل الذكاء الاصطناعيّ، ولكن لا أعتقد أن هذا تهديد جادّ".

وحسب تقرير "ريسومي بيلدر" على الأقل 37% من المدراء ورؤساء الأقسام صرّحوا أنّ الذكاء الاصطناعيّ بالفعل استبدل على الأقل 37% من الموظّفين. وبحسب شركة استبيان أجرته شركة "أسانا" لإدارة المشاريع للموظّفين فإنّ 29% من عملهم يمكن استبداله بالذكاء الاصطناعيّ مثل إدارة المشاريع والتعاون بينما وظائف البحث وتحليل البيانات هي التالية في عمليّة الاستبدال، ولكن على الشركات العمل على تعيين موظّفين لإدارة وتوجيه الذكاء الاصطناعيّ.

وظائف ستختفي

يزداد الاعتماد على الذكاء الاصطناعيّ مؤخّرًا إلى حد بعيد، ويعدّ نموذج "شات جي بي تي 4" أشهر تلك النماذج. لا شك في أن لائحة الوظائف الّتي يستبدلها الذكاء الاصطناعيّ ليست قصيرة. ولكنّ التغيير بدا من نوعيّة العمل المنوط بتلك الوظائف، فيتغيّر ربّما "الوصف الوظيفيّ" بدل من اختفاء الوظيفة.

سام آلتمان (Getty)

وتعدّ الوظائف الإداريّة والكتابيّة من الوظائف المهدّدة مثل موظفي الاستقبال والمساعدين الإداريين والسكرتارية وموظفي إدخال البيانات، ويرجع السبب إلى أنظمة الذكاء الاصطناعيّ الّتي ستتولّى المهامّ الإداريّة الروتينيّة مثل جدولة المواعيد وإدخال البيانات وإدارة المستندات. أدوات التعرّف على الصوت والدردشة الآليّة "تشات بوتس" بدأت تستبدل بعض الأعمال الّتي يقوم بها المساعدون البشريّون بالإضافة إلى أن برامج الأتمتة يمكنها مسح وفرز والردّ على الرسائل الإلكترونيّة، بينما المساعدون الرقميّون مثل Siri و Google Assistant يمكنهم تنفيذ المهامّ المكتبيّة البسيطة، ومن المتوقّع أن تقلّ عدد الوظائف الإداريّة البسيطة الّتي تتطلّب مهام روتينيّة، ولكن قد تستمرّ بعض الأدوار الإداريّة العليا الّتي تتطلّب اتّخاذ قرارات شخصيّة أكثر.

خدمة العملاء تأتي بالمرتبة الثانية مثل موظّفي مراكز الاتّصال؛ بسبب أن الدردشة الآليّة وأدوات خدمة العملاء المؤتمتة يمكنها التعامل مع الاستفسارات الروتينيّة للعملاء، مثل الإجابة عن الأسئلة الشائعة أو معالجة الطلبات أو حلّ المشاكل البسيطة، وتعمل أنظمة الدعم المبنيّة على الذكاء الاصطناعيّ على مدار الساعة، وتستطيع معالجة كمّيّات أكبر من الاستفسارات بتكاليف أقلّ.

وتعدّ الوظائف الّتي تتطلّب مهارات بسيطة وعالية التكرار مثل ممثّلي خدمة العملاء عرضة للاختفاء تمامًا باستثناء الحاجة إلى الممثّلين البشريّين للتعامل مع المسائل المعقّدة أو الّتي تتطلّب "تعاطفًا" بشريًّا.

وظائف التجزئة من الوظائف المهدّدة أيضًا مثل أمين الصندوق "الكاشير" وموظّفي ترتيب الأرفف وموظّفي الطلبات. وتعدّ أنظمة الدفع الذاتيّة والمتاجر المؤتمتة بالكامل مثل "أمازون جو" من الأمثلة على انعدام الحاجة إلى وظيفة أمين الصندوق، بينما يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعيّ المؤتمتة إدارة المخزن واستلام الطلبات والتعامل مع استفسارات العملاء عبر الإنترنت. وقد تقلّص عدد الوظائف الّتي تتطلّب مهامّ بسيطة مثل مسح البضائع والتعامل مع المدفوعات، ويتوقّع أن ينتقل الموظّفون البشريّون إلى أدوار تركّز على تحسين تجربة العملاء أو إدارة عمليّات المتجر.

(Getty)

وظائف النقل والتوصيل مثل سائقي الشاحنات والتاكسي وعمّال التوصيل ستتأثر أيضًا بفعل تطوير السيّارات ذاتيّة القيادة، والّتي يمكن أن تحدث تحوّلًا كبيرًا في صناعة النقل والتوصيل. مثلًا، الشاحنات ذاتيّة القيادة والطائرات بدون طيّار تختبر بالفعل لأغراض التوصيل، وتستثمر شركات مثل "وايمو" و"تسلا" و"أوبر" إلى حد بعيد في تكنولوجيا القيادة الذاتيّة. إذا أصبحت التكنولوجيا ذاتيّة القيادة قابلة للتطبيق بالكامل، فقد تتعرّض وظائف سائقي الشاحنات، وخدمات النقل التشاركيّ، وعمّال التوصيل للخطر.

أمّا وظائف التصنيع والتخزين مثل عمّال خطوط الإنتاج ومشغّلي الآلات وعمّال المستودعات، فستقوم الروبوتات والآلات المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ بتولّي المهامّ الروتينيّة والمتكرّرة مثل تجميع المنتجات أو فرزها. شركات مثل "تسلا" و"أمازون" تعتمد بالفعل على الأتمتّة المتقدّمة لتقليل الاعتماد على العمالة البشريّة في المهامّ اليدويّة خاصّة. الوظائف ذات المهارات المنخفضة في المصانع والمستودعات قد تكون معرّضة لخطر كبير.

الوظائف الماليّة والمحاسبيّة مثل المحاسبين ومسؤولي القروض والمحلّلين الماليّين ستتأثّر أيضًا، إذ يمكن للذكاء الاصطناعيّ أتمتة العديد من المهامّ الماليّة الروتينيّة مثل مسك الدفاتر وإعداد الضرائب والتقارير الماليّة. الخوارزميّات تستخدم بالفعل حاليًّا في تقييم المخاطر واتّخاذ قرارات القروض والتأمين، وقد تقلّص الوظائف الأساسيّة في المحاسبة والمجالات الماليّة مع تبنّي الشركات لأنظمة إدارة ماليّة مدعومة بالذكاء الاصطناعيّ.

الوظائف القانونيّة مثل مساعدي المحامين وحتّى المحامين المبتدئين ستتأثّر أيضًا، إذ يستخدم الذكاء الاصطناعيّ لأتمتّة صياغة العقود والبحث القانونيّ ومراجعة المستندات، ويمكن للبرامج في الوقت الحاليّ البحث في كمّيّات هائلة من القوانين أو الوثائق القانونيّة بشكل أسرع إلى حد بعيد من البشر؛ ممّا يشكّل ميزة كبيرة لاختصار الوقت والجهد. وقد تتقلّص وظائف مساعدي المحامين وبعض الوظائف المبتدئة حيث تصبح أدوات الذكاء الاصطناعيّ أكثر كفاءة.

الإعلام وصناعة المحتوى مثل الصحفيّين وكتّاب المحتوى ومحرّري الفيديو ومصمّمي الجرافيك سيطالهم التغيير أيضًا. أدوات الذكاء الاصطناعيّ يمكنها الآن إنشاء تقارير إخباريّة بسيطة، كتابة مقالات، وحتّى إنشاء مقاطع فيديو أو رسوم جرافيكيّة بسيطة. على سبيل المثال، تستخدم وكالات الأنباء مثل "أسوشيتد برس" الذكاء الاصطناعيّ لكتابة تقارير الأرباح، ويمكن لأدوات مثل "تشات جي بي تي" أن تكتب مقالات، أو تلخّص محتوى معيّن. كذلك، يمكن للذكاء الاصطناعيّ تحرير مقاطع الفيديو وإنشاء "الفنّ الرقميّ" بجهد بشريّ قليل أو معدوم أحيانًا.

وظائف الدعم الصحّيّ مثل كتابة الوصفات الطبّيّة وفنيين الأشعّة والتشخيص لم تسلم! الذكاء الاصطناعيّ يتقدّم بسرعة مذهلة في تفسير البيانات الطبّيّة مثل قراءة الأشعّة السينيّة أو نتائج التصوير بالرنين المغناطيسيّ، وتقوم المؤسّسات حاليًّا بتدريب الخوارزميّات المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ للكشف عن الحالات الطبّيّة بشكل أسرع وأكثر دقّة من البشر.

التداول وأسواق الأسهم تحت الضغط أيضًا، إذ تقوم الخوارزميّات المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ بتداول الأسهم والأوراق الماليّة بشكل أفضل من البشر في العديد من الحالات، حيث تعتمد على البيانات السوقيّة في الوقت الحقيقيّ. التداول عالي التردّد (high-frequency trading) ونماذج الذكاء الاصطناعيّ الكمّيّة يمكنها تحليل كمّيّات ضخمة من البيانات الماليّة وتنفيذ الصفقات بسرعة فائقة. حاليًّا يشكّل التداول بالاعتماد على الذكاء الاصطناعيّ حوالي 60% إلى 70% من عمليّات بيع وشراء الأسهم في الولايات المتّحدة الأميركيّة!

وظائف التسويق عبر الهاتف والمبيعات مثل موظفي التسويق عبر الهاتف وموظّفين المبيعات بالتجزئة ستختفي، إذ يمكن لمنصّات المبيعات المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ أتمتّة المكالمات التسويقيّة الخارجيّة، الحملات البريديّة المخصّصة، وحتّى توصيات المنتجات على مواقع التجارة الإلكترونيّة. وقد يتقلّص عدد الوظائف الّتي تعتمد على المكالمات أو الأنشطة البسيطة المتعلّقة بالبيع حيث تتولّى الأنظمة المؤتمتة التعامل مع تفاعلات العملاء بشكل أكثر كفاءة.

ومع ذلك، يعتقد العديد من الخبراء أنّه وعلى الرغم من أنّ هذه المهامّ قد تكون آليّة، إلّا أنّ فرصًا جديدة ستظهر في مجالات مثل صيانة الذكاء الاصطناعيّ، والمجالات الإبداعيّة، والأدوار الّتي تركّز على الإنسان، والقطاعات الّتي تتطلّب التعاطف، والذكاء العاطفيّ، واتّخاذ القرارات المعقّدة. وسيكون الحلّ هو أن يتكيّف العمّال، ويحسنوا من مهاراتهم، ويضطلعوا بأدوار تكمل الذكاء الاصطناعيّ، بدلًا من التنافس معه.

الوظائف الجديدة

في الوقت الذي يهدّد فيه الذكاء الاصطناعيّ الكثير من الوظائف تخرج وظائف أخرى. تلك الوظائف وبالرغم من أنّها تتمحور حول الذكاء الاصطناعيّ، إلّا أنّها توفّر تجربة تكامليّة بين البشر والآلة. من تلك الوظائف متخصّصو الذكاء الاصطناعيّ وتعلّم الآلة مثل مهندسي الذكاء الاصطناعيّ وباحثي تعلّم الآلة والمتخصّصين أخلاقيّات الذكاء الاصطناعيّ، وذلك لحاجة السوق إلى خبراء قادرين على تصميم وتطوير وصيانة أنظمة الذكاء الاصطناعيّ. علماء البيانات ومحللو البيانات سيزداد الطلب عليهم، إذ تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعيّ بشكل كبير على البيانات. ستحتاج الشركات إلى خبراء قادرين على جمع وتنظيف وتحليل البيانات لتحسين الأداء واتّخاذ قرارات صحيحة تصبّ في مصلحة العمل بالإضافة إلى خبراء أخلاقيّات وحوكمة الذكاء الاصطناعيّ مثل مسؤولي الامتثال والمستشارين السياسيّين لارتفاع الطلب عليهما مع توسّع استخدام الذكاء الاصطناعيّ في مجالات مثل التوظيف والقضاء والرعاية الصحّيّة، فتصبح الجوانب الأخلاقيّة لهذا الاستخدام حاسمة ومهمّة.

مهندسو الروبوتات والفنّيّون والمتخصصون في الأتمتة ومطورو الأتمتة للعمليّات الروبوتيّة (RPA) بسبب انتشار الروبوتات في التصنيع والرعاية الصحّيّة واللوجستيّات، ستزداد الحاجة إليهم لبناء وصيانة هذه الروبوتات.

ومن الوظائف الأخرى ستكون لمتخصصي التفاعل بين الإنسان والذكاء الاصطناعيّ، متخصصي الرعاية الصحّيّة المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ وخبراء المعلوماتيّة الحيويّة ومتخصصي الطبّ عن بعد، بالإضافة إلى مبتكري التكنولوجيا الخضراء والاستدامة مع ارتفاع التقارير الّتي تشير إلى الاحتباس الحراريّ والتغيّر المناخيّ وخطورته.

إيلون ماسك (Getty)

وبسبب الواقع الّذي فرضته جائحة كورونا وتغيير أنظمة العمل، فإنّ الحاجة إلى خبراء العمل عن بعد والتعاون الافتراضيّ تزداد مع ظهور الذكاء الاصطناعيّ لتقليل الكلف على الشركات. وأخيرًا الاستراتيجيّون المختصّون الأعمال المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ والأدوار الإبداعيّة المعزّزة بالذكاء الاصطناعيّ، وتعدّ وظائف الأمن السيبرانيّ مثل المتخصّصين في أمن الذكاء الاصطناعيّ والقراصنة الأخلاقيّين ومحللي الأمن السيبرانيّ من أهمّ الوظائف الحديثة لضمان سلامة البيانات والحماية ضدّ الهجمات السيبرانيّة.

الظلام ليس حالكًا جدًّا

بشكل عامّ، تاريخيًّا تعامل البشر بحذر كبير مع التطوّرات التقنيّة الحديثة. في ثمانينات القرن الماضي تعامل الناس بحذر شديد عند اختراع آلات البيع بالتجزئة واختراع الـ "بار كود" الّذي يتمّ مسحه قراءة بيانات المنتج، وتكرّر ذلك السلوك عند اختراع "مايكروسوفت إيكسيل" أيضًا، وتمّ وصف الحالة أحيانا بالـ "هستيريا" والخوف من اختفاء الوظائف واستبدال البشر بالآلات.

ولكنّ الظلام ليس حالكًا جدًّا. ففي الوقت الّذي يتوقّع فيه الملياردير الأميركيّ إيلون ماسك أنّ الذكاء الاصطناعيّ "سيستبدل البشر بشكل كلّيّ ولن يكون هناك حاجة لوظائف"، يتوقّع المؤتمر الاقتصاديّ العالميّ في تقرير عن سوق العمل والعمّال أن يوفّر الذكاء الاصطناعيّ حوالي 97 مليون فرصة عمل مع تطوّره. ولكنّ تلك الفرص تأتي بمتطلّبات مثل تحسين وتطوير مهارات العاملين وبناء قوى عاملة مرنة وقادرة على التكيّف مع الوضع الجديد والاستعداد لمستقبل يعتمد على الذكاء الاصطناعيّ، إذ يجب على المنظّمات والحكومات إعطاء الأولويّة لمبادرات تحسين المهارات. ومن خلال الاستثمار في برامج التدريب الشاملة بحيث يمكن للعاملين اكتساب المهارات اللازمة للعمل جنبًا إلى جنب مع تقنيّات الذكاء الاصطناعيّ والاستفادة من إمكاناتهم.

التعليقات