31/10/2010 - 11:02

"الحياة" في زمن الاحتلال... نابلس مثالاً!

مثالاً حياً على ما يواجهه المواطنون في محافظة نابلس من اعتداءات تعمد الاحتلال من خلالها إيذاءهم وإذلالهم بما ينتهك كافة القوانين والمواثيق الدولية

في كثير من الأحيان تغفل وسائل الإعلام- بقصد أو دون قصد- عند تغطيتها للأحداث المأساوية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال الغاشم، عن جرائم لا يجب أن تمر دون إعطاءها حقها من النشر.

وترى مثالاً حياً على ذلك ما يواجهه المواطنون في محافظة نابلس- على سبيل المثال لا الحصر- من اعتداءات تعمد الاحتلال من خلالها إيذاءهم وإذلالهم بما ينتهك كافة القوانين والمواثيق الدولية التي أكدت حق الإنسان في حرية التنقل والحركة وفي السكن وفي عدم تعريض حياته للخطرواستهدافه، وخاصة في ظل الاحتلال.

لعل من أكثر الاعتداءات تكراراً خلال فترة الانتفاضة وحتى ما قبلها، هي اقتحام منازل المواطنين، التي نال منها سكان نابلس "نصيباً وافراً".

فخلال كل اجتياح كانت مئات المنازل تتعرض لهجوم من قبل جنود الاحتلال الذين "يفضّلون" دخول تلك المنازل عبر جدرانها بعد تفجيرها أو عبر أبوابها إما بالتفجير أو بعد تحطيمها دون مراعاة لحرمة تلك المنازل.

يقتحم الجنود المنزل، يحتجزون السكان في إحدى الغرف مع رفض أي طلب منهم لقضاء لمتطلباتهم المعيشية بإعداد الطعام للأطفال الرضع على الأقل أو دخول الحمّام لقضاء الحاجة، ناهيك عن حالة من الذعر تدبّ في نفوس النساء والأطفال خوفاً من بطش الاحتلال وغدره.

خلال ذلك، يعيث الجنود في محتويات المنزل فساداً ويقلبون "عاليها سافلها"، من خلط للمواد الغذائية وإلقاء مخلفاتهم أو مخلفات كلابهم على ممتلكات المواطنين، وتمر الساعات وجنود الاحتلال يتمركزون في ذلك المنزل متربصين بالسكان داخل وخارج المنزل، بالطبع مع الضرب والتنكيل والتحقيقات الميدانية، حول ابن العائلة الفلاني أو قريب العائلة "المطلوب".

وقد ينتهي الأمر باعتقال رب الأسرة أو أحد الأبناء أو كليهما، وفي بعض الأحيان والدته وأشقاؤه، لعدة أيام أو إلى إشعار آخر لا يعرف مداه، للضغط على العائلة، وأحياناً ينتهي بنسف المنزل على محتوياته بعد إخراج ساكنيه، الذي يلتحفون العراء بعد ذلك، أو حتى نسفه عليهم في بعض الحالات، كما في الاجتياحات المتكررة لمدن الضفة الغربية ومنها نابلس.


جاءت محنة عائلة "الشعبي" دليلاً واضحاً على بطش الاحتلال في فترة الاجتياح الذي تعرضت له نابلس في نيسان 2002، فقد فقدت هذه العائلة ثمانية من أفرادها، وبقي منهم المواطن عبد الله الشعبي(65)عاماً، وزوجته شمسة الطحان (57)عاماً على قيد الحياة، على الرغم من بقائهم لمدة أسبوع كامل تحت ركام منزلهم المكون من ثلاثة طوابق، والذي هدمته قوات الاحتلال في الخامس من نيسان على من فيه.

وكانت العائلة المكونة من 10 أفراد هم: الناجيين المسنين عبدالله وزوجته، والشهداء: شقيقه عمر (85)عاماً، وابنتا عمر: فاطمة (55)عاماً، وعبير (35)عاماً، وابنه سمير (47)عاماً، وزوجته نبيلة(37)عاماً، وأبناؤهما عبد الله (8)أعوام، عزام (7)أعوام، وأنس (4)أعوام، تجتمع متماسكة مترقبة لأي عدوان على المنزل. الأمهات كنّ يحتضن أولادهن ويحاولن تهدئتهم، والرجال كانوا بينهم يحاولون تأمين الأمان ما استطاعوا لعائلتهم، حتى جاءت الدبابات الإسرائيلية لتنشر الدمار وهدمت المنزل وعدداً من المنازل المجاورة على من فيها.

وخلال التنقيب عن ناجين تحت أنقاض المنازل بعد رفع حظر التجول في اليوم العاشر للاجتياح عن البلدة القديمة، وجد المسن وزوجته تحت أنقاض منزلهما المدمر، دون ماء ولا طعام ولا يميزون الليل من النهار فقد كانوا يعيشون في ظلام دامس طوال تلك الفترة.

وكان الباحثون عن الضحايا، قد وجدوا في وقت سابق ما تبقى من أشلاء شهداء العائلة الأطفال والنساء، وكانت الأمهات قد لقين حتفهن وهن يحتضن أولادهن، والجثامين بدأت في التحلل.

ونقل الناجيان إلى المستشفى لتلقي العلاج من الجفاف وبعض الرضوض التي تعرضوا لها خلال المأساة التي شهدوها.

مثال آخر..

كانت عائلة القادري كغيرها من العائلات الفلسطينية تنشد الأمن والطمأنينة في زمن سرق فيه الاحتلال الفرحة، لكنها خلال الاجتياح الواسع في شهر نيسان 2002 شهدت تجربة مريرة بعد اقتحام عمارتهم السكنية من قبل جنود الاحتلال المدججين بالسلاح.

وذكرت المواطنة م. القادري، لمراسلة المركز الصحافي الدولي في الهيئة العامة للاستعلامات في نابلس، أن الجنود احتجزوا أفراد عائلتها الذين يتجاوز عددهم الثلاثين شخصاً في غرفة واحدة واستغلوا باقي العمارة السكنية التي كانوا يقطنون بها كثكنة عسكرية احتجزوا بها أعداداً كبيرة من المواطنين الذين اعتقلوا من البلدة القديمة تلك الفترة.

وأوضحت القادري أنهم لم يتمكنوا من استخدام الحمّام لمدة عشرة أيام متواصلة، مضيفة أنهم اكتفوا بأكل "الشوربة" التي تحضرها إحدى نساء العائلة بعد الزحف "خلسة" إلى المطبخ.

وقالت إن الجنود انسحبوا من العمارة خلال فترة رفع حظر التجوال عن البلدة بعد عشرة أيام، ومن ثم أعادوا احتلالها بعد 15 ساعة.

وذكرت أن أفراد العائلة كانوا مذهولين لبقائهم أحياء بعد كل هذه المعاناة، وأشارت إلى أن الجنود كانوا يطلقون النار بشكل عشوائي داخل العمارة وفي محيطه، بالإضافة إلى إطلاق القنابل الصوتية وقنابل الغاز بشكل مستمر.

وقالت إن ما شاهدوه بعد تفقدهم لباقي شقق العمارة أن المكان كان قذراً جداً فقد ألقى الجنود بمخلفاتهم في كل مكان واستخدموا الملابس في تنظيف أحذيتهم وفي المطبخ، وأضافت: "لقد جعنا في بيتنا، بينما كانوا يأكلون مخزوننا من الجبنة والزيت والزيتون والخبز،...".

وتابعت مستهجنة إنه "وبعد خمسة أيام من احتلالهم للعمارة تكرموا علينا وأعطونا بعض القطع من الجبنة، لم نقبل بها خوفاً من أن تكون غير نظيفة".

والإذلال على الطرق والحواجز شكل لا يقل قسوة عن سابقه فكل منهما له خصوصية في انتهاك حقوق الإنسان في حرية التنقل والحركة.

فعلى الطرق يواجه المواطنون أسوأ الإهانات، ومن ذلك ما حصل مع أحد المواطنين خلال شهر نيسان 2002م، حيث أجبره جنود الاحتلال على خلع ملابسه كاملة في البرد القارس، في منطقة جامعة النجاح في المدينة.

وفوق ذلك أجبروه تحت تهديد السلاح بانتحال صفة "الكلب" في مشيته وطريقة نباحه، مما تسبب له بحالة تشنج ونوبة عصبية شديدة تم تحويله بعدها إلى أحد مستشفيات المدينة بعد أن سمح الجنود لأحد سكان العمارات بتغطيته ببطانية، وعزوا فعلتهم البشعة إلى أن المواطن كسر "الأوامر العسكرية" بحظر التجوال عن المدينة.



أما عن الحواجز العسكرية "فحدّث ولا حرج"، فقصصها لا تنتهي، فعلى الحواجز تم رسم أوشام وأرقام على أذرع المواطنين ووجوههم، ويكون ذلك أحياناً بالكيّ أو الحفر.

وكذلك ابتدع جنود الاحتلال على الحواجز سياسة تكسير الأعضاء البشرية "بالقرعة"، فتصبح مخيراً بين أن تكسر قدمك أو يدك أو كتفك،...، ولا تجد دون ذلك مهرباً.



ومن ذلك، ما رواه أحد طلبة جامعة النجاح عن حادثة تعرض لها على أحد الحواجز حين "حفر" أحد الجنود "نجمة داود" على ذراعه في شهر حزيران الماضي، وذلك حسب ما ادعاه الجندي "انتقاماً من كل فلسطيني فكر في تنفيذ عملية" فدائية.



وتزايدت نسبة المواطنات اللاتي يضعن مواليدهنّ على الحواجز، وفي نابلس تكررت هذه الحادثة مرات عدة، ومنها حالة المواطنة رولا غازي الغول (32عاماً)، من قرية سالم، والتي وضعت مولودها بتاريخ (18/8) الماضي على حاجز بيت فوريك بعد منعها من المرور.

وتوفيت المولودة خلال عملية الولادة التي تمت على التراب والحجارة بمساعدة زوجها المواطن داود محمود اشتية.

وروى شقيق الزوج أن داود توجه مع زوجته إلى الحاجز بعد اتصاله بسيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني، وبعد ربع ساعة بدأت علامات الولادة، فناشد الزوج الجنود المتواجدين على الحاجز للسماح لهم بالمرور، وسط رفض شديد منهم.

وبعد أن فقد الزوج الأمل بدأ بمساعدة زوجته على وضع مولودته التي توفيت بعد ولادتها بلحظات.



وعلى نفس الحاجز المذكور، احتجزت قوات الاحتلال المواطنة فتحية صادق (44عاماً)، وطفليها أمجد (12عاماً)، وأحمد يحيى مليطات(9أعوام)، من الساعة الثالثة فجراً إلى ظهر يوم (13/8)، وكانوا قد داهموا في وقت سابق منزلهم بهدف اعتقال ابنها التي تدعي سلطات الاحتلال أنه مطلوب لديها، الذي اعتقل في ساعة مبكرة من ذات اليوم.

ورفض الجنود على الحاجز إطلاق سراح المحتجزين إلا بعد تدخل الصليب الأحمر، وذكرت المواطنة فتحية أن جنود الاحتلال منعوها وأطفالها من التحرك، وحرموهم من شرب الماء طوال الساعات الثمانية التي قضوها رهن الاحتجاز جالسين على الأرض.



وأثناء قيادة المواطن عدنان حافظ صلاحات سيارته بتاريخ (25/5) الماضي، على طريق قرية "وادي الباذان" ناقلاً امرأة عجوزاً، مريضة بالقلب، إلى مستشفى المدينة، استوقفه جنود الاحتلال على الطريق واحتجزوا سيارته، التي أطلقوا عليها النار وكسروا زجاجها وثقبت إطاراتها بالكامل، دون مراعاة لحالة المريضة السيئة، وبعد ساعات من الاحتجاز تدخل الصليب الأحمر لينقل المريضة التي تدهورت حالتها كثيراً.



دروع بشرية..

ففي أوائل شهر أيار الماضي استخدم جنود الاحتلال عائلة استيتية درعاً بشرياً بعد مداهمة منزلهم في ساعات الفجر، وأجبروهم على مرافقتهم لبيت مهجور يعود لآل النجار، غرب البلدة القديمة لاستخدامه ثكنة عسكرية، وذلك بحجة "حماية" الجنود.

وأجبروا الأب والأم وأطفالهما الثلاثة، أحدهم رضيع لم يتجاوز شهره الثامن، على التواجد مع الجنود لمدة تسعة ساعات متواصلة دون السماح لهم بأخذ شئ معهم، حتى حليب الأطفال.

وتمكنت العائلة بعد فترة من احتجازها من الاتصال بالجيران الذين سرعان ما اتصلوا بلجان الطوارئ والصليب الأحمر لإنقاذها، وفي حين كان الأطفال يتضورون جوعاً، كان الجنود يأكلون ويشربون على مرأى منهم دون أي وازع إنساني، في منزل مهجور لا تتوافر فيه أدنى المتطلبات الحياتية.



وفي يوم (21/1) الماضي، استخدم جنود الاحتلال فتيين دروعاً بشرية في مدينة نابلس، حيث وضعوهما على مقدمة سيارة عسكرية إسرائيلية بذريعة حماية الجنود من الهجوم.

وبينما كان الصحافيان جعفر اشتية، مصور وكالة "أسوشييتد برس"، وناصر اشتية، مصور وكالة "فرانس برس"، يحاولان تصوير الجريمة، تعرض الجنود للصحافيين بالضرب والتنكيل، مما تسبب بإصابتهما برضوض في مختلف أنحاء جسميهما، وتم تهديدهما بالقتل.

وقبل ذلك بحوالي شهرين، وتحديداً في يوم 26/11/2002، أصيب الصحافي علاء بدارنة، مراسل صحيفة القدس العربي اللندنية، بحجر في قدمه جراء استخدامه من قبل جنود الاحتلال درعاً بشرياً مع مجموعة من الصحافيين في مواجهة صبية كانوا يلقون الحجارة على الجنود في المدينة.


________________________
عن المركز الصحافي الدولي






التعليقات