مفاتيح المنازل | "رمز الأمل" لعائلات غزة في العودة

تحتفظ بمفاتيح منزلها في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة وبالنسبة لها ترمز تلك المفاتيح لـ "السلامة والاستقرار والحرية، إنها مثل هويتي" تقول النازحة علا.

مفاتيح المنازل |

(مفاتيح المنازل.. رمز الأمل لعائلات غزة في العودة)

بسلسلة مفاتيحه، يحتفظ حسن نوفل بمفاتيح منزلين؛ أحدهما لمنزل أجداده في ما يعرف الآن بجنوب إسرائيل، حيث طردت العصابات الصهيونية الإرهابية عائلته منه عام 1948، ولم يتمكنوا من العودة إليه، والمفتاح الآخر هو لمنزله في شمال غزة، الذي اضطر إلى الفرار منه، بعدما بدأت دولة الاحتلال الإسرائيلي حربها المدمرة على القطاع في السابع من أكتوبر 2023.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

على مدى ما يقرب من تسعة أشهر منذ ذلك الحين، نزح نوفل وعائلته أربع مرات، المرة تلو الأخرى، داخل قطاع غزة، فرارًا من الهجمات الإسرائيلية، ويقول إنه عازم على ألا يصبح مفتاح بيته في شمال غزة "مجرد تذكار مثل بيت أجداده".

الحرب التدميرية على غزة أدت إلى نزوح نحو مليون وتسعمائة ألف من سكان القطاع البالغ عددهم مليونين وثلاثمائة ألف قبل الحرب، من منازلهم.

معظمهم اضطر للنزوح عدة مرات منذ ذلك الحين، عبر القطاع، بعد سلسلة من الهجمات البرية و"العمليات العسكرية" التي تنفذها قوات الاحتلال في ذات المناطق التي تعرضت لاجتياح مرارًا وتكرارًا.

كل مرة كانت تعني للأهالي انتقالاً مؤلمًا آخرًا إلى موقع جديد وملاجئ جديدة مؤقتة- سواء إلى منازل الأقارب، أو مدارس تابعة للأمم المتحدة، أو مخيمات لاجئين ومراكز لجوء تعاني من انعدام أبسط مقومات الحياة ومن ازدحام شديد.

عانت الأسر الأمرين للبقاء معًا، والاحتفاظ ببعض الممتلكات، وفي كل موقع جديد، كان يتعين عليهم البحث من جديد عن مصادر جديدة للطعام والماء والعلاج وعن خيام تأويهم.

جميع سكان غزة تقريبًا يتكدسون الآن في "منطقة إنسانية آمنة"، كما تسميها دولة الاحتلال، في منطقة المواصي، التي تغطي نحو ستين كيلو متر مربع على ساحل البحر المتوسط.

ورغم إعلان إسرائيل أن المنطقة "آمنة"، فإنها تواصل شن غاراتها الجوية القاتلة هناك مستهدفة النازحين لإجبارهم على "النزوح تلو النزوح".

ظروف مزرية في مخيمات المواصي المترامي الأطراف بخيامه المتداعية التي أقامها النازحون، وبمعظمها من أغطية بلاستيكية وبطانيات ترتكز على عصي.

وفي ظل الافتقار إلى أنظمة صرف، تعيش الأسر وسط برك من مياه الصرف الصحي، بما تحويه من تلوث ومخاطر على الصحة، ولا تحصل سوى على نذر يسير من المياه الصالحة للشرب أو المساعدات الإنسانية.

نوفل، وهو موظف في السلطة الفلسطينية، يبلغ من العمر 53 عامًا، يوضّح في تقرير لوكالة "الأسوشيتدبرس" أنه فرَّ مع زوجته وأطفاله الستة من مخيم جباليا للاجئين شمالي القطاع في تشرين أول/ أكتوبر، وتوجهوا أولاً إلى مدينة دير البلح بوسط القطاع، ثم إلى مدينة رفح في أقصى جنوب غزة، قبل أن يضطر وأسرته للفرار مرة أخرى عندما شنت قوات الاحتلال هجومًا هناك في أيار/ مايو، وانتقلوا إلى خانيونس، ثم فروا من خانيونس إلى خيمة في المواصي.

"مغادرة جباليا هي الأصعب"

يقول نوفل إن الخطوة الأولى، وهي مغادرة منزله في جباليا، كانت الأصعب، ويحمل سلسلة مفاتيح بها مفتاح منزله ومفتاح منزل أجداده في ما كان في السابق قرية حليقات وهي قرية فلسطينية من قضاء غزة دمّرت وشرد أهلها في حرب عام 1948 وتقع على طريق كوكبا - برير - غزة خارج ما يعرف الآن بغزة.

لم يبق شيء من حليقات، حيث استولت العصابات الصهيونية على القرية والقرى المجاورة لها أوائل عام 1948، وأُجبر سكانها على الرحيل.

"لها قيمة رمزية ثمينة"

تعتبر مثل هذه المفاتيح القديمة ممتلكات ثمينة لأحفاد الفلسطينيين الذين طردوا أو فروا خلال النبكة بأعقاب تأسيس دولة إسرائيل.

والآن، وفي مشهد ومآسي تعيد نفسها، يخشى كثيرون في غزة من عدم السماح لهم بالعودة إلى منازلهم بعد هذه الحرب، كما حدث في الحرب الماضية.

"بمثابة هويتي"

علا نصار تحتفظ هي الأخرى بمفاتيح منزلها في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة. بالنسبة لها، ترمز تلك المفاتيح لـ "السلامة والاستقرار والحرية، إنها مثل هويتي"، تقول بحسب تقرير "الأسوشيتدبرس".

وتوضّح أن عائلتها كانت قد انتقلت للتو إلى المنزل الذي يحتوي على مطبخ تم تجديده حديثًا عندما بدأت إسرائيل حربها على غزة.

والآن احترق المنزل، تقول، بالإضافة إلى الملابس التي اضطرت إلى تركها وراءها عندما اضطروا إلى الفرار من "القصف العشوائي العنيف والغارات التي لم تتوقف" في تشرين أول/ أكتوبر.

"سبع مرات"

تفتقد علا مجموعة عزيزة على قلبها من الأطباق التي كانت هدية من شقيقها وتحطمت خلال غارة جوية، وتقول إنها نزحت مع زوجها وأطفالهما الثلاثة سبع مرات خلال الحرب، من مدينة إلى أخرى، وآخر مرة كانت من رفح إلى مأواهم الحالي، خيمة في المواصي.

وتتابع: "كل نزوح شهدناه كان صعبًا لأن التأقلم عليه يستغرق وقتًا، بحلول الوقت الذي نتأقلم فيه، يتعين علينا التحرك مرة أخرى.. هناك أيام كنا نتناول فيها وجبة واحدة فقط".

وعندما سارعوا لمغادرة منازلهم، ترك كثير من النازحين كل ممتلكاتهم تقريبًا، ولم يحملوا سوى بعض الضروريات.

"لم أحمل غير مفتاح منزلي"

تقول نور المهدي إنها لم تحمل سوى مفاتيح منزلها، وسند ملكية شقتها، وألبوم صور أطفالها السبعة، تلف لاحقًا بسبب المطر، وقالت إنها استخدمته لإشعال النار للطهي به.

عمر فياض يحتفظ بصورة لابنته وصورة لنفسه عندما كان عمره عشر سنوات، ولكن بعد عدة تنقلات -"كل مكان أسوأ من الآخر"- تمنى لو أنه لم يغادر منزله أبدا. ويقول إنه يشتاق إلى منزله في بيت حانون شمالي غزة.

"تشتت عائلتي"

محمد الأشقر، وهو من بيت لاهيا، يقول إنه نزح ست مرات مع بناته الأربع وأبنائه الأربعة وأحفاده، وعلى طول الطريق، تفرق أفراد العائلة.

بقي شقيق الأشقر في الشمال لأن زوجته كانت حاملاً، ولم تكن حالتها الصحية تساعدها على التحرك. وبعد فترة وجيزة، أصيبت بشظية من غارة جوية في رأسها فاستشهدت، ولكن تم إنقاذ الجنين.

وتوجه أحد أبناء الأشقر إلى مخيم النصيرات وسط قطاع غزة للإقامة في منزل عائلة زوجته.

أما الأبن الأصغر فقد كان في المطبخ يطهو الطعام ذات يوم عندما ضربت غارة جوية المنزل، ما أسفر عن استشهاد زوجته وأربعة من أطفاله في غرفة المعيشة، وبترت ساق الأبن، والآن يعيش اثنان من أبنائه الباقين على قيد الحياة معه.

كما استشهد ابن آخر في غارة منفصلة في النصيرات.

ليست الممتلكات هي ما يفتقده الرجل البالغ من العمر ثلاثة وستين عامًا "لا يوجد ما نبكي عليه بعد أن تركنا كل شيء وراءنا، ورؤية كل هؤلاء الشهداء وكل هذه المعاناة"، يوضح في تقرير "الأسوشيتدبرس"، المشار إليه أعلاه.

التعليقات