في أولى ساعات، فجر الإثنين، وبينما كان الصحافيون الفلسطينيون الذين يتخذون من مستشفى ناصر بغزة الطبي مقرا للعمل، يستعدون لتغطية مجازر إسرائيلية جديدة، سقط صاروخ على خيمة كانت تؤوي عددا منهم محولا المكان إلى ما يشبه بالمحرقة.
ويلجأ صحافيو غزة إلى العمل من المستشفيات لتوفر شبكات الكهرباء والإنترنت، والتي يعاني القطاع من توقفها منذ بداية حرب الإبادة الجماعية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
القصف الإسرائيلي لخيمة الصحافيين تسبب في مقتل صحافيين اثنين؛ بينهما الصحافي أحمد منصور، الذي توفي متأثرا بجراح أصيب بها جراء القصف والنيران التي التهمت جسده إثر احتراق الخيمة لحظة الاستهداف.
إلى جانب ذلك أصيب 9 صحافيين آخرين في ذات القصف، وفق بيان للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة، الذي ندد بجريمة "الاستهداف المباشر" لصحافيي القطاع والذي اعتبره انتهاكا للأعراف الدولية بهدف طمس الرواية الفلسطينية وجرائم الاحتلال.
ومنذ بدء الإبادة الجماعية على القطاع، قتل الاحتلال الإسرائيلي 211 صحافيا يعملون في مناطق مختلفة من غزة، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي.
"سنواصل الرسالة"
الصحافي عبد الله العطار، المصور المتعاون مع عدة وكالات محلية ودولية، أصيب بعدد من شظايا الصاروخ الذي استهدف خيمة الصحافيين، في مناطق مختلفة من جسده.
وقال العطار، للأناضول، بينما كان يستلقي على سريره بمستشفى ناصر، إنه أصيب بعدة شظايا في مناطق مختلفة من جسده؛ أخطرها في الكبد، حيث ما زالت شظيتين موجودتان هناك.
وبينما يحاول التقاط أنفاسه بصعوبة بسبب شدة الإصابة، يؤكد أن القصف الإسرائيلي الذي استهدفهم لن يثنيهم عن أداء واجبهم الإنساني في نقل الحقيقة للعالم.
وشدد العطار، على أنه رغم الاستهداف والاغتيال الإسرائيلي للصحافيين فإنهم لن يتركوا "القلم والكاميرا".
وتابع أنهم سيعدون بناء الخيمة والعمل مجددا لإيصال الرسالة والحقيقة للعالم.
لحظة الاستهداف
وعن لحظة الاستهداف، قال العطار إن الصحافيين في قطاع غزة اعتادوا خلال أشهر الإبادة على العمل من داخل المستشفيات لتوفر شبكات الإنترنت والكهرباء فيها.
وأضاف أنهم في فجر ذلك اليوم، عادوا إلى خيمة العمل في مستشفى ناصر، من أجل إرسال مواد مصورة حول مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصف منزل مأهول وسط مدينة خان يونس في حينه.
وأكمل العطار: "لم تكن دقائق حتى وأنهينا هذا العمل وبدأنا بتناول الطعام بعد مرور ساعات طويلة لم نأكل فيها شيئا".
ثوان حتى انقلب كل شيء، "كأنه زلزال رفعني وشعرت بشيء ينفجر في بطني ووجهي وعيناي ولم أر شيئا بعد ذلك"، وفق وصفه.
بعد مرور لحظات على هذه الصدمة التي لم تفهم تفاصيلها بعد لدى الصحافيين، صرخ العطار مستغيثا أن شيئا انفجر في بطنه.
ومع فوضى الانفجار، هرع غالبية الصحافيين إلى الخيمة المستهدفة والتي تبعد عن خيمة العطار مسافة 5-6 أمتار.
لكن العطار المصاب، بدأ بالزحف وصولا إلى باب الخيمة حتى استطاع أن ينتشل نفسه ليرى ماذا يحدث، ليسقط لاحقا على الأرض مضرجا بدمائه.
وقال: "انتشر الدم على قدماي وظهري، كان عندي إصابة في القدمين وفي الكبد حيث ما زالت شظيتين تتواجدان بداخله ويجري عمل التصوير الطبي من أجل الخضوع لعملية جراحية لاحقا".
توثيق رغم الإصابة
بدوره، يقول الصحافي الحر ماجد قديح، العامل بعدد من وسائل الإعلام المحلية والدولية، وهو يروي لحظة الواقعة وقد بدت عليه علامات من الذهول: "كأنها أهوال يوم القيامة".
وتابع قديح مع متابعتنا للتطورات الميدانية داخل الخيمة فوجئنا بصاروخ ينزل تجاه خيام الصحافيين.
مع صدمة هذا الحدث، هرع الصحافي قديح لتغطية الحدث وتوثيقه دون أن يعلم بداية أنه مصاب بإحدى شظايا الصاروخ. وتابع، أنه بينما كان يوثق الحدث شعر بضغط شديد في صدره وانقطعت أنفاسه ليعرف لاحقا أنه مصاب.
واستكمل قائلا: "فوجئت بشظية دخلت من ظهري ووصلت للرئة".
"لا حماية للصحافيين"
قديح، ندد بالاستهداف الإسرائيلي المتعمد للصحفيين في قطاع غزة، متسائلا: "ما ذنبنا من هذا الاستهداف؟"
وأضاف: "نحن ننشر صور لا أسلحة، هل أصبحت القضية الفلسطينية مصيبة أو قنبلة نووية".
وأشار قديح، إلى أن الصحفي الفلسطيني بغزة "لا حماية له".
وأردف: "حتى الدرع لا يوفر له حصانة ضد الصواريخ التي تستهدف الخيام والصحفيين بشكل مباشر".
وأكد قديح، أنه رغم الاستهداف والقتل الذي يتعرض له الصحفي في قطاع غزة إلا أن ذلك لن يوقفه عن الاستمرار في التغطية وكشف الجرائم الإسرائيلية حتى النهاية.
وفي 18 آذار/ مارس الماضي، تنصلت إسرائيل من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الساري منذ 19 كانون الثاني/ يناير الفائت، واستأنفت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، رغم التزام حركة حماس بجميع بنود الاتفاق.
يأتي ذلك بينما يرتكب الاحتلال الإسرائيلي بدعم أميركي مطلق، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 166 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
التعليقات