غزة: وطأة الحصار تطال المقابر

ينهمك الفلسطيني من قطاع غزة، حسن قزاعر (40 عامًا)، في تجهيز وترتيب قطعة رخامية مستطيلة الشكل، ستكون في وقت لاحق شاهدًا منصوبًا على ضريح سيدة، توفيت مؤخرًا.

غزة: وطأة الحصار تطال المقابر

ينهمك الفلسطيني من قطاع غزة، حسن قزاعر (40 عامًا)، في تجهيز وترتيب قطعة رخامية مستطيلة الشكل، ستكون في وقت لاحق شاهدًا منصوبًا على ضريح سيدة، توفيت مؤخرًا.

داخل ورشته الصغيرة في قطاع غزة، يثبت قزاعر ملصقًا بلاستيكيًا، أنهى طباعته على قطعة رخام تبلغ مساحتها 70 - 160 سنتيمترًا.

وبواسطة آلة حادة، يشرع قزاعر بتفريغ الكلمات التي تم تحديدها على الملصق، من خلال آلة (cutter) للطباعة، والتي تستخدم لإعطاء الكلمات مظهرًا بارزًا، ليُشكّل المُصلق بعد الانتهاء من تفريغه، جملة تعريفية بالسيدة المتوفاة، إضافة إلى آية قرآنية تدعو لها بالرحمة.

ويبدأ قزاعر بسكب مادة حارقة على قطعة الرخام، ويبقيه لمدة نصف ساعة، حتّى يتآكل الرخام في الأماكن المُفرّغة من المُلصق، تمهيدًا لخطوات نهائية تسبق جهوزية الشاهد.

ومع انتشار الآلات التكنولوجية الحديثة، تخّلى نحاتو شواهد القبور عن الأدوات البدائية، والطرق اليدوية للنحت. ولا يحتاج قزاعر للمطرقة والإزميل (إحدى المعدات المستخدمة في النحت) لإتمام عملية نحت الشاهد، إذ يستخدم آلة طباعة حديثة يُطلق عليها اسم cutter، توصل بالحاسوب وتطبع الجمل التي يرغب نحّات القبور بنحتها على الشاهد، ومن ثم تطبعها الآلة على ملصق بلاستيكي بشكل 'بارز'، بواسطة إبرة حديدة متينة.

ويقول قزاعر للأناضول، 'أعمل في مهنة نحت شواهد القبور منذ أكثر من (17 عامًا)، سابقًا كانت عملية النحت متعبة وتحتاج لوقت طويل إذ كان النحت يتم عن طريق الشاكوش (المطرقة) والإزميل، فيما يحتاج لدقة وتركيز كي لا يميل النحت عن النسق العام للشاهد'.

ويتخذ قزاعر من صناعة شواهد القبور مهنة له، إلا أنه يعمل إلى جانب ذلك بمهنة الدعاية والإعلان، نظرًا لقلة المردود المالي العائد إليه من مهنة صناعة الشواهد.

وتبلغ أجرة النحت على الشاهد الواحد بين 40 - 70 شيكلًا إسرائيليًا (10 - 18 دولارًا أميركيًا)، وذلك حسب حجم الشاهد ونوعه.

ويوضح أن شواهد القبور تصنع بالعادة من الحجر الرخامي، ذي الأنواع المختلفة 'الخليلي منه أو الإيطالي'.

ويتابع 'الرخام الخليلي يقبل عليه الناس من ذوي الدخل المتوسط، إذ يبلغ سعر القطعة التي يبلغ طولها 160 حوالي 260 - 300 شيكلًا (70 - 80 دولارًا أمريكي)، وأما القطعة التي يبلغ طولها 60 سنتيمترًا، فينخفض سعرها إلى 150 شيكلًا (38 دولارًا أميركيًا)'.

ويلفت أن شواهد القبور المصنوعة من الرخام الإيطالي يصل سعرها إلى أكثر من 500 شيكل (130 دولارًا أميركيًا)، مشيرًا إلى أن هذا النوع من الرخام يستخدمه، غالبًا، الأشخاص ذوي الدخل المرتفع.

ويتابع 'يتم تعريف المتوفى على الشاهد باسمه الرباعي، وتوصيفه الوظيفي والاجتماعي، فيما تعرف الآية القرآنية بأنه مسلم، إذ يكتب المسيحيون على شواهد قبورهم آيات مقتبسة من الإنجيل'.

ويصل عدد المقابر في قطاع غزة إلى 62 مقبرة، منها 22 مقبرة مُغلقة، و5 مقابر خاصّة تتبع لعائلات كبيرة، ومقبرتان تتبعان لوزارة الأوقاف بغزة.

فيما يصل سعر القبر الواحد، بعد الانتهاء من حفره وبنائه وتجهيزه إلى 550 شيكلًا (141 دولارًا أميركيًا)، حسب وزارة الأوقاف.

ويعمل فنان الخط وائل غبن (37 عاما) منذ أكثر من (20 عاما)، في مهنة نحت شواهد القبور، ويلفت أن الدخل الوارد من مهنة نحت القبور لا يكفي لسد الاحتياجات اليومية، خاصة مع رواج هذه المهنة بين المواطنين، وقلة العمل لدى المتخصصين.

وقال مدير العلاقات العامة والإعلام بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، رمزي النواجحة، إن التباين والاختلاف في استخدام نوع الرخام الذي يصنع منه شاهد القبر، أو القبر ذاته، يؤثر على الشكل العام للمقبرة.

ويقول إن الناس اعتادوا في السابق بناء القبور وتجهيزها بطرق عشوائية، أما اليوم فوضعت وزارة الأوقاف معايير تحدد 'حجم القبر، ومساحته، وارتفاعه، واتساعه، وعدد الأحجار المناسبة له'.

ويلفت إلى أن زيادة الوعي الديني عند الناس غيّر من عادات بناء القبور وتجهيزها، إذ يتم بناء القبر ويكون ارتفاعه على مستوى ارتفاع الأرض، فيما كان ارتفاعه يصل، في السابق، إلى متر وأكثر أحيانًا.

وعن تأثير الحصار الإسرائيلي على تجهيز القبور وشواهدها، يقول النواجحة، 'الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، أثّر على جميع مناحي الحياة، من ضمنها تأثرت عملية تجهيز وبناء القبور، في حال انقطاع الباطون والإسمنت، يتم استبداله بألواح الزينكو مما يؤثر على الشكل العام للمقبرة'.

وتفرض إسرائيل حصارًا على قطاع غزة، منذ فوز حركة حماس، في الانتخابات البرلمانية، عام 2006، ثم شددته في منتصف عام 2007، بينما يعيش 1.8 مليون شخص في قطاع غزة، واقعًا اقتصاديًا وإنسانيًا قاسيًا، في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي.

اقرأ/ي أيضًا | أربعينيّة يوم الأرض | ملف خاص

التعليقات