سوق العملات القديمة... هواية تصنع المليونيرات

العملات القديمة عموما لا تتقيد بأسعار ثابتة، ولكنها تخضع للعرض والطلب وندرة المعروض من العملة أو كثرة المعروض منها، وأيضا المفاوضات بين التاجر والزبون

سوق العملات القديمة... هواية تصنع المليونيرات

في وسط العاصمة القاهرة تقع عين من يمر هنا على سوق فريد من نوعه لسلعة فريدة أيضا، السوق هو سوق العملات النقدية القديمة، أما السلعة فهي العملات النادرة التي قد تجعل قطعة واحدة منها من يملكها مليونيرا بين عشية وضحاها.

هنا يتجمع بائعو العملات القديمة في منطقة وسط القاهرة، ومنهم من يعتبر جمع العملات والاحتفاظ بهذه العملات التاريخية هواية فقط، فيما يعتبرها آخرون مهنة لأنها تدر عائدا كبيرا، فبعضها مصرية تحمل صورة الملك فؤاد، ومحمد علي باشا، والملك فاروق، وبعضها أجنبية تحمل صورة الملكة إليزابيث، زبون هذه السلعة له طابع خاص جدا فهو شغوف بجمع تلك العملات، وهو أيضا على دراية بأنواعها وأسعارها وتاريخ إصدارها، عن هذا السوق والعملات الأكثر تداولا فيه ونوعية زبائنه الذين يسعون خلف كل ما هو نادر من العملات التاريخية يدور هذا التحقيق.

يقول إسماعيل محمد، بائع العملات القديمة في السوق الذي يقع بمنطقة وسط القاهرة: العملات القديمة عموما لا تتقيد بأسعار ثابتة، ولكنها تخضع للعرض والطلب وندرة المعروض من العملة أو كثرة المعروض منها، وأيضا المفاوضات بين التاجر والزبون، ولكن هناك أسعار متعارف عليها لبعض العملات، مثل جنيه الملك فاروق الذي يُباع بخمسين جنيها، وجنيه السلطان فؤاد الذي يحمل صورة الجمل يُباع بخمسمائة جنيه، وجنيه السلطان حسين كامل يُباع بستمائة جنيه، والعشرة جنيهات الورق التي ترجع إلى عصر السلطان فؤاد ثمنها خمسمائة جنيه، و(الشلن) الورق للملك فاروق بمائة جنيه، و(البريزة) الكرنك بمائة جنيه، والخمسون قرشا التي تحمل صورة مجموعة من الجمال بمائتي جنيه، أما المائة جنيه التي صدرت أيام السلطان عبدالحميد فثمنها ثمانية آلاف جنيه.

عملات تذكارية

وإلى جانب العملات القديمة التي ذكرنا أسعارها هناك أيضا نوع آخر من العملات التي يتداولها هواة جمع العملات القديمة، ومن العملات التذكارية التي تصدرها الدول في المناسبات الوطنية الهامة أو للاحتفاء ببعض الشخصيات البارزة في تاريخ الدول، مثل (بريزة) الملك فاروق التي تُباع باثني عشر جنيها، و(بريزة) السلطان حسين كامل التي تُباع بنفس الثمن أيضا، وجنيه الرئيس جمال عبدالناصر المصنوع من الفضة ويُباع بثمانية عشر جنيها، وجنيه السادات بخمسة عشر جنيها، وجنيه أم كلثوم بخمسة عشر جنيها، بينما يُباع جنيه عبدالحليم حافظ بأربعين جنيها، وإلى جانب هذه العملات هناك عملة نادرة من الصعب العثور عليها بسهولة في سوق العملات النادرة، وهي جنيه إدريس الفلاح الذي يُباع بسبعمائة جنيه.

إدريس الفلاح

ولجنيه إدريس الفلاح قصة خاصة يرويها كمال علي، تاجر العملات بمنطقة خان الخليلي بالقاهرة، الذي يقول: إن إدريس الفلاح شخصية حقيقية، وهو واحد من عامة الشعب قابله السلطان فؤاد بالمصادفة وتحدث معه، توقع إدريس له بأنه سيصبح ملكا للبلاد، فوعده السلطان إذا تحققت توقعاته أن يضع صورته على الجنيه، وبالفعل نفّذ السلطان وعده وأمر بصك هذه العملة النادرة.

وإلى جانب العملات المصرية والتذكارية هناك أيضا العملات العربية والأجنبية، ومن هذه العملات ورقه فئة الخمسة وعشرين دينارا وتُباع بثلاثة جنيهات، والدولار الأمريكي الصادر في عام 1922 بمائة جنيه، والفرنك الفرنسي من عام 1907 بخمسين جنيها، وإلى جانب هذه العملات تُباع مجموعة من العملات المعدنية الصغيرة الواحدة منها بخمسة وعشرين قرشا.

وعن طبيعة سوق العملات النادرة من حيث العملات الأكثر تداولا ونوعية الزبائن، يقول علي فرج، بائع عملات قديمة بالسوق: إن كل سلعة لها زبون يطلبها ويبحث عنها، مضيفا: “لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع كما يقولون”.

وزبائن العملات لا تقتصر أعمارهم على فئة عمرية معينة، كما يؤيد إمام حميدة، بائع عملات قديمة، لكن هواية جمع العملات القديمة تجتذب كل الأعمار، وأيضا ليست هناك جنسية معينة، فإلى جانب المصريين هناك الإخوة العرب الذين يتميزون بعشقهم الشديد للعملات النادرة، ويبحثون عنها باهتمام شديد، وبالطبع هناك زبائن أجانب، وأغلبهم يكون من الروس أو الصينيين الذين اشتهروا في العالم أجمع بولعهم الشديد بكل ما هو قديم وتاريخي.

والغالبية العظمى من الزبائن يحرصون على اقتناء العملات القديمة في مجموعات متكاملة متتالية بشكل زمني وفق تاريخ صدورها، وبهذا تعتبر هذه المجموعات مراجع تاريخية يمكن عن طريقها معرفة تاريخ الدولة، من حيث حكامها وتاريخ توليهم الحكم، وأهم المناسبات الوطنية لهذه الدولة.

ويقول حميدة: “كما أن هناك عدد من الزبائن يشتري العملة ويحتفظ بها فترة حتى تتضاعف قيمتها لمن يبيعها مرة أخرى، فهي بالنسبة له تعد نوعا من الاستثمار والمكسب، وكلمة استثمار هنا ليست مبالغة كما يقول إمام حميدة، فهناك بالفعل عملات نادرة من يجدها يصبح كمن عثر على كنز، مثل الجنيه الذي حمل صورة الجملين وتبلغ قيمته مائة ألف جنيه، وريال السلطان فؤاد ويُباع بثلاثين ألف جنيه، وهناك الكثير من المغامرين هواة العملات أو العاملين فيها يبحثون عن هاتين العملتين على أمل العثور عليهما، ويرجع سبب ارتفاع ثمن العملتين إلى ندرتهما، وكذلك إلى ترويج خرافة تشير إلى قدرتهما على شفاء الأمراض، مما أدى إلى اختفائهما من السوق تماما”.

وعن السوق العالمي لتجارة العملات، يحدثنا د. فادي السيد الخبير الاقتصادي، قائلا: تجارة العملات القديمة هي تجارة عالمية تنتشر في جميع أنحاء العالم، ولذلك تم تكوين رابطة دولية يقوم أعضاؤها بتبادل العملات فيما بينهم، كما يعقد لها معرض سنوي بمصر، إلى جانب العديد من المعارض في الدول المختلفة، وعلى الرغم من انتشار هذه التجارة إلا أنها تحتاج إلى وجود خبراء متخصصين لكشف المزيف منها، بعد أن ظهرت حالات تزوير كثيرة في هذا المجال، نتيجة لعدم توافر عناصر الأمان في العملات كما يحدث حاليا.

أما د. كمال إبراهيم، أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة، فيطالب بإقامة متاحف للعملات التاريخية بمصر، مثل قصر “الجوهرة” بالإسكندرية، الذي يضم العديد من التحف والمجوهرات التي تعود إلى أسرة محمد علي حفاظا على قيمتها الحضارية وحمايتها من التزوير.

اقرأ/ي أيضًا| العودة بالزمن مع الساعة المعكوسة

ويؤكد أن الأرباح الكبيرة لهذه التجارة تثير لعاب العديد من عصابات التزوير، وتستهدف جمهور السائحين الذين ليس لديهم القدرة على التمييز بين المزور من العملات والأصلي منها.

التعليقات