شادي بنا: إعدام أمام الكاميرات.. ودفن في الخفاء

الشيء الوحيد المؤكد، أن بنا أصيب بنيران الشرطة وترك ينزف حتى الموت، ولم تقدم الشرطة لعائلته نتائج التحقيق حول ما حدث، ولا طبيعة إصابته أو عدد الرصاصات التي أصيب بها.

شادي بنا: إعدام أمام الكاميرات.. ودفن في الخفاء

الشهيد بنا ملقى على الأرض قبالة باب الأسباط في القدس المحتلة (الأناضول)

فرضت أجهزة الأمن الإسرائيلية على أسرة شادي بنا (45 عامًا)، الذي استشهد بنيران شرطة الاحتلال بالقدس يوم الجمعة الماضي، دفنه في ساعات الصباح الباكر واقتصار المشاركة في دفنه على أفراد أسرته بحيث لا يتجاوز عدد المشاركين الأربعين شخصًا.

وتتبع السلطات الإسرائيلية هذا الإجراء عادةً لهدفين؛ أولا، بهدف منع تحول الجنازة إلى حدث وطني حاشد، لذا تفرض على أسر الشهداء الدفن في ساعات مبكرة وتحدد عدد المشاركين؛ والهدف الثاني هو طمس معالم الجريمة، أي منع التحقيق الجدي لمعرفة حقيقة ما جرى.

وهذا ما صرح به علانية وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد إردان، أمس الأربعاء، بأنه يرفض تسريح جثمان الشهيد كي لا يتحول إلى بطل قومي، حسب تعبيره.

في المقابل، تؤكد مصادر مقربة من عائلة الشهيد بنا، أن الجثة لم تشرح ولم تطلع العائلة على حيثيات ما حصل مع ابنها، وتشكك في رواية الشرطة.

وفي الأيام الأخيرة، تعرضت عائلة بنا لابتزاز من قبل السلطات للسماح بتسريح جثمان ابنها، وكأن التشييع والدفن أصبح بحاجة لإذن من السلطات.

ولم يأت تسريح الجثمان الليلة نتيجة استنفاذ إجراءات التحقيق بشأن ما حصل، وإنما استباقًا للالتماس الذي قدمه مركز "عدالة"، وكان يفترض أن تنظر به المحكمة العليا الإسرائيلية اليوم لتسريح الجثمان.

وسلمت السلطات الإسرائيلية جثمان الشهيد بنا لذويه في ساعات الفجر الأولى ليتم تشييعه في تمام الساعة السادسة فجرًا، واشترطت السلطات الإسرائيلية بأن يتم ذلك بحضور يقتصر على 40 شخصًا.

ماذا حصل بالضبط؟

أظهر شريط مصور نشرته وكالة "الأناضول"، الجمعة الماضي، أن الشهيد بنا لم يشكل خطرًا على أفراد شرطة الاحتلال في البلدة القديمة بالقدس. إذ يظهر الشريط أن بنا استل مسدسه لإطلاق نار على أحد أفراد الشرطة الذين كانوا في إحدى نقاط الحراسة في البلدة القديمة.

ويظهر الشريط أيضًا أن بنا لم يطلق النار بسبب خلل في المسدس ومن ثم تراجع ليتستر خلف حائط، وبعد ذلك يظهر بنا وهو ملقى على الأرض ويلفظ أنفاسه الأخيرة ودون تقديم الإسعاف له. كما يظهر شرطي يحمل مسدسًا موجهًا نحو بنا رغم أنه كان مصابًا وغير قادر على الحركة.

سارعت شرطة الاحتلال إلى الإعلان عن الحدث بأنه عملية إطلاق نار، لكنها لم توضح ملابسات ما حصل، وتجاهلت أن الشهيد كان ملقى على الأرض مصابًا ولم يشكل خطرًا على أحد.

ويقول معارف بنا إنه كان في القدس وحدد موعدًا للقاء معارف له في إحدى بلدات المثلث، ما يثير تساؤلات هو حقيقة ما حدث.

كما أصدرت شرطة الاحتلال في القدس، بعيد تنفيذ العملية، بيانا أعلنت من خلاله عن اعتقال شخص كان في السيارة التي استقلها بنا للوصول إلى القدس. ورغم ذلك، فإن الشرطة لم تعلن عن نتائج التحقيق وتحفظت في الكشف عن التفاصيل.

بنا خلال تبادل إطلاق النار مع عناصر الاحتلال في القدس (الأناضول)

لكن الشيء الوحيد المؤكد، أن بنا أصيب بنيران الشرطة وترك ينزف حتى الموت، ولم تقدم الشرطة لعائلته نتائج التحقيق حول ما حدث، ولا طبيعة إصابته أو عدد الرصاصات التي أصيب بها.

لماذا احتجزت الجثة؟

وقال صديق عائلة بنا، إبراهيم غطاس، لـ"عرب 48" إن "الأمر الطبيعي في أي دولة أن تستلم العائلة جثمان ابنها لدفنه وفق معتقداته، وإكرام الميت دفنه، غير أنه عندما توجهت عائلة بنا للشرطة مطالبة بتسلم جثمان ابنها رفضت السلطات ذلك وتذرعت بإجراءات استكمال التحقيق".

وأضاف "توقعنا تشريح الجثة، لكن وفق العائلة، عندما غسلوا الجثمان تبين أن الجثة لم تُشرّح. أؤكد أنه اتضح بعد تسليم الجثة بأنه لم يتم التشريح ولم يتم إجراء أي تحقيق بالخصوص، ما يترك العائلة دون نتائج التحقيق ودون أجوبة حول ما جرى".

وأضاف أن "العائلة تشكك في الادعاء بأن الخلفية أمنية وتنكر ذلك إذ أن ابنها خرج من منزله لبرنامج عمله، وهي تؤكد أن ثمة معلومات وتفاصيل لم تكشف عما حدث مع الضحية شادي بنا الذي قتل برصاص الشرطة الإسرائيلية". وأكد غطاس أنه "جرى فجر، اليوم، دفن المرحوم شادي بنا في المقبرة الإسلامية في كفار سمير بحيفا، بعد أسبوع على قتله".

وأوضح أن "جمعية عدالة ممثلة بالمحامية سوسن زهر قدمت باسم عائلة المرحوم التماسا للمحكمة العليا طالبت فيها المحكمة بالتدخل ضد رفض الشرطة تسليم الجثمان بحجة حاجتها لها لاستكمال التحقيقات، ما حدا الشرطة بالتراجع وتسليم الجثمان قبل عقد جلسة المحكمة التي كانت مقررة لليوم الساعة الواحدة ظهرا".

وختم غطاس بالقول: "عرفت المرحوم شادي بطيبته وهدوئه وعطائه وحبه لعائلته وخدمته لهم، وبعطفه ولطفه وإنسانيته تجاه كل ما هو حي من إنسان ونبات وحيوان، وخاصة مجموعة قطط الشوارع (ما يقرب العشرين قطّة) التي عطف عليها ورعاها وأطعمها وعالجها من كيسه الخاص المتواضع. ويبقى السؤال هل توجد دولة بالعالم تحتجز جثمان مواطن لها؟".

"عدالة" تدرس المطالبة بفتح تحقيق

سوسن زهر

وقالت المحامية سوسن زهر من مركز "عدالة" إن "السلطات الإسرائيلية ماطلت في تسليم الجثمان لعائلة بنا وأعتقد أن تقديم الالتماس للعليا شكل ضغطا على الشرطة ما دفعها لتسليم الجثمان".

وأكدت زهر أن "حجة الشرطة لاحتجاز الجثمان جاء بحجة استكمال التحقيق، وأكدنا لها في مراسلاتنا أن هذه الادعاءات غير منطقية لأن عملية التشريح لا تستغرق أكثر من ساعتين. وأكدنا أن احتجاز الجثمان لم يكن قانونيًا، وهذا ما سرّع بعملية تحرير الجثمان رغم مرور أيام على احتجازه".

وأشارت زهر إلى أنه "من دون الالتماس كان بإمكان السلطات المماطلة أكثر من ذلك، ما يزيد من معاناة العائلة. الغريب في الأمر أن الجثة لم تشرح وأن الشرطة لم تعطنا أي تقرير يذكر، ما يقودنا لطرح السؤال – لماذا احتجزتم الجثة؟".

وختمت زهر بالقول "إننا في مركز عدالة نفحص إمكانيات المطالبة بفتح تحقيق حول ملابسات وأسباب قتل شادي بنا برصاص الشرطة".

وكانت الشرطة قد ادعت أن بنا أطلق النار على عناصر من قوات شرطة الاحتلال الإسرائيلي عند البوابات الخارجية للمسجد الأقصى، في منطقة باب الأسباط، في تمام الساعة 11:45 ظهر الجمعة الماضي. وأضافت الشرطة أنها نجحت في "تحييد" بنا، ليتم الإعلان لاحقًا عن وفاته متأثرًا بجروحه الحرجة التي أصيب بها.

التعليقات