22/08/2020 - 21:55

حوار | إفلاس سياسي فلسطيني شامل في مواجهة المخططات التصفوية

د. رلى هردل: *الرد الفلسطيني على التطبيع الإماراتي كان باهتا وشعاراتيا وليس بمستوى الحدث *التهميش والضغط الممارس على القيادة الفلسطينية قد ينتهي إلى تغييرها أو تغيير أفراد منها  *العرب فشلوا في مقايضة ما تبقى من فلسطين بالتطبيع وانتقلوا إلى التطبيع المجاني

حوار | إفلاس سياسي فلسطيني شامل في مواجهة المخططات التصفوية

مهرجان في ترمسعيا رافض للتحالف الإماراتي الإسرائيلي (أ ب)

د. رلى هردل:

  • نعاني من حالة إفلاس سياسي فلسطيني شاملة
  • الرد الفلسطيني على التطبيع الإماراتي كان باهتا وشعاراتيا وليس بمستوى الحدث
  • التهميش والضغط الممارس على القيادة الفلسطينية قد ينتهي إلى تغييرها أو تغيير أفراد منها
  • العرب فشلوا في مقايضة ما تبقى من فلسطين بالتطبيع وانتقلوا إلى التطبيع المجاني

بعد أن استنفد العرب مصادر قوتهم كلها، صار التطبيع مع إسرائيل هو المقابل الوحيد المستعدون أن يدفعونه، لقاء استعادة بعض الأرض والحقوق الفلسطينية والعربية التي تغتصبها الدولة اليهودية، بمعنى أن العجز العربي عن انتزاع الأرض والحقوق انتزاعا، دفعهم إلى تقديم مقابل لإسرائيل كي "تتنازل" عن احتلالها للأرض الفلسطينية والعربية أو جزء منها، يتمثل بتطبيع علاقاتهم الاقتصادية والسياسية معها، بكل ما يعنيه لها ذلك من عائدات اقتصادية وفوائد جيوسياسية.

في هذا السياق، جاءت مبادرة السلام السعودية التي تبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002، والتي تحدثت لأول مرة عن سلام إقليمي شامل مع إسرائيل، لتضيف إلى معادلة الأرض مقابل السلام التي وضعها "مؤتمر مدريد"، إغراء جديدا لإسرائيل، يتمثل بتطبيع عربي شامل للعلاقات معها.

إلا أن إسرائيل، التي رفضت بقيادة اليمين الصهيوني مقايضة الأرض بالسلام/ التطبيع، ظلت تراهن على أن سياسة القوة ستؤدي إلى مزيد من الضعف والتراجع العربي، وستقود بالنهاية إلى معادلة "السلام مقابل السلام"، التي لن تضطر فيها إسرائيل إلى دفع أي ثمن يتمثل بالتنازل عن أرض فلسطينية أو عربية مقابل السلام والتطبيع مع العالم العربي.

من المهرجان في ترمسعيا الذي شهد مشاركة حركتي فتح وحماس (أ ب)

أميركيا، فكرة "السلام الإقليمي" الذي يقصد فيه أساسا اتفاقات مع السعودية ودول الخليج، موجودة على جدول الأعمال منذ سنوات، ولكن ثمة نهجان في التعامل معها، كما كتب المعلق السياسي الإسرائيلي ناحوم برنيّاع، حيث اعتقدت إدارة باراك أوباما أن بإمكانها إقناع إسرائيل بالتوقيع على سلام مع الفلسطينيين فيما يكون المقابل سلامًا إقليميًا، بكلمات أخرى – فلسطين أولا وبعد ذلك "السلام" مع العالم العربي، بالمقابل اقتنع دونالد ترامب بوجهة نظر بنيامين نتنياهو التي تقول، السلام الإقليمي أولا وبعد بعد ذلك الفلسطينيين.

وقد جاء الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي ليعلن انتصار هذا النهج ويسجل اندحارا إضافيا للعرب وتراجعا عن التطبيع بداية مقابل ما تبقى من فلسطين، ويقدمهم، إذا ما كانت الإمارات هي فاتحة الطريق، هم واقتصاداتهم وأرضهم ومياههم وأجواؤهم لإسرائيل دون مقابل، بينما يتم استخدام فلسطين مجرد ذريعة.

هذا يحدث في ظل حالة إفلاس سياسي ووطني، كما تصفها د. رلى هردل، ووضع فلسطيني متهاو وعاجز عن اتخاذ خطوات جدية لإحباط هذه "المؤامرة" وإبقاء القضية الفلسطينية كقضية العرب الأولى.

حول الوضع الفلسطيني والعربي في ظل الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي، أجرينا هذا الحوار مع المحاضرة في العلوم السياسية في جامعة القدس، د. رلى هردل.

"عرب 48": ماذا تقصدين بقولك حالة إفلاس وطني- سياسي فلسطيني؟

د. رلى هردل

هردل: أنا لا أقصد القيادة والسلطة والفصائل فقط، بل هي حالة إفلاس وطني عامة، في المستويات السياسية والميدانية والفكرية والتنظيمية، فمنذ نقل السفارة الأميركية إلى القدس، مرورا بالإعلان عن صفقة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وصولا إلى اتفاق الإمارات مع إسرائيل، كم فلسطيني خرج إلى الشارع؟

هذا يدلل أن الحالة تطال المستوى الشعبي أيضا وليس القيادي فقط، إضافة إلى أن القيادة لا تمتلك مشروعا وطنيا وتغلب لديها المصالح الضيقة السياسية والفصائلية على الرؤية الجمعية الوطنية.

ولنأخذ رد القيادة الفلسطينية على اتفاق الإمارات - إسرائيل، حيث كان ردا باهتا وشعاراتيا، على غرار قطع العلاقات الدبلوماسية وسحب السفير، وإعلان بعض الفلسطينيين الانسحاب من المشاركة في "إكسبو دبي"، أو مطالبة صائب عريقات وجبريل الرجوب، أمين عام الجامعة العربية بالاستقالة، وكأنه موجود أساسا أو كأن الجامعة حاضرة أصلا.

الرد يعكس عمليا الحالة الفلسطينية القائمة والضعف الموجود والتهميش الحاصل للقيادة الفلسطينية على المستوى الإقليمي وعلى المستوى الدولي، فإضافة إلى أننا أمام قيادة ضعيفة لا تمتلك أدوات سياسية ولا مشروع وطني، فإنها تعاني من تهميش منهجي يهدف بالتالي إلى تهميش قضية وحقوق الشعب الفلسطيني.

"عرب 48": الاتفاق أصلا هو محاولة للالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته، والتحالف مع إسرائيل دون حل القضية الفلسطينية؟

هردل: الاتفاق ينسجم مع بنود "صفقة القرن" التي تحتوي على ثلاث قضايا مركزية، الأولى هي قضية الضم التي جرى، بحسب رأيي، تعليقها بشكل مؤقت وليس إلغائها، والقضية الثانية المهمة هي التطبيع بين إسرائيل والدول العربية وبناء علاقات طبيعية بينهما، دون اقتراح حل للقضية الفلسطينية وبعيدا عن أي حلول ممكنة ومطروحة وبضمنها حل الدولتين أو أي حل دائم يجري الحديث عنه منذ سنوات وفقا لاتفاق أوسلو.

إدارة ترامب خلال الإعلان عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي (أ ب)

والقضية الثالثة التي تضمنتها "صفقة القرن" هي المسألة الاقتصادية، وقد تكون تلك المرحلة القادمة التي تعقب ترسيخ التطبيع مع الإمارات وبعض الدول العربية الأخرى، التي قد تلحق بركبها حتى نهاية العام، وهذا ما قد يعود على الفلسطيني بعائد اقتصادي، ورد في "صفقة القرن"، لشراء سكوته.

وفي اعتقادي إذا لم تتغير الأمور على الساحة الأميركية، وفاز ترامب في بولاية رئاسية جديدة، فسيتم البدء بالشق الاقتصادي من "الصفقة" وقد يتيسر ذلك من خلال تغيير القيادة الفلسطينية أو بعض أفرادها.

"عرب 48": أو ربما تطويعها؟

هردل: هناك محاولات لتطويعها منذ فترة زمنية، عبر الكثير من وسائل الضغط وتضييق الخناق عليها ماديا واقتصاديا من قبل أميركا وإسرائيل وحتى بعض الدول الأوروبية التي قلصت جزء من مساعداتها، ويمتد هذا الضغط إلى الدول العربية الخليجية ومصر أيضا.

"عرب 48": هي الأردن فقط التي اتخذت موقفا واضحا من "صفقة القرن" والضم، ربما بسبب تخوفها من أن تقويض حل الدولتين سيؤدي إلى العودة لما يسمى بالخيار الأردني؟

هردل: صحيح، وبسبب موقعها الجغرافي - السياسي في الخارطة الإقليمية، رغم أني لا أعرف إذا كانت السلطة الفلسطينية يجب أن تبقى متمسكة بحل الدولتين وكأنه حل مقدس.

"عرب 48": السؤال ما هو البديل المطروح لحل الدولتين وليس في كون حل الدولتين حلا مقدسا...

هردل: لكن لدى السلطة هو حل مقدس وهذا جزء من الإفلاس.

"عرب 48": ما يحدث هو محاولة للالتفاف على الحقوق الوطنية الفلسطينية وإجهاضها...

هردل: صحيح، ولكن ذلك لم يبدأ من اليوم ولا من عهد ترامب، بل هو مشروع يخطط له منذ سنوات طويلة وبغض النظر عن معطيات كل مرحلة وأخرى وتداخلها فيه وتوظيفها لأهدافه.

"عرب 48": ماذا مع رد فعل قطاع غزة؟

هردل: عندما تحدثت عن الشعب والقيادة الفلسطينية فذلك يشمل قطاع غزة وحماس، التي هي ليست بوضع أفضل بكثير، فهي ما زالت تفاوض إسرائيل على هدنة وتهدئة، وفي مقابلة مع يحيى السنوار تحدث عن الموضوع وعن مسألة زيادة الدعم القطري، أو المنحة القطرية للقطاع، وكأن الموضوع خارج السياق.

بلدية نتانيا تحتفي بالتحالف مع الإمارات (أ ب)

أنا لا أرى موقفا مختلفا لحماس سوى باللهجة الأكثر حدة، ولكن خلف الأبواب المغلقة نعرف في أي معادلة توازنات موجودة حماس وبأي طموح سياسي محكومة على الساحة الفلسطينية وبأي مسارات علنية وسرية، أو لنقل غير مباشرة، بالتفاوض مع إسرائيل لتثبيت حكمها، وهذا أيضا جزء من المأساة لأنه يساهم في تكريس عزل غزة عن الضفة الغربية لمصالح فصائلية ضيقة.

"عرب 48": السؤال هل سيتوقف الموضوع عند الإمارات أم "ستكر المسبحة" الخليجية والعربية، كما يقولون؟

هردل: موضوع التطبيع أو التسوية الإقليمية كما يسمونها، مطروح عند الإسرائيليين منذ سنوات عديدة، وكثيرا ما نسمع عن لقاءات وزيارات لمسؤولين إسرائيليين للعديد من الدول الخليجية والعربية، وما حصل مع الإمارات هو ثمرة جهد أميركي إسرائيلي متواصل، وهناك دول مرشحة للحاق بالركب مثل عُمان والبحرين، وربما السعودية أيضا.

ما يتبلور هو محور واضح ضد إيران بزعامة أميركا وإسرائيل وبعض الدول الخليجية، وهو محور يحظى بمباركة ومشاركة السعودية التي قد تؤثر عدم إخراج علاقتها مع إسرائيل إلى العلن في هذه المرحلة، ولكن هذا لا يعني عدم وجود مثل هذه العلاقات وتعززها.

نحن نعرف أن ولي العهد، محمد بن سلمان، يحتاج إلى مباركة أميركية ليرث والده المريض، وفي حال حانت الساعة فإنه سيتنازل عن المبادرة السعودية، التي جددت السعودية التمسك بها مؤخرا، وينضم إلى الركب.

إلا أنه من الجدير التذكير بأن هذا المشروع برمته مرتبط بما سيجري في أميركا في تشرين الثاني/ نوفمبر، فإذا ما خسر ترامب من المرجح أن هذا المشروع سيجمد أو أن يتباطأ، خاصة وأن الحزب الديمقراطي بقيادة جو بايدن، رغم مواقفه التاريخية المؤيدة لإسرائيل، فإنه يميل إلى اتباع سياسة إدارة الصراع من خلال ما يسمى "عملية السلام"، وليس من خلال صفقات مفروضة على الشعب الفلسطيني مثل صفقة ترامب.

"عرب 48": الفلسطينيون كانوا في وضع لا يحسدون عليه قبل الاتفاق، فقد وقفت الدول العربية موقف المحايد وحتى الداعم لأميركا في قضية نقل السفارة الأميركية إلى القدس وصفقة ترامب، وها هي الإمارات تكسر الحياد لتعلن التحالف الكامل ضدهم؟

هردل: إسرائيل تستغل الحالة العربية والدولية إلى أبعد الحدود، وهي تسعى لدفع الفلسطينيين للقبول بأي تسوية ولفرض الوضع القائم عليهم، والقضية الفلسطينية من القضايا التي تشغلها بشكل دائم حتى لو استجدت قضايا أخرى في المنطقة، فالمنظومة السياسية والعسكرية في إسرائيل موجودة في عملية تخطيط دائم لتحييد القضية الفلسطينية وإضعاف القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني وانهاكهما وصولا إلى تصفية القضية الفلسطينية ودفنها.

اقرأ/ي أيضًا | تحليلات | "صفقة القرن" فشلت: تحالف إسرائيلي – إماراتي مكانها


*د. رولى هردل: أستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة القدس، أبو ديس، ورئيسة قسم الخدمة الاجتماعية في نفس الجامعة. حاصلة على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة هانوفر في ألمانيا عام 2013، ومحاضرة زائرة في جامعات عديدة في ألمانيا، واليابان والبرتغال. عضو مجلس البحث العلمي في جامعة القدس ومحررة مشاركة لمجلة الجامعة للبحوث الأكاديمية.

التعليقات