مخاطر الوقوع في فخ الجدوى الاقتصادية / امطانس شحادة

من هنا، علينا كمجتمع عربي ان نتفق على المصطلحات والخطاب في تعاملنا مع قضية رفع نسبة مشاركة النساء في أسواق العمل وتغيير المكانة الاقتصادية للمجتمع الفلسطيني ووضعها في إطارها القومي واستعمال مفردات الإقصاء الاجتماعي السياسي للأقلية اصلانية. تغير المصطلحات يؤدي الى تغير الوعي والمطالب. المطلوب ان يكون لدينا تأثير مباشر على تقسيم الموارد، ومشاركة في اتخاذ القرار الاقتصادي فيما يتعلق بالمواطنين العرب والبلدات العربية. لأن التعامل مع الدونية الاقتصادية يتطلب تطوير الاقتصاد العربي الكلي، وتشبيك اقتصاد البلدات العربية والتكامل فيما بينها. تطوير الاقتصاد العربي كفيل بخلق فرص عمل للنساء والرجال العرب وللشباب والشابات العربيات وفي مجالات عمل متنوعة وحديثة، وكفيل في تغير المكانة الاقتصادية للنساء االعربيات.

مخاطر الوقوع في فخ الجدوى الاقتصادية / امطانس شحادة

نشرت جمعية نساء ضد العنف دراسة جديدة حول حصة النساء العربيات الأكاديميات في اسواق العمل وحصتهن من الناتج المحلي، وسبل رفع هذه الحصة والأدوات. كما قامت الجمعية بحملة إعلامية، من ضمنها الصحافة العربية، لترويج نتائج الدراسة والمطالبة برفع مشاركة النساء العربيات الأكاديميات، لان في ذلك مصلحة اقتصادية للجميع. 

 


وفقا لدراسة نساء ضد العنف واعتمادا على معطيات دائرة الإحصاء المركزية ووزارة الصناعة والتجارة فان عدد النساء العربيات الأكاديميات العاملات هو 33,200 امرأة ويشكلن 1.1% من مجمل العاملين في إسرائيل، ويصل معدل الدخل لديهن قرابة 71% من معدل الأجور العام في الاقتصاد الإسرائيلي. من هنا فان حصة النساء العربيات من مجمل الدخل من العمل في الاقتصاد الإسرائيلي يصل الى 0.77% فقط، وهي نفس النسبة لحصتهن من الناتج المحلي، التي تصل، اي حصة النساء العربيات الاكاديميات، الى 6.82 مليار شيكل سنويا، وفقا للتقرير.

من جهة اخرى يرى التقرير ان هناك خسارة كبيرة للاقتصاد الإسرائيلي وللمجتمع العربي بسبب وجود عدد كبير من النساء العربيات الأكاديميات (9600 امرأة) غير المشاركات في سوق العمل او العاطلات عن العمل، مما يؤدي الى خسارة قرابة 1.8 مليار شيكل للناتج المحلي السنوي، وخسارة دخل لخزينة الدولة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة بقيمة 422 مليون شيكل.

ويستنتج التقرير ان استيعاب قرابة 10,000 امرأة عربية اكاديمية في سوق العمل واستثمار مبلغ 422 مليون شيكل (زيادة دفع الضرائب على خزينة الدولة)، يمكن ان يساهموا بعدة طرق لتحسين الحالة الاقتصادية للنساء العربيات خاصة والمجتمع العربي عامة، منها: 
يمكن استثمار مبلغ 422 مليون شيكل لتمويل ضريبة سلبية او لدعم الاجور لتشجيع تشغيل النساء العربيات، وبذلك إخراج قرابة 84% من العائلات العربية الفقيرة حالية من دائرة الفقر (اي اخراج قرابة 137,000 الف عائلة عربية من دائرة الفقر).  

اشراك 10,000 امرأة عربية اكاديمية اضافية في سوق العمل يمكن ان يوفر على الدولة 128 مليون شيكل في بند دفع مخصصات ضمان الدخل.
في حال قررت الدولة، على سبيل المثال، توفير تأهيل مهني في مجال الهاي تك لـ 10,000 اكاديمية عربية سيكلفها ذلك قرابة 100 مليون شيكل فقط، اي انها سوف توفر في حال اندماجهن بسوق العمل قرابة 322 مليون شيكل.

بمبلغ 422 مليون شيكل يمكن بناء وتشغيل 200 غرفة تدريسية جديدة في جهاز التعليم العربي.

اضافة 350 عامل/ة اجتماعي/ة بكلفة سنوية تصل 35 مليون شيكل، لسد الفجوة القائمة حاليا في عدد العمال الاجتماعيين. 

اغلاق الفجوة بعدد المعلمين/معلمات في جهاز التعليم العربي مع جهاز التعليم اليهودي البالغ 6942 وظيفة تدريسية. اذ تبلغ تكلفة اضافة 4,000 وظيفة قرابة ال 390 مليون شيكل.

هل يمكن ان تقنع هذه الأرقام متخذي القرار في الحكومة
بالمجمل يمكن القول ان التقرير الحالي يتعامل مع مشكلة عدم اشراك النساء العربيات في أسواق العمل بمعايير العقلانية  الاقتصادية ووفقا لحسابات الربح والخسارة الاقتصادية المالية. من هنا يحاول إقناع الحكومة بالجدوى الاقتصادية للاستثمار المالي في رفع نسبة تشغيل النساء العربيات الأكاديميات. لان رفع نسبة مشاركة النساء العربيات الأكاديميات في أسواق العمل وإزالة عوائق مشاركتهن في أسواق العمل سيكون لصالح اقتصاد الدولة ولصالح النساء العربيات ولصالح المجتمع العربي ككل.

اي ان كافة أطراف اللعبة سوف تربح. وهنا يمكننا الافتراض ان جمعية نساء ضد العنف ترى في التعامل الحالي للدولة في موضوع مشاركة النساء العربيات والسياسات الاقتصادية تجاه الفلسطينيين، على انه تعامل "غير عقلاني" وناتج من حسابات اقتصادية ومالية خاطئة، وتقترح على الدولة تغيير الفرضيات واستعمال مفاهيم يكون فيها كلا الطرفين رابحين.

هذا التوجه حسب اعتقادي يحمل مخاطرة ما من جهة، واختزال الدونية الاقتصادية الى قضية جدوى مالية اقتصادية لا تتعلق بسياسات إقصاء او الحفاظ على مصالح قومية للمجتمع الإسرائيلي من جهة اخرى. وهنا نسأل، هل تجهل الحكومة ومؤسساتها الاقتصادية ومراكز أبحاثها وبنك إسرائيل هذه المعطيات؟ هل تجهل الحكومة ان رفع مشاركة النساء في اسواق العمل سيكون له مردود اقتصادي ومالي ايجابي للنساء العربيات وللمجتمع العربي وأيضا لاقتصاد الدولة؟ والأهم، هل نريد ان نقنع الدولة بوجوب التعامل مع اللعبة الاقتصادية كلعبة مربحة لجميع المشاركين كحل للدونية الاقتصادية للمجتمع العربي؟ وهنا مصدر المخاطرة في هذا الطرح.

فإذ افترضنا جدلا ان رد الحكومة على نتائج التقرير الحالي والمطالب الوارده فيه سيأتي عن طريق اجراء دراسة اقتصادية تدحض ادعاءات دراسة نساء ضد العنف، وتفيد ان الاستثمار المطلوب من الدولة لخلق فرص عمل جديدة يفوق ارباحها! وان لا جدوى اقتصادية في رفع نسبة مشاركة النساء في اسواق العمل! او انها مثلا غير مسؤولة عن خلق فرص عمل وانها تترك ذلك للقطاع الخاص! ا او ان اشراك 10000 امرأة عربية في برامج تأهيل مهني في مجال الهاي تك لا يضمن مشاركتهن في اسواق العمل كون اماكن العمل في المركز البعيد، الامر الذي  يشكل عائق امام اندماج النساء في هذه الفروع من هنا فان الجدوى في الاستثمار تدنوا من الصفر. فماذا سنرد حينها؟ وهل نقبل بتحويل مسألة الدونية الاقتصادية الى خطاب الأرقام وعقلية الأرقام والجدوى الاقتصادية فقط؟ انا اعتقد ان الايجابية على هذه الاسئلة سلبية. وان استعمال خطاب النجاعة والجدوى المالية الاقتصادية هو حقل مليء بالألغام لأنه يقتصر رد الفعل على الارقام والمحاججة بالارقام.

اضف الى ذلك ان تجارب نساء في مناطق اخرى من العالم، خاصة في حالة الأقليات الاصلانية، تثبت ان رفع نسب المشاركة لا يضمن تغيرا للمكانة الاقتصادية للنساء. اذ يمكن ان تكون الزيادة في نسب المشاركة بوظائف جزئية، او في فروع اقتصادية تقليدية مؤنثة (اي ان معظم العاملين فيها من النساء) وذات دخل متدني. فمثلا زيادة وظائف في مهنة التعليم لا يغير كثيرا من حالة النساء الاقتصادية ويحافظ على تقسيم الوظائف القائم في المجتمع ويعمل لصالح المجتمع الذكوري.

من جهة اخرى يمكن ان يؤدي الى خفض حجم الوظائف القائمة حاليا وتوزيعها بين عدد اكبر من الموظفين. كما لا يمكن الحديث مثلا عن توفير تأهيل مهني في مجال الهاي تك دون ان تحسن الدولة في البنى التحتية للمواصلات في البلدات العربية وبينها وبين المركز ألاقتصادي. دون ذلك سيستمر التطوير الاقتصادي في المركز وخلق فرص العمل فيه دون ان نتحدث عن تطوير الاقتصاد العربي. وما اذكره هنا هو جزء يسير من التفسيرات لمخاطر خطاب الأرقام والعقلانية الاقتصادية، بسبب ضيق الحيز.

من هنا، علينا كمجتمع عربي ان نتفق على المصطلحات والخطاب في تعاملنا مع قضية رفع نسبة مشاركة النساء في أسواق العمل وتغيير المكانة الاقتصادية للمجتمع الفلسطيني ووضعها في إطارها القومي واستعمال مفردات الإقصاء الاجتماعي السياسي للأقلية اصلانية. تغير المصطلحات يؤدي الى تغير الوعي والمطالب. المطلوب ان يكون لدينا تأثير مباشر على تقسيم الموارد، ومشاركة في اتخاذ القرار الاقتصادي فيما يتعلق بالمواطنين العرب والبلدات العربية. لأن التعامل مع الدونية الاقتصادية يتطلب تطوير الاقتصاد العربي الكلي، وتشبيك اقتصاد البلدات العربية والتكامل فيما بينها. تطوير الاقتصاد العربي كفيل بخلق فرص عمل للنساء والرجال العرب وللشباب والشابات العربيات وفي مجالات عمل متنوعة وحديثة، وكفيل في تغير المكانة الاقتصادية للنساء االعربيات.       
 

*باحث في مدى الكرمل
**عن مجلة "مالكم" عدد 56

التعليقات