زعبي لـ "العرب اليوم" الأردنيّة: التجمع حوّل المواطنة من أداة سيطرة إلى آلية نضال وإلى بديل للصهيونية

تناولت عدة محاور أبرزها التحديات التاريخية التي يواجهها الفلسطينيون داخل الخط الأخضر والتعقيدات التي تمر بها القضية الفلسطينية في ضوء مأزق مسيرة أوسلو وافاق المستقبل العربي في ظل التحولات التي تجتاح المنطقة.

زعبي لـ

أجرت صحيفة العرب اليوم الأردنية مقابلة شاملة مع النائبة حنين زعبي (التجمع الوطني الديمقراطي)، تناولت عدة محاور، أبرزها التحديات التاريخية التي يواجهها الفلسطينيون داخل الخط الأخضر والتعقيدات التي تمر بها القضية الفلسطينية، في ضوء مأزق مسيرة أوسلو وآفاق المستقبل العربي في ظل التحولات التي تجتاح المنطقة.

وتناولت زعبي خلال المقابلة مسألة الوطن البديل ومسألة ظروف ومكانة الفلسطينيين في الداخل عشية انتخابات الكنيست الاسرائيلي. ويقوم عرب 48 باعادة نشر المقابلة كاملة لأهميتها.
 
ليس هناك أشرس من اغتصاب الأرض والوطن، إلا محاولات اغتصاب التاريخ والرواية والذاكرة، وليس هناك أشد وطأة من الترحيل –الترانسفير- القسري من الوطن، إلا مخططات ومشاريع تهجير الوطن من الذاكرة والحلم، وليس هناك أفظع من الصراع على الأرض إلا الصراع على المعاني والمفاهيم والدلالات والمعالم، وفي فلسطين المحتلة عام/1948، يواجه أهلنا هناك كل هذه الممارسات الإجرامية مجتمعة على يد الاحتلال الصهيوني، منذ اكثر من أربعة وستين عاما، فان تحدثنا عن اغتصاب الارض والوطن، فقد نجحت الصهيونية باغتصاب الجغرافيا الفلسطينية كلها من البحر الى النهر، ولم يبق بين ايدي اصحابها سوى نحو 3% فقط، وان تحدثنا عن اغتصاب التاريخ والرواية والذاكرة، فأهلنا هناك يواجهون موجات متلاحقة من الهجمات والإجراءات والقوانين والتشريعات الصهيونية الرامية الى تحقيق هذا الهدف، وان تحدثنا عن التهجير والترحيل لاهل البلاد، فالمخططات الصهيونية لم تتوقف ابدا، في الوقت الذي تواصل فيه الدولة الصهيونية مخططات انتزاع الوطن من الذاكرة والحلم والدفتر الفلسطيني، والهجوم الصهيوني على الوجود العربي وعلى كل المعاني والدلالات والمعالم العربية هناك واسع النطاق لا يرحم، وفي السنوات الاخيرة شرعت المؤسسة الاسرائيلية بشن حرب من نوع آخر على القضية الفلسطينية هدفها شطب مصطلح"النكبة الفلسطينية" من القاموس السياسي الفلسطيني، وكذلك من قرارات ومواثيق الامم المتحدة المتعلقة بالقضية، ولكن تجري الرياح العربية هناك على غير ما تشتهي السفن الصهيونية، حيث يتنامى منسوب اليقظة والولاء للوطن والبلاد والتاريخ، على نحو يقلق المؤسسة الصهيونية التي تعتبر الوجود العربي يشكل تهديدا استراتيجيا لهم.
 
في الجوهر والمضمون فإن هذا النهج الصهيوني ليس جديدا فقد عملت المؤسسات الصهيونية عمليا كافة منذ قيام تلك الدولة، على إلغاء الآخر العربي الفلسطيني وشطبه تاريخيا وقانونيا وحقوقيا من كل القوانين والقرارات والمشاريع الاسرائيلية الخاصة بالمجتمع الاسرائيلي، غير ان هذه الهجمة الجديدة موضوع البحث تختلف عن كل ما سبقها من حيث خطورتها وتداعياتها على الوجود والثقافة والرواية العربية الخاصة بفلسطين.
 
ففي سياق اعتبارها الصراع مع العرب، صراع هوية ووجود وسيادة، تشن الدولة الصهيونية حروبا مفتوحة على كافة العناوين والحقوق العربية الفلسطينية، ولأن عنوان النكبة يعد من وجهة نظرهم الأهم والأخطر، فهم يركزون هجومهم على انتزاع معاني ودلالات النكبة من الذاكرة الوطنية عبر صهينة التعليم والمعالم.
 
فأهلنا هناك في مرمى الاستراتيجية العنصرية الصهيونية، فمنذ نشأة "إسرائيل" وحتى يومنا هذا وفلسطينيو/48 يعانون من السياسات العنصرية الهادفة إلى تحجيم الوجود العربي من جهة، والسيطرة على جميع مناحي الحياة الفلسطينية من جهة ثانية، والمعركة العربية في مواجهة كل هذه المخططات والسياسات الصهيونية في أوجها، ومساحة هذه المعركة جغرافيا، واسعة تمتد من النقب الجنوبي حيث المعارك اليومية تدور على الارض والبقاء، لتمتد الى المثلث العربي، ثم الى الجليل الصامد.
 
حول كل هذه العناوين والقضايا وهناك غيرها الكثير، تستضيف"العرب اليوم"المناضلة السياسية الفلسطينية حنين زعبي، النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي، في لقاء وحوار شامل وخاص، لتتحدث بالتفصيل عن تطورات وتحولات الميزان الجيوديموغرافي في فلسطين منذ عام/1948، وعن طبيعة الصراع والمواجهة العربية لسياسات التطهيرالعرقي والترانسفير والتمييز العنصري الصهيونية، وكذلك عن مشروع "الوطن البديل"واحتمالاته، وعن المشروع الوطني الفلسطيني بالمقابل، وعن ادوات بناء الشخصية الوطنية الفلسطينية، وكذلك عن معنى ودلالات المشاركة العربية في الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية ومستقبل هذه المشاركة، وغير ذلك من العناوين والقضايا.
 
العرب اليوم: باسم أسرة العرب اليوم، رئيس هيئة المديرين، ونائب رئيس هيئة المديرين، ورئيس التحرير ونواب رئيس التحرير، وباسم الزملاء الكتاب جميعا، نرحب بك ترحيبا حارا، انت دائما ضيفة استثنائية في هذا البلد، وفي رحاب العرب اليوم، وانت معنا في لقاء استثنائي، حول قضايا وعناوين نعتقد انها ايضا ستكون استثنائية على لسانك، كون هذه القضايا والعناوين تقع في صميم استراتيجية المواجهة مع المشروع الصهيوني، وتتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية والصراع مع ذلك المشروع، الأخت حنين، اقل ما يقال عنها انها مناضلة ومقاتلة عنيدة، وهي شوكة في الجسم السياسي الاسرائيلي الى حد كبير جدا، ونحن نتابعها يوميا بكل تحركاتها، وهي بلا مبالغة قد تشكل جبهه اعلامية في مواجهة السياسات العنصرية الصهيونية، ولها الحق بذلك وهي دينمو متحرك تجدها في كل الامكنة الفلسطينية في فلسطين 48 وفي الضفة الغربية، ونتابعها في الآونة الاخيرة في إيرلندا والبرازيل وجنوب إفريقيا أيضا، وسنتحدث عن هذه العناوين، فأهلا وسهلا بك، القضايا عديدة جدا، وفي المقدمة منها الميزان الجغرافي والسكاني في فلسطين:اين كان وكيف أصبح، وسينياروهات المستقبل...!، ثم سياسات ترانسفير وسياسات التطهير العرقي الصهيونية، هل ما تزال على قمة الاجندة الصهيونية ام خفت حدتها ام ماذا..؟، وما الذي نتوقعه بالمستقبل..؟، على سبيل المثال سياسات الترانسفير وما يسمى بالوطن البديل الفزاعة الذي يتوهم الكثيرون بانها حقيقية وقد وقد وقد ... الخ، فمن الجدير ان نسمع رؤيتك في موضوع ثنائية الترانسفير والوطن البديل، ومدى جدية هذه المعادلة وعناوين اخرى سنطرحها انا والزملاء في سياق المقابلة...!
 
حنين زعبي: في البداية أريد أن أشكر أسرة العرب اليوم، ونحن حقيقة بحاجة الى أمثالكم بالعالم العربي، فالاردن هي نافذتنا للتواصل مع عالمنا العربي،، وتعتبر الباب الوحيد المفتوح لنا للعالم العربي بسهولة نسبيا، وحتى نسبيا لمصر ما قبل الثورة، الان مقولة ان "حنين في مواجهة السياسات الصهيونية" هي مقولة لا تعبر عن نجاح سياسي،، لاننا لا نتكلم عن أفراد، بل عن مشروع سياسي واضح قائم في مواجهة العنصرية، وهو قائم على معادلة بسيطة، يمكن ان تكون بالنسبة للعالم العربي معادلة بديهية وغير محرجة وغير مربكة، والأهم معادلة غير نضالية، مع أنها معادلة نضالية من الدرجة الأولى، وهي المعادلة الوحيدة المربكة والمحرجة لاسرائيل، في ظل انعدام مشروع وطني فلسطيني واضح، وهي التناقض بين الصهيونية والديمقراطية، أو يهودية الدولة والديمقراطية، وهي معادلة تعيد التأسيس لنضال وطني يقوم على مبادئ ديمقراطية كونية مثل المساواة والحرية والعدل، الأمر الذي يصطدم مباشرة مع العنصرية الصهيونية، ونحن نقول، إن دورنا في مواجهة مشروع صهيوني عنصري يبدأ بطرح سؤال الديمقراطية على الدولة العبرية، لأنك بذلك تفضح الجوهر العنصري في تعريف الدولة، ولا يمكن أن نفعل ذلك من دون الحفاظ على هويتنا وانتمائنا القومي والفلسطيني،، ولنا دور ايضا في اعادة بلورة المشروع الوطني الفلسطيني الغائب، بحكم أننا جزء من الشعب الفلسطيني، ولدينا مسؤولية سياسية وطنية في الحفاظ على ثوابت حقنا كشعب وعلى ثوابت نضالنا، فلا نقبل لا التفريط في الحقوق ولا التفريط في النضال. وندعو إلى إعادة بناء منظمة التحرير وإلى العمل على وحدة الشعب الفلسطيني، ونناضل ضد تجزئة القضية الفلسطينية. هذا دورنا، ونضالنا الفلسطيني لا يمكن أن يكون نضالا من اجل دولة فقط وإنما هو نضال للحرية والعدالة للشعب الفلسطيني، وهذا لا يمكن من دون العودة الى جذور الصراع، ونرى ان اوسلو ومسار سياسي أدى إلى أسلو حرف التوجه الفلسطيني عن جوهر الصراع، هذا اولا، وثانيا، علينا اعادة جوهر القضية الفلسطينية الى حاضنتها العربية. وليست القضية فقط ماذا نفعل كفلسطينيي 48 بغض النظر عن التسمية، او فلسطينيي الداخل، مع ان الداخل يعني في معظم الأوقات سكان الضفة، بل القضية هي ماذا نفعل كجزء من شعب وكجزء من قضية واحدة هي القضية الفلسطينية.
 
المشروع الوطني الفلسطيني
 
العرب اليوم: هل هناك مشروع فـــلسطيــني موحـــد لدى الفـــلسطيـــنيين في 48 و 67؟
 
حنين زعبي: لذلك انا ذكرت اننا نحن نحتاج إلى إعادة بلورة المشروع الوطني وفي مناطق الـ67 القضية ليست فقط خلافات بين فتح وحماس على السلطة وعلى النفوذ، هنالك أيضا خلافات سياسية عميقة، لا تندرج جميعها تحت بند الاجتهاد السياسي، فتسليم "مطلوبين" لإسرائيل لا يعتبر شكلا من النضال، عليكم أيضا ألا تنظروا الى الداخل الفلسطيني، ككتلة سياسية واحدة، هنالك اختلافات على مستوى المشروع السياسي، ربما لا خلافات على مستوى المطالب، أي خلافات على شكل النظام الذي يمكن عن طريقه تحقيق هذه المطالب وإمكانية مهادنة الصهيونية في سبيل تحقيق هذه المطالب، وهي خلافات في المشروع السياسي وفي وسقف النضال كذلك. فنحن في التجمع عندما نطرح التناقض بين الصهيونية والديمقراطية، والتعريف العنصري ليهودية الدولة، نقول عمليا: إنه لا يمكننا تحقيق العدالة والمساواة كسكان أصليين وكشعب فلسطيني في ظل الصهيونية أي في ظل تعريف إسرائيل كدولة يهودية، إذا نحن لا نحمل فقط "مطالب" قومية، نحن نحمل تعريفا واضحا للنظام الذي يمكنه تحقيق هذه المطالب، وهو تعريف متصادم بالضرورة مع الصهيونية، وإسرائيل ترى في ذلك تحديدا تهديدا استراتيجيا،. لدينا في الساحة السياسية ثلاثة تيارات فاعلة الشيوعية والإسلامية والقومية، يوجد لدينا إجماع على عنصرية إسرائيل ولكن لا يوجد إجماع على كيفية مواجهة العنصرية، وكيفية طرح مشروعنا السياسي، نحن متفقون في مطالبنا السياسية المتعلقة بالتمييز والعنصرية، لكننا لسنا متفقين حول سؤال البديل السياسي الذي نريده، الحزب الشيوعي الإسرائيلي مثلا، يعرف نفسه كيسار إسرائيلي، نحن نعرف انفسنا كجزء من الحركة الوطنية الفلسطينية، هو اختلاف يطرح خلافات ليست بسيطة تجاه العديد من المواقف والسلوكيات السياسية لا سيما تلك المتعلقة بالشارع الإسرائيلي. نحن كتيار قومي نطالب من موقعنا بإعادة بناء منظمة للتحرير الفلسطينية، لكن لا نستطيع مثلا وأقولها بشكل واضح أن نكون جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية، لان هناك محدودية لنضالنا السياسي، لا ننكره ونحن واضحون بشأنه وواضحون بمحدوديته.
 
العرب كتهديد استراتيجي لـ «إسرائيل»
 
العرب اليوم: في نص تقرير استراتيجي صدر عن "حكومة نتيناهو الاولى"عام 1998، اعتبروا "عرب إسرائيل" وليس التيارات السياسية، يشكلون تهديدا استراتيجيا لإسرائيل، فالسياسة الإسرائيلية تتعامل استراتيجيا مع الوجود العربي، وليس مع التيارات السياسية..!.
- زعبي: اريد ان أقول ماهو المفهوم الإسرائيلي للتهديد الاستراتيجي، هم يقرأون هذا التهديد في حال طرحت التناقض ما بين قوميتك وانتمائك وما بين المواطنة المعروضة عليك،، في الحقيقة هم لا يحوَلون مجرد وجودنا إلى تهديد استراتيجي، يعني إذا قبل العرب بالولاء الى إسرائيل، واذا قبل العرب بالمقارنة التي تضعها إسرائيل"انظروا ان أوضاعكم كعرب بداخل إسرائيل فهي افضل من أوضاع العرب في العالم العربي"، إذا نجحت هذه المقارنة ونجح عالم المقارنات هذا، ونجح فرض واقع الولاء لإسرائيل كدولة يهودية تقبل فيها بدونيتك وبالتنازل الطوعي عن حقوقك، وبدون ان تطرح معادلة التناقض بين الانتماء والخطاب التاريخي وحقوقك السياسية وما بين إسرائيل كدولة يهودية، فأنت لست تهديدا استراتيجيا. التهديد الاستراتيجي لا يتعلق بوجودك بل بالمشروع السياسي الذي تحمله، إسرائيل تفرز أيضا وبالمنطق نفسه ما بين العرب الصالحين أو الجيدين والعرب غير الجيدين، أو محور الشر ومحور الخير، هذه المعادلة أيضا تعمل وبقوة. عندما ذهبت الى البرازيل وايرلندا دخلت مجموعة موجهة من الخارجية الإسرائيلية الى القاعة وحملت صورا لشخصيات عربية في مناصب عليا مثل مجلي وهبي، وهو عضو عربي بالليكود، واستعملوا أيضا، وأظن دون معرفته صورا لسليم جبران، قاضي فلسطيني يعمل كقاض في المحكمة العليا، ولسان حالهم يقول: نحن لا نميز ضد العرب وليس كل العرب أعداء لإسرائيل، وقد علمت وأنا بالبرازيل انهم ينظمون لقاض عربي من المحكمة العليا حول "حقوق الإنسان في المحاكم الإسرائيلية وفي القانون الإسرائيلي".
 
العرب اليوم: لماذا هذا الإجماع السياسي الإسرائيلي على "يهودية الدولة"؟
 
حنين زعبي: اذا راجعت تصريحات 2007 و 2009 في مؤتمر هرتزليا، عندما تكلم يوفال ديسكن رئيس المخابرات الإسرائيلية، فقد كان واضحا حيث قال: "كل من يسعى لدحض التعريف الإسرائيلي كدولة يهودية ديمقراطية يشكل خطرا استراتيجيا".
 
باختصار، يهودية الدولة تعطي شرعية للعنصرية وللمشروع الصهيوني، تقطع الطريق على حق العودة، تعترف بدونية من بقوا في وطنهم التاريخي، وتجعلنا نحن من نعتذر عن النكبة، وتجعلنا حتى المسؤولين عما حصل لشعبنا وعن لجوئنا، كوننا لم نقبل أساسا بتقسيم وطننا.
 
الميزان الديمغرافي
 
العرب اليوم: يا ليتك تعودين لقراءة الخريطة الفلسطينية جغرافيا وسكانيا بالارقام وبالاحصائيات، كيف كانت وكيف اصبحت وهذا مهم جدا...؟!
 
حنين زعبي: تم في عام 1948، طرد أكثر من 80% من الفلسطينيين، وبالارقام تم طرد نحو (650 ألفا وبقي 150 الفا) الباقون اكثرهم سكان الريف الفلسطيني والقرى الفلسطينية وبعد ما دمرت العصابات الصهيونية 573 بلدة وقرية فلسطينية، استهدفوا أيضا يافا وعكا واللد والرملة وحيفا كمدن فلسطينية، واستهدفت الطبقة العليا والمثقفة والغنية والوسطى. نحن الان الجيل الرابع للفلاحين الذين بقوا في وطنهم. عددنا اليوم نحو مليون ومئتي الف، ونحن لا نقول مليونا ونصف المليون لان الاحصائيات الرسمية الإسرائيلية تأخذ بحسبانها سكان القدس والجولان. 52% منا يسكنون الجليل، وهم أيضا يشكلون 52% من سكان الجليل (عربا ويهودا)، نحن نتحدث عن حوالي 660 ألف فلسطيني، 25% منا يقطنون في منطقة المثلث، 10% منا في منطقة المركز التي تضم المدن الفلسطينية التاريخية، يافا واللد والرملة، و15% منا يسكنون الجنوب النقب، وهم يشكلون 18% من سكان النقب عامة، حوالي 8% منا، أي 100 ألف يعيشون في قرى غير معترف بها في الجنوب، وحوالي 20% من الفلسطينيين هم مهجرون، أي بقوا في فلسطين لكنهم لا يعيشون في قراهم وفي مدنهم الأصلية لأنهم طردوا منها، أما التعداد الديموغرافي لاسرائيل فهو 7 ملايين و600 الف، نحن الآن 18% من السكان، أي 9 اضعاف الذين بقوا. تتبع اسرائيل تجاه وجودنا خطاب تهديد: خطاب التهديد الديموغرافي وخطاب التهديد الاستراتيجي، الذي يوجه السياسيات الاسرائيلية أكثر هو خطاب التهديد الاستراتيجي، الذي بدأ بعد اوسلو، لأنه قبل أوسلو تمحورت معظم المطالب في إطار المساواة المدنية أي مساواة في مجال الخدمات والميزانيات والحقوق الجماعية ومنها النضال من أجل الحفاظ على لغتنا وهويتنا الفلسطينية، لكن من دون مواجهة مع طبيعة الدولة الصهيونية و من دون مواجهة مع تعريف الدولة العنصري، المواجهة كانت مع السياسات وليس مع تعريف الدولة او طبيعتها. وحافظنا على الهوية ضمن الوعي الجماعي الخاص بنا من دون مواجهة مع الدولة، نحن فلسطينيون بالحيز الفلسطيني، وفي الحيز الاسرائيلي نحن اسرائيليون، نملك فقط خطابا مدنيا امام الدولة. مقابل ذلك نحن نتضامن مع شعبنا وحقوق الشعب الفلسطيني، نتضامن لكننا لسنا جزءا منه، النضال من أجل حقوق الشعب الفلسطيني كان نضالا يخص منظمة التحرير، ونحن نناضل كفلسطينيين على حقوق جماعية من دون ان نعرف انفسنا كجزء من الصراع، حيث المواطنة تمنعنا من أن نكون جزءا من الصراع.. هذا تشخيص لحالة نضالنا حتى اوسلو.
 
العرب اليوم: لكن مواطنون بلا مواطنة!
 
حنين زعبي: أنا قصدت وصف المشروع السياسي والخطاب السياسي للفلسطينيين داخل إسرائيل الذي كان سائدا قبل أوسلو، وليس توصيف الواقع، في وصف الواقع طبعا نحن لم نكن مواطنين ولا حتى فلسطينيين، بل عرب- إسرائيل. والتجمع الوطني الديمقراطي لم يأت لتغيير هذا الواقع فقط، بل لتغيير الخطاب والسقف السياسي الذي ننادي به، نحن انتقدنا السعي للمواطنة ببعدها المدني، وإهمال دورنا في الصراع، التجمع الوطني الديمقراطي انتقد هذا التوصيف الذي سميناه بالاسرلة، وهو محاولة حصر نضالنا في مساواة خدماتية يومية وإغفال الصراع التاريخي ودورنا فيه، أي انه عندما صعد التيار القومي في منتصف التسعينيات بعد اوسلو، عارض بالإضافة لأوسلو، خطابا سياسيا كان سائدا أخرجنا هو أيضا من القضية الفلسطينية وتعامل معنا كشأن اسرائيلي داخلي.
 
سياسات الأسرلة والتدجين
 
العرب اليوم: في موضوع الخلاف الداخلي في المجتمع الفلسطيني، كم أثر ذلك في امكانية توافق فلسطيني في الداخل، وكم حجم الخلافات القومية لديكم...؟!
 
حنين زعبي: اسرائيل عرفت ان نجاح المشروع الصهيوني رهن بنجاح تدجينا، وإخراجنا من القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى تقسيم القضية الفلسطينية، وإخراج قضية اللاجئين من الصراع، واعتباره ملفا مغلقا بالنسبة لاسرائيل، الملف المفتوح الوحيد هو امكانية كيان مسخ بالضفة. و"تدجيننا" له ركيزتان: الركيزة الأولى إعاقة تطورنا المادي، عبر مصادرة الارض، لأن هذا الرأسمال السياسي الذي عن طريقه تقول ان هذا وطنك، وان تصادر الارض وتتطور فقط بمسار تهويدي، فإسرائيل قامت ببناء الف مدينة وقرية يهودية بأراضي 48، وصفر للفلسطينيين، وبالعكس تعمل إسرائيل الان على قلع 30 ألف فلسطيني من النقب ومصادرة 800 ألف دونم، بالإضافة لمصادرة الأرض، هنالك مصادرة للهوية والانتماء، الجسم الأساسي في مصادرة هذه الهوية والانتماء هو جهاز التعليم، بعد أن وضعتنا إسرائيل بجيتو معزول عن العالم العربي ولا يوجد تواصل سهل مع العالم العربي، أيضا بهدف ان تلغي عروبتك وانتماءك وشعورك، فاسرائيل بترتك عن شعبك وعن العالم العربي، أما آلية الاسرلة الاولى فهي جهاز التعليم، بالأخص ما يتعلق بمواضيع التاريخ والجغرافيا والمدنيات والمواطنة حيث قامت بصهينة وتهويد جميعها في كتاب التاريخ للصف السادس الان يتحدث فقط عن الهيكل الثاني، نحن لا نتعلم عما جرى عام 48، لا نتعلم عن النكبة، ويوجد في الكتب وحدتان من أصل خمس وحدات عن تاريخ اليهود، وإذا رصدنا أهداف قانون التعليم ترى أنه يهدف إلى ربط اليهود بأرض صهيون وتعزيز علاقتهم مع يهود الشتات واللغة العبرية والثقافة العبرية وتطويرها، والعرب مذكورون فقط في بند تطوير السلام مع الجيران العرب، ونحن لسنا موجودين بهذا المفهوم، ونحن لا نتعلم تاريخ شعبنا ولا حتى الأدب الفلسطيني فـ "غسان الكنفاني" يمنع تدريسه، وكذلك محمود درويش .
 
مئة مصطلح صهيوني
 
* العرب اليوم: وهنا قد نأتي لدور مشروع ليمور لفنات لتدريس "المائة مصطلح صهيوني" في المدارس العربية؟!
 
حنين زعبي: الشاباك الإسرائيلي له تمثيل في اللجنة التي تعين المدراء، بالنسبة للمائة مصطلح صهيوني، فهي من التسعينيات من القرن الماضي، ونحن نعاني من قبل ذلك بـ 50 سنة بحيث كل جهاز التعليم هو آلية من آليات نسخ الخطاب الصهيوني وخطاب التخويف والدونية. وإسرائيل لا تحتاج ولا تعتمد فقط على مشروع المائة مصطلح لكي تصهين التعليم، فهي تسيطر على المناهج وعلى تعيين المدراء وهذا أقوى من إدخال برنامج عيني.
 
البدائل الفلسطينية
 
العرب اليوم: بالمقابل أخت حنين قرأنا عن محاولات فلسطينية داخلية لبلورة خطة مواجهة؟
 
حنين زعبي: في المقابل لدينا محاولة فلسطينية بديلة أطلق عليها: مائة مصطلح فلسطيني التي حاولت لجنة المتابعة إدخالها للتعليم العربي، فالان في السنة التدريسية 2013 فان شخصية العام للمدارس هو" بن غوريون ومناحيم بيغن"، ومطلوب منا ان نتعلم انهم ابطال، وليس ان بن –غوريون طرد العرب، وأنه المسؤول الأول عن طرد الفلسطينيين وعن مشروع الترانسفير في 48، وليس أن منيحم بيغن كان رئيسا لحركة إرهابية، فعمليا هذا هو التدجين وهو اهم الية لإعادة بناء هويتك وتشكيل شخصيتك الوطنية. هذه السياسات إلى حد ما بالمفهوم الإسرائيلي لم تنجح بل فشلت، فنحن نرى أنه يوجد تنام للوعي الفلسطيني لدى الشباب، تنام وشعور بانتمائهم الفلسطيني، لكن صحيح أيضا أن عملية السيطرة على الوعي وعلى النضال قد تكون بطرق أخرى غير مباشرة عن طريق إغراقنا بهموم يومية، إغراقنا بعملية مصادرة أراض وعملية الإفقار ولقمة العيش وأكبر حزب بالمجتمع هو "حزب بدنا نعيش"، فـ 50% من العرب لا يصوتون للكنيست، ليس عن قناعة او نتاج وعي سياسي أو إنهم مقاطعون لاننا نريد برلمانا فلسطينيا مثلا بالداخل، لا بالطبع، فقط 10% يعبرون عن مقاطعة أيديولوجية، و 90% من المقاطعين يقولون نحن لن نستفيد من النضال، ولا جدوى من السياسة ونحن لن نغير شيئا وأعضاء الكنيست العرب لا يعملون شيئا، أي تعبير عن قلة حيلة سياسية أو عن لا مبالاة سياسية، وكلاهما خطر، والوسيلة الثالثة للسيطرة على الهوية والشخصية الوطنية، هي إغراقنا بالهموم اليومية والتحريض على القيادات ومقارنتنا مع وضع العرب في العالم العربي، وبالتالي قد تسمع خطابا يشير إلى تردي مكانة الفرد العربي وحقوقه في العالم العربي، وهي مقارنة تعتمد إسرائيل عليها لإقناعنا وإقناع الاخرين بديمقراطيتها. لقد نجحت اسرائيل بأن تخلق عالم المقارنة هذا، ومقارنتنا حتى باوضاع الفلسطيني في الضفة الغربية مع أنها المسؤولة عن هدم البنية التحتية ومصادرة الأراضي وإفقار الناس هنالك ومنعهم من تطوير حياتهم، أي أن سوء حال الإنسان الفلسطيني في الضفة وغزة هو منتج إسرائيلي وليس منتجا عربيا.
 
بناء الشخصية الوطنية
 
العرب اليوم: في ضوء كل ذلك، كيف تحافظون على الانتماء والولاء الوطني للانسان الفلسطيني هناك في مواجهة سياساتهم؟
 
حنين زعبي: اسرائيل خلقت معادلة أنه يوجد لفلسطينيي 48 ما يخسرونه إذا ما ناضلوا وفشلوا، حتى لو كان فتاتا بمفهوم الحق التاريخي للفلسطينيين، فقد خلقت إسرائيل حالة يحسب فيها "الفتات" أيضا، لأن البدائل غير مضمونة، وهذا الفتات مقارنة بالضفة والسلطة الفلسطينية واوضاع عربية أخرى هو فتات مؤثر، صحيح أن 50% من عرب 48 تحت خط الفقر، لكنك تنظر الى العالم الذي يحيط بك، والمصيبة ان العالم العربي غير الديموقراطي والفاسد والخانع، لا يعطينا بديلا أفضل، لا يقدم لنا مثالا لنظام آخر، وأنا أتكلم بروح الأوضاع ما قبل الثورات العربية، التي خلقت واقعا آخر. مأساتنا أن العالم العربي يصعب عملية اقناع أي شخص أن إسرائيل قامعة، او أنها أسوأ من محيطها، إذا نحن نحتاج إلى وعي صلب يخرج من دائرة ضيق الافق، ومن دائرة "الفتات المضمون"، ومن دائرة المقارنة مع السيئ. و بهذه الوسائل المادية والفكرية تحاول إسرائيل أن تهدم الشخصية الوطنية، والسؤال هو ما هي أدواتنا في بناء الإنسان الوطني؟ أولا، كرامة الإنسان الفطرية وكبرياؤه الفطري، فيبقى من الصعب أن تنجح في قمع الكرامة الوطنية والشخصية للإنسان، حتى مع الكثير من الإغراءات. ثانيا، العنصرية الاسرائيلية اليومية تبقى تذكرك بأنك العدو، وأنك مقموع، وأن حقوقك غير معترف بها، العنصرية الإسرائيلية تستعديك، وتحول شروط تعليمك، وحقوقك في الصحة والعمل والسكن وعلى أرضك كلها حقوق مهدورة، القمع اليومي يذكر من لا حس وطنيا وكرامة مرهفة لديه، بأن الدولة تعاديه. ثالثا: نضال الأحزاب السياسية الوطنية، أنا أعتقد أن دورنا الأساسي كأحزاب وطنية هو بناء الشخصية الوطنية، وبناء مؤسساتنا القومية التي تبني هذه الشخصية، دورنا الأساسي هو الحفاظ على الشخصية الوطنية والحفاظ على الوعي السياسي، لذلك قبل البدء ببناء المشروع النضالي عليك أن تبني حامل هذا المشروع، الحامل الوطني له، ألا وهو الانسان الواعي والمناضل، وهذا على ما أعتقد الهم الاول لنا كأحزاب وطنية، وهو هم يجري خارج الكنيست وليس داخله، لكن تمثيلنا وصوتنا وأداءنا في الكنيست يساعد كثيرا في بناء هذه الشخصية الوطنية.
 
حلم الوحدة الوطنية
 
العرب اليوم: ممكن في دورة الانتخابات المبكرة القريبة يصبح هنالك شيء من هذا القبيل، بناء وحدة الموقف والبرنامج ودخول الانتخابات على الأقل بصوت واثق.
 
حنين زعبي: احدى استراتيجيات التيار القومي، هي تنظيم العرب كأقلية قومية، وبالتالي مطلب توحيد الحركات السياسية في قائمة واحدة هو ترجمة لتلك الرؤية، وكان هذا هو مطلب التجمع ورؤيته خلال الانتخابات الأخيرة لأكثر من دورة.
 
العرب اليوم: هل يوجد احتمال لتحقيق هذا الحلم؟
 
حنين زعبي: هذا من بين اختلافاتنا الاستراتيجية ربما، الحزب الشيوعي يرفض فكرة قائمة مشتركة، ويظن أنها تضر العمل العربي – اليهودي، غير القائم أصلا. .
 
العرب اليوم: في مسألة القائمة العربية الموحدة هل يوجد تقدم بالحوار بين الفصائل مثلا؟
 
حنين زعبي: مطلب الشارع هو القائمة المشتركة والاحصائيات تقول ان تمثيلنا البرلماني سيرتفع من 11 مقعدا إلى 16 مقعدا. والتقسيم الحالي لتمثيلنا هو التيار الشيوعي 4 مقاعد، والائتلاف الاسلامي لانه مع حركات صغيرة وشخصيات" طيارة " 4 مقاعد، والتيار القومي 3 مقاعد.
 
فائدة المشاركة في الكنيست
 
العرب اليوم: لنفترض انه ارتفع الى 16 وربما في بعض التقديرات الى 20 مقعدا للعرب، فما مدى فعالية هذا الوجود العربي بالكنيست، وهل هناك وقفة مراجعة في عملية المشاركة في الانتخابات بالكنيست؟
 
حنين زعبي: نحن نرى الانتخابات ووجودنا بتمثيلنا بالكنيست، احدى وسائل النضال من اجل حقوقنا، فقط احدى الوسائل. وكان هناك نقاش كبير بالتجمع 1995، هل ندخل الكنيست ام لا ندخل، وهي ليست مسألة مفروغ منها ومفهومة ضمنا، وهي ليست خيارا استراتيجيا للمدى البعيد او حتى الأقل بعدا، وهذه احد تكتيكات النضال. وفي اللحظة التي نقيم فيها أن وجودنا بالكنيست لا يخدم مشروعنا الوطني أو حتى لا يعبر عن مشروعنا وعن سقفنا النضالي لن نكون في الكنيست. لكن جدوى المقاطعة هي في أن تكون مقاطعة جماعية، بمعنى ان على المقاطعة أن تخدم مشروعنا الوطني والا تخفض من سقفنا الوطني. ثانيا، وجودنا البرلماني لا يقاس بإنجازات عينية في كم القوانين التي نمررها، او ننجح في عدم تمريرها، فلا تقارننا ببرلمانيين في فرنسا أو الأردن، اهمية وجودنا هو في تمثيل صوتنا ومشروعنا السياسي، وفي تمثيل شعبنا، وفي تمثيل قضية شعبنا، وفي مقارعة النظام، وفي محاولة تغيير النظام، نحن لسنا معارضة عادية، نحن أيضا حاجز وطني ما بين الاحزاب الصهيونية والمواطن العربي الذي يريد من يحمل مطالبه الفردية والجماعية، ونحن نعطي بعدا وطنيا لهموم يومية، قد تفقد بعدها الوطني إذا ما عالجتها أحزاب صهيونية. وكان هنالك أعضاء كنيست عرب في الأحزاب الصهيونية منذ الخمسينيات، ونسبة تصويتنا للاحزاب الصهيونية بلغت اوجها عندها، حوالي 85% والآن نسبة تصويتنا لهذه الأحزاب هي 19%.
 
المواجهة الوجودية
 
العرب اليوم: نعود لنعزز المعطيات عن موضوع المصادرات، وماذا بقي من الارض للفلسطينيين، ومعركة النقب والمحتةـ والعراقيب التي هدمتها جرافات الاحتلال 43 مرة حتى اليوم، واهل العراقيب يعيدون بناءها من جديد، وهذه المعركة والمواجهة الوجودية!
 
حنين زعبي: نحن لذلك نقول ان النكبة مشروع مستمر بمعنى تهويد الارض ويوجد الان مصادرات تهويدية، يعني مصادرة الأرض وإلحاقها بمدن يهودية، أو بمشاريع عامة تكون فقط على حساب أرض العرب، وتعطي انطباعا بهوية يهودية مثل أن تسمى باسم عبري، نحن الآن نعيش على 3% من الارض منذ 48 واسرائيل صادرت 86% من الارض وسنت مؤخرا، أي خلال حكومة نتانياهو خمسة قوانين تبيح مصادرة الارض وخصخصتها بهدف بيعها، بما فيها أملاك اللاجئين، وقوانين تمنع الفلسطينيين من السكن على أرضهم، مع أنه حسب الاتفاقيات ومنها أوسلو وقعت اسرائيل على عدم التصرف باملاك اللاجئين حتى الاتفاق مع الفلسطينيين بهذا الخصوص، والمصادرة وشكل المصادرة وكل ما نقوله اليوم عن المستوطنات في الضفة الغربية وإنشاء كنتونات ومنع التواصل الجغرافي، يحدث داخل إسرائيل منذ عام 48، الفكر الاستيطاني لم يبدأ عام 67، و"أرض أكثر، عرب أقل" هو مشروع لم يبدأ عام 67، بل عام 48. وإسرائيل صادرت مثلا، كل الاراضي حول الناصرة لصالح "نتسيريت عليت" ونحن نستخدم اسمها العبري ولا نعربها (الناصرة العليا)، وهي تحاصر الناصرة وكل القرى المحيطة بها بشكل أخطبوطي، هنالك الآن مخطط جديد، نحن نناضل ضده، وهو من أخطر مخططات المصادرة، مخطط "برافر" الذي يهدف لمصادرة 800 الف دونم في النقب، وتهجير 30 الف فلسطيني من أراضيهم، وتجميعهم في بقعة صغيرة وإنشاء قرى ومستوطنات يهودية في الأرض المصادرة.
 
سياسات التطهير العرقي
 
العرب اليوم: جوهر هذه السياسة هو الاقتلاع، اقتلاع من تبقى من عرب النقب وتجميعهم وإزاحتهم والسيطرة على الارض!
 
حنين زعبي: بالضبط، ويسمون ذلك بتسميات مختلفة منها "تطوير الجليل والنقب"، لأن إسرائيل تعتقد أن الجليل والنقب لم يهودا بالشكل الكافي، وهي تعمل على وجود أغلبية يهودية بالجليل ويهود أكثر في النقب، نحن نتحدث عن 800 الف دونم أي ثلث الـ 3% من احتياط الارض التي تبقى لنا، والقضية لا تقف هنا، فنحن نمنع من البناء على الارض التي ما زلنا نملكها، بمعنى اننا لا نملك فعليا الأرض التي بقيت تحت ملكيتنا، 48% من القرى العربية بغير خرائط هيكلية مصادق عليها من الداخلية، يعني ممنوع ان تبني حيث لا خرائط هيكلية مصادق عليها. مما يضطرنا للبناء الذي يطلق عليه بناء غير قانوني، وبالتالي تهدم البيوت او تعرض للهدم. يوجد 60 الف بيت من غير رخصة
 
العرب اليوم: اذا يمكننا القول ان في ضوء هذه التفاصيل ان سياسات التطهير العرقي الصهيوني مستمرة منذ 48 حتى اليوم، لاقتلاع ما تبقى؟!
 
حنين زعبي: سياسات الاقتلاع ما زالت مستمرة، وهنالك سياسة لمحاصرة لوجودنا.
 
العرب اليوم: الحصار هو خطوة من خطوات الاقتلاع،ايلان بابيه يقول: سياسات التطهير العرقي لا تزال تحتل جوهر السياسات الاسرائيلية، الى ذلك ما يتعلق بسياسة"الترانسفير-الترحيل-" هل هناك مخاوف حقيقية منها؟
 
حنين زعبي: الحقيقة انه لا يوجد لدي خوف من سياسات ترانسفير للأردن، نحن في عصر آخر، ولن تكون هنالك نكبة ثانية، ليس لأن إسرائيل لا تريد، بل لأن إسرائيل لا تستطيع، وانا أعي شعارات تتكلم عن الخوف من الأردن كوطن بديل، من يروج لهذا يريد الإضرار بالفلسطينيين وبالحياة السياسية في الأردن، ويريد بث الخوف والرعب وله اهداف وأجندات أخرى في نفسه، ولكن في إسرائيل لا يوجد من يتكلم بجدية عن الموضوع، حتى عضو الكنيست إلداد اليميني المتطرف لا أظن أنه يصدق نفسه، بل هو يريد أن يسمعه بعضهم وان يستعملوا أقواله لخلخلة نسيج العلاقة في الأردن بين الفلسطينيين والأردنيين، وأنا أرجو منكم ألا تروجوا لهذه المغالطات الخطرة.
 
العرب اليوم: مشروع "ترانسفير"هل سقط عن الاجندة الصهيونية ام ما زال قائما؟
 
حنين زعبي: انا اظن ان الترجمة العملية للترانسفير هي المشروع الذي تم التفاهم معه مع ابو مازن هو تبادل المناطق بين المثلث والمستوطنات غير الشرعية.
 
العرب اليوم: ليبرمان ينادي بطرد العرب وهناك تيار وراءه.
 
حنين زعبي: في كل مجتمع تستطيع أن تسمع كل شيء، السؤال هو من يحرك الأمور، علينا أن نجيد الإصغاء للتيارات والمؤسسات التي تمسك بزمام المؤسسة الاسرائيلية، والعنصرية الاسرائيلية تستوعب خطابات تصل الى حد قتل العرب في الفنادق والشوارع، لكن من يصنع السياسة هو ليس خطاب الشوارع بل مخططات مؤسسة لها عدة أذرع، ولذلك قد تتكلم عن ترانسفير سياسي، بمعنى إخراج الفلسطينيين من صنع السياسة في إسرائيل، كما يحاولون الآن شطب التجمع الوطني الديمقراطي ومنعه من الترشح أو منعي شخصيا من الترشح، وهذا خطر بحد ذاته، إذ عندما لا تستطيع إسرائيل طردنا جسديا، هي على الأقل تحاول طرد ما نمثله من الشرعية السياسية، وهذا مخطط تظنه أكثر برغماتية من الترانسفير.
 
العرب اليوم: نريد ان نسأل عن عملية تبادل الاراضي، فنحن نسمع من الخارج ان الفلسطينيين لن يقبلوا بموضوع التبادل، ما هي الاسباب...؟!، (علما بان فكرة تبادل الاراضي سقطت تماما بسقوط احتمالية التسوية السياسية واقامة الدولة الفلسطينية وانا مقتنع استراتيجيا ان الامور بهذا الاتجاه لأن المؤسسة الاسرائيلية تجمع على البقاء على نهر الاردن والسيطرة الاستراتيجية على الضفة الغربية وعدم اتاحة اقامة دولة فلسطينية سيادية ما هي امكانية التبادل).
 
حنين زعبي: اسرائيل تعمل على هذا، هم يريدون السيطرة على 10% من الضفة ضمن مخطط القدس الكبرى، وقد أخرجوا كتا سكانية كبيرة من "راس خميس" وشعفاط " تضم 60 الف فلسطيني، مرة أخرى، أرض أكثر عرب اقل. ثم يقولون لنا خذوا منطقة "أ" وهي 18% من الضفة (أقل من 4% من فلسطين التاريخية)، خذوا منطقة "ب" أيضا أقل من 4% من فلسطين التاريخية، وستسيطر إسرائيل على 60% من المنطقة "ج "، بما فيها منطقة الغور، لتعطي الفلسطينيين الفتات الذي تبقى، وطن يعامل كسلعة تقسم وتباع، ما يعطى للفلسطينيين هو عبارة عن كانتونات، بسلطة بلدية، ثم يقولون لنا إنهاء الصراع.. هذه تصفية للصراع...!
 
خروج عزمي بشارة
 
العرب اليوم: هنالك سؤالان مهمان: الاول هل خروج عزمي بشارة من الكنيست ايجابي ام سلبي وكيف انعكس عليكم، لانه موضوع مفتوح دائما.. والسؤال الثاني: هل ما زلتم تعانون من قصة "انتم اسرائيليون ولستم عربا"، هل ما زلت انت تواجهين عبارة "انت اسرائيلية ولا اريد الجلوس معك"؟
 
حنين زعبي: اول شيء، خروج عزمي قسري بالنسبة لنا، وليس من الممكن أن يكون مكسبا، ونحن كفلسطينيين خسرنا شخصية وطنية سياسية من الدرجة الأولى، غيرت قوانين السياسة أمام إسرائيل، وأربكتها، وحولت المواطنة من بديل لانتمائنا كما تريده إسرائيل إلى بديل للصهيونية، أي من وسيلة سيطرة إلى آلية نضال، لقد بنى عزمي مشروعا قوميا ديمقراطيا، سبق الثورات العربية، التي تطرح هذا الفكر الآن، والتي انطلقت منه، لكن الأهم ان القضية ليست قضية أشخاص، هي قضية مشروع وطني أثبت نفسه على الساحة ورفع من سقفنا الوطني، وأعاد لحمتنا السياسية مع قضية شعبنا.
 
فريق العرب اليوم - نبيل غيشان، وأسامة الرنتيسي، ونواف الزرو، وسعود قبيلات، ولميس أندوني.

التعليقات