"مواجهات الغضب" بعيون قادة الأحزاب والحركات السياسية: الأسباب قائمة لكن أساليب النضال تختلف

مفيد: أحذر الحراك من غياب المرجعية * عبد الفتاح: الهبة مدماك آخر في الوعي المتجدد يحتاج لمؤسسات قومية * عودة: هناك فرق بين احتجاج منظم واحتجاجات غضب * إغبارية: باعتقادي أن الاحتجاجات ستعود بزخم أكبر * غنايم: الاحتجاجات يجب أن تكون تحت سقف وحدوي

من احتجاجات الغضب الأخيرة

شهدت ساحة عرب الداخل حراكا شبابيا غاضبا، ربما لم تشهده الساحة منذ هبة القدس والأقصى، في أعقاب إعدام الفتى المقدسي، محمد أبو خضير، بحيث تداركت المؤسسة الاسرائيلية وجهة هذا الحراك ومخاطره وتعدد جبهات المواجهة مما دفعها لممارسة شتى أساليب الترهيب لقمع الحراك بالقوة وحملة اعتقالات واسعة في صفوف النشطاء قبل اتساعه وتعمقه لما سمي بجيل الانتفاضة الثانية.
 
وتساءل كثر عن أفق تطور هذا الحراك مما يستدعي الحفاظ عليه وتطويره إلى "حالة تنظيمية وترشيد وتوجيه".
 
مفيد: أحذر الحراك من غياب المرجعية...
 
يرى عبد الحكيم مفيد، عضو المكتب السياسي للحركة الإسلامية، أن المظاهرات الغاضبة كانت ردة فعل طبيعية ومتوقعة نتيجة الممارسات العنصرية الإسرائيلية وجرائم المستوطنين الأخيرة، وقال لـ"عرب 48": اعتقد أن ردة الفعل على حالة من القهر والقمع والإقصاء والتمييز والعدوان هي رد طبيعي، كما اعتقد أن تراكم القهر الاحتقان وإعدام الفتى أبو خضير أشعل الشرارة الكامنة وليس هناك أي شيء مفاجئ. فما حصل هو جزء من المسيرة الصحيحة للحياة التي يعيشها عرب الداخل وانعكست هذه الصورة في ظل انتكاسة للعمل الوطني بالسنوات الأخيرة".
 
وأضاف مفيد أن "المواجهات العنيفة شهدتها أيضا المظاهرات المناهضة لمخطط برافر لتهجير عرب النقب، وأن هناك حالة سياسية وطنية جاءت على هذا الشكل مع بروز الحراك الشبابي الذي باعتقادي له صوتاً مزدوجًا، منه المسيس ومنه غير المسيس، لكن لا تناقض في ذلك.
 
وأضاف مفيد: سأسميها هبات وستتكرر لكنها لن تتحول إلى إنتفاضة لأسباب موضوعية.
 
وأشار مفيد إلى أن "العمل السياسي بالأدوات التقليدية لم يعد يسير ويجب ملائمة نفسه مع التطورات والمتغيرات وأن الإعلام الجديد دخل إلى المشهد بقوة ويفرض نفسه بقوة على الحراك ضمن ثورة المعلومات، بحيث انتقل أيضًا من حيز التعبير عن النفس إلى الواقع وحيز الفعل، وهذا يساهم بدوره في إعادة صياغة وعي الشباب بأدوات جديدة بالإضافة لغياب عامل الخوف، وأنا أقول أن الحراك ايضا بحاجة لدراسة لان للحراك ايضا وجهات نظر مختلفة منها ذات طابع سياسي وبعضها تمثل أحزابها  وهذه ليس نقيصة وكان البعض يعاير بها، ومن يقول إنه ليس سياسيا لكنه ممارسة هو يمارس عمل سياسي".
 
ونوه مفيد إلى أن "ضرورة تعريف عنوان للحراك كي لا تبقى الأمور ضبابية وتخلق حالة من الفوضى"، وشدد مفيد على "أننا نمر بمرحلة تغير أجيال وهناك جيل قضى نحبه وهناك جيل متقدم بأدوات مختلفة ونحن لم نفاجأ لأن الشباب دوما كان بالريادة، لكن يجب أن يكون له مرجعية وألا يدخل بوهم اكتشاف العالم، وهو جيل مبارك يحتاج إلى ضوابط والابتعاد عن المزايدات وتوزيع الشهادات".
 
وخلص مفيد إلى أنه "ليس من العيب أن تكون المرجعية سياسية، لكن على الأحزاب أن تطور نفسها أمام نقطة تحول هامة وكبيرة أمام الأدوات  المذهلة لدى الشباب وهو يبدل نفسه مستخدما هذه الأدوات، خصوصًا مواقع التواصل الاجتماعي مع عوامل الزمن والسرعة، لكن أحذر من غياب المرجعية لدى الشباب".
 
عبد الفتاح: الهبة مدماك آخر في الوعي المتجدد يحتاج لمؤسسات قومية...
 
قال أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي، عوض عبد الفتاح، إن هناك "ضرورة لوضع هذا الحراك في إطار وسياق شامل وهو سياق وطني المرتبط بالقضية الفلسطينية عمومًا"، وأضاف أن الهبات الشعبية التي امتدت على طول الخط الاخضر جاءت في سياق الرد على جرائم الاحتلال والمستوطنين، وهذا ما يميز هذا الحراك عن الحراك الذي اندلع ضد مخطط برافر الاقتلاعي،  مع ذلك فإن هذا الحراك وتطوره واتساعه لم يأتِ من العدم فخيوطه تمتد إلى النضالات التي خاضها الفلسطينيين بالداخل ضد برافر وخاصة جيل الشباب، بحيث كانت تلك النضالات مقدمات للهبات الشعبية الراهنة.
 
وأضاف عبد الفتاح: يمكننا القول إن الهبات الشعبية الراهنة المتفرقة التي انتشرت بالبلدات العربية عززت مشاعر الارتباط بجذر القضية وما ميز هذه الهبة عن سابقاتها هذا الجيل الجديد الذي ارتاد الدور الطليعي الذي تصدره الشباب والذي استيقظ على حالة الظلم المتصاعد ضد أبناء الشعب الفلسطيني ككل وضده بشكل عيني، بحيث أصبح يرى أن منظومة القهر والسيطرة هي منظومة واحدة تمارس نفس الظلم والقمع على الشعب الفلسطيني برمته.
 
وتابع عبد الفتاح: ليس واضحًا إلى أين سيتطور هذا الحراك، لكني أعتقد أنه لن يتطور إلى هبة عارمة وطويلة، رغم أن هناك أسباب كثيرة، لذلك لكن تفجر الوضع بشكل شامل مرتبط بالفلسطينيين بشكل عام وخاصة بالضفة الغربية بحيث تحكم السلطة الفلسطينية سيطرتها لجانب الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. ومن جهة أخرى فإن هناك عوائق موضوعية داخل الخط الأخضر التي تحول دون تحول هذه الهبة إلى هبة شعبية شاملة وطويلة، وطبعا ليس بالضرورة أن يحصل هذا التطور حتى نحكم على إيجابية. سواء توقف أو لم يتوقف الحراك، فإننا بنينا مدماكًا آخر في بنيان الوعي المتجدد برفض الواقع القائم، وأن نضال عرب الداخل سيتواصل بمستويات مختلفة أي قد يتقدم أو يتراجع، لكن ما نحتاجه الآن هو أن يترجم هذا الوعي المتصاعد والوعي الشعبي إلى مؤسسات قومية راسخة تسنوعب وتوجه طاقات الناس ضد نظام القهر.
 
عودة: هناك فرق بين احتجاج منظم واحتجاجات غضب...
 
اعتبر سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، أيمن عودة، في حديثه لموقع "عرب 48" أن "هذه الموجة هي تعبير عن انتماء فلسطيني نبيل وأن لهذا الحراك أسبابه الكامنة والمتنوعة"، وقال: هناك عدة عوامل لهذه الموجة، اعتداءات عصابة دمغة الثمن ومقتل الفتى المقدسي ابو خضير والعدوان الإسرائيلي على غزة وكذلك الإعلام الإسرائيلي التحريضي العنصري إلى جانب سن العديد من القوانين العنصرية إضافة للفقر والبطالة. كل هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى انفجارات بين الفترة والأخرى. وأضاف عودة: اعتقد أن هناك فرق بين احتجاجات منظمة واحتجاجات غضب، لأن الغضب قد يأتي ضد الاحتلال والجرائم ولكنها لا تدفع نحو الأهداف، وهذا أمر طبيعي. لكن بعد أسبوع أو أكثر قد تتوقف، لذلك على القوى السياسية أن تحدد الأهداف وترشد النضال والغضب منوط باستمرار العوامل التي ذكرت، أي عندما ينتهي العدوان المباشر فإن احتجاجات الغضب ستتوقف لأن النضال غير منظم ومخطط له.
 
وتابع عودة أن الاحتجاج داخل البلدات العربية هو أمر مهم من حيث الهوية والتأكيد على الانتماء والهوية، لكني أطالب بأن يتحول هذا النضال إلى نضال عربي - يهودي مشترك في المدن اليهودية الكبرى ضد العدوان، لأن هناك أهمية فائقة لأن يرى العالم أن هناك معارضة واحتجاج وسط هذه المدن من شأنه أن يضعف حكومة نتانياهو، وعلينا القيام بهذا النضال لأن شعبنا في الضفة والقدس ومخيمات اللجوء لا يستطيعون القيام بذلك، والشعوب تتحرر بوسيلتين أساسًا، بالمقاومة والثاني الرأي العام داخل دولة الاحتلال، وهذا من شأنه أن يشكل أيضًا إسنادًا هاماً لشعبنا الفلسطيني ويعزز من صموده ونضاله ضد الاحتلال وكذلك تدعيم مطالبنا الداخلية.
 
إغبارية: باعتقادي أن الاحتجاجات ستعود بزخم أكبر
 
قال رجا اغبارية، القيادي في حركة أبناء البلد، لـ"عرب 48" إن "الإرهاب الصهيوني بلغ ذروته في اختطاف وإحراق الفتى محمد أبو خضير وأن الاحتجاجات الغاضبة الأخيرة اختلفت عن سابقاتها لكونها جاءت كرد فعل على الإنفلات الفاشي الصهيوني الرسمي والشعبي، وذلك في إعقاب اختطاف المستوطنين الثلاثة التي لم تتبناه أي جهة، وهذا الانفلات تمثل في محاولة لتصفية الكوادر القيادية وقواعد حماس المؤثرة وكذلك قياديين من قوى أخرى بالضفة الغربية. وعلى الصعيد الشعبي الصهيوني فقد وصل ذروته بعد سلسلة اعتداءات على الممتلكات والمقدسات بإعدام الفتى محمد أبو خضير وهنا وقعت ربما ما لم تتوقعه إسرائيل، وهو تصعيد الاحتجاج الشعبي الذي بدأ منذ شهرين تضامنا مع الأسرى، وتحويل وجهتها نحو العنف الشعبي المشروع بما يتلائم مع الهجمة الصهيونية".
 
وشدد إغبارية على أن" شباب الغضب بداية لم يقوموا بأعمال عنيفة بل احتجاج سلمي محدود، والسلطات هي التي قررت أن تطفئ هذا الغضب من خلال العنف الشرطوي والاعتداء على المتظاهرين واعتقالهم، والثاني استخدام أدوات داخلية من بعض القيادات الحزبية ورؤساء سلطات محلية من أجل قمع ولجم مظاهرة الغضب، هذا بالتزامن مع العدوان على غزة".
 
وتابع: "اعتقد أن ذلك يأتي ضمن إستراتيجية التهدئة لكل الجبهات. إن الجماهير الآن عيونها متجهة نحو العدوان على غزة، لكن باعتقادي أن هذه الاحتجاجات ستعود بنفس الزخم مع تعلم درس كبير كيف نواجه طابور خامس بين جماهيرنا بالداخل".
 
وأشار إغبارية إلى أن "بعض القيادات تجنبت المواجهات بذريعة المسؤولية وعدم الاستعداد لها، لكن العلاقة النضالية هي الأبرز وأن شباب الغضب سيتجاوزون أطراف التدخلات السياسية الرديئة والاستثمارية للحالة النضالية التي تعيق من الحراك. أنا متفائل لأن الحراك سيمضي بدوره ما دامت الأسباب قائمة".
 
غنايم: الاحتجاجات يجب أن تكون تحت سقف وحدوي
 
قال النائب عن الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي)، مسعود غنايم، إن عوامل وأسباب الاحتقان واندلاع المواجهات الشعبية في البلدات العربية قائمة،  وأكد أن ارتفاع منسوب العنصرية المتمثل بالتصريحات الرسمية والإعلامية العبرية وظاهرة الممارسات الفاشية بين صفوف المستوطنين من إعتداء على الممتلكات والمقدسات والخطف والقتل تشكل السبب القوي والتي باتت لا تحتمل وأن اندلاع المواجهات قائم وكذلك توسع رقعتها.
 
وأضاف غنايم أن "هذه السياسات والممارسات غير المسبوقة تستدعي أدوات ناجعة لكبحها والتصدي لها واعتقد أنها قابلة للانفجار بشكل أقوى وأشمل ما دامت كل الأسباب قائمة ومتوفرة، والتي تشكل وقود للغضب الشعبي".
 
وتابع غنايم: رغم كل ما شاب الاحتجاجات من بعض النواقص إلا أنها الرد الطبيعي على العنف الرسمي والشعبي الذي بات يقترب من أحيائنا وبيوتنا ومقدساتنا وممتلكاتنا، واعتقد أن الأمر يحتاج إلى نضال منظم وتحت سقف وحدوي لتوجيهه وترشيده كي لا يكون مرتجلا وعفويا مع التأكيد على الإرادة الشبابية الرائدة بالاحتجاج على استمرار العدوان وتفشي الجرائم العنصرية، ولكي لا تكون الاحتجاجات مجرد طفرة غضب عابرة، علينا الشروع بترتيب البيت الداخلي لنطرح مطالبنا بقوة ووضوح ضمن برنامج مشترك ورؤية واضحة نكون من خلالها قادرين على فرض هيبتنا وقوتنا المتمثلة بالوحدة والتنظيم والإجماع على المطالب والأهداف".

التعليقات