اللجنة الملكية البريطانية وقرار التقسيم الأول

في 28/11/1947 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا آخر بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية على مساحة 55%، ودولة عربية على مساحة 45%

اللجنة الملكية البريطانية وقرار التقسيم الأول

في 15 نيسان 1936 حدثث أعمال عنف وقتل بين الطرفين اليهودي والعربي، ثم سرعان ما اندلعت الثورة العربية الكبرى في فلسطين مطالبة بوقف الهجرة اليهودية ومنع بيع الأراضي لليهود ومنح البلاد الاستقلال الكامل.

يسود الاعتقاد بأن وزير المستعمرات البريطاني أعلن عن تأليف لجنة ملكية للتحقيق في الأسباب الحقيقية للثورة الفلسطينية في شهر آب 1936. هذه اللجنة وصلت إلى فلسطين في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1936 وحلفت اليمين أمام المندوب السامي في اليوم التالي، وكانت مؤلفة من خمسة أعضاء إضافة لرئيسها اللورد وليام روبرت بيل (W.R. PEEL)  وهو ابن 69 سنة. استمر عمل هذه اللجنة ستة أشهر، عقدت خلالها اجتماعات مع شخصيات يهودية مثل بن غوريون  وحاييم وايزمن وشخصيات عربية مثل الحاج محمد أمين الحسيني، ومسؤولين بريطانيين، ثم نشرت تقريرها في 7/7/1937.

بين أيدينا منشور كانت قد ألقته الطائرات البريطانية على القرى العربية قبل 26/6/1936، ومنه يستفاد أن بريطانيا كانت عاقدة العزم في ذلك الوقت على إنشاء لجنة ملكية للتحقيق فيما يجري في فلسطين، وفيما يلي جزء من المنشور المذكور:

'لماذا تواصلون الاضطراب والعنف والأعمال الخارجة على القانون؟

حالما يستتب النظام يرسل جلالة الملك

لجنة ملكية إلى فلسطين مؤلفة من رجال بريطانيين من ذوي

المكانة العالية للتحقيق في

مسألتي الأراضي والهجرة

وغير ذلك من الظلامات

إن مثل هذه الفرصة لم تسنح لأهالي فلسطين فيما مضى

لكن

اللجنة لن تأتي إلى فلسطين إلا بعد أن يستتب النظام

وما لم يصبح في وسعها أن تسمع أقوال جميع طبقات السكان

في جو هادئ سلمي..'

استنادًا إلى ما ورد أعلاه  يمكننا القول إن بريطانيا كانت قد قررت تعيين لجنة ملكية للبحث في الأسباب الحقيقية للثورة  قبل مجيء فوزي القاوقجي لفلسطين وموافقة قادة الفصائل على ترؤسه للثورة، إذ أنه قدم  إلى فلسطين في 22 آب 1936 وتم تعيينه قائدًا أعلى للثورة في 28 من الشهر نفسه.

كما أن صحيفة 'دافار' نشرت في 19/5/1936 أن المندوب السامي البريطاني صرح بأن الحكومة البريطانية عاقدة العزم على إرسال لجنة ملكية للبحث في شكاوى العرب واليهود شريطة عودة الهدوء ووقف الاضطرابات وأعمال العنف.

في البداية قاطع الفلسطينيون اللجنة الملكية، ولكن حكام الدول العربية أمروهم بالمثول أمامها لطرح قضيتهم العادلة كما يتبين ذلك من أغنية نوح ابراهيم التي سنوردها لاحقًا.

أنيطت بلجنة بيل فحص الأمور التالية:

1.أسباب الثورة الفلسطينية التي أسمتها بريطانيا اضطرابات وأعمال عنف خارجة على القانون؛

2.كيفية تنفيذ صك الانتداب على فلسطين، بالنسبة إلى إلتزامات بريطانيا نحو كل من العرب واليهود؛

3.تقديم توصيات لإزالة الظلامات المشروعة يقدمها العرب أو اليهود عن طريقة تنفيذ الانتداب.

توصلت اللجنة إلى أن سياسة حكومة الانتداب فاشلة، ويجب إنهاء الانتداب بإنشاء دولة يهودية بين صفد وعكا  وطبريا في الجليل وحيفا وتل أبيب في الساحل، وضم القسم العربي من فلسطين إلى شرق الأردن وقيام دولة عربية موحدة، مع إبقاء القدس وبيت لحم واللد ويافا تحت الانتداب البريطاني. رفض العرب قرار التقسيم رفضًا باتًا، بينما قبله بن غوريون بتحفظ لأنه لأول مرة في التاريخ تعترف بريطانيا بحق قيام دولة يهودية في فلسطين مما سيجر اعتراف الدول الأخرى بذلك. ورغم أن مساحة الدولة اليهودية كانت 17% من مساحة فلسطين، إلا أن الطريق أصبحت معبدة لقيام دولة يهودية.

درست لجنة الانتدابات التابعة لعصبة الأمم تقرير بيل في آب 1937، فرأت أن نظام الانتداب الحاضر أصبح غير عملي بعد أن وصفته لجنة بيل بأنه قام على تصور خاطئ، ولا يمكن التوفيق بين التزامات بريطانيا نحو اليهود والتزاماتها نحو العرب، كما أوصت بإبقاء الأقاليم المقترحة تحت نظام انتدابي انتقالي إما بشكل دولتين منفصلتين، أو بشكل اتحاد مؤقت إلى أن تبرهنا على قدرتهما على حكم نفسيهما بنفسيهما.

أثناء دراسة لجنة الانتدابات المذكورة تقرير لجنة بيل تقدم إليها وفد فلسطيني مؤلف من عوني عبد الهادي، وعادل أرسلان وجمال الحسيني، عارضًا موقف الشعب الفلسطيني الذي يرفض أية صيغة تهدف إلى تقسيم فلسطين، ويدعو إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وحكومة وطنية تكون مسؤولة أمام مجلس نيابي.

في 16/9/1937 اتخذ مجلس عصبة الأمم قرارًا بتخويل بريطانيا تهيئة خطة مفصلة لتقسيم فلسطين، وأجّل بحث الاقتراح الجديد إلى حين تقديم هذه الخطة.

قوبل القرار في فلسطين بالمظاهرات وأعمال العنف. في 26 أيلول 1937 تم اغتيال القائد الإنكليزي للجليل لويس أندروز في مدينة الناصرة، فاندلعت الثورة من جديد، وبدأ الإنكليز باتخاذ إجراءات قمع وبطش لم يسبق لها مثيل في التاريخ!

وقد خلّد الشاعر الشعبي الفلسطيني موقف العرب من اللجنة الملكية بأغنية عبأها بإسطوانات في حيفا. يتوجّه نوح ابراهيم إلى جناب اللجنة الملكية التي أوفدتها الحكومة البريطانية لسماع مطالب فلسطين العربية ويقول:

يجناب اللجنة الملكيه *** خلّي عندك نظريه

بلكي تفضّي هالمشكل*** وتحلّي هالقضيه !

بالأول قاطعناكي*** حتى نحفظ شرفنا

رجعنا تعاونا معاكي *** حيث ملوكنا أمرونا

ولما نزيهة شفناكي ***عرضنالك قضيتنا

فُضّي بقى هالمشكل *** وحلليلنا هالقضيه

يا جناب اللجنة الملكية

يا ما شفنا لجان تحقيق ** وقلنا مننول المطلوب

كترت يا لورد الخوازيق*** اشتغل فينا ضرب الطوب

مشينا بقى بطريق ***حتى نوصل للمرغوب

وفضّوا بقى هالمشكل *** وحللولنا هالقضيه

يجناب اللجنة الملكية

يجناب اللجنة الملكيه ***خلّي عندك نظريه

بلكي تفضّي هالمشكل *** وتحلّي هالقضيه

يجناب اللجنة الملكية

فلسطين قضيتها *** زي الشمس مفهومه

الصهيونية اغتصبتها *** وبدّها تعمل حكومه

والعرب بدّها حقوقها *** ومطالبها المهضومه

فُضّي هالمشكل *** وحلليلنا هالقضيه

يجناب اللجنة الملكية

العرب أمّة أشراف *** بكل الدنيا معروفين

غير المولى ما بتخاف *** تفدي بروحها فلسطين

وهمي من الشرف انظاف *** ومن الشهامه خالين

فضّي بقى هالمشكل*** وحلليلنا هالقضيه

يا جناب اللجنة الملكية.

والأغنية تشير إلى أن العرب قاطعوا في البداية اللجنة الملكية البريطانية ثم تعاونوا معها بعد أن أمرهم الحكام العرب بذلك. واللورد المذكور في الأغنية هو اللورد وليام روبرت بيل رئيس اللجنة.

بعد عشرة أعوام ونيّف، في 28/11/1947 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا آخر بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية على مساحة 55%، ودولة عربية على مساحة 45% ، وبذلك تحقق وعد بلفور بقيام الوطن القومي لليهود في فلسطين.

التعليقات