07/12/2009 - 08:46

دبي وأبو ظبي: الانفجار وعدم المبالاة../ كريستوفر دايفدسون*

دبي وأبو ظبي: الانفجار وعدم المبالاة../ كريستوفر دايفدسون*
لسنوات خلت، كانت المؤسسات الكبرى التي توفّر لُحمة ما بات يُعرَف بـ«مؤسّسة دبي» أو «دبي إنك»، تعتمد على الدعم الحكومي. سمح لها ذلك بمغازلة المستثمرين من جميع أنحاء العالم. وقد لمّح مراراً حاكم الإمارة، وولي العهد منذ 2006، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إلى أنّ الجميع سيحظَون بالدعم الكامل للعائلة الحاكمة. لكن مع تركيز مجمل النشاط الاقتصادي في دبي ما بعد النفط، على صناعة العقارات، السياحة الفخمة والقطاع المالي، كان لا بد لهذه الشركات أن تفشل، لأنها اعتمدت كلّها على ضخ دائم من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والوصول السهل إلى الاعتمادات العالمية الرخيصة.

معظم الشركات المتورطة أفرطت في الاستدانة، لاعتقادها أنّها إذا «بنت العقارات وجاء الناس»، فستفي رهاناتها بالديون. يبدو واضحاً أنّ هذا لم يكن مستداماً على المدى الطويل، أو حتى المتوسط، في الوقت الذي عطل فيه الكساد العالمي وأزمة الائتمان هذا النموذج. لكن الأمر اختلط على البعض، بعدما احتاجت أزمة الائتمان إلى عام كامل كي تضرب الخليج العربي، وتكشف دبي صَدفةً فارغة، كما كانت دائماً.

في الخامس والعشرين من تشرين الثاني الماضي، أصدرت شركة «دبي وورلد» (دبي العالمية)، المثقلة بالديون، بياناً مقتضباً أعلنت فيه حاجتها إلى إعادة جدولة بعض ديونها. حصل ذلك بعدما تخلت عنها حكومة دبي والعائلة المالكة.

بعض ديون الشركة كانت بسبب شركة النخيل المسؤولة عن بناء الجزيرة الاصطناعية المضرة بالبيئة، «جزيرة النخيل»، بأجزائها الثلاثة. تزامنت هذه الأخبار مع عيد الأضحى وعطلة عيد الشكر في الولايات المتحدة، في اتّباعٍ لتقليد قديم بتمويه الأخبار الحساسة. لم يُخدع المستثمرون وترجمت المشكلة فوراً على أنّها خطأ رئيسي. أصاب الذعر الأسواق العالمية. ظهر الخوف مع بدء موجة من الأخطاء المماثلة، ليس فقط في دبي لكن في أسواق صاعدة أخرى. لكنّ الصدمة الكبرى كانت في لا مبالاة أبو ظبي، الجارة الغنية جداً التي لمّح حاكم دبي مراراً إلى أنّها ستتدخّل للمساعدة عند الحاجة.

تمتلك أبو ظبي احتياطات غاز ونفط كبيرة، وتسيطر على أكبر صناديق مالية محلية في العالم تصل إلى نحو تريليون دولار. لذلك، تستطيع أبو ظبي سداد ديون دبي كلّها بين ليلة وضحاها. لكنّ الأهم أنّها كانت تستطيع فعل ذلك في وقت مبكر، بعيداً عن الأنظار، لحفظ ماء الوجه وتجنّب الأزمة. هكذا نستنتج أنّ السياسة والتباين الشخصي هما في قلب الانهيار الدراماتيكي لدبي.

تسيطر الإمارتان معاً على فدرالية الإمارات العربية المتحدة التي تأسست بعد رحيل البريطانيين من الخليج العربي في 1971، وتنحدر عائلتاهما الحاكمتان من قبيلة بني ياس البدوية. لهذا، لم يُعطَ اهتمام كبير للمصاعب التي واجهتها دبي. فقد استنتج المستثمرون والسكان والمقيمون أنّ أبو ظبي لديها القدرة على تعويم دبي، رغم انهيار أسعار العقارات وتدهور أرقام إشغال الفنادق وإلغاء مشاريع بناء بمليارات الدولارات. وبالفعل، رغم وضوح انهيار مثال دبي للأعمال، أبقي المنتقدون بعيداً من الأنظار مع تصريحات مطمئنة من أشخاص يحتلّون مراتب عليا.

لقد جرى توهّم قرية من التآخي. فبعدما كان حاكم دبي قد صرّح بأنّه لم يخطئ في إدارته للاقتصاد، أعاد الأمل إلى المستثمرين اليائسين الشهر الماضي عندما أبلغهم أنّ ما لدبي هو لأبو ظبي، والعكس صحيح. وأخبر المندوبين المدهوشين أنّ من يعارض هذا المنطق، يجب أن يصمت. ولتأكيد رأيه، أوفد ولي عهده، الذي لا تشوبه شائبة حتى الآن، إلى المنتدى الاقتصادي العالمي ليؤكد أن كل شيء على ما يرام، وأنّ الاقتصاد بأفضل حالاته. وعندما احتاج المستثمرون إلى مزيد من الطمأنة، تلقّوا ذلك من مهندس معظم جنون العقارات في دبي، ورئيس أكبر شركاتها، «إعمار» للعقارات، إذ اعلن أنّ اقتصاد الإمارت «سينمو بمقدار 5 في المئة في 2009». لم ينخدع الجميع، لكن رغم ذلك، كان على البعض توقّع ما سيحصل.

ماذا جرى إذاً لشبح ضمانة أبو ظبي؟ لو كانت دبي متأكدة من الحصول على المساعدة، لكان هناك بالتأكيد اتفاق مسبق؟ ومع وجود دبي متفجّرة على أبوابها، ألم تكن أبو ظبي على وشك الخسارة أيضاً؟ إذ إنّ سمعة الإمارت التي بنيت بحذر من حاكم أبو ظبي السابق الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، هي على المحك اليوم. فأسعار العقارات انخفضت في أبو ظبي أيضاً، وانهارت بورصتها كما في دبي.

وربما كان الأكثر خطورة، أنّ أبو ظبي قد تواجه مسؤولية أمنية داخل الإمارات العربية المتحدة بعد شهر من انتهاء المفاوضات الشاقة لتوقيع اتفاق لتبادل التكنولوجيا النووية مع الولايات المتحدة. كان الكونغرس الأميركي متردداً في إمرار الاتفاق بسبب القرب الجغرافي بين الإمارت وإيران، لكنه طُمئن. يبقى أنّ دبي، إن لم تستطع الحصول على أموال من أي مكان، فليس من المستبعد ان تلجأ إلى أكبر شريك تجاري لها، أي إيران.

الإجابة عن هذه الأحجية موجودة في الماضي والحاضر، بعدما طفت إلى السطح المنافسة القديمة التي تنظر إلى دبي باعتبارها غير قادرة على التخلي عن استقلاليتها والعودة إلى الفدرالية. بعدما انفصلت عن إمارة أبو ظبي في 1833، واجهت دبي محاولات عدة لإعادة ضمها بسبب اتفاقيات السلام التي عقدتها مع بريطانيا. حتى في الأربعينيات، نشأ صراع مسلح بين المشيختين، بعدما التهت بريطانيا بالحرب العالمية الثانية. في 1979، بعد ثماني سنوات على تكوين الإمارات العربية المتحدة، هدّدت أزمة دستورية بفرط عقدها بعد امتعاض دبي من المركزية التي اعتمدتها أبو ظبي. اللافت أنّ دبي لم توافق على دمج قوّاتها المسلّحة في الجيش الفدرالي إلا في 1996.

في العودة إلى الحاضر، اتخذت أبو ظبي موقفاً قاسياً في هذه الكارثة على نحو غير متوقع، بعدما رأت أنّ ديون دبي السيئة هي فعلاً سيئة، ويمكن أن تصبح ثقوباً سوداء تبتلع الجميع. بالإضافة إلى ذلك، إذا تدخلت أبو ظبي اليوم، فإنّ الشكاوى التي سترفع على دبي ستنتهي عند الحكومة الفدرالية أو على مكاتب أبو ظبي عوضاً عن مكانها الصحيح، أي عند حكومة دبي. بعد تحايل الشيخ محمد، وولي عهده وأكبر ضباطه على الحقيقة لفترة طويلة، تعاني العائلة الحاكمة فقداناً كبيراً للشرعية أمام العالم، وفي أعيُن نخبة دبي المالية ومواطنيها.

حتى الآن، لا يبدو أنّ هناك إشارات إلى التواضع، بعدما قال الحاكم إنّ المستثمرين «لا يفهمون شيئاً». هل تستطيع الإمارات العربية المتحدة أن تبقى قوية بوجود هذا النوع من القيادات؟ على الأرجح، لا تظن أبو ظبي ذلك، وستشجع على التغيير. إن أعيدت دبي إلى بيت الطاعة، فستبرز فرصة مهمة، وربما ذهبية لحلم الشيخ زايد، بتحقيق فدرالية متينة ومتجانسة.
"الأخبار"

التعليقات